فيلياس وباسبارتو يُوَاجِهَانِ خَارِجِينَ عَلَى الْقَانُونِ عَلَى السِّكَكِ الْحَدِيدِيَّةِ
انْطَلَقَ الْقِطَارُ مُتَجَاوِزًا مَدِينَةَ فورت ساندرز، وَعَبَرَ شايَان باس إِلَى إيفنز باس؛ حَيْثُ صَعِدَ فيلياس وَباسبارتو إِلَى أَعْلَى ارْتِفَاعٍ وَصَلَا إِلَيْهَ مُنْذُ انْطِلَاقِهِمَا فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ الْمُذْهِلَةِ حَوْلَ الْعَالَمِ. اسْتَمَرَّ الْقِطَارُ فِي الْمُضِيِّ قُدُمًا وَعَبَرَ أَرَاضِيَ وايومينج وَكولورادو إِلَى نبراسكا؛ وَبَيْنَمَا كَانَ الْقِطَارُ يَشُقُّ طَرِيقَهُ، أَمْضَى الْمُسَافِرُونَ الْأَرْبَعَةُ وَقْتَهُمْ فِي لَعِبِ الْوَرَقِ.
وَبَيْنَمَا كَانَ الْقِطَارُ يَمْضِي فِي طَرِيقِهِ إِلَى أوماها، دَوَّى صَوْتُ اصْطِدَامٍ هَائِلٍ. تَوَقَّفَ الْقِطَارُ تَمَامًا عَلَى الْقُضْبَانِ، وَنَظَرَ جَمِيعُ الرُّكَّابِ فِي الْعَرَبَةِ إِلَى الْخَارِجِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا رُؤْيَةَ شَيْءٍ. وَفَجْأَةً، عَادَ الْقِطَارُ لِيَتَحَرَّكَ مُجَدَّدًا.
سَأَلَ باسبارتو: «مَاذَا حَدَثَ بِحَقِّ السَّمَاءِ؟» ثُمَّ التَفَتَ إِلَى فيلياس وَقَالَ: «سَأَذْهَبُ لِأَتَفَقَّدَ الْأَمْرَ يَا سَيِّدِي.»
خَرَجَ باسبارتو مِنَ الْعَرَبَةِ وَسَارَ نَحْوَ مُقَدِّمَةِ الْقِطَارِ، وَكَانَ عَدَدٌ مِنَ الرُّكَّابِ قَدْ خَرَجَ كَذَلِكَ وَمِنْ بَيْنِهِمْ كولونيل بروكتور، وَكَانُوا يَسْمَعُونَ ضَجِيجًا مِنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الْقِطَارِ، ثُمَّ بَدَأَ الرُّكَّابُ فِي الصُّرَاخِ.
ودَاخِلَ الْعَرَبَةِ، شَحُبَ وَجْهُ عودا عِنْدَمَا سَمِعَتِ الصِّيَاحَ وَالضَّجِيجَ بِالْخَارِجِ، وَسَأَلَتْ: «مَا الَّذِي حَدَثَ فِي رَأْيِكَ؟»
أَجَابَ الْمُحَقِّقُ فيكس: «أُرَاهِنُ أَنَّ هُنَاكَ خَارِجِينَ عَنِ الْقَانُونِ قَدْ هَاجَمُوا الْقِطَارَ!»
وَضَعَ فيلياس أَوْرَاقَهُ بِهُدُوءٍ وَقَالَ: «فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، قَدْ تَكُونُ أَمَامَنَا مَعْرَكَةٌ!» ثُمَّ اسْتَطْرَدَ عِنْدَمَا رَأَى الصَّدْمَةَ عَلَى وَجْهِ عودا: «وَلَكِنْ دَعُونَا نَأْمُلُ أَلَّا تَصِلَ الْأُمُورُ لِهَذَا الْحَدِّ. عَلَيْكِ الْبَقَاءُ هُنَا فِي مَأْمَنٍ يَا عودا، أَغْلِقِي ذَلِكَ الْبَابَ بِإِحْكَامٍ وَلَا تَدَعِي أَحَدًا يَدْخُلُ!»
