فنزويلا: العالَم من منظور شافيز
منذ أبريل ٢٠٠٤ والمسئولون الفنزويليون، ومن بينهم الرئيس هوجو شافيز، يزعمون كذبًا أن الولايات المتحدة تُخطِّط لغزو فنزويلا في عملية يُفترض أنها تحمل اسم «خُطَّة بالبوا». كرر الرئيس شافيز هذا الزعم بوضوح في مقابلة أُجريتْ معه في السادس عشر من سبتمبر عام ٢٠٠٥ في برنامج «نايت لاين» على شبكة إيه بي سي.
هذا الزعم كاذب. ومسمى «خُطَّة بالبوا» ما هو إلا توصيف خاطئ لتدريب عسكري إسباني، يُدعَى «عملية بالبوا»، أُجرِيَ عام ٢٠٠١.
كانت عملية بالبوا تدريبًا عسكريًّا أكاديميًّا روتينيًّا أجرتْه الكلية العليا للقوات المسلحة الإسبانية [من ٣ إلى ١٨ مايو] عام ٢٠٠١. وقد اشتمل التدريب على ضبَّاط من دول مختلفة، منها فنزويلا نفسها. ولم تُشارِك الولايات المتحدة ولا حلف شمال الأطلسي في هذا التدريب …
علاوة على ذلك، كل الوثائق الخاصة بالعملية بالبوا مكتوبة باللغة الإسبانية، أما لغة الحكومة الأمريكية والقوات المسلحة الأمريكية فهي اللغة الإنجليزية. واللغتان الرسميتان الوحيدتان لحلف شمال الأطلسي هما الإنجليزية والفرنسية، وذلك وفقًا للموقع الرسمي للحلف.
وبهذا فمن الواضح أن «خُطَّة بالبوا» ليست خُطَّة أمريكية لغزو فنزويلا، وإنما تدريب أجرتْه الكلية العليا للقوات المسلحة الإسبانية عام ٢٠٠١، لم تشارك فيه الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي.
من أين جاءتْ مثلُ هذه القصة الكاذبة؟ في أبريل ٢٠٠٤ قال الجنرال ملفين لوبيز هيدالجو، أمين مجلس الدفاع الوطني لفنزويلا وقتَها إن «خُطَّة بالبوا» ظهرت للوجود بعد أن أفْصَح ضابط بالقوات الجوية الفنزويلية تدرَّب في إسبانيا عن تفاصيل عملية بالبوا لرؤسائه. وفي عدد الثاني من مايو ٢٠٠٤ من صحيفة «كوينتو ديا» الأسبوعية التابعة للحكومة الفنزويلية زعم الجنرال لوبيز، كذبًا، أن «عملية بالبوا» كانت خُطَّةً حربية مشتركة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ومنذئذٍ كررت وسائل الإعلام الفنزويلية التابعة للحكومة الفنزويلية وتقارير الإنترنت القصة، واستمرت حكومة فنزويلا في التوصيف الخاطئ لما كان تدريبًا عسكريًّا إسبانيًّا روتينيًّا، فيما يبدو وكأنه حملة متعمدة من التضليل الإعلامي المناهض للولايات المتحدة.
***
كان اليوم هو الخامس من يوليو عام ٢٠٠٥، يوم استقلال فنزويلا. كانت الدبابات تهدر وهي تقطع الطريق الرئيسي في كاراكاس بينما كان جنود حاملون للبنادق يمرُّون بالسرادق الرسمي، «في كامل عتادهم الحربي»، حسب وصف زعيم البلاد.
كان هوجو شافيز، زعيم تلك الدولة التي تُعَدُّ منتِجًا صغيرًا نسبيًّا للنِّفْط، قد اتَّهم للتوِّ الولايات المتحدة، أكبر مستهلِك للنِّفْط في العالم وأكبر زبائن فنزويلا، بالتخطيط لغزو بلاده. كان شافيز يشعر بالغضب؛ لأن الولايات المتحدة قد انحازت لصف المكسيك في خلاف تجاري دائر مع فنزويلا وعبَّرت عن سخطها بسبب تأميم فنزويلا لشركات نفط أجنبية عاملة بها.
كان الشِّقاق السياسي بين فنزويلا والمكسيك مرتبطًا باختلاف رؤية كلتا الدولتين لمنطقة تجارة حرة تُغَطِّي أمريكا الشمالية والجنوبية. كان الرئيس المكسيكي فيسينتي فوكس يريد إنشاء منطقة تجارة حرة تمتدُّ من ألاسكا حتى باتاجونيا. أما شافيز فبدا أن له طموحات بشأن بسط سياسته لما وراء الحدود الفنزويلية وسعى إلى تأسيس حلف تجاري أسماه «البديل البوليفاري للأمريكتين».
لم تكن الولايات المتحدة تتمتع بروابط قوية مع المكسيك وحسب، وإنما كانت أيضًا غير مرتاحة لوجود حكومة عدوانية معادية بهذا القرب من الأراضي الأمريكية. لذا لم يكن من قَبِيل المفاجأة أن استخدمتِ الولايات المتحدة خطابَها الدبلوماسي ونفوذَها في معارضة هذه الحكومة، وقد لاءم أغراض شافيز في تلك اللحظة أن يصوِّر نفسَه ضحية بدلًا من معتدٍ.
شكَّل انهيار أسعار النِّفْط حتى ١٠ دولارات للبرميل عام ١٩٩٨ في بداية تولِّي شافيز السلطة لحظةً فارقةً بالنسبة إلى احتياطيات فنزويلا الكبيرة من رمال القطران؛ إذ لم تَعُد وقتَها التكنولوجيا الخاصة باستخراج النِّفْط من القطران فعَّالة من ناحية التكلفة. وإذا لم يستطِع شافيز زيادةَ عوائد النِّفْط ويحوِّل دفَّة الاقتصاد، فإنه سيُخاطر بخسارة قاعدته السياسية؛ إذ إن حملته السياسية بأكملها كانت تستهدف الفقراء.
رغم أن بعض دول الأوبك المتمتعة بنظرة طويلة المَدَى سَعَتْ إلى إبقاء أسعار النِّفْط على انخفاضها ومنع الناس من التحوُّل إلى أنواع بديلة من الوقود أو إلى الحفاظ على البيئة، فإن فنزويلا وروسيا والمكسيك أرادتْ أن تَجنِيَ المكسب السريع الذي من شأن أسعار النِّفْط المرتفعة أن توفِّره. كان في صالح فنزويلا إذن أن تنتهك اتفاقات الحصص التي فرضتْها الأوبك، وهو ما قامت به بالفعل دون أن تنال أي جزاء. كانت روسيا والمكسيك — وهما ليستا عضوتين في الأوبك لكنهما كانتا متلهفتين للتوسُّع في صناعاتهما النِّفْطية — أيضًا تنتهكان اتفاقات الحصص التي فرضتْها الأوبك، وكانت النتيجة النهائية لذلك أن صارتِ الأوبك ضعيفة وعاجزة. أراد شافيز أن تكون الأوبك أقوى وأكثر اتحادًا، لكن فقط لو اتحد الأعضاء في الحصص التي من شأنها أن تسمح بوجود أسعار تدعم إنتاج رمال القطران الخاصة به. وقد طالب قائلًا: «يجب على الأوبك أن تتغير وأن تصير لاعبًا أقوى في النطاق الجيوسياسي.» لكن عبد الله البدري، الأمين العام للأوبك أكَّد قائلًا: «إننا لا نستخدم النِّفْط الذي نَبِيعه للعالم بوصفه سلاحًا سياسيًّا. إننا لم نستخدمه في الماضي، ولا ننوي استخدامه في المستقبل.»
كان هناك من الفوضى ما يستدعي المزيد من الاتحاد بين أعضاء الأوبك، لولا وقوع ثلاثة أحداث أخرجتِ القرار المتعلِّق بالحصص والأسعار من أيدي الأوبك تمامًا.
