القسم الأول
عادة يكون حصاد الإهمال الذي يعانيه تراثنا الشعبي الفولكلوري العربي عامة، هو أن تجني أجيالنا المتعاصرة من دارسين وباحثين الأشلاءَ من ذرى وعيون نصوص إرثنا هذا من السير والملاحم العربية.
من ذلك ما يمكن أن يصادفه باحث اليوم في حقل السير والملاحم العربية كظاهرة حول كم أو حجم التهافت الذي اعترى الكثير من النصوص والمفضي إلى التآكل الذي لا بد وأن ينتهي بالاندثار.
ونسوق عبر هذا الباب بضعة نماذج وأمثلة من بقايا أشلاء لنصوص، أفضى عدم الاهتمام بها إلى زوايا النسيان والاندثار.
أهم هذه النصوص بالطبع: ملحمة جلجاميش العراقية أعرق ملاحم العالم القديم، التي ظلت ماثلة متواترة التواجد إلى حد ذكرها باسمها العربي «قلقامش» لدى الدارسين الكلاسيكيين العرب حتى مطلع العصور الوسطى، إلى أن خَفَتَ تواجدُها ذاك مع توالي العصور، فلم يعد إليها الاعتبار سوى اكتشاف نصوصها الحفرية من جانب الأركيولجيين الغربيين منذ مطلع قرننا الحالي.
ومن ذلك ملحمة طرد الهكسوس التي أنشدها المصريون منذ ٣٥ قرنًا، وعثر على بعض متفرقات نصوصها، تدرس لطلبة المدارس على ألواح الطين والأرتواز والآجر.
ولعلنا نكتفي بإيراد بضعة نماذج متفردة لأشلاء نصوص لسير وملاحم نتعارف عليها بالمندثرة، نجري تحقيق عناصرها وموضوعاتها أو موتيفاتها؛ منها: سيرة عن يعرب بن قحطان — أول من تكلم العربية — والضحاك الحميري، التي تحكي وتؤرخ لكيانات الخليج العربي الغابرة، وعبيد الغالبة والملك معروف ووزيره البين وابنه الشاطر حجازي، عبر صفحات هذا الباب.
(١) الملك معروف
بالادا أو باليانا — كما يطلق عليها داخل رقعة الفولكلور الروسي — أي قصة يتعاقب فيها الشعر والنثر، باسم «الملك معروف» تتناول حياة ملك طوباوي، أو اشتراكي خيالي، من اسمه تواترت تعبيرات المعروف وإتيانه.
لكني أُرجِّح أنها سيرة متآكلة، أو مندثرة أو مهملة، ضاع جسمها الأكبر وتلاشى في النسيان من الذاكرة الفولكلورية، بل وما أكثر ما ضاع واندثر من هذه الذاكرة الجمعية العربية من آلاف مؤلفة من النصوص.
ذلك أني حاولت — بالقدر المتاح — تعقبَها وجمع مأثوراتها سواء في ثنايا الحكايات الفولكلورية، خاصة شقها الخرافي، أو المَوَّال الشعري الأحمر، ذو الصبغة الجنائزية، حين يستشهد بفضائل ذلك الملك معروف ومدى عطائه لشعبه وأمته، وينسب له هذا المأثور الشعري:
وما أروح المأثورات الشعرية المنسوبة لعبيد الغالبة، وهو يهجو من اضطلع بصباغه أو تغيير لونه في دن من دنان النيلة:
ولا بأس طبعًا من إيراد هذين النصين الشفهيين الفولكلوريين، الملك معروف ووزيره البين وابنه الشاطر حجازي و«عبيد الغالبة» كما جمعتها وحققتهما بالقدر المتاح من أفواه الناس.
الملك معروف ووزيره البين وابنه الشاطر حجازي
كان هناك ملك اسمه الملك معروف، والمعروف سيد الأحكام، ووزيره البين وللملك خلف ولد اسمه حجازي، الملك أحضر الوزير قائلًا: حلمت أني سأنتقل من دار الدنيا لدار الآخرة، الوزير قال: حجازي حبة عيني يا ملك.
ولما الملك معروف مات، الوزير حلم بأن لن يقتله إلا حجازي ابن الملك، فأرسل له ٧ عسكري وقاللو: قوم يا شاطر كلم الملك.
ولما ذهب حجازي أدخله البين السجن، وأذن للسجان بأنه لا يدخل له سوى قرصة شعير في اليوم الواحد.
ولما دخل حجازي السجن غنى وقال:
السجان قال: اخرس يا ولد … اسكت ما تتكلم خالص. قال حجازي للسجان: إيه يعني البين دا … أنا لا أسأل عنك ولا عنه … قاللو: حاقول للملك البين.
قال للملك، الملك طلب حجازي وسأله بتقول هكذا … غنى حجازي وقال:
البين قال لحجازي:
حجازي قاللو:
بنت البين سمعت الكلام ثقبت ثقب في سطح الزنزانة وقالت له: إذا طلعتك يا شاطر حجازي تتزوجني؟
قاللها: إذا طلعتيني في حبة عيني من جوه …
بالليل فتحت الباب … طلع حجازي ومشي أرض الله لخلق الله، ثم أعطته سيف أبيها «المحجب» الذي لا يقتل إلا به.
في أول الجبل … خدل حجازي من النعاس ورقد نام وحلم بخاله …
خاله قال له: أروح لابن اختي أشوف أحواله، وهو ماشي لقى اللي راقد.
قال: مين اللي راقد؟ قام حجازي وغنى وقال:
قاللو الملك: من أنت؟
قاللو: حجازي.
قاللو: طيب ما أنا خالك، غنى حجازي وقال:
خاله قاللو: عاود تاني مملكتك روح.
ولما عاود الواد … مسكوه عسكر البين في أول الجبل.
خاله راح قوم قوة وجيش وسافر إليه.
وصل … والبين حاطه على المشنقة وحجازي يغني عاليا:
وجاءت عسكر خاله، قام القتل والقتال، وأنزلوه من على المشنقة … نزل طلع يجري على السيف اللي دافنه وركب الحصان، وقال للبين: انزل قابل.
البين قاللو: أترك لك المملكة … أبقى وزير تحت إيدك.
قاللو: لا، يا بني أنا حاموت … قاللو: موت!
ركب قبال البين … رمح والتاني موته، ومسكه حرقه ودراه … وكل من جالو نسمة هوا يقول:
بنت البين قالتلو: تعالى اتجوزني زي ما عاهدتني يا شاطر حجازي.
قال لها: لا … إذا كنتي قبلتي الولد على أبوكي … حاتقبليه علي آني … حل موتك … وموتها، ودَرَّاها في الهوا مثل أبيها …
ودور منادي يقول: اللي ولدت من أربع سنين تجيبه … تجيب المولود هنا … ونده للمزينين: دوروا التختين في الأذرع اليمين، وكان هو أول من بدع التختين وكلهم بكوا … عيطوا بعد التختين، وهو حط إيده على فمه وقال يا ليل … كل العيال سمعت غناه الجميل سكتت واستمعت.
وبالطبع تستطرد هذه السيرة الملحمية التي يتعاقب فيها الشعر والنثر، محدثة عن مخاطر الشاطر حجازي في ربوع اليمن الغابر، ووادي بهيج تدعوه السيرة بوادي النعم، تحكمه ابنة الملك النعمان، عبلة.
(٢) عبيد الغالبة
أما السيرة الشعبية المماثلة للملك معروف وذريته، فهي تحكي عن «عبيد الغالبة» كان ملك سخي وكريم، كل ما يرسي عليه ضيوف يقدم لهم كل ما يمتلكه، فلم يترك الجود عنده حاجة أبدًا، غير ناقة واحدة … وكان الشعرا متعودين يزورونه من الحُول للحُول، في هذه السنة لم يجد حاجة يقدمها لهم فذبح لهم الناقة الوحيدة اللي حيلتُهْ واباتهم في المكان اللي بينام فيه، وقال لهم: «بكره الصبح اللي يصب لكم على إديكم، يكون من نصيبكم.»
عبيد الغالبة. قاللهم: «روحوا لملك العون وقولولو، عبدنا حايحل الحذر.»
رجع الشعرا قالوا للملك العون، فالعون طلبه، وهو حل الحذر وقال قدام العون: «الجودة من العود.»
العون عرفه فاشتراه من الشعرا، ودفع ديته وخده دخلو الحمام، ولبسوا لبس ملوك، وقاللو: «تعالا يا ابن أخي»، وعرفه.
عبيد الغالبة قاللو:
وساب خاله وطلع جَرْي، نزل أرض الشام. لقى خيمة منصوبة في الجبل، طلع له منها شيخ عرب وسأله: «انت من عبيد مين؟» قاللو: «من عبيد الغالبة» شيخ العرب سأله: «الغالبة ترك من يورثه؟» قاللو: أنا الغالبة، ولما العربي عرفه، قاللو: «كل المال والغنايم والعبيد دي ورثتك من أهلك»، وأعطاه الرزق، والغالبة ساق السعي والأموال ومشى في الجبل.
وكان عبيد الغالبة متجوز اتنين ستات، أول ست رِسِي عليها بماله وسعيه، أول ما قالولها: «عبيد الغالبة جه»، طلعت طردت الثروة والسعي بعامود البيت، وتقول: «أنا ماعرفش عبيد وأمور عبيد»، وطردتهم.
ولما حرد ورسي على امراته الثانية، وقالو لها: «عبيد الغالبة جه» طلعت بمقشتها تدخل في السعي والعبيد، وتقول: «يا مرحب يا مرحب»، وعملتلهم الغدا وأكرمتهم، فعبيد الغالبة غنى وقال قصيد مستطرد، نكتفي منه بإيراد هذا المقطع:
وعاد عبيد الغالبة فطلق امرأتَه الرديئة، وأعطى كل ماله وثروته وعبيده لامرأته التانية الكريمة السخية.
(٣) يعرب بن قحطان، أول من تكلم العربية
سيرة ملحمية تؤرخ لهجرات مبكرة يتضح مدى معاصرتها للبابليين فيما بين الرافدين ترد على النحو التالي:
«وعلى هذا صار يعرب ومن تبعه من بني قحطان وبني عامر ومن خف فساروا في جمع عظيم، ومعهم وجوه أهل بابل، وكان يعرب وسيمًا كريمًا، أفضل غلام ببابل.»
خرج يعرب بقومه من العرب والعرب المستعربة من أرض بابل متجهًا إلى «أرض الميعاد» تسبقه رائحة المسك إلى أن نزل أرض اليمن.
فيبدو أنها هجرة سامية، تؤرخ لها هذه السيرة التي يسوقها عبيد بن شرية الجرهمي ووهب بن منبه في مؤلفه عن ملوك حمير، أو ملوك القحطانيين بالجنوب العربي.
نزل يعرب بقومه إلى جوار أبناء حام أو الحاميين، «فشاجره بنو حام كما كانوا قد فعلوا ببني يافث، فرجعوا إلى يعرب وبني عامر الذين معه، فقاتلهم قتالًا شديدًا فهزمهم يعرب ونفاهم إلى غربي الأرض فأتاه بنو يافث مذعنين، فأمرهم بالإقامة ورفع عنهم الجور الذي كانوا يؤدونه إلى بني حام، وعمر يعرب أرض اليمن وغرس الأشجار، وينسب له أنه كان أول من قال الشعر ووَزَنَه، وذهب في جميع الأعاريض ومدح ووصف وقص وشبب، فتعلم منه إخوته وبنو عمه حتى وصل الأمر المتعربين أو المستعربين ببابل، وهم قبائل: عاد وثمود وطسم وعملاق ورائش، فاستطابوا الشعر فخفف على ألسنتهم.
ويبدو أن حروبًا طويلة طاحنة نشبت بين قبائل عاد المستعربة وقبائل قحطان بن يعرب، كما يبدو أن قبائل عاد هذه كانت طويلة الأجساد ذوات بأس أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ — أي ذات الأصلاب الطوال — الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. فعندما نشبت الحرب بينهما قال يعرب: يا بني قحطان إن كان أعطى الله عادًا أعظم الأجساد فقد أعطاكم الصبر والجلد، فقاتِلوهم، وما أن التقيا الجيشان في موضع بأرض اليمن، يُقال له بارق حتى هزمهم يعرب وقتلهم مقتلة عظيمة.»
وبعد ذلك أنزلت على يعرب اللغة العربية في «تسعة وعشرين حرفًا» ولذلك علا اللسان العربي على جميع الألسن؛ لأن كل لسان من الألسُن الأخرى — مثل العبراني والسرياني — إنما هو اثنان وعشرون حرفًا.
وفي رواية أخرى أن اللغة العربية أنزلت — بحسب هذه التفسيرات الغيبية — على عاد وصيل ابني عوص، فهُما أول من تكلم بالعربية بالإضافة إلى قبائل جديس وثمود ابني جاثر بن إرم بن سام، وعمليق وطسم، فيقال إنهم افترقوا على اثنين وسبعين لسانًا، يختص بنو سام منها باثنين وثلاثين لسانًا، والباقي لبني حام وبني يافث.
كما أنزل الله على هود وقحطان ابنه صحيفةً أمره فيها بالحج إلى بيت الله الحرام، وذلك قبل بناء الكعبة التي ينسب بناؤها لإبراهيم وابنه إسماعيل «ولحق بهم بمكة يعرب بن قحطان، والبيت مهدوم، فإذا مر بوضع الحجر الأسود، وهو مدفون أومأ إليه واستسلم وقضى حجه.»
والغريب أن الرواة والأخباريين العرب ظلوا حافظين على ما كانته الكعبة قبل بنائها.
وفي حديث عبيد بن شريه الجرهمي إلى معاوية بن أبي سفيان، وصفٌ لنزول قبائل جرهم البائدة إلى أرض الحرم بعد أن طردهم الحميريون من اليمن، وكان يسكن مكة يومئذ العماليقُ أو العمالقة، وكان موضع الحرم كثير الشجر ممتنعًا أن ينزل فيه لكثرة شجره … فأمروا بالشجر فقطع، ونزلت جرهم.
وعندما سأل معاوية محدثه عبيد الجرهمي: وهل كانوا يعلمون أنه حرم؟ قال عبيد: نعم يا أمير المؤمنين. سأل معاوية: فكيف قطعوا شجره؟!
ولقد أجاب عديدٌ من المستشرقين على سؤال معاوية الأخير هذا بأن البيت أو الكعبة لم يكن إلا بمثابة إطار للحجر الأسود الذي كان من أهم معبودات قريش؛ لأنه يمثل بقايا حجر قديم كان مقدسًا عند قدماء الجاهليين.
ومرة أخرى تكشف أسطورة أرض ميعاد يعرب عن سبق هذه الهجرة السلمية إلى اليمن عن شقيقاتها اللاسلمية الأخرى، مثل هجرة قبائل إبراهيم وآشور إلى جوف الشام وفلسطين وما بين النهرين، فتسوق لنا هذه السيرة هجرات وحروب القحطانيين.
فجمع قحطان أهل اللسان العربي، وزحف إلى بابل يريد ألاسكتان بأذريجان ولحقه قحطان وهزمه، وقتل ألاسكتان وفضت جموعه من بني يافث إلى أرض أرمينيا وما خلفها، وهربت القوط والسكس والإفرنج، وهم بنو عرجان بن يافث، ولحق بهم إخوتهم الصقالب.
ويقال إنه خلال انشغال القحطانية بحروبهم في آسيا تملك بيت المقدس، وملك الشام نمرود بن كنعان، «وأنه زحف إلى بيت المقدس وقحطان بسمرقند» ولما عاد إليه قحطان وحاربه وهزمه أخذه أسيرًا فقتله وصلبه ببيت المقدس.
كما يقال في هذا إن نمرود بن كنعان أول قتيل صلب.
وبعد أن مات قحطان ودفن بمأرب ولي الأمر من بعده ابنه يعرب الذي فاق إخوته، وكان عاشرهم وهم جرهم بن قحطان، وعاد بن قحطان، وأيمن بن قحطان، وقحطان بن قحطان، والسلف بن قحطان، وظالم بن قحطان، ناعوم قحطان، وجاشم بن قحطان، وحضرموت بن قحطان، فولي جرهم بن قحطان أمر مكة وولي عاد أرض بابل، وولي حضرموت أرض الحبشة، وولي ناعوم عمان، وولي أيمن الجزيرة … إلخ.
ولما مات يعرب خلفه ابنه «يشجب بن يعرب» الذي كان سقيمًا، لم يعمر طويلًا وخلفه ابنه عبد شمس بن يشجب الذي تنسب له سير القحطانيين أنه أول من بنى مصر، فبينما كان يواصل فتوحاته في المغرب مارًّا بمصر «بلغ النيل ونزل عليه وجمع أهل مشورته، ثم قال لهم: إني رأيت أن أبني مصرًا بين هذين البحرين يكون صلة بين المشرق والمغرب، فبنى المدينة وسميت مصر.»
والملك عبد شمس سمي سبأ؛ لأنه كان يسبي أبناء من يقتلهم من أعدائه، ويقال إنه ولَّى على مصر ابنه بابليون «وإليه تنسب مصر لملكه عليها.»
وكان عبد شمس هذا أو الملك سبأ من أقدم وأخطر المشرعين القبليين العرقيين فكان يخطب في القحطانيين قائلًا: «يا بني الساميين قحطان، إنكم إن لم تقاتلوا الناس قاتلوكم وإن لم تغزوهم غزوكم، فقاتلوهم قبل أن يقاتلوكم.»
كما قد تمثلتْ فيه الدهرية العربية تمام التمثُّل «كل ما هو كائن، وكل جميع بائن والدهر حرفان حرف رخاء وحرف بلاء، والدهر يومان يوم لك ويوم عليك، والناس رجلان رجل لك ورجل عليك، والدهر غير محتال للموت، والدنيا صاحبة الغالب وعدوة المغلوب، وليس جمع خيرًا من جمع ولكن جد خير من جد، فلا ترضوا بالمنى فإنه مراتع العاجزين.»
وعبد شمس أو سبأ هو باني مأرب وسدها الكبير، وفيه سبعون نهرًا، ويقبل إليه السيل من مسيرة ثلاثة أشهر في ثلاثة أشهر «ولكنه مات قبل أن يتمه.»
ويبدو أن سبأ الأكبر أو الملك عبد شمس هذا كان أول من تسمى بالشمس، كما يقول الميثولوجيون العرب ومنهم نشوان بن سعيد الحميري؛ لأنه أول من عبد الشمس، وأما الاسم شمس فيُطلق على صنم ذكره محمد بن حبيب قائلًا: «وكان شمس لبني تيم وكان له بيت.» أي: معبد.
وولي المُلك من بعده حمير بن سبأ رأس ملوك حمير وهو الذي «وطأ الأمم وداس الأرضين وأمعن في المشرق حتى أبعد يأجوج ومأجوج»، ويبدو أن نورة وقعت بمصر في عهده وتعرضت لغزو الأحباش أو الكوشيين، فقد جاءه «رسل أخيه بابليون من مصر يستدعونه لنصرته على بني حام؛ وذلك لما بلغ بنو حام؛ أي المصريون، موت سبأ بن يشجب، فعتوا على بابليون بمصر، وكان نزول الحبشة بني كوش بن حام على النيل فتداعوا إلى مصر يريدون خرابها «فهزمهم حمير» وتبعهم إلى البحر المحيط من الغرب، وأقام في المغرب مائة عام يبني المدن ويتخذ المصانع.»
ومات حمير «وكانت علته التي أماتته الغم» ويقال إنه أول من دفن في مغارة؛ إذ إنه كان يرتعد من «غم الضريح» وحمير وهو رأس الكيان الحضاري الحميري التي قامت — كدولة — على أنقاض دولة سبأ، واتسعت فتوحاتها في آسيا وأفريقيا، فلما مات حمير تولى المُلك بعده ابنه وائل وخلفه السكسك رأس ما يعرف بالملوك السكاسك في تاريخ اليمن، وهو الذي حارب نمرود بن ماش، ولما مات خلفه ابنه يعفر بن السكسك الذي ينسب إليه أنه عندما وافتْه المنية جمع قومه ونزع تاجه عن رأسه وقال لهم: «يا قوم هذا تاجُكم فخذوه» فأخذه قومه ووضعوه على بطن امرأة وملكوا به ما في بطنها.
ثم انتقل الملك إلى ما يُعرف بالملوك التباعنة — جمع تبع التبع أو الملك المعافر بن يعفر والذي سمي المعافر لقوله:
والذي عندما مات طلب من قومه أن يدفنوه واقفًا «لا تضجعوني فينضجع ملككم، لكن ادفنوني قائمًا ليظل ملككم قائمًا»، ثم تجيء بعد ذلك دولة عاد الأصغر؛ لأن عادًا أو قبيلة عاد الأكبر قد اندثرت بحسب قول عبيد بن شريه الجرهمي، وكان بدء ملكهم هو شداد بن عاد وخلفه شقيقه لقمان بن عاد أو لقمان الحكيم أو الحكيم لقمان. انظر: لقمان الحكيم وفابيولاته.
يقول وهب بن منبه عن ابن عباس: «كان لقمان بن الملطاط بن السكسك بن وائل بن حمير نبيًّا غير مرسل»، كما ينسب له الساجستاني أنه كان أطول الناس عمرًا بعد الخضر، ومن المعروف أن الخضر حي لا يموت؛ وذلك لأنه كان قد شرب من ماء الحياة أو عير الحياة.
وما تزال حكايات الحكيم لقمان متواترةً على طول الشرق الأدنى، منها حكايتُه مع أنسوره السبع، حين دعا الله طالبًا منه:
فنودي قد أجيبت دعوتك يا لقمان، وأعطيتَ ما طلبت لكن لا سبيل إلى الخلود، اختر — إن شئت — سبع بقرات عفر، لا يمسهن ذغر وإن شئت سبع نويات من تمر، مستودعات في صخر، لا يمسهن ندًى ولا قطر، وإن شئت بقاء سبعة أنسُر كلما هلك نسر عقبه نسر.
وعندما اختار لقمان النسورَ السبعة عمر طويلًا، وكان الناس يأتونه من أقاصي الأرض وأدانيها ليحكم بينهم، وهو ما يزال يواصل تواتره في تراث الحكايات العربية، ومنها حكايته مع زوجته الخائنة وقد جمعت من مشتقاتها أو مرادفاتها منها ثلاثة نصوص شفاهية.
وملخص هذه الحكاية كما يوردها وهب بن منبه هو أن الحكيم لقمان تزوج بسوداء بنت أمامة وكانت جميلة جدًّا، وكان لقمان غيورًا عليها فأسكنها في كهف عظيمة في أرض صخرة عالية، إلا أن غريمًا له وقع في حبها هو هميع بن السميدع بن زهير الذي تمكن من التوصل إليها مختبئًا داخل أكوام أسلحة قومه، وتوصل إليها واجتمع بها إلى «أن رقد معها على سرير لقمان، ثم تنخم ورمى النخامة في سمك سقف الكهف» وعندما رأى لقمان النخامة في سقف الكهف، وفشلت زوجته في إقناعه بأنها هي التي فعلتها، وكان أن أخرج العشيق من مخبئه داخل السلاح وشد امرأته السوداء معه في السلاح وألقى بهما من فوق الجبل.
ثم رماها بالحجر، ثم رماهما جميع من كان معه، فكان الحكيم لقمان أول من رجم الزاني والزانية كما تنسب له الخرافات الحميرية أنه كان أول من حكم بقطع يد السارق؛ ذلك أن شاكيًا أتاه وقال له: يا لقمان إن سارقًا يأتي فيدخل يده في خرق الخيمة ويسرق ما أصابت يده من الخيمة، فقال له لقمان: «احرصْ حتى إذا هو أدخل يده وسرق، فخذ يده واقطعها، ففعل ذلك الرجل.»
وارتباط الحكيم لقمان بالنسور يشير إلى ذلك الطائر الجارح الذي أصبح فيما بعد رمزًا لليمن بل والعرب عامة، كان اسمًا أيضًا لإله يدعى «نسر» أو «نسور» وجاء في النقوش السباية «بيت نسور وبيت أيل» أي معبد الإله نسور ومعبد الإله أيل.
ويضيف ديتلف نيلسن «أن الإله» نسور كان أحد ألقاب القمر؛ لذا فقد رمزوا إليه بصورة نسر وأن النسر كان طائرًا مقدسًا للقمر وكان يطلق على عابديه بعامة «أهل نسور»، بل إن أحد شهور السنة السبئية المتأخرة عرف «بذي نسور»، ومن ملوكهم أو بمعنًى أصح تباعنتهم مجموعة الملوك الأوائل الذين لقبوا بأبي كرب أو مكرب مثل التبع أسعد اليماني أبو كرب وابنه حسان صاحب السيرة الهامة «حسان اليماني»، ومكرب أو مقرب ومنها جاء اشتقاق قربان لقب كلقب للملوك السبأيين إشارة إلى الجمع بين سلطتي الحاكم والكاهن مما يشير أكثر إلى العلاقة الأولى بين الكاهن والحاكم، ثم «الملك» مثلما كانت طائفة «الياتيس» عند البابليين وأمراء حمير وتدمر ومأرب وصرواع ونجران، وكذلك أغلب الحكام العرب القدامى مثل — الملك الكاهن — عمر بن لحي الجرهمي كما يقول «نيلوش».
وهو ما يخالف إلى حد فصل سلطتي الدين والحكم عند الفرس الذي اختصت بأعمال الكهانة فيها قبائل الماجي وكذلك قبيلة اللاويين عند العبريين، والكلدانيين والعمونيين وكذلك سنة أو حجاب أو كهنة مكة في الجاهلية … إلخ.
ومن ملوكهم وتباعنتهم الحارث بن الهمال أو الحارث الرائش الذي غزا أذربيجان، ونصر ملك الفرس على الترك وفتح الهند والسند وأرض بابل وخراسان والشام والمشرق، إلى أن بلغ تحت بنات نعش ذلك في عصر موسى بن عمران.
وخلفه الصعب ذو القرنين الذي كان ملكًا وإنما سُمي ذو القرنين؛ لأن صفحتَي رأسه كانتا من نحاس، وقال إنه ملكُ الروم وفارس، كما يقال: إنه سمي ذو القرنين؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب ودانتْ له البلاد وخضعتْ له ملوكُ العباد.
ويُنسب لذي القرنين أنه رافق الخضر في رحلة عبودية طويلة في الأرض، واطَّلعا على مكنون الحياة وخفاياها مثلما اصطحب الإسكندر طاهيه أندرياس أو النبي إدريس الذي كان قبل بدء الرحلة يغسل حوتًا مملحًا في عين ماء، فلما مس الحوت الماء ارتدت الحياة إليه وانفلت في الماء، فقفز أندرياس وراءه ووُهب بذلك صفة الخلود بعد أن شرب من نهر عين الحياة دون أن يعرف أنه عندما قص الأمر على الإسكندر المقدوني، فظن الإسكندر إلى أن النهر هو نهر الحياة، وكان أن حرم الإسكندر الخلود والوهب.
ومثل ذلك ما جاءت به أقدمُ أساطير العبور بحثًا عن الخلود، وهو ما جاءتْ به نصوص الملحمة الأكادية الأم حين اصطحب جلجاميش مدينة أنكيدو بحثا معًا عن سر الخلود.
وتُنسب الأساطير التي تدور حول ذي القرنين؛ أي الإسكندر المقدوني الذي ورد بهذا الاسم بالقرآن، أنه حينما سار يريد أرض الهند وجد قومًا قد سكنوا مقابرهم ووجدهم لا غني ولا فقير ولا قاض فيهم ولا أمير، ولا آمر، ورأى مواشيهم بلا رعاة رآهم بين الأنهار في خلاء من الأرض وقفار، ولما سألهم: ما بالكم سكنتم المقابر؟ قالوا: يا ذا القرنين سكنَّاها؛ لننسى الموت ونطمئن إلى الحياة وتستهوينا الدنيا.
ولما مات ذو القرنين خلفه ابنه أبرهة … وفي عهده ظهرت الحيَّات التي تعرف بالمزمردة، والذي يقال إنها فتكت بجيوشه، كما تنسب له الخرافات أنه أول من أشعل النيران على رءوس الجبال لهداية الجيوش ليلًا لاتقاء هذه الحيات؛ ولذلك سمي ذا فنار «وكان أجمل الناس وجهًا فرأتْه امرأةٌ من الجن وعشقتْه وكانت تُقيم بأرض اليمامة في مكان يُدعى الحرقانة، اعتبره العرب بعد ذلك موطنًا للجن، وأن من وطأه أحرقته النيران.»
ويقال إنه حارب «حلواني بن امرئ القيس بن عملاق بن بابليون بن سبأ بن يعرب بن قحطان بن هود، وهو فرعون إبراهيم بمصر.»
ومن نسل ذا منار جاء الملك عمرو بن أبرهة الذي سمي ذا الأذعان، وهو الذي قهر الناس وذعرهم بالجور.
وذا الأذعان حارب كيكاوس ملك الفرس فأسر ذا الأذعان وسجنه، وانتقل الملك من بعده إلى الملوك السكاسك فولي الهدهاد بن شرحبيل، وهو أبو بلقيس ملكة سبأ، ولعلنا نكتفي هنا بسيرة الأنساب القحطانية اليمنية المتلاشية.
(٤) الضحاك الحميري
وفي ثنايا الأدب العربي، ترد مأثورات هذه السيرة القحطانية اليمنية التي تعكس لنا الصراعات العربية الفارسية على النحو التالي:
فعندما تجبر الإمبراطور الفارسي «جم» وادعى الألوهية، قصده الضحاكُ الحميري اليمني المسمى بالفارسية «بوراسف» من أرض اليمن في جيوش كثيفة وشوكة شديدة، فانقض عليه انقضاض العقاب على الأرنب فهرب منه «جم» متنكرًا، واستولى الضحاك على ملكه، وطارده حتى ظفر به فصاده كما يصيد الهر الفأر، ونشره بالمنشار، ويقال إنه ألقاه إلى السباع.
فالعجم أو الفرس تسميه «بوراسف» والعرب تسميه الضحاك وسماه أبو نواس بالخابل.
وكان أبوه ملك اليمن ثم زين له الشيطان قتل أبيه فقتله، وما زال الشيطان يستدرجه ليأكل من كل لحوم الطير حتى لحوم الحملان، ومنها إلى لحوم الضأن والثيران إلى أن نفخ في منكبيه من خبثه وسحره فخرجتْ حيتان سوداوان، كلما قطعتا عادتا كما كانتا، وكلما قام من النوم أوجعتْه الحيتان، وأكلا أمخاخ البشر وسكنا، وهكذا فكان ساحرًا ماهرًا، وعن ابن الكلبي أن الضحاك أول من سن القطع والصلب وأول من سن العشور وضرب الدراهم والدنانير وغنى له، لكن إبلياس زين له الكفر والفجور.
وذكر الطبري أنه وقع له شيء من كلام آدم فاتخذه سحرًا يعمل به.
إلى أن خلف الضحاك على عرش فارس، ملك هو أفريدون، الذي تَنسب له أساطيرُهم أنه ملأ الدنيا عدلًا بعد جوره؛ أي الضحاك، إلى أن دخل عليه أفريدون وقتله بالعمود الذي في رأسه صورة ثور، وقطع من جلده وترا قيده به، وحمله إلى جبل دنياوند وحبسه في بئر هناك وقال له الضحاك: إنما تقتلني بجدك «جم».
وذكر أبو تمام قال:
ويدعي المجوس أنه محبوس حيًّا بجبل دنيا وند كإبليس إلى يوم القيامة، فاتخذ الناس يوم حبسه عيدًا سموه «مهر من مهرما» أي المهرجان، ومن أقوال قاتله أفريدون: «من لم يعرف مكاسبه فهو متهم بالسرقة»، والخائن لا يعتمد أحدًا، العبيد خمسة: الخباز والطباخ والساقي والفراش والوصيف.
أما الأعداء الخمسة فهم: السفلة والحاسد والعبد والمرأة والمستعمل على العامل مكانه.
ووزع أفريدون مُلكه على أولاده الثلاثة «سلم وتوز وإيريج»، فإيرج ملك إيران إلى جانب أبيه أفريدون، لكنهما تآمرا عليه، فقطعا رأسه وأرسلاه إلى أفريدون، وكتبا إليه «هذا هو الرأس الذي آثرته علينا»، وجزَّت أربعة آلاف جارية شعورهن حزنًا عليه، أما الملك فضعُف بصره، وكان يضع رأس إيرج على الرماد في إناء من ذهب وينوح عليه حتى ينام.
ثم تملك منوشهر بن إيرج العرش وعندما تحاربا، وقطع رأس عمه توز أرسلها لأبيه أفريدون فقال: «لا مرحبًا بدهر أحوجني إلى أن أقتل بعضي ببعضي.»
وتملك منوشهر وخطب في الناس «لقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها وما بقاء فرع بعد ذهاب أصله» وهو أول من خندق الخنادق وأول من اتخذ لكل قرية عمدة، وكان قائده سام بن نريمان، ولقبه عمدة الدنيا، وكان يتمنى مولودًا ولما طعن في السن رُزق بولد أبيض شعر الرأس والحاجب والاشفار فأنكره، وأهمله، وحملته العنقاء وربَّته في أعلى الجبال الشاهقة، إلى أن جاءه أبوه، واسترده وسماه «زال» أي الشيخ، وطلب الملك أن يراه وعشقته ابنة مهراب ملك كابل، حين سمع بجمالها.
وإذا ما عدنا إلى الضحاك الحميري هذا الذي يُقال إنه تملك على إيران في ٢٨٠٠ق.م، وكان عامله على بابل، نمرود بن كوش، الذي في زمنه حدثتْ هجرة قبائل إبراهيم الخليل من أور الكلدانيين إلى حران والشام وأرض فلسطين بسكانها الفلسطينيين وطلائعهم البحرية؛ حيث كانوا من أقدمِ شعوب العالم القديم للبحار والمحيطات.
وتبدت تأثيرات هذه الاتصالات المبكرة في كلا التراثين الآري، والهندو أوروبي، والسامي العربي، للدرجة التي نتج عنها الكثيرُ من الأخطاء والمغالطات التي وقع فيها الرواد الأوائل لهذه الدراسات خلال رحلات البحث المضنية عن منابع التراث الأوروبي، وقنوات هجراته لغويًّا وبالضرورة تراثيًّا بدءًا من الأخوين جريم وينفي، والمدرسة الفولكلورية الشرقية عامة.
وعلى سبيل المثال، فإن دولة الميديين الآريين (٥٠٨–٥٥٠ق.م) الذي يرجح أن هجراتهم تمت من شواطئ بحر قزوين إلى غرب آسيا، إلى أن استقروا في إيران، وأقاموا دولتهم في القرن السابع قبل الميلاد، لم يتعرف عليها — تاريخيًّا — إلا من النقوش الآشورية والأخبار العبرية، وينسب لهم دولة همدان في الجنوب العربي.
وكانت ميديا تتبع آشور، وفي الأخبار الإسرائيلية أن ملك الآشوريين حمل بني إسرائيل إلى فتوحاته الجديدة الواسعة الممتدة إلى ما وراء نهر زاجريوس في إيران، وهو ما يعرفه توينبي بإعادة زرع أو استنبات الأقوام المغلوبة بهدف شدخها أو تمزيقها حضاريًّا.
كما أن من أخبار هرودوت أن الآشوريين استعبدوا الميديين الإيرانيين خمسة قرون كاملة، إلى أن تمكن «ديوسيس» أول ملوكهم من تأسيس الدولة الميدية وطرد الآشوريين، بل إن حفيده «كيخسرو» تمكن من تحطيم «نينوى» عاصمة الآشوريين في العراق وسوريا العليا.
فيبدو أن الميثولوجيا البابلية والفينيقية السامية، لعبتْ أهم أدوارها في إيران؛ إذ إنهم خلفوا لغتهم الآرامية، فكتب الفرس وثائقهم وتراثهم بالخط المسماري البابلي، كما أنهم — الساميين — خلفوا أساطيرهم ومظاهر حضارتهم، التي كانوا قد توارثوها من أسلافهم السومريين، فخلط الفرس في لغتهم بين الفارسية القديمة والآرامية السامية، ومنهما اشتُقت اللغة البهلوية.
وعلى هذا جاءت الإمبراطورية الأهمينية التي حكمت معظم شعوب الشرق الأوسط، مناصفة بين العبقرية الحضارية المتمثلة في الأساطير والتراث العقائدي اللاهوتي السوري أو الآشوري، من الوجهة الحضارية، وبين الحكام ونظم الحكم الفارسية، من الوجهة السياسية.
ذلك أنه وضع أمام جيشه صفًّا كبيرًا من الحيوانات والنباتات الطوطمية أو الشعائرية لآلهة وآلهات المصريين، فكان أنْ أخذ المصريون وامتنعوا عن القتال فدخل قمبيز مصر وقتل العجل المقدس أبيس، وهدم الكثير من الهياكل والمعابد.