مغامرة … غير متوقعة!
صمتَ الشياطين، في انتظار ما يمكن أن يحدث، فكَّر «أحمد»: ماذا حدث؟ إن الوقت نهار، فكيف تُظلم السماء في هذا الوقت؟!
فجأةً همس «بو عمير» هل حدث كسوف للشمس؟
ردَّ «أحمد»: لا أظن؛ فهذا ليس وقتَه. فجأةً، أخذت أجسامٌ صغيرة تصطدم بالسيارة، كان صوت الاصطدام عنيفًا، حتى تصوَّر الشياطين أن هذه الأجسام يمكن أن تخترق السيارة. فجأةً، هتف «مصباح»: إنها أسرابٌ من الجراد، تُهاجر من مكان إلى مكان!
كان استنتاجُ «مصباح» صحيحًا؛ فبعد فترة أضاءَت السماء من جديد، فعلَّق «خالد»: إنه سِرْب ضخم جدًّا، وعندما يهبط في أيِّ بلدٍ؛ فإنه سوف يقضي على كلِّ شيء أخضر فيه. بسرعة، رفع «أحمد» سماعة التليفون، وتحدَّث إلى رقم «صفر» حول أسراب الجراد، وقال رقم «صفر»: إن مركز الأبحاث سوف يتولَّى ذلك. ومن جديد، انطلقَت السيارة بسرعة. وقال «فهد»: توقَّفنا عند «بوجوتي» فماذا عنه؟
عاد «أحمد» إلى التقرير وبدأ يقرأ، قال: «بوجوتي» كما عرفتم يبلغ الخامسة والثلاثين من العمر. كان طالبًا فاشلًا، ابن أسرة فقيرة، وقد عَمِل في أكثر من عمل، لكنه لم يكن يستمر فيه؛ لأنه كان دائمَ الخلاف مع أصحاب العمل ومع زملائه أيضًا، حاول أن يكون ممثلًا، واشترك بأدوار صغيرة في بعض الأفلام، لكنه لم يحقِّق أيَّ نجاح. فجأةً، اختفى ولم تَعُد أسرتُه تعرف عنه شيئًا، وكأن الأرض قد ابتلعَته، بحثَت عنه كثيرًا، لكنها فشلَت في العثور عليه. فجأةً مرة أخرى، وصلَت إلى أسرته رسالةٌ منه، يقول إنه في إيطاليا، وإنه يجرِّب حظَّه خارج بلده، وتوالَت خطاباتُه لأسرته، ثم بدأ يُرسل لها بعضَ الأموال، ويقول إنه بدأ يحقِّق نجاحًا في عمله. ومرَّت سنوات، ثم إذا به يعودُ فجأةً إلى أسرته، وهو يقود سيارةً فاخرة، وانقلب حالُ الأسرة؛ فقد ظهر عليها الثراء فجأة.
«بوجوتي» أيضًا هو الابن الرابع في الأسرة، التي يبلغ عددُها ثمانيةَ أفراد، كان أخوه الأكبر «جراتز» يعمل في إحدى ورش السيارات؛ فطلب منه «بوجوتي» أن يترك عمله، وأن ينضمَّ إليه ليساعدَه. لم يكن أحدٌ يعرف ماذا يعمل. ولا كيف أصبح ثريًّا. لكنْ أخوه الأكبر اكتشف نوعَ العمل الذي يقوم به «بوجوتي» بعد فترة. لكنه لم يستطع التراجع؛ فقد أصبح مدمنًا للمخدرات … نفس المخدرات التي يتاجر فيها شقيقُه الأصغر «بوجوتي».
توقَّف «أحمد» عن القراءة لحظةً، ثم قال: أي جريمة يرتكبها الأخ ضد أخيه، لقد أراد «بوجوتي» أن يكون ثريًّا، فأوقع أخاه في الهلاك!
تساءل «فهد»: مسألةٌ لافتة للنظر، إن تاجر المخدرات لا يتعاطى المخدرات!
ردَّ «أحمد»: هذه مسألة طبيعية؛ لأنه لو تعاطاها، فسوف يُدمنها. وإذا أدمنها فسوف يفقد وعيَه، فكيف يصبح تاجرًا، وكيف يجمع الملايين؟ وكيف يحفر حفرة سوداء ليقع فيها الناس وينجو هو بنفسه؟!
علَّق «مصباح»: لهذا لم يتعاطَ «بوجوتي» المخدرات!
قال «خالد»: فلنسمع قصة حياة هذا المجرم الخطير.