وَكَمَا اتَّضَحَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَدْ هَاجَمَتْ عِصَابَةٌ قِوَامُهَا مَا يَقْرُبُ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ الْقِطَارَ، وَقَدْ قَفَزَ الْعَدِيدُ مِنْهُمْ إِلَى الدَّاخِلِ وَالْقِطَارُ يَتَحَرَّكُ! وَكَانُوا مُلَثَّمِينَ وَمُدَجَّجِينَ بِالسِّلَاحِ، وَكَانُوا قَدْ دَاهَمُوا عَرَبَةَ سَائِقِ الْقِطَارِ وَأَفْقَدُوهُ الْوَعْيَ، وَأَخَذُوا يَتَنَقَّلُونَ مِنْ عَرَبَةٍ لِأُخْرَى وَهُمْ يَسْلُبُونَ كُلَّ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الْمُسَافِرِينَ الْمَسَاكِينِ.
سَارَ الْقِطَارُ أَسْرَعَ فَأَسْرَعَ بِدُونِ سَائِقٍ لِلتَّحَكُّمِ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَوَقَّفِ الْقِطَارُ فَحَتْمًا سَيَصْطَدِمُ بِشَيْءٍ وَيَتَحَطَّمُ. عِنْدَمَا اكْتَشَفَ باسبارتو مَا يَحْدُثُ، عَادَ هُوَ وَالكولونيل بروكتور سَرِيعًا لِلْمُسَاعَدَةِ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَكَانَ هُنَاكَ الْعَدِيدُ مِنَ الرِّجَالِ عَلَى مَتْنِ الْقِطَارِ يَتَعَارَكُونَ بِالْفِعْلِ مَعَ قَاطِعِي الطَّرِيقِ، وَاشْتَبَكَ باسبارتو فِي الْقِتَالِ فَوْرًا بِتَسْدِيدِ اللَّكَمَاتِ وَالرَّكَلَاتِ مُسْتَخْدِمًا كُلَّ قُدْرَاتِهِ الْبَهْلَوَانِيَّةِ. وَكَانَ الْكُولُونِيل بروكتور يَتَمَتَّعُ بِقَبْضَةٍ قَوِيَّةٍ، وَقَدْ صَرَعَ عَدَدًا مِنْ قَاطِعِي الطَّرِيقِ بِيَدَيْهِ الْعَارِيَتَيْنِ!
وَفِي خِضَمِّ الْمَعْرَكَةِ، وَوَسْطِ تَطَايُرِ الْأَذْرُعِ وَالْقَبَضَاتِ هُنَا وَهُنَاكَ، لَاحَظَ باسبارتو ثَلَاثَةً مِنْ قُطَّاعِ الطُّرُقِ يُحِيطُونَ بِالْمُحَصِّلِ الْمِسْكِينِ، وَصَرَخَ الْمُحَصِّلُ وَهُوَ يَسْقُطُ أَرْضًا: «إِذَا لَمْ يَتَوَقَّفِ الْقِطَارُ عِنْدَ مَحَطَّةِ «فورت كيَارني»، فَسَوْفَ نَهْلِكُ جَمِيعًا! سَيَتَحَطَّمُ الْقِطَارُ! سَيَتَحَطَّمُ الْقِطَارُ!»
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ فيلياس قَدْ انْضَمَّ إِلَى الْمَعْرَكَةِ؛ بَلْ وَكَانَ بِجَانِبِ الْمُحَصِّلِ، فَسَدَّدَ لَكْمَةً قَوِيَّةً لِأَنْفِ أَحَدِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَقَالَ: «سَيَقِفُ إِذَنْ!» وَاتَّجَهَ مُسْرِعًا إِلَى مُقَدِّمَةِ الْقِطَارِ، وَلَكِنَّ باسبارتو أَوْقَفَهُ وَقَالَ: «ابْقَ أَنْتَ يَا سَيِّدِي! سَوْفَ أَذْهَبُ أَنَا.»
لَمْ يَكُنْ لَدَى فيلياس وَقْتٌ لِيُوقِفَهُ، حَيْثُ قَفَزَ أَحَدُ أَفْرَادِ الْعِصَابَةِ عَلَى ظَهْرِهِ وَبَدَأَ يَجْذِبُهُ أَرْضًا.