الحدث الأول تمثَّل في الهجمات التي تعرَّض لها مركز التجارة العالمي عام ٢٠٠١، والتي سبَّبتِ ارتفاع أسعار النِّفْط ارتفاعًا حادًّا.
الحدث الثاني وقع في الثاني من ديسمبر عام ٢٠٠٢، بعدها بأكثر قليلًا من العام، وتمثَّل في إضراب النقابات العمالية، وشَمِل نحو نصف موظفي شركة بتروليوس دي فنزويلا؛ شركة النِّفْط الفنزويلية المملوكة للدولة. تَوقَّف العمال عن القيام بوظائفهم احتجاجًا على حكومة الرئيس شافيز الأوتوقراطية ومعاملته لمديري شركة النِّفْط. أوقف الإضرابُ عملياتِ الشركة بالكامل تقريبًا لمدة شهرين ونصف. وبعد انقضاء الإضراب، فَصَلَتْ شركة بتروليوس دي فنزويلا أكثر من اثني عشر ألف عامل، وهو ما فرَّغ الشركة من العمالة ذات الخِبْرة والمعرفة الفنية. ووفقًا لبعض المراقبين النِّفْطيين فإن الإضراب سبب ضررًا دائمًا لقدرة شركة بتروليوس دي فنزويلا الإنتاجية وظل عاملًا محوريًّا في تفسير الانخفاضات التالية المتواصلة في الإنتاج. (رغم أن مستويات إنتاج النِّفْط الفعلية لفنزويلا كان من الصعب تحديدُها، وكانت الدولة ومحلِّلو صناعة النِّفْط المستقلون يقدمون تقديرات متناقضة، فإن أغلب التقديرات خلصت إلى أن مستويات إنتاج الدولة لم تتعافَ بشكل تامٍّ من الإضرابات حتى عام ٢٠٠٦، بعدها بأربع سنوات.)
أما الحدث الثالث فتمثَّل في غزو الولايات المتحدة للعراق في ربيع عام ٢٠٠٣.
وبحلول عام ٢٠٠٥، كانت أسعار النِّفْط قد ارتفعت إلى ٦٠ دولارًا للبرميل، وهو رقم أعلى من هدف شافيز المنشود البالغ ٥٠ دولارًا، وهو ما صعَّب تحقيق هدف السعودية المتمثِّل في الحفاظ على أسعار النِّفْط منخفضةً بما يكفي كي يستمر الناس على إدمانهم للنِّفْط ولا يتحولوا إلى استخدام أنواع الوقود المعتمدة على المحاصيل الغذائية كالإيثانول.
ارتفع السعر أخيرًا، ورغم أن إنتاج فنزويلا كان لا يزال منخفضًا بسبب الآثار المتبقية للإضراب، فإن ارتفاعات الأسعار الحادَّة في عامي ٢٠٠٧ و٢٠٠٨ عوضت الفارق وأكثر. لم يَعُد شافيز بحاجة لأن يُقلِق نفسَه بسياسات الأوبك؛ إذ اعتنى السوق بذلك.
على أرض الواقع، بغضِّ النظر عن التهديدات المتبادَلة بين شافيز والولايات المتحدة، فإن فنزويلا هي ثالث أكبر مورِّد للنِّفْط الأجنبي للولايات المتحدة بعد كندا والمكسيك. وأكثر من نصف عوائد الحكومة بفنزويلا يأتي من صادراتها النِّفْطية، و٨٠ بالمائة من الصادرات النِّفْطية يذهب إلى الولايات المتحدة. قد لا يكون ذلك زواجًا مثاليًّا، لكنه لن ينتهي بالطلاق كذلك. فتجارة النِّفْط بين فنزويلا والولايات المتحدة مكتوب لها أن تستمر.