عاد «أحمد» إلى القراءة من التقرير الذي أمامه. في الوقت الذي كانت فيه السيارة منطلقةً بسرعة في طريقها إلى المطار الذي سوف تبدأ منه الرحلة إلى «كولومبيا»، وحيث يختفي «بوجوتي».
قرأ «أحمد»: لم تتوقف خطورة «بوجوتي» عند استخدامه لأخيه؛ فقد فتح «جراتز» الطريقَ أمام بقية الإخوة، حتى البنات أيضًا. لقد أصبحَت أسرة «بوجوتي» عصابةً من عصابات المافيا. توقَّف «أحمد» لحظة، وقال: مسألة غريبة، أن تضيعَ أسرة بأكملها!
تساءل «فهد»: وماذا عن والد «بوجوتي»؟!
عاد «أحمد» إلى التقرير، وواصل القراءة، فجأة، اكتشف «جراف»، وهذا اسمُ والدِ «بوجوتي»، أن ابنَه مجرمٌ خطير وأنه يتاجر في السموم التي تقتل الناس، حاول في البداية أن يُعيدَ «بوجوتي» إلى صوابه، لكنه لم يستمع لكلام أبيه. وذات صباح اختفى «جراف» من البيت، ومن المدينة تمامًا. ولم يُعرَف عنه أيُّ شيء بعدها. لا هو ولا زوجته؛ فقد رفضَا الحياة مع هذه الأسرة التي انهارَت تمامًا.
توقَّف «أحمد» عن القراءة لحظة؛ فقال «بو عمير»: إنها مسألة حقيقية، وهذه نتيجة طبيعية لمن يُخالف رغبةَ والدَيه.
سأل «خالد»: هل تم القبض على بقية الأسرة؟
عاد «أحمد» إلى التقرير، ثم قرأ: استطاع البوليس «الكولومبي» أن يقبضَ على أسرة «بوجوتي» كلِّها، وهي الآن تعيش في السجن، ولكن «بوجوتي» هو الوحيد الذي هرب!
قال «فهد»: إذن هناك مَن يعرف مكانه!
نظر له «أحمد»، وسأل: ماذا تقصد؟
أجاب «فهد»: أقصد ربما أحد من إخوته يعرف مكانه؛ فمن الضروري أن تكون ﻟ «بوجوتي» أماكنُ سريةٌ لا يعرفها أحدٌ إلا بعض إخوته!
استغرق «أحمد» في التفكير، بينما قال «مصباح»: ربما يكون قد اختفى في مكان لا يعرف مكانَه أحدٌ حتى إخوته، ربما اختفى في إحدى الغابات مثلًا!
ردَّ «فهد»: إنه مجردُ افتراض، ونحن نعمل بنظرية الاحتمالات، فمن يدري، قد يكون هذا أحد الاحتمالات!
فجأة قال «أحمد»: إنه احتمال جيد، وينبغي أن نضعَه في خُطَّتنا، فمَن يدري، قد يكون أحد إخوته يعرف مكانًا سريًّا يختبئ فيه، ومن الضروري أن يكون لمثل هذا المجرم الخطير أماكنُ سريةٌ عديدة.
كانت السيارة قد اقتربَت من المطار، الذي كان يلوح من بعيد. طوَى «أحمد» أوراقَ التقرير وأخذ الآخرون يستعدُّون. مرَّت دقائق، ووصلَت السيارة إلى المطار. غادروها بسرعة، ثم اتجهوا إلى المطار.
كان «أحمد» لا يزال مستغرقًا في التفكير؛ فقد شغله اقتراحُ «فهد»، وكان يرى أنه اقتراحٌ جيد، اتجهوا إلى داخل المطار، وكعادة «أحمد» اتجه مباشرة إلى حيث تُباع الكتب والجرائد، فأخذ جرائد اليوم، وانتقى أحدَ الكتب التي تبحث عن المخدرات، وكان الكتاب يحمل اسمَ «حرب المخدرات».
في نفس الوقت كان «بو عمير» يُنهي إجراءاتِ السفر، وجلسوا في انتظار دعوة المسافرين إلى الطائرة. كانت وِجْهتُهم أن يهبطوا في «روما»، وهي أول محطة، ثم «أمريكا». ومن هناك إلى «كولومبيا»؛ لم تمرَّ دقائق حتى جاء صوتُ مذيعة المطار يدعو الركاب المسافرين إلى «أمريكا». فأخذوا طريقَهم إلى الطائرة. كان كلٌّ من الشياطين يبحث عن طريقةٍ للوصول إلى «بوجوتي»؛ فإن رقم «صفر» لم يَقُل أكثرَ من أن «بوجوتي» لا يزال في «كولومبيا». وكان عليهم أن يستنتجوا أين يمكن أن يختفيَ مجرمُ المخدرات الخطير. استقرَّ كلٌّ منهم في مقعده، وكانوا متباعدين، فمَن يدري … قد يكون رفيقُ السفر خيطًا إلى هدفهم.
استقر «أحمد» في مؤخرة الطائرة؛ حتى يرى جميعَ ركابها، وما إن أقلعت الطائرة حتى أخذ يتصفَّح جرائد اليوم. اهتمَّ بانعقاد مؤتمر «عدم الانحياز» في «يوغسلافيا»، وأخذ يقرأ تفاصيل وقائع المؤتمر، ثم بدأ يبحث عن الأخبار العالمية ووجد ما يبحث عنه: تحقيق كبير على صفحتين، يتحدث عن «حرب المخدرات»، وكيف بدأت، والجرائم التي ترتكبها عصاباتُ المافيا. أخذ يقرأ بنَهمٍ، واستوقفَته دعوةُ «أمريكا» إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة قضية المخدرات.
كان ركاب الطائرة كلٌّ منهم قد استغرق في قراءة شيء. ألقَى «أحمد» نظرةً على الطائرة، لم تكن هناك أيةُ حركة، عاد من جديد إلى جرائد اليوم واستغرق في القراءة.
لكن فجأةً، سَمِع صوتًا حادًّا يقول: انبطحوا أرضًا!
رفع «أحمد» بصرَه من على الجريدة بسرعة، فرأى شابَّين ملثَّمَين، يحمل كلٌّ منهما مسدسًا، يصوِّبه إلى الركاب. في حين اختفَت رءوسُ الركاب جميعًا، وبدَت سِيقانهم على الأرض. صرخ أحدهما، وهو ينظر في اتجاه «أحمد»: انبطِحْ!
نظر له «أحمد» نظرةً سريعة، ثم انبطحَ على الأرض، وكان يفكر بسرعة: تُرى مَن يكونان هذين الشابَّين؟ وماذا يريدان؟
فجأة، قال أحدهما: إن طاقمَ الطائرة تحت أيدينا، وإذا لم تُنفَّذْ تعليماتُنا، فسوف نقضي على الركاب واحدًا واحدًا.
فكَّر «أحمد» لحظةً أمام هذه الكلمات، واستعاد صوتَ الشاب في سمْعه؛ كان الصوتُ حادًّا قويًّا، فقال «أحمد» في نفسه: إنه واثق من نفسه، وهذا يعني أن الموقف صعب.
فكَّر بعد لحظة، هل من الأفضل أن أدخل معهما في حوار؟
انتظر، ثم أرسل إلى الشياطين يقول: هل هناك فرصة في الاشتباك معهما؟
مرَّت لحظات، ثم جاءه ردُّ «فهد»: إن أحدهما قريبٌ مني تمامًا، وأستطيع بحركة واحدة، أن أُوقِعَ به، لكن المسألة إذا كان في كابينة الطائرة آخر، فإنه يستطيع أن يفعل أيَّ شيء، ونكون قد عرَّضنا الطائرة وركَّابها للخطر.
أرسل «أحمد» رسالةً أخرى: أفكِّر في الحوار معه …
جاء الردُّ من «بو عمير»: من الضروري أن نعرف ماذا يريدان؟
مرَّت دقائق ثم قال صاحب الصوت الحاد: سوف نتَّجه بالطائرة إلى باريس، وهناك سوف نُعلن مطالبنا.
ارتفع صوتُ بكاء أحد الأطفال ثم علَا صراخُ سيدة، غير أن صاحب الصوت الحاد صرخ بقوة: لا أريد صوتًا، وإلا فسوف أقضي على صاحب الصوت.
صمتَت السيدة، وجاء صوتُ الطفل مكتومًا. فكر «أحمد»: ماذا يمكن أن نفعل الآن؟ إن هذه كارثة لم نكن نتوقعها …
فجأةً تردَّد صوتُ طلقة عند مقدمة الطائرة. امتلأ وجهُ «أحمد» بالدهشة؛ فهذا يعني أن هناك أحدًا فعلًا في المقدمة، وأن طاقم الطائرة يتعرَّض للخطر، ويمكن أن تنتهيَ الطائرة بركَّابها. وتردَّد في خاطره سؤالٌ: ما العمل؟