فيلياس فوج يَقُولُ شَيْئًا قَدْ يَنْدَمُ عَلَيْهِ
غَادَرَ فيلياس فوج مَنْزِلَهُ وَقَطَعَ الْخَمْسَمِائَةِ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ خُطْوَةً الَّتِي تَفْصِلُهُ عَنْ «ريفورم كلوب»، وَتَوَجَّهَ مُبَاشَرَةً إِلَى غُرْفَةِ الطَّعَامِ وَجَلَسَ عَلَى طَاوِلَتِهِ الْمُعْتَادَةِ، وَخَارِجَ غُرْفَةِ الطَّعَامِ مُبَاشَرَةً، كَانَتْ هُنَاكَ حَدِيقَةٌ يُحِبُّ النَّظَرَ إِلَيْهَا. أَحْضَرَ النَّادِلُ الْمُعْتَادُ لِفيلياس غَدَاءَهُ الْمُعْتَادَ، الَّذِي انْتَهَى مِنْهُ فيلياس — كَالْعَادَةِ — فِي تَمَامِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَسَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ دَقِيقَةً.
انْتَقَلَ فيلياس بَعْدَ الْغَدَاءِ إِلَى الْقَاعَةِ الْكُبْرَى لِقِرَاءَةِ الصُّحُفِ، حَيْثُ أَمْضَى مُعْظَمَ النَّهَارِ هُنَاكَ، ثُمَّ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى غُرْفَةِ الطَّعَامِ لِتَنَاوُلِ الْعَشَاءِ، وَبَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ، جَلَسَ فِي غُرْفَةِ الْقِرَاءَةِ مَعَ بَعْضِ أَعْضَاءِ النَّادِي. فِي الْعَاشِرَةِ وَسِتِّ دَقَائِقَ، بَدَأَ لَعِبَ الْوَرَقِ مَعَ أَصْدِقَائِهِ.
وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ أَصْدِقَاءِ فيلياس، الْمُهَنْدِسُ أندرو ستيوارت وَمَالِكُ الْأَرَاضِي توماس فلاناجان، وَكَانَ جون سوليفان وصموئيل فولنتين مَوْجُودَينِ هُنَاكَ أَيْضًا، وَكَانَا مِنْ مَالِكِي الصُّحُفِ، وَأَخِيرًا كَانَ هُنَاكَ رالف جوثير كَذَلِكَ، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي بَنْكِ إِنْجِلْتِرَا. كَانَ الْجَمِيعُ يُرِيدُ مَعْرِفَةَ الْمَزِيدِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ عَنِ السَّرِقَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْمَصْرِفِ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ؛ إِذْ إِنَّ اللِّصَّ قَدْ لَاذَ بِالْفِرَارِ وَبِحَوْزَتِهِ مَا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفَ جُنَيْهٍ اسْتِرْلِينِيٍّ، وَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ يَمْلَأُ جَمِيعَ الصُّحُفِ.
سَأَلَ جون سوليفان: «هَلَّا بَدَأْنَا أَيُّهَا السَّادَةُ؟ فَإِنَّنِي أَتَطَلَّعُ إِلَى مُبَارَاتِنَا فِي لُعْبَةِ بريدج.»
ثُمَّ نَاقَشُوا مَنْ سَيُوَزِّعُ الْوَرَقَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ بَدَءُوا اللَّعِبَ. وَبَيْنَمَا اسْتَغْرَقَ الْجَمِيعُ فِي اللَّعِبِ، سَأَلَ توماس فلاناجان: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذِهِ السَّرِقَةِ يَا رالف؟»
قَاطَعَهُ أندرو ستيوارت: «سَيَخْسَرُ الْبَنْكُ هَذِهِ النُّقُودَ بِلَا شَكٍّ!»
فَأَجَابَ رالف: «عَلَى الْعَكْسِ، أَعْتَقِدُ أَنَّنَا سَنَتَمَكَّنُ مِنْ إِلْقَاءِ الْقَبْضِ عَلَى ذَلِكَ اللِّصِّ! لَقَدْ أَرْسَلْنَا مُحَقِّقِينَ إِلَى جَمِيعِ أَرْجَاءِ الْبِلَادِ وَإِلَى جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ، وَلَنْ يُفْلِتَ مِنْ أَيْدِينَا.»
سَأَلَ أندرو: «إِذَنْ، هَلْ تَعْرِفُونَ مُوَاصَفَاتِهِ؟»
أَجَابَ رالف: «إِنَّهُ لَيْسَ لِصًّا عَادِيًّا بِالتَّأْكِيدِ.»
ضَحِكَ أندرو وَقَالَ: «لَقَدْ هَرَبَ بِقَدْرٍ كَبِيرٍ مِنَ الْمَالِ! مَاذَا تَعْنِي بِأَنَّهُ لَيْسَ لِصًّا عَادِيًّا؟»
أَجَابَ رالف: «إِنَّهُ مِنَ النُّبَلَاءِ. عَلَى الْأَقَلِّ هَذَا مَا تَقُولُهُ الصُّحُفُ.»
وَأَخْبَرَهُمْ رالف أَنَّ عَدَدًا مِنَ الْأَشْخَاصِ كَانُوا قَدْ رَأَوْا رَجُلًا مُهَنْدَمًا مِنَ النُّبَلَاءِ فِي الْغُرْفَةِ نَفْسِهَا الَّتِي اخْتَفَتْ مِنْهَا الْأَمْوَالُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ الَّذِي سُرِقَتْ فِيهِ النُّقُودُ. وَكَانَتِ الشُّرْطَةُ عَلَى قَنَاعَةٍ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الَّذِي ارْتَكَبَ الْجَرِيمَةَ؛ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَخْصٌ آخَرُ قَدْ شُوهِدَ فِي الْغُرْفَةِ. وَأَضَافَ رالف أَنَّ الْبَنْكَ قَدْ عَرَضَ مُكَافَأَةً لِلْمُحَقِّقِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقَبْضِ عَلَى اللِّصِّ، وَكَانَتْ مُكَافَأَةً مُجْزِيَةً قَدْرُهَا أَلْفَا جُنَيْهٍ اسْتِرْلِينِيٍّ!
سَأَلَ أندرو: «إِلَى أَيْنَ تَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَذْهَبُ إِذَن، إِذَا كَانَ لَدَيْكُمْ رِجَالٌ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ؟»
قَالَ توماس: «أُوه! إِنَّ الْعَالَمَ كَبِيرٌ بِمَا يَتَّسِعُ لِاخْتِبَاءِ شَخْصٍ يَتَمَتَّعُ بِالذَّكَاءِ.»
رَدَّ فيلياس — بَيْنَمَا كَانَ يُوَزِّعُ الْوَرَقَ حَوْلَ الطَّاوِلَةِ: «لَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ.»
سَأَلَ أندرو: «مَاذَا تَعْنِي؟ هَلْ أَصْبَحَ الْعَالَمُ أَصْغَرَ؟»
قَالَ رالف: «بِالطَّبْعِ! إِنَّنِي أَتَّفِقُ مَعَ فيلياس؛ إِذْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ السَّفَرَ أَسْرَعَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، وَلِهَذَا السَّبَبِ تَحْدِيدًا سَوْفَ نَتَمَكَّنُ مِنْ إِلْقَاءِ الْقَبْضِ عَلَى اللِّصِّ، حَيْثُ سَنَظَلُّ مُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ بِخُطْوَةٍ مِنْ خِلَالِ وَضْعِ مُحَقِّقِينَ فِي أَيِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْتَبِئَ فِيهِ.»
قَالَ أندرو: «أَهَا! لَكِنْ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ هِيَ الْوَسِيلَةَ عَيْنَهَا الَّتِي يَهْرُبُ بِهَا اللِّصُّ.»
قَالَ رالف: «رُبَّمَا، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُغَيِّرُ حَقِيقَةَ أَنَّ الْمَرْءَ يُمْكِنُهُ الْآنَ أَنْ يُسَافِرَ حَوْلَ الْعَالَمِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.»
قَاطَعَهُ فيلياس: «فِي الْوَاقِعِ، فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا فَقَطْ.»
قَالَ جون: «إِنَّ فيلياس مُحِقٌّ، تَقُولُ الْجَرِيدَةُ إِنَّ السَّفَرَ حَوْلَ الْعَالَمِ الْآنَ يَسْتَغْرِقُ ثَمَانِينَ يَوْمًا فَقَطْ بَعْدَ أَنِ اكْتَمَلَ خَطُّ السِّكَكِ الْحَدِيدِيَّةِ الضَّخْمُ فِي الْهِنْدِ.» وَفَتَحَ الْجَرِيدَةَ لِيُرِيَهَا لِأَصْدِقَائِهِ مُضِيفًا: «انْظُرُوا هُنَا، إِنَّهَا تَرْسُمُ الرِّحْلَةَ كَامِلَةً بِالتَّفْصِيلِ.»
أَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمْ دَوْرَهُ فِي النَّظَرِ إِلَى الصَّحِيفَةِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ وَصْفٌ بِالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ يُوَضِّحُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمَرْءِ السَّفَرُ حَوْلَ الْعَالَمِ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا.
قَالَ رالف: «حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ذَلِكَ لَمْ يَضَعْ فِي الِاعْتِبَارِ الطَّقْسَ السَّيِّئَ أَوِ الْحَوَادِثَ أَوْ الْعَدِيدَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْأُخْرَى الَّتِي قَدْ تُفْقِدُ الْمَرْءَ طَرِيقَهُ.»
قَالَ فيلياس: «كُلُّ ذَلِكَ وُضِعَ فِي الِاعْتِبَارِ.»
جَادَلَ رالف: «مَاذَا عَنِ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِالسِّكَكِ الْحَدِيدِيَّةِ أَوْ فِقْدَانِ الطَّرِيقِ؟»
قَالَ فيلياس: «ذَلِكَ وُضِعَ فِي الِاعْتِبَارِ أَيْضًا؛ فَالْجَرِيدَةُ وَضَعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فِي الِاعْتِبَارِ، كُلُّ شَيْءٍ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَسُوءَ، وَكُلُّ تَأْخِيرٍ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَحْدُثَ. يَحْتَاجُ السَّفَرُ حَوْلَ الْعَالَمِ لِثَمَانِينَ يَوْمًا فَقَطْ.» وَوَضَعَ أَوْرَاقَهُ عَلَى الطَّاوِلَةِ وَأَكْمَلَ: «وَرَقَتَانِ رَابِحَتَانِ! لَقَدْ رَبِحْتُ هَذِهِ الْجَوْلَةَ!»
جَمَعَ أندرو أَوْرَاقَ اللَّعِبِ وَخَلَطَهَا وَوَزَّعَهَا وَقَالَ: «رُبَّمَا تَكُونُ عَلَى حَقٍّ، وَلَكِنَّنِي مَا زِلْتُ لَا أُصَدِّقُ أَنَّ هَذَا مُمْكِنٌ يَا فيلياس.»
أَجَابَ فيلياس: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ.»
ابْتَسَمَ أندرو وَقَالَ: «لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَمَا رَأْيُكَ أَنْ نَتَرَاهَنَ؟ أُرَاهِنُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ جُنَيْهٍ اسْتِرْلِينِيٍّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ السَّفَرُ حَوْلَ الْعَالَمِ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا فَقَطْ.»
أَصَرَّ فيلياس: «إِنَّهُ مُمْكِنٌ جِدًّا.»
قَالَ أندرو: «إِذَن لِمَ لَا تَقُومُ بِذَلِكَ؟!»
أَجَابَ فيلياس: «تَرُوقُنِي هَذِهِ الْفِكْرَةُ كَثِيرًا، وَسَأُرِيكَ بِنَفْسِي أَنَّنِي أَسْتَطِيعُ السَّفَرَ حَوْلَ الْعَالَمِ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا فَقَطْ.»
سَأَلَ أندرو: «إِذَن فَأَنْتَ تَقْبَلُ رِهَانِي؟»
ابْتَسَمَ فيلياس وَقَالَ: «بِالطَّبْعِ، كَمَا أَنَّ لَدَيَّ عِشْرِينَ أَلْفَ جُنَيْهٍ اسْتِرْلِينِيٍّ فِي الْبَنْكِ أَنَا مُسْتَعِدٌّ أَنْ أُرَاهِنَ بِهَا.»
قَالَ صموئيل: «تَوَقَّفَا، هَلْ أَنْتُمَا جَادَّانِ؟»
صَاحَ أندرو: «أَنَا جَادٌّ!»
وَقَالَ فيلياس: «وَأَنَا كَذَلِكَ!»
فَقَالَ توماس: «جَيِّدٌ جِدًّا، نَحْنُ جَمِيعًا هُنَا لِنَشْهَدَ أَنَّ فيلياس فوج سَيُحَاوِلُ أَنْ يَرْبَحَ رِهَانَهُ مَعَ أندرو ستيوارت بِالسَّفَرِ حَوْلَ الْعَالَمِ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا