الطلقة المخدرة، انتهى الموقف!
كانت هناك اتصالات قد دارَت بين قائد الطائرة وسلطات المطار. عندما وصل «أحمد» قدَّم له قائدُ الطائرة سماعةَ التليفون وهو يقول: إنهم يطلبونك.
أخذ «أحمد» السماعة واستمع للطرف الآخر الذي قال: إن السلطات الكولومبية رفضَت التدخُّل، وتركَت لنا مسئولية التصرُّف. وهذا يعني أننا أمام موقف صعب، فهل تستطيعون التدخل؟
ردَّ «أحمد» نستطيع، فقط اكسبوا بعض الوقت حتى نجهِّز أنفسَنا ونُعيد الاتصال بكم.
ثم وضع السماعة وأسرع إلى الشياطين. شرح لهم الموقف، فقال «فهد»: إنها مغامرة صعبة بالتأكيد.
قال «خالد»: مع ذلك، فلا بد من جهودنا.
صمت لحظة ثم أضاف: إننا نحتاج إلى تحديد مكان الطائرة، واتجاهاتها، والمسافة بيننا وبينها؛ حتى يمكنَ أن نتصرَّفَ التصرُّفَ الصحيح!
أضاف «بو عمير»: أيضًا، ينبغي أن نمنع الاتصالات بين الطائرة الأخرى، وأجهزة المطار؛ فإن ذلك سوف يجعلهم يقفون في حيرة!
وقال «مصباح»: في نفس اللحظة نستطيع أن نغطِّيَ الطائرة بستار من الدخان يحجب الرؤية عنهم، ونتقدَّم إلى الطائرة بسرعة لندخلَها من باب النقل عند مؤخرة الطائرة!
قال «أحمد»: إذن نرسم خُطةَ تحرُّكِنا، في نفس الوقت يقوم رجالُ أمنِ طائرتنا بحراسة هؤلاء الملثَّمين.
انتظر لحظة ثم أضاف: هذه المغامرة لا ينبغي أن تستغرق أكثر من ربع ساعة، وإلا، فإن طول الوقت سوف يجعلهم يتصرفون … وربما …
ثم سكت، فقال «خالد»: ربما يلجئون إلى نَسْف الطائرة، وهذه كارثة.
أضاف «بو عمير»: أو يغادرون المطار، وقد يكون الوقودُ غيرَ كافٍ!
فجأةً، تعالَت أصواتٌ في الطائرة من الركاب، وتردَّد بينهم صوتُ قائد الطائرة يطلب «أحمد» الذي نظر إلى الشياطين، وقال: استعدوا.
أسرع إلى الكابينة، ولم تُوقفه أصواتُ الركاب؛ فقد دخلت المسألة في لحظة حرجة. في الكابينة كان هناك اتصالٌ من مسئولي المطار.
قال: إنهم يطلبون تموينَ الطائرة بالوقود، وأظنُّ أن هذه فرصتكم، إذا كنتم تريدون عملَ شيء!
ردَّ «أحمد»: أفهم، وسوف نكون نحن عمال تموين الطائرة.
وضع السماعة ونظر إلى الكابتن قائلًا: يجب أن يقوم رجالُ أمن الطائرة بحراسة المقبوض عليهم. فأمامنا مهمةٌ صعبة!
تحرَّك القائد، وأسرع خلفه رجالُ الأمن، ليقوموا بعملهم. في نفس الوقت … كان «أحمد» يتحدث إلى الشياطين بلُغَتِهم التي لا يفهمها غيرُهم، وشرح لهم كيفيةَ مغادرة الطائرة، وتجهيز كُرات الدخان؛ لأنها سوف تكون عملية خاطفة. طلب من قائد الطائرة أن يأمر بفتح الباب الخلفي للطائرة، فأصدر أوامره، في نفس اللحظة، كان الشياطين يغادرون الطائرة من بابها الخلفي.
أسرع «خالد» وألقى عدة كُرات من الدخان، صنعَت ساترًا مستقيمًا حتى باب دخول المطار. وفي سرعة البرق، كان الشياطين يقفزون بسرعة داخل ستار الدخان إلى حيث الباب، وهناك كان أحد المسئولين يقف مندهشًا مما رأى. قدَّم «أحمد» نفسَه بسرعة، ثم قال: أين عربة تموين الطائرة؟!
قال القائد: سوف تَصِل بعد دقائق.
ثم سأل: ما هذا الذي حدث!
ابتسم «أحمد»، وقال: هذه أسرارُنا، ونرجو أن نَصِل إلى نتيجة طيبة!
وصلَت السيارة، وغادرها العمال، فأخذ الشياطين ملابسَهم، ثم لبسوها، وقال «أحمد» يخاطب قائد المطار: اتَّصل بهم، وأخبرهم أن سيارة تموين الوقود في طريقها إليهم!
في نفس الوقت أسرع الشياطين إلى سيارة الوقود وركبوها. جلس «فهد» إلى عجلة القيادة وبجواره «أحمد»، بينما اعتلى «خالد» و«بو عمير» و«مصباح» ظهْرَها، أخذت السيارةُ طريقَها إلى حيث تقف الطائرة. كان المطار في حالة صمت كاملة، وكأنَّ الحياة قد توقَّفَت فيه. في نفس الوقت كان الشياطين يعرفون أهميةَ ما يقومون به وخطورته؛ فأي خطأ سوف يكون فيه نهاية الطائرة وركابها.
وربما طائرات أخرى من المطار. اقتربَت السيارة أكثر وبدأت تدور حول الطائرة لتصل إلى مؤخرتها، فهذه منطقة لا يمكن رؤية مَن يقف فيها. قفز «خالد» و«بو عمير» و«مصباح» و«أحمد»، واستمر «فهد»، فدار حتى وقف تحت أحد الأجنحة ليبدأ تموين الطائرة … أسرع «خالد»، ووجَّه جهازًا صغيرًا إلى باب الطائرة الخلفي؛ فانفتح. تسلَّل الأربعة في هدوء وحذر. كان «أحمد» يتقدَّمهم. عندما وصل إلى داخل الطائرة ألقَى نظرة سريعة عليها. لم يكن أحد يظهر من الركاب، ولم يكن يظهر سوى شخص ملثَّم يقف عند نهاية الطائرة، فعرف أنه أحدهم. كان «أحمد» يقف ملتصقًا بجوار الطائرة حتى لا يظهر، وخلفه كان بقية الشياطين قد جلسوا على الأرض. فكر لحظة: كيف يمكن الوصول إلى هذا الملثم، إنه الآن مفتاح العملية كلها. فجأة كانت يد «خالد» تمتد إلى ساقه … ثم أخذ يضغط عليها ضغطات فَهِمها «أحمد». كان «خالد» يتحدث إليه بلغة اللمس. كان يسأل: ما الموقف الآن أمامك؟
مدَّ «أحمد» يده، فرفع «خالد» يدَه إليه، وبطريقة اللمس أيضًا تحدَّث «أحمد» وشرح له ما يرى.
فقال «خالد»: إن طلقة مخدرة يمكن أن تُعطيَنا الفرصة؛ فنحن لا نحتاج إلى أكثر من دقيقة واحدة. بسرعة نفَّذ «أحمد» اقتراح «خالد»؛ وضع طلقة مخدرة في مسدسه، وبهدوء رفعَه، ثم أحكم التنشين. وضغط زنادَ المسدس؛ انطلقت الطلقة في طريقها إلى الرجل الملثم؛ فأصابت صدره، مرَّت دقيقة وبدأ الرجل يهرش في مكان الطلقة، فعرف «أحمد» أن مفعولها قد بدأ، مرَّت دقيقة أخرى، ثم أخذ الرجل يتثاءب، ثم دعك عينَيه.
دقَّ «أحمد» بقدَمِه دقةً هادئة، فأسرع «خالد» في طُرقةِ الطائرة إلى حيث يقف الملثم، الذي كان يتهاوَى في نفس اللحظة إلى الأرض. تلقَّاه «خالد» بين ذراعَيه، سرَت همهمةٌ بين مقاعد الطائرة، فأسرع «خالد» بالملثم إلى أقرب المقاعد الخالية. وعندما وضعَه فيه؛ ظهر ملثَّم آخر على الباب. وقبل أن يستوعب ما حدَث، كان «خالد» قد وجَّه له ضربة مستقيمة فأصابَته، فانحنى من الألم، ثم ضربه ضربةً قوية أخرى، فسقط على الأرض. في نفس اللحظة، كان الشياطين قد تحرَّكوا، وحملوا الآخر وأجلسوه في مقعد آخر، ونزعوا عنه لثامَه. أسرع «بو عمير» وأحضر بطانية من دولاب الطائرة ثم غطَّاه بها. بينما «خالد» كان قد خلع لثام الرجل الأول، ووضعه على عينيه. وهو يُشير إلى ركاب الطائرة بالصمت.
كان الركاب ينظرون إلى ما يحدث في دهشة، وفهموا أن هؤلاء جاءوا لإنقاذهم، فلم يرتفع صوت.
فجأة، ظهَر شخص ثالث من الملثمين، وهو يقول: إن الاتصال بالمطار أصبح صعبًا، لكننا سوف نرحل عندما يتمُّ تموين الطائرة.
كان يظن أن الواقف أمامه هو أحد زميليه، فقال: أين «سالنس»؟
وفي لحظة، كانت يدُ «خالد» قد أخذَت طريقَها إليه بضربة قوية؛ فصرخ، إلا أن «بو عمير» القريب منه قفز فوقه بسرعة، وكمَّم فمَه. كان بقية الشياطين يجلسون وهم يراقبون ما يحدث، ولم تكن المساحة التي تجري فيها الأحداث تكفي لأن يتحرك الجميع. تحرَّك «أحمد» بسرعة؛ فقد خشيَ أن ينكشف الموقف، أو أن يظهرَ شخصٌ آخر من بين خاطفي الطائرة، فوقف بين الدرجة الأولى والثانية، ثم ألقى نظرة سريعة على كابينة القيادة، كان هناك واحد فقط يُمسك مسدسًا، ويقف خلف طاقم الطائرة. كان ظهره في اتجاه «أحمد». فكر لحظة: هل يفاجئه من الخلف؟ لكن الرجل يمكنُ أن يضغط زناد مسدسه فجأةً فيُصيب قائد الطائرة أو أحد طاقمها. ألقى نظرة إلى مجموعة الشياطين التي كانت تقف في انتظار أية إشارة … رفع «أحمد» يدَه، ثم رسم عدة خطوط في الهواء. في نفس اللحظة تحدَّث الرجل قائلًا: هل عاد «سالنس»، لقد تأخَّر تموين الطائرة؟!
لكن أحدًا لم يردَّ عليه. مرَّت لحظة، ثم نادى بصوت مرتفع: «جريكو»، إنني لا أسمع صوت أحدكم!
مرة أخرى، لم يأتِه صوتُ أحد. قال لقائد الطائرة: افتح الميكروفون، واستدعِ «جريكو»، أو «سالنس»!
فتح القائد ميكروفون الطائرة، ثم نادى «جريكو»، أو «سالنس»، لكن أحدًا لم يَصِل. في نفس الوقت كان «أحمد» قد اقترب تمامًا. وقعَت عيناه على عينَي قائد الطائرة، وخشيَ أن يكشفَه أيُّ تعبير على وجهه. أشار «أحمد» إليه برأسه أن يتحدث إلى الرجل حتى يصرفَ تفكيرَه عن أيِّ تصرُّف. قال القائد: إلى أين سنتَّجه بالطائرة؟
لم يردَّ الرجل مباشرة، لكنه قال بعد قليل: سوف تعرف عندما نُصبح في الجو.
في نفس اللحظة، كان «أحمد» قد رفع يدَه ثم هبط بها بقوة فوق يد الرجل، كانت الحركة مفاجئة، فسقط المسدس على الأرض، ولم يستطع الرجل الحركة؛ فقد فاجأه هجوم «أحمد» الذي ضربَه ضربةً خُطافية جعلَته يصطدم بجانب الكابينة. في نفس الوقت كان قائد الطائرة قد التقط المسدس، وصوَّبه إليه. كان الرجل يقف ملتصقًا بجانب الكابينة، بينما عيناه تظهر فيهما الدهشة، فلم يكن يتوقَّع أيَّ شيء. نادى «أحمد» «مصباح» و«بو عمير» … اللذَين ظهرَا بسرعة. وأمسكَا بالرجل.
قال «أحمد» لقائد الطائرة: يجب أن نتحدث إلى سلطات المطار!
ناوله الكابتن السماعة، فتحدَّث إلى قائد المطار، وأخبره أن المهمة قد انتهت.
صرخ القائد: إنني لا أُصدِّق!
ردَّ «أحمد» مبتسمًا: تستطيع أن تصعد لتتسلَّم الرهائن!
وفي دقائق، كان قائد المطار يتسلَّم الرجال الأربعة، وهو يشدُّ على يد «أحمد» مهنِّئًا. في نفس الوقت، كان ركاب الطائرة الأولى يغادرونها، بينما أخذ الشياطين طريقَهم إلى طائرتهم التي تزوَّدَت بالوقود. بعد أن تسلَّمَت السلطات مجموعةَ الخطف، وعندما انطلقَت الطائرة إلى الفضاء، كان كلُّ مَن بالمطار يرفع يدَيه بالتحية لهم.
قال «خالد»: مغامرة لم تكن في خُطتنا.
وضحك الشياطين، وهم يجهِّزون أنفسهم لمغامرتهم الأصلية في «كولومبيا».