انْزَلَقَ باسبارتو مِنَ الْعَرَبَةِ وَزَحَفَ تَحْتَ الْقِطَارِ الْمُتَحَرِّكِ، وَبِالِاعْتِمَادِ عَلَى خِبْرَتِهِ كَبَهْلَوَانٍ، تَعَلَّقَ بِالسَّلَاسِلِ وَسَحَبَ نَفْسَهُ بِاسْتِخْدَامِ الْفَرَامِلِ، وَزَحَفَ مِنْ عَرَبَةٍ لِأُخْرَى حَتَّى وَصَلَ إِلَى عَرَبَةِ الْقِيَادَةِ.
وَبِكُلِّ مَا يَمْلِكُ مِنْ قُوَّةٍ، تَمَكَّنَ باسبارتو مِنْ سَحْبِ سِلْسِلَةِ الْأَمَانِ مِنْ عَرَبَةِ الْقِيَادَةِ، وَرَأَى الْعَرَبَةَ وَهِيَ تَنْفَصِلُ عَنْ بَاقِي الْقِطَارِ، ثُمَّ بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ لسَحْبِ الْفَرَامِلِ. وَأَخِيرًا، تَوَقَّفَتْ بَاقِي عَرَبَاتِ الْقِطَارِ تَمَامًا أَمَامَ مَحَطَّةِ فورت كيرني، بَيْنَمَا انْطَلَقَتْ عَرَبَةُ الْقِيَادَةِ وَحْدَهَا.
كَانَ الْجُنُودُ فِي الْحِصْنِ قَدْ سَمِعُوا الشَّغْبَ، وَكَانُوا عَلَى أُهْبَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِمُوَاجَهَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا رَأَى أَفْرَادُ الْعِصَابَةِ الْجُنُودَ وَهُمْ مُصْطَفُّونَ وَمُسْتَعِدُّونَ بِأَسْلِحَتِهِمْ لِإِطْلَاقِ النِّيرَانِ، تَرَكُوا الْقِطَارَ، وَقَفَزُوا عَلَى خُيُولِهِمْ، وَلَاذُوا بِالْفِرَارِ.
وَبَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ الْمَوْقِفُ آمِنًا، غَادَر عودا وَفيلياس وَفيكس الْقِطَارَ وَوَقَفُوا عَلَى الرَّصِيفِ، ثُمَّ صَاحَتْ عودا: «أَيْنَ باسبارتو؟ إِنَّهُ لَيْسَ هُنَا!»
حَاوَلَ فيلياس تَهْدِئَتَهَا، وَلَكِنَّهُ عَلِمَ فِيمَ كَانَتْ هِيَ وَفيكس يُفَكِّرَانِ؛ لَقَدِ اخْتَطَفَتِ الْعِصَابَةُ باسبارتو! وَبَدَأَتْ عودا فِي الْبُكَاءِ.
إِذَا كَانَ خَادِمُ فيلياس سَجِينًا لَدَى الْخَارِجِينَ عَلَى الْقَانُونِ، فَعَلَيْهِ إِنْقَاذُهُ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَيَارٌ آخَرُ.
فَقَالَ: «لَا تَقْلَقِي يَا عودا، سَأَعْثُرُ عَلَى باسبارتو حَيًّا أَوْ مَيِّتًا.»
بَكَتْ عودا وَهِيَ تُغَطِّي وَجْهَهَا بِيَدَيْهَا: «يَا إِلَهِي! فيلياس!»
أَصَرَّ: «حَيًّا! إِذَا ذَهَبْنَا فَوْرًا.» اسْتَدَارَ فيلياس وَرَأَى قَائِدَ الْحِصْنِ يَقِفُ عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْهُ، فَنَادَى عَلَيْهِ: «أَيُّهَا الْقَائِدُ!»
اسْتَدَارَ الْقَائِدُ نَحْوَهُ، فَقَالَ فيلياس: «لَقَدِ اخْتَطَفَ قَاطِعُو الطُّرُقِ خَادِمِي يَا سَيِّدِي، وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ قَد اخْتَطَفُوا بَعْضَ الرُّكَّابِ كَذَلِكَ؛ يَجِبُ مُطَارَدَتُهُمْ!»
قَالَ الْقَائِدُ: «هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ شَدِيدَةٌ يَا سَيِّدِي، فَرُبَّمَا يَكُونُونَ قَدْ عَادُوا بِهِمْ إِلَى أركنساس، وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتْرُكَ الْحِصْنَ بِدُونِ حِمَايَةٍ.»
قَالَ فيلياس: «حَسَنًا، إِذَنْ سَأَذْهَبُ بِمُفْرَدِي.»
صَاحَ فيكس: «بِمُفْرَدِكَ! هَلْ سَتَذْهَبُ لِمُطَارَدَةِ قَاطِعِي الطَّرِيقِ بِمُفْرَدِكَ؟»
قَالَ الْقَائِدُ: «كَلَّا، لَنْ أَسْمَحَ بِذَلِكَ، سَأُعْطِيكَ ثَلَاثِينَ مُتَطَوِّعًا لِيَذْهَبُوا مَعَكَ.» ثُمَّ اسْتَدَارَ إِلَى قُوَّاتِهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ! أَحْتَاجُ إِلَى ثَلَاثِينَ مُتَطَوِّعًا مِنْكُمْ لِلذَّهَابِ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الشُّجَاعِ لِإِنْقَاذِ الرُّكَّابِ الَّذِينَ اخْتَطَفَهُمْ قَاطِعُو الطَّرِيقِ، مَنْ سَيَذْهَبُ مَعَهُ؟»
تَقَدَّمَتِ السَّرِيَّةُ بِالْكَامِلِ مُتَطَوِّعَةً، لَكِنَّ الْقَائِدَ اخْتَارَ ثَلَاثِينَ مِنْ أَفْضَلِ رِجَالِهِ، وَسُرْعَانَ مَا كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلِانْطِلَاقِ.
أَصَرَّ فيكس: «سَأَذْهَبُ مَعَكَ.»
أَجَابَ فيلياس: «كَلَّا، يَجِبُ أَنْ تَظَلَّ مَعَ الْآنِسَةِ عودا، تَحَسُّبًا لِأَيِّ شَيْءٍ يَحْدُثُ لِي.»
نحى فيكس مَشَاعِرَهُ تِجَاهَ فيلياس جَانِبًا، وَقَالَ: «حَسَنًا، سَأَبْقَى!» وَالْتَفَتَ إِلَى عودا.
– «لَا تَقْلَقِي يَا آنِسَةُ، مَعَنَا هُنَا أَيْضًا الكولونيل بروكتور.» وَكَانَ الكولونيل بروكتور يَجْلِسُ لِلِاعْتِنَاءِ بِجُرْحٍ فِي ذِرَاعِهِ، وَعِنْدَمَا وَجَدَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، لَوَّحَ لَهُمْ بِالنَّصْرِ بِيَدِهِ السَّلِيمَةِ.
ضَغَطَ فيلياس عَلَى يَدِ عودا بِرِفْقٍ وَتَرَكَ لَهَا حَقِيبَتَهُ الْقُمَاشِيَّةَ لِتَعْتَنِيَ بِهَا، ثُمَّ انْضَمَّ إِلَى الْجُنُودِ الَّذِينَ عَثَرُوا لَهُ عَلَى حِصَانٍ إِضَافِيٍّ لِيَمْتَطِيَهُ. وَقَبْلَ الْمُغَادَرَةِ، قَالَ فيلياس لِلْجُنُودِ: «يَا أَصْدِقَائِي، أُرِيدُ اسْتِعَادَةَ رِفَاقِنَا الْمُسَافِرِينَ عَلَى قِيدِ الْحَيَاةِ. وَكَيْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَهَمَّةُ تَسْتَحِقُّ الْوَقْتَ وَالْعَنَاءَ، سَوْفَ أُقَسِّمُ بَيْنَكُمْ مَبْلَغَ خَمْسَةِ آلَافِ دُولَارٍ بَعْدَ إِنْقَاذِ هَؤُلَاءِ السُّجَنَاءِ.»
ثُمَّ انْطَلَقُوا!
•••
وَبَيْنَمَا كَانَتْ عودا تَنْتَظِرُ بِصَبْرٍ رُجُوعَ فيلياس وَالْجُنُودِ دَاخِلَ الْمَحَطَّةِ، كَانَ الْمُحَقِّقُ فيكس يَقْطَعُ الْمَحَطَّةَ جِيئَةً وَذَهَابًا. وَفَجْأَةً، دَوَّى صَوْتُ صَافِرَةٍ عَالِيَةٍ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، مَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؟ وَبَدَأَ جِسْمٌ مُظْلِمٌ يَظْهَرُ مِنْ بَيْنِ الثُّلُوجِ، إِنَّهَا الْقَاطِرَةُ! كَانَ سَائِقُ الْقِطَارِ قَدِ اسْتَعَادَ وَعْيَهُ وَاكْتَشَفَ مَا حَدَثَ، فَقَادَ الْعَرَبَةَ عَائِدًا بِهَا إِلَى حِصْنِ فورت كيرني.
شَعَرَ الرُّكَّابُ بِالسَّعَادَةِ الْغَامِرَةِ لِرُؤْيَةِ عَرَبَةِ الْقِيَادَةِ، فَالْآنَ يُمْكِنُهُمْ مُوَاصَلَةُ طَرِيقِهِمْ إِلَى أوماها.
انْدَفَعَتْ عودا منَ الْمَحَطَّةِ وَسَأَلَتِ الْمُحَصِّلَ: «هَلْ سَيَتَحَرَّكُ الْقِطَارُ الْآنَ؟»
أَجَابَ: «فِي التَّوِّ وَاللَّحْظَةِ يَا سَيِّدَتِي.»
قَالَتْ: «وَلَكِنَّ السُّجَنَاءَ لَمْ يَعُودُوا بَعْدُ، يَجِبُ أَنْ نَنْتَظِرَهُمْ.»
– «أَخْشَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُمْكِنًا، يَجِبُ أَنْ نَتَحَرَّكَ فَوْرًا؛ فَلَقَدْ تَأَخَّرْنَا بِالْفِعْلِ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ عَنْ مَوْعِدِنَا.»
قَالَتْ: «لَنْ أَذْهَبَ، وَأَنْتَ أَيْضًا يَجِبُ أَلَّا تَذْهَبَ، هَذَا مُخْزٍ.»
قَالَ: «يُؤْسِفُنِي أَنَّكِ تَشْعُرِينَ بِهَذَا يَا سَيِّدَتِي، وَلَكِنَّ مَعَنَا رُكَّابًا آخَرِينَ يَجِبُ أَنْ نُفَكِّرَ بِشَأْنِهِمْ أَيْضًا.»
كَانَ الرُّكَّابُ الْآخَرُونَ — بَعْضُهُمْ مُصَابٌ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ مُعَافًى — قَدْ صَعِدُوا عَلَى مَتْنِ الْقِطَارِ وَعَادُوا إِلَى عَرَبَاتِهِمْ. وَدَعَتْ عودا الكولونيل الَّذِي قَدْ قَرَّرَ مُوَاصَلَةَ رِحْلَتِهِ، وَشَكَرَتْهُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ مُسَاعَدَةٍ فِي مُوَاجَهَةِ قَاطِعِي الطَّرِيقِ.
صَعِدَ الْمُحَقِّقُ فيكس أَيْضًا عَلَى مَتْنِ الْقِطَارِ، وَلَكِنْ فِي آخِرِ لَحْظَةٍ قَرَّرَ الْبَقَاءَ مَعَ عودا، كَمَا وَعَدَ. تَصَاعَدَ الْبُخَارُ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْقِطَارِ وَهُوَ يَسِيرُ مُبْتَعِدًا، وَكَانَتِ الثُّلُوجُ لَا تَزَالُ تَنْهَمِرُ مِنَ السَّمَاءِ.
حَلَّ الْمَسَاءُ، وَكَانَ السُّجَنَاءُ لَمْ يَأتُوا بَعْدُ، وَكَانَتْ عودا تَتَمَشَّى بِطُولِ الرَّصِيفِ بَيْنَمَا جَلَسَ فيكس سَاكِنًا قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ، وَمَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، اشْتَدَّتْ بُرُودَةُ الطَّقْسِ بِشِدَّةٍ. وَلَكِنْ كَانَ خَيَالُ عودا قَدْ سَبَحَ بَعِيدًا وَهِيَ تُفَكِّرُ فِيمَا حَدَثَ لِفيلياس وَباسبارتو؟ وَفِي الْفَجْرِ، سُمِعَ دَوِيُّ طَلْقٍ نَارِيٍّ أُطْلِقَ كَإِشَارَةٍ مِنْ عَلَى بُعْدٍ، وَانْدَفَعَتْ عودا إِلَى الرَّصِيفِ، وَوَقَفَ فيكس إِلَى جَانِبِهَا. إِنَّهُمَا فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِمَا! فيلياس وَباسبارتو عَادَا سَالِمَيْنِ!
عِنْدَ عَوْدَتِهِمْ إِلَى الْمَحَطَّةِ، أَعْطَى فيلياس الْمُكَافَأَةَ لِلْجُنُودِ الْبَوَاسِلِ الَّذِينَ سَاعَدُوهُ، فِي حِينِ نَظَرَ باسبارتو حَوْلَهُ بَحْثًا عَنِ الْقِطَارِ؛ فَقَدْ كَانَتْ رِحْلَةُ سَيِّدِهِ أَكْثَرَ مَا يَشْغَلُ بَالَهُ.
فَسَأَلَ: «أَيْنَ الْقِطَارُ؟»
قَالَتْ عودا: «لَقَدْ رَحَلَ، غَادَرَ بِالْأَمْسِ بِدُونِنَا.»
صَاحَ باسبارتو: «لَا يُمْكِنُ! مَتَى سَيَصِلُ الْقِطَارُ التَّالِي؟»
أَجَابَتْ: «لَيْسَ قَبْلَ هَذَا الْمَسَاءِ.»
قَالَ فيلياس فوج بِهُدُوءٍ: «حَسَنًا.»
كَانَ باسبارتو غَاضِبًا بِشِدَّةٍ، فَالْمَعْرَكَةُ مَعَ قَاطِعِي الطَّرِيقِ قَدْ تَكُونُ كَلَّفَتْ سَيِّدَهُ الرِّهَانَ!
فَسَأَلَ: «مَاذَا سَنَفْعَلُ الْآنَ؟»
لَمْ يَتَفَوَّهْ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَيٌّ مِنْهُمْ يُدْرِكُ مَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلُوا، فَلَا يُمْكِنُهُمُ انْتِظَارُ الْقِطَارِ، وَلَكِنْ هَلْ هُنَاكَ حَلٌّ آخَرُ؟
وَعَلَى مَضَضٍ، تَحَدَّثَ الْمُحَقِّقُ فيكس، رَغْمَ كُرْهِهِ لِهَذَا؛ فَلَقَدْ وَعَدَ بِمُسَاعَدَةِ باسبارتو لِكَيْ يَظَلَّ فِي الْمَسَارِ الصَّحِيحِ، كَمَا أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتْ عَوْدَتُهُمْ إِلَى إِنْجِلْتِرَا أَسْرَعَ، كَانَ إِلْقَاءُ الْقَبْضِ عَلَيْهِ أَسْرَعَ؛ فقَالَ فيكس: «قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ حَلٌّ!» نَظَرَ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ، «لَيْلَةَ أَمْسِ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ أَنَّ هُنَاكَ مِزْلَجَةً بِشِرَاعٍ يُمْكِنُ أَنْ تُوَصِّلَنَا إِلَى أوماها، وَمِنْ هُنَاكَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَلْحَقَ بِالْقِطَارِ الْمُتَّجِهِ إِلَى نيويورك.»
فَقَالَ باسبارتو مُتَعَجِّبًا: «إِذَنْ لَا يَزَالُ هُنَاكَ أَمَلٌ!»
قَالَ فيلياس: «لِنَرَ مَاذَا سَيَقُولُ لَنَا الرَّجُلُ صَاحِبُ الْمِزْلَجَةِ الْغَرِيبَةِ.»
•••
كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي يَمْلِكُ الْمِزْلَجَةَ يُدْعَى مادج، وَفِي الشِّتَاءِ غَالِبًا مَا يَسْتَخْدِمُ مِزْلَجَتَهُ فِي نَقْلِ الْأَشْخَاصِ مِنْ مَحَطَّةِ قِطَارٍ لِأُخْرَى فِي الطَّقْسِ السَّيِّئِ. وَكَانَتْ الْمِزْلَجَةُ الْغَرِيبَةُ طَوِيلَةً لِلْغَايَةِ، وَبِهَا سَارِيَةٌ عَالِيَةٌ تَحْمِلُ الشِّرَاعَ، وَكَانَ بِهَا مُتَّسَعٌ لِسِتَّةِ أَفْرَادٍ.
عَقَدَ فيلياس صَفْقَةً سَرِيعًا مَعَ مادج لِإِيصَالِهِمْ إِلَى أوماها، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ أَنْ تُضْطَرَّ عودا لِلسَّفَرِ فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ؛ فَسَأَلَهَا إِذَا كَانَتْ تَرْغَبُ فِي انْتِظَارِ الْقِطَارِ، وَيُمْكِنُ لِباسبارتو الْبَقَاءُ بِجَانِبِهَا، وَلَكِنَّهَا رَفَضَتْ، وَكَانَ باسبارتو سَعِيدًا بِرَفْضِهَا؛ إِذْ إِنَّهُ كَانَ لَا يَزَالُ لَا يَثِقُ فِي الْمُحَقِّقِ، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَتْرُكَهُ وَحْدَهُ مَعَ سَيِّدِهِ.
وَلَمْ يَمْضِ الْكَثِيرُ حَتَّى كَانَتِ الْمِزْلَجَةُ جَاهِزَةً، وَرَكِبَهَا الْجَمِيعُ وَتَدَثَّرُوا بِأَغْطِيَةٍ ثَقِيلَةٍ لِيَشْعُرُوا بِالدِّفْءِ.
يَا لَهَا مِنْ رِحْلَةٍ! أَسْرَعَتِ الْمِزْلَجَةُ تَشُقُّ طَرِيقَهَا عَلَى الْمُرُوجِ بِخِفَّةٍ كَمَا يَشُقُّ الْمَرْكَبُ طَرِيقَهُ فِي الْمِيَاهِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ مُتَجَمِّدَةً! وَكَانَتِ الرِّيَاحُ قَوِيَّةً وَفِي الِاتِّجَاهِ الْمُنَاسِبِ تَمَامًا، وَكَانَتِ الْحُقُولُ الْبَيْضَاءُ الشَّاسِعَةُ أَمَامَهُمْ لَا تَتْرُكُ مَجَالًا لِظُهُورِ الْمَنَازِلِ أَوِ الْمُدُنِ أَوِ الْقُرَى، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقِفْ أَمَامَهُمْ أَيُّ عَائِقٍ. وَمِنْ حِينٍ لِآخَرَ، كَانُوا يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ سَقَطَتِ الْأَوْرَاقُ مِنْ عَلَى أَغْصَانِهَا.
وَفَجْأَةً، رَأَى مادج أَسْطُحًا بَيْضَاءَ عَلَى بُعْدٍ؛ فَصَاحَ: «لَقَدْ وَصَلْنَا!» وَسُرْعَانَ مَا مَرَّتِ الْأَمْيَالُ الْأَخِيرَةُ الْمُتَبَقِّيَةُ وَهُرِعَ الْمُسَافِرُونَ لِلِّحَاقِ بِالْقِطَارِ. لَقَدْ نَجَحُوا!
وَصَلُوا إِلَى شيكاغو وَلَمْ يَتَبَقَّ أَمَامَهُمْ سِوَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً قَبْلَ انْطِلَاقِ الْبَاخِرَةِ إِلَى إِنْجِلْتِرَا، فَانْطَلَقُوا بِسُرْعَةِ الْبَرْقِ. وَفِي النِّهَايَةِ ظَهَرَتْ نيويورك فِي الْأُفُقِ، وَتَوَقَّفَ الْقِطَارُ أَمَامَ مَكْتَبِ الْبَاخِرَةِ تَمَامًا. وَلَكِنْ كَانَتِ الْبَاخِرَةُ «تشاينا» الْمُتَّجِهَةُ إِلَى ليفربول قَدْ غَادَرَتْ قَبْلَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ دَقِيقَةً فَقَطْ!
صُعِقَ باسبارتو، لَا يُمْكِنُ هَذَا! لَقَدْ قَطَعُوا كُلَّ هَذِهِ الْمَسَافَةِ فَقَطْ لِيُفَوِّتُوا السَّفِينَةَ بِفَارِقِ سَاعَةٍ إِلَّا رُبْعًا!
فَقَالَ فيلياس فوج: «لَا يُوجَدُ شَيْءٌ يُمْكِنُنَا فِعْلُهُ اللَّيْلَةَ، لِنَذْهَبْ إِلَى الْفُنْدُقِ، وَسَنَكْتَشِفُ مَا عَلَيْنَا فِعْلُهُ فِي الصَّبَاحِ.»