مصر والأدب العربي القديم
نحتاج في دراسة الأدب العربي القديم أن نخص مصر بقسم كبير من مجهودنا؛ فإن مصر كانت ولا تزال بعض العالم العربي، وقد قضت قرونًا وهي تابعة للخلافة، كما قضت قرونًا أخرى وهي منفصلة منها، وكانت ألمع أيامها الأدبية أيام الانفصال؛ لأن تعاقب الولاه عليها من الخلافة في دمشق أو بغداد (أو القسطنطينية) كان يخربها وينزف منها أموالها ورجالها، وحسب القارئ أن يعرف أنه تولى على مصر في خلافة هارون الرشيد وحده ٢٢ واليًا كان هَمُّ كل منهم بالطبع أن يحصل على أكثر ما يستطيع من مال كي يعود إلى بغداد ويعيش في بذخ.
وليس من المنتظر من والٍ أجنبي بأن يؤسس المؤسسات أو يصلح أو يرم المرافق، إذا كان يعرف أنه لن يبقى أكثر من عام، فمصر مع الولاة هي مصر الحلوب التي كانت تستدرُّ حتى تنزف؛ ولذلك فقدت الأمة شخصيتها أيام ولاة العرب، ثم انحطَّتْ إلى ما دون مستوى التاريخ البشري أيام ولاة الأتراك، فنحن بلا تاريخ أيام هولاء الولاة.
أمَّا أيام الاستقلال في عصر الطولونيين والإخشيديين والفاطميين والمماليك، فإن مصر كانت تنتعش؛ لأن الوالي كان يستقر فيها فتعود وهي وطنه الوحيد الذي يعمل ويجهد لرفاهيته وتزيينه.
ولكن هذا الانتعاش كان على السطح فقط؛ لأن جسم الأمة كان يرزح بالمظالم، حتى هوت مساحة الأرض المزروعة من ستة ملايين فدان إلى ربع مليون فدان.
بلغت مساحة الأرض المزروعة في عهد الخليفة الفاطمي المعز ٢٨٥.٧١٤ فدانًا، وفي عهد وزارة بدر الجمالي نحو هذا القدر، وانعدمت — أو كادت — في أوساط حكم الخليفة المستنصر، ولم يكن سبب هذا انخفاض النيل أو الوباء، وإنما كان ذلك راجعًا إلى سوء الحكم … ويمكننا الوقوف على اطراد النقص في مساحة الأرض المزروعة في مصر … في الثبت التالي:
الوالي | السنة | المساحة المزروعة |
---|---|---|
عمرو بن العاص | ٢٠ | ٦ ملايين فدان |
هشام | ١٢٥ | ٢ مليون فدان |
المأمون | ٢١٨ | ٢١٢٨٠٠٠ فدان |
ابن طولون | ٢٧٠ | ؟ فدان |
الإخشيد | ٣٣٤ | ٥٠٠٠٠٠ فدان |
المعز | ٣٥٨ | ٢٨٥٧١٤ فدان |
انتهى كلام الأستاذ حسن إبراهيم حسن، وإني أوصي القارئ بدراسة كتاب محمد كامل حسين «في الأدب العصري الإسلامي» فإنه يشرح لنا هذا الأدب إلى بداية الدولة الفاطمية، ونحن نحتاج إلى نحو عشرة كتب أخرى من هذا النوع، توضِّح لنا تاريخنا الأدبي منذ دخول العرب إلى بداية القرن الماضي، وهذا بالطبع مجهود كبير قد لا يتم إلَّا بعد سنوات كثيرة.
وبالطبع لم تلمع مصر في الأدب العربي كما لمع العراق، مقر الخلافة، التي كانت ترد إليها من أنحاء السلطنة الإسلامية أموال وخيرات، وكانت تجذب إليها المتطلعين والنابغين من جميع الأمم العربية، فلم ينبغ في مصر شاعر مثل البحتري أو ابن الرومي أو أبي نواس، ولا نجد الموسوعات الأدبية العظيمة مثل الأغاني، إلا إذا اعتبرنا «لسان العرب» إحدى هذه الموسوعات.
ودراسة الأدب العربي في مصر لا تزال مشوشة، والكتب المطبوعة عن هذا الأدب قليلة، ثم هي ليست أفضل ما يُقْرَأُ، ومن المؤلِّفِينَ المشهورين الذين يجد القارئ مؤلفاتِهم مطبوعة المؤرخ المعروف المقريزي، وكتاب النجوم الزاهرة لابن تغري من خير ما يُقتنى لأنه يصل بتاريخ مصر إلى سنة ٧٥٠ هجرية.
وهناك كتابان يُقرآن لما فيهما من ضوء ساطع على تاريخ مصر في القرون الثلاثة الأولى للإسلام، هما «المكافأة» لابن الداية و«الولاة والقضاة» للكندي، والأول قصص طريفة، والثاني تاريخ، ويحسن القارئ إذا قرأ كتاب البغدادي عن رحلته في مصر، وكذلك حياة ابن خلدون بقلمه، فإنه أرصد صفحات كثيرة لوصف الأحوال في بلادنا عند قدومه ومقامه فيها.
وشعراء مصر الإسلامية ليسوا — كما قلنا — من الطراز الأول، والقارئ يجد لابن نباتة والبوصيري والبهاء زهير دواوين شعر.
والراغب في درس مصر الإسلامية يجب ألَّا يهمل الكتب العامية مثل قصة الظاهر بيبرس، فإنها مع ما تجمع فيها من أساطير تدل على الحال الاجتماعية بين الشعب أكثر مما تدل عليه كتب الأدباء ودواوين الشعراء التقليديين.
- (١)
البهاء زهير لمصطفى عبد الرزاق.
- (٢)
المماليك في مصر تأليف وليم موير وترجمة محمود عابدين وسليم حسن.
- (٣)
الظاهر بيبرس تأليف محمد جمال سرور.
- (٤)
النظم الإسلامية تأليف الدكتور حسن إبراهيم حسن وعلي إبراهيم حسن.
- (٥)
كنوز الفاطميين تأليف زكي محمد حسن.
- (٦)
تاريخ الإسلام السياسي تأليف الدكتور حسن إبراهيم حسن.
- (١)
تاريخ الجبرتي.
- (٢)
فتح مصر الحديث لحافظ عوض بك.
- (٣)
السيد عمر مكرم لفريد أبو حديد.
- (٤)
محمد علي لكريم ثابت.
- (٥)
علم الاقتصاد للمصريين لمحمد فهمي لهيطه (وهو عرض تاريخي).
- (٦)
من عهد المماليك إلى نهاية حكم إسماعيل تأليف يونج وترجمة على أحمد شكري.
- (٧)
المجمل في التاريخ المصري لحسن إبراهيم حسن.
ويضاف إلى هذه الكتب جميع مؤلفات عبد الرحمن الرافعي بك دون إهمال أي مجلد منها، ومهما أطريت في هذه المؤلفات فإني لن أفيها حقَّها، وخلاصة ما أقوله عنها إن القارئ المصري الذي يجهلها يجهل تاريخ مصر أو أسس هذا التاريخ في العصر الحديث.