يقول لاري جولدستين، مدير مؤسسة بحوث سياسات الطاقة، إن شافيز رجل براجماتي. ويضيف قائلًا إنه ما إنِ ارتفع السعر «بات الكثير من العوائد يتدفَّق إلى نظامه. كان لديه حرية التصرف على النحو الذي يُريده. وبمقدوره الآن أن تقوم له قائمة؛ لأنه آخِذٌ في تكديس ملايين الدولارات. لم تكن أسعار النِّفْط المرتفعة هي السبب وراء انتخابه، لكنها ساعدتْه بالتأكيد على البقاء في السلطة. وقد عكف على نشْر هذه الفكرة بينما يواصل تذكير الولايات المتحدة بذلك. إن لديه علاقات مع الصين، وهو يُصدِّر منتجات كاملة إليها.»
مثَّل شافيز وجْهَ الدول النِّفْطية المعتدية الجديدة؛ إذ نفَّر المستثمرين من الاستثمار في بلاده؛ ومِن ثَمَّ حَرَمَ بلادَه من فوائد التكنولوجيا التي تحتاجها لإنتاج النِّفْط بكامل طاقتها؛ أيْ إنه فعليًّا يُطلِق الرصاص على قدمِه.
لقد ميَّز شافيز نفسَه عن البقية فقط عن طريق إدراكه أن الولايات المتحدة بوصفها مستهلكًا ضخمًا تحتاج إلى فنزويلا بالقدْر ذاته الذي تحتاج به فنزويلا إلى الولايات المتحدة. وبينما واجهت الولايات المتحدة صعوبات متزايدة في الحصول على النِّفْط، كانت فنزويلا تكتسب أهمية متزايدة بوصفها مصدرًا للنِّفْط.
حاز شافيز حصة أغلبية بقيمة ٣١ مليار دولار في مشروعات لشركات نفط أمريكية، منها مشروعات تخص كونوكو فيليبس وإكسون موبيل وشيفرون. وقد طلب من الجيش الفنزويلي التأهُّب لخَوْض حرب عصابات لو حاولتْ واشنطن الإطاحة به، كما اشترى طائرات حربية وأسلحة من روسيا بقيمة ٣ مليارات دولار.
في نظر بعض المحللين النِّفْطيين الأمريكيين، رغم أن الفكرة لم تكن مستساغة، فقد كان من المفهوم بشكْل مؤكَّد أن يرغب شافيز في إعادة التفاوض حول العقود مع الشركات الغربية الكبرى؛ لأن الاتفاقات الحالية كانت مبْنِيَّة على سعر متَوَقَّع للبرميل يبلغ ٢٠ دولارًا لا ٦٠. أما بشأن مَن سيتراجع أولًا، فرغم أن المحللين خمَّنوا أن رحيل شركات النِّفْط الكبرى عن فنزويلا لن يكون أمرًا قاتلًا لشافيز (إذ ستحلُّ شركات صينية وإيرانية وشركات مملوكة للدولة محلَّها)، فإن قِلَّة من المحللين تصوَّرت أن تتمكن شركة بتروليوس دي فنزويلا وحدَها من الحفاظ على مستويات الإنتاج التي كانت موجودة من قبلُ بفضل دعم الخبرات الأمريكية.
كان شافيز يوظِّف عوائد النِّفْط في مشروعاته الاجتماعية — وهي استراتيجية جديرة بالثناء بشكلٍ ما — لكنْ على حساب استثمار تلك العوائد النِّفْطية في البنية التحتية النِّفْطية. أما ما يضر أكثر بقضيته فهو أنه خَلَق قدْرًا من عدم اليقين القانوني جعل دولًا مثل البرازيل والهند تتردد في الاستثمار بكثافة في فنزويلا.
ويقول والين: «هناك قدْر كبير من الحكمة السياسية المحلية في سياسات شافيز. فأغلب سكان الدولة يُعانون من الفقر الشديد ويَطمَحون إلى تحسين أحوالهم، وطَوَالَ حياتِهم كان يُقال لهم نحن دولة غنية، ويجب أن نتمتع بهذه الفوائد. وشأن الكثير من الدول النِّفْطية، يتركَّز قدرٌ كبير من الثروة في أيدي حِفْنة قليلة. هناك رغبة في إعادة توزيع الثروة النِّفْطية. ومِن منظور سياسي، ومن واقع النظر إلى بلاد أخرى كهذا البلد، إنه أمرٌ مفهوم للغاية. وهو أمرٌ إنساني للغاية كذلك. ومن منظور سياسي محلي فإن شافيز يتحرَّك بالشكل الصحيح كي يُبيِّن أنه يُعيد ممتلكات الدولة إلى يَدِ الحكومة ثانية، ويأخذها من الشركات الأجنبية، ويبني مستشفيات وعيادات ومتاجر غذاء، ويوزِّع الثروة على الشعب.
أما من حيث الاقتصاد ومستقبل صناعة النِّفْط بالبلاد، فيرتكب شافيز خطأً كبيرًا. من الصعب أن نرى كيف ستتمكن البلاد من تحقيق النجاح والازدهار. ومن الواضح أن المنظومة الاقتصادية والسياسية القديمة معطوبة، كذلك النهج الجديد لا يعمل بنجاح هو أيضًا. على سبيل المثال، هو لا يقدِّم سبيلًا جديدًا للحصول على التكنولوجيا التي يحتاجونها من أجْل النِّفْط الثقيل في فنزويلا.
وهذا يعود بنا إلى السؤال المتعلِّق بسبب استمرار فنزويلا في بيع النِّفْط إلى الولايات المتحدة. سوف تدفع فنزويلا ثمن ذلك في المستقبل من حيث مقدار ما سيتم تطويره، والسرعة التي سيتم التطوير بها. إنهم يتحدثون عن جلب الشركات الصينية، لكن الصينيين لا يملكون القدرات ولا الخبرات الكافية.»
في الأول من مايو ٢٠٠٧ دخل قانون جديد أصدره شافيز حيِّز التنفيذ، يقضي بتأميم آخِر مواقع إنتاج النِّفْط المتبقية الواقعة تحت سيطرة شركات أجنبية. أثَّر التأميم على إنتاج النِّفْط في حزام أورينوكو، الذي به أكبر احتياطيات عالمية من النِّفْط فائق الثقل. كانت شركة بتروليوس دي فنزويلا قد حصلت على حصة أقلية بموجب ترتيبات سابقة. تضمنت المشروعات المشتركة السابقة شركات: إكسون موبيل وشيفرون تكساكو وستات أويل وكونوكو فيليبس وبي بي، وتعيَّن تغيير هيكلها بحيث تمتلك بتروليوس دي فنزويلا نسبة لا تقل عن ٦٠ بالمائة منها.
السِّباب على منبر الأمم المتحدة
في خطاب أُلقِيَ في ١٩ سبتمبر ٢٠٠٦ تحدَّث الرئيس شافيز أمام الأمم المتحدة، وعلَّق على ظهور الرئيس الأمريكي بوش أمام ذلك الجمْع قبلَها بيوم واحد قائلًا: «بالأمس جاء الشيطان إلى هنا!» هكذا تحدَّث شافيز مشيرًا إلى الرئيس الأمريكي، وأضاف: «وما زلتُ أشمُّ رائحة الكِبْرِيت هنا.»
إلا أن شافيز أكَّد أن شركات النِّفْط الأجنبية لا تزال موضِعَ ترحاب في فنزويلا، لكن ليس بوصفها مالكة لحصة الأغلبية. وقال شافيز إن حكومته لم تكن تريد أن تغادر هذه الشركات فنزويلا، بل أرادتْ منها أن تَقبَل كونَها شريكًا ذا حصة أقلية. يجب أن يكون مالك المشروعات المشتركة هو شركة بتروليوس دي فنزويلا، وأن تكون صناعة النِّفْط في أيدي الفنزويليين.
كانت الاستثمارات محلَّ الحديث كبيرة وفق أي مقياس، وتتراوح بين ٢٫٥ مليار دولار و٤٫٥ مليارات دولار (وهي المبالغ المرجح أن تخسرها كونوكو لو استولت فنزويلا على ملكية مشروعات النِّفْط الثقيل الخاصة بها). وكان من المرجَّح أن تفقد إكسون نحو ٨٠٠ مليون دولار.
عام ٢٠٠٥، كان شافيز قد وقَّع اتفاقات نفطية مع الأرجنتين والبرازيل وجيرانه من دول الكاريبي، وسعى أيضًا إلى تقوية روابطه مع الصين عن طريق الاتفاقات النِّفْطية. بدت أنشطة شافيز حول العالَم وكأنها مصممة بهدف شنِّ حرب، اقتصادية على الأقل، على الولايات المتحدة. وبفضل أسعار النِّفْط المرتفعة، مكَّنتِ العوائد النِّفْطية الجديدة شافيز من تبنِّي استراتيجية جريئة هدفها التحريض على الصراع بين الدول النامية ذات الموارد الطبيعية العظيمة والدول المتقدمة ذات الاحتياجات النِّفْطية الكبيرة.
كان هناك مَن يَخشَى، مِن بين مواطنيه أنفسِهم، أن يتهوَّر شافيز ويُشعِل صراعًا، فيما استحسن آخرون استراتيجيتَه وتقبَّلوا حجَّتَه القائلة بأن العالَم النامي، الذي يملك ٨٥ بالمائة من احتياطيات النِّفْط العالمية، يمكنه أن يستفيد كثيرًا من الاضطراب المتَوَقَّع في أسواق النِّفْط. رأى أغلب المحللين النِّفْطيين الأمريكيين أن شافيز ألْحَقَ ببلاده ضررًا كبيرًا سواء على المستوى الاقتصادي أم السياسي.
حرية التعبير، على الطريقة الفنزويلية
«الكذب» جريمة فيدرالية، لكن …
وحدَها الحكومة يَحِقُّ لها أن تُحدِّد ما هو كاذب وما هو صادق.
لا توجد «رقابة»، لكن …
يستطيع الرئيس وقف البثِّ الإذاعي والتليفزيوني لو رأى أن هذا «يخدم الصالح العام».
«حرية التعبير» موجودة، لكن …
«إهانة» مسئول حكومي أمر يُخالِف القانون.
«المسئولية الاجتماعية» للإذاعة والتليفزيون مكفولة، لكن …
التهديدات بالقتْل توجَّه للصحفيين.
«لا توجد رقابة»، هكذا يقول أنصار شافيز، لكن …
تسيطر الحكومة فعليًّا على وسائل الإعلام.
كيف ستتأثَّر الولايات المتحدة لو أن فنزويلا نفَّذَت تهديدَها وأوقفتِ الإمداد النِّفْطي للولايات المتحدة؟
يقول هايلي: «لا أظن أن الأمر سيُهِمُّ كثيرًا؛ لأن النِّفْط سلعة عالمية. ستأتي شحنات النِّفْط بالسعر المناسب إلى الولايات المتحدة من أستراليا. إن البضائع تذهب من منطقة البحر المتوسط إلى آسيا، وتقطع العالَم كله؛ لذا إنْ كنا لن نشتري نفط شافيز من فنزويلا، ربما سنشتري النِّفْط المكسيكي. فلأن النِّفْط سلعة عالمية؛ لن يكون لوقف الإمداد النِّفْطي الفنزويلي أيُّ تأثير، اللهم إلا إذا احتاجت كل دولة من دول العالم أن تشتري النِّفْط الفنزويلي.»
في أكتوبر ٢٠٠٩، انخفضتْ صادرات فنزويلا من النِّفْط والوقود إلى الولايات المتحدة بنسبة ١٧٫٩ بالمائة مقارنة بالعام السابق.
وقَّعتِ الصين وفنزويلا اتفاقات في ديسمبر عام ٢٠٠٩ بهدف مساعدة فنزويلا على تطوير مواردها النِّفْطية. وتهدف فنزويلا إلى زيادة مبيعاتها النِّفْطية إلى الصين، وهو ما يجعلها أقلَّ اعتمادًا على بيع النِّفْط إلى الولايات المتحدة.