(مترجمة عن بوب الشاعر الإنكليزي.)
الهجر الصادق
تجشَّم فيك القلب ما ليس يعذب
أما آن لي منك النجاء المحبب
فهجرًا فهذا القيد قد طال عهده
أليس لقلبي غير حبك مذهب؟
هجرتك هجر المرء أسودَ سالخًا
يمج حمامًا كيفما يتقلب
هوى الموت أحلى من هواك لأنه
هوى صادق الميعاد لا يتذبذب
وما كنت فتانًا ولكن فتنتني
بما صنعتْ عيني من الحسن أعجب
فلا تغترر مني بما قد عهدته
لدن كنت أعفو إذ تسيءُ وتذنب
فما كلُّ حين يغلب الحب ربه
ولا الصبر في كل المواطن يُغلَب
لتظمأُ ليالٍ كان دمعي شرابها
فحسبُ الليالي دمعُ من لم يجرِّبوا
أنا اليوم في هجري على الكره صادق
وقد كنت في هجري على الكره أكذِب
تمثال رمسيس٢٥
رمسيس أين جنودك البُسَلاءُ
ومواكب لك في البلاد وُضاءُ
وبشائرٌ بك كلما طال المدى
وتقدمت بإيابك الأنباءُ
والجيش حولك كالغمائم فوقهم
للمُلكِ والفتح المبين لواءُ
متهللين غداة أطفأ شوقهم
نيلٌ أتوه وهم إليه ظماءُ
فنِيَ الجنود فهم حيالك عِثيرٌ
٢٦
سافٍ وأنت جلامدٌ صماء
مُتَخيِّر الصحراء دار إقامة
إن الليوث ديارُها الصحراء
وتكنَّفتك
٢٧ من الخلود مسافة
لا يستبيح ذمارها الأحياء
•••
لجلال وجهك يا ابن (سيتي) هيبةٌ
تعنو لها الآماد، فهي هباء
لما وقفت لديك زالت أعصرٌ
بيني وبينك وانطوت آناء
وتقشَّعت عني الدهور فها هنا
تلك الديار وها هنا القدماء
سيناء تطويها بجيشك غازيًا
في حيث توجف
٢٨ وحدها النكباء
حرَّمتها بالمعجزات وعزمةٍ
فيها من القدر العزيز مضاء
والشام لم تلد المسيح وما رأت
موسى الكليم وقومه سيناء
أرض لو أن الريح تعقل ما عفا
أثر لجندك فوقها ووطاء
•••
لك في الشآم جحافل جرَّارة
وعلى الفرات كتائب شعواء
وعلى متون
٢٩ اليم طود سابح
يرسو بأمر الملك حيث تشاء
توليكَ «بابل» ما تروم «ونينوَى»
ويُمدك الأنصار والأعداء
فخر الملوك رجاء عفوك عنهمُ
ورضاك أكبر ما ابتغى الأمراء
والأمر أمرك ما قضيت فنافذٌ
فيهم وما لم تقضِ فهو هراء
والنيل يجري حيث سار عليه مِن
أجناد مصرك عصبةٌ زهراء
•••
وكأن طيبة والهياكل حولها
ملء الفضاء أواهلٌ شمَّاء
يشدو بذكرك شيخها ورضيعها
ويحبك السادات والوضعاء
في كل يوم يستطير جنانهم
نصرٌ يُزف ومنحة غراء
لسمعتُ «بتنامور» ينشد شعره
فتهز ساحة قصرك الأصداء
ورأيت قصرك في المدائن يحتمي
فيه الضعيف ويخبت العظماء
٣٠
والقوم حولك خاشعون كأنهم
بحِمى «أمونَ» لجمعهم إصغاء
تلقى الوفودَ العائذين وكلهم
بيضًا وسودًا، أعبدٌ وإماء
ثم انتبهتُ كأنما هي في الكرى
رؤيا تلفِّق نسجها الظلماء
فبكيت مصر وهل يفيد إذا جرى
حكم القضاء على الديار بكاء
•••
رمسيس أية صخرة بين الصفا
٣١
قد شرَّفَتها هذه السيماء
رجحت بها التبرَ السبيكَ نفاسةً
ما التبر والذكر المقيم سواء
حفظت سماتك بيننا وتطلعت
تبغي علاك فعازها الأجواء
وشكت مواقفة الزمان ولم يكن
يعروك أنت بموقف إعياء
•••
رمسيس! هل ترضى مُقامك بينهم
لو تستقل بنهضك الأعضاء؟
عيناك لو رأتا الضحى أعماهما
من أرض مصرَ وقومها أقذاء
شعبٌ يعاف النابهون جواره
ولو انَّهم حجرٌ عليه عفاء
هل يسمعون؟ فقد كفاهم واعظًا
صخر أصم ودمية خرساء
إني لأعذلهم وبي من جهلهم
داءٌ تهون بمثله الأدواء
فعليهمُ مني السلام إذا صحَوا
يومًا وطال بجفنيَ الإغفاء
نفثة
ظمآن ظمآن لا صوب الغمام ولا
عذب المدام ولا الأنداء تُرويني
حيران حيران لا نجم السماء ولا
معالم الأرض في الغمَّاء تهديني
يقظان يقظان لا طيب الرقاد يُدا
نيني، ولا سمر السُّمَّار يلهيني
غصان غصان لا الأوجاع تبليني
ولا الكوارث والأشجان تبكيني
شعري دموعي وما بالشعر من عوض
عن الدموع نفاها جفنُ محزون
يا سوء ما أبقتَ الدنيا لمُغتبط
على المدامع أجفان المساكين
هم أطلقوا الحزن فارتاحت جوانحهم
وما استرحتُ بحزن فيَّ مدفون
أَسوان أَسوان لا طب الأساة ولا
سحر الرُّقاة من اللأَواء يشفيني
سأمان سأمان لا صفو الحياة ولا
عجائب القدر المكنون تعنيني
أصاحب الدهر لا قلب فيسعدني
على الزمان ولا خِلٌّ فيأسوني
يديك فامحُ ضنِّي يا موت في كبدي
فلستَ تمحوه إلا حين تمحوني
صوت نذير: إلى الشبان
شبانَ مصر أتسمعون لناصح
منكم فأُنشد بينكم أشعاري
أنتم خلاصتها فليس لغيركم
يتوجه الخلصاء بإلإنذار
للمرء أعمارٌ عدادُ عهودِهِ
وهي الشبيبة أنفَس الأعمار
وشبيبة الأقوام في شبانها
أبد الزمان جديدة التكرار
فإذا سعيتم فالبلاد فتيَّةٌ
وإذا ونيتم فهي في إدبار
في وسعكم نفع البلاد وضرها
فخذوا الأمان لها من الأضرار
من لي، وإن كذَّبتُ عيني، أن أرى
فيكم شمائل فتية الأمصار
لبسوا الشباب فعطروا أردانه
ولبستموه فرثَّ كالأطمار
همُّوا بتذليل الصعاب وهمُّكم
باللهو بين الكأس والأوتار
وتَناهبوا فُرص الحياة وأنتمُ
نهب لفرصة لذة وخسار
وتحدثوا بالمكرمات وأنتمُ
بالمنديات حديثكم والعار
وسَمَوا إلى طلب الفخار وأنتمُ
رصد لكل متيم بفخار
رفعوا على الأعناق مجد بلادهم
ووضعتموه على شفير هار
يا معشر الشبان أي فعالكم
سلمت معارضها من الإنكار
عمرت منازل للخراب وأقفرت
سبُل المحامد أيما إقفار
سبحان من يُرضي الذليل ولو درى
بمصابه، لأوى إلى الأجحار
يُغلي الحياة وليس أبخسَ قيمةً
من عيشة تغلو على الأخطار
من لم يبع بالحمد ذخر حياته
باع الخلود بأرخص الأسعار
•••
إني لأنكر في الوظائف أمة
منكم بلا همم ولا أفكار
جهلوا الحياة فباع كلٌّ قِسمه
في الباقيات بفضلة الدينار
بيد الرءوس صعودهم وهبوطهم
فكأنهم سلع من التجار
لا يُرتجى منهم لنصرة نفسه
أحدٌ، فكيف به لنصر الجار؟
•••
إني لأنكر في المحافل مجلسًا
عُقد اللواء به على المهذار
يطغى به صوت المجون سفاهة
ويضل صوت الجد في التيار
متضاحكين على الشجا وذحولكم
في الصدر كامنة كمون النار
ما كان بعضكم لبعض مبغضًا
في مشكلاتٍ للأمور كبار
لكنه بغض الصغير ولم يزل
بغض الصغار مظنة الأقذار
وإذا التنافس لم يكن لعظيمة
رجح القميء
٣٢ به على الجبار
•••
إني لأنكر جمعكم في معهد
رحْب الجوانب شامخ الأسوار
تتلقفون به الحروف كأنما
عند الحروف حقائق الأخبار
يا قارئًا في طرسه وكتابه
ما العلم حظ القارئ الثرثار
العلم ما كشف الحقائق نوره
وأراك كيف يكون صنع الباري
والعلم ما نفض الكرى عن أهله
فأقام بعد الليل ضوء نهار
والعلم نار في القلوب كأنه
حَرُّ الهجيرة لا سنى الأقمار
والعلم، علم الكون، في صفحاته
لا في قراطيس ولا طومار
والعلم وصف الله فاعلم تستطع
تصريف ما في الكون من أسرار
فإذا درستم في الكتاب فحققوا
مصداقه في حكمة القهار
•••
إني لأنكر جمعكم في بيئة
خفيت طرائقها على الأبصار
سدروا
٣٣ فما لحياتهم من غاية
وتفرقوا فهُمُ بغير قرار
سلهم عن الدنيا يقولوا انَّها
يومٌ فيومٌ دائب التكرار
من كل ساهٍ ليس يذكر أمسَه
إلا ليذكر أسوأ الأوزار
لم تُبقِ أيةُ غدوة من عمره
لمسائها، أثرًا من الآثار
العجز أذهل نفسَه عن نفسه
والحرص أذهله عن الأغيار
فاعجب له من ذاهل متذكر
شرَّ الذهول وأقبح التذكار
•••
يا من يقول لمصر من شبانها
لبيك حين تقول مصر بَدارِ
تعطي الجزيل وما تُجشِّم قومها
خوضًا لمقتلة ولا لأسار
فَوَحَق مصرٍ ما بمصرٍ حاجة
إلا إلى العزمات والإيثار
وَوَحَقُّ مصر ما بمصر حاجة
إلا إلى شيم ورأي وار
فتخلقوا فالخلق أوثق ما ابتنى
بانٍ، وأجمل زينة وشعار
وتعلموا فالأرض دار لم يعش
فيها الجهول بسرها من دار
وثِقوا بأنفسكم فليس لباخسٍ
مقداره حظٌّ من الأقدار
من لم يكذبه الزماع فما له
في الناس أو في الحادثات مُمارِ
وإذا تطاولت الرقاب تعجرفًا
فحذارِ من خفض الرقاب حذارِ
ثبت القديم لكم بغير منازع
فتداركوا العهدين بالآصار
ما غيَّر الله السماء ولا الثرى
والنيل في أرض الكنانة جار
والمجد كان ولا يزال غنيمة
للعاملين أواخر الأدهار