مقدمة
المؤلِّف الذي نحبُّه ليس فقط صديقًا نأتنس بآرائه ونستفيد بأفكاره، إنما هو أكثر من ذلك.
هو بهذه الآراء والأفكار يتسلل إلى قلوبنا وعقولنا فيؤثر في شخصيتنا أو يغيرها. وهو بهذه المثابة، نفسي فسيولوجي له دورة حيوية في وجودنا. ولكن المؤلِّف العظيم، ليس هو الذي يجعلنا نرى الدنيا بعينيه ونشهد على الناس والأشياء بضميره، وإنما هو الذي يعلمنا الاستقلال رائين ومشاهدين معًا، وإن لم يكن في رؤيته وشهادته قد فتح بصيرتنا.
إن كل إنسان كون نفسه؛ ولذلك له الحق في أن يسأل في استقلال، وأن يجيب في استقلال عمَّا يحس وعما يجد، وهؤلاء المؤلفون الذين تخصصوا في الرؤية والشهادة جديرون بأن نقرأهم، ولكن يجب أن نحذرهم، وهيهات أن نحذرهم؛ ذلك لأن لكل كاتب إيحاءاته التي لا طاقة لنا بالتخلص منها، وأحيانًا له إيعازاته التي تندسُّ إلى عقولنا من حيث لا ندري، ولكن علينا في كل حال أن ننشد الاستقلال.
وقد تأثرت بهؤلاء الكتاب الذين ذكرتهم في هذا الكتاب وأحببتهم وأعظمتهم، ووجدت فيهم النور والتوجيه، ولكني حاولت الاستقلال، وهذا ما أنصح به القارئ الذي يجب أن ينصت إلى قول أمير الأدب جيته؛ إذ يقول: «كن رجلًا ولا تتبع خطواتي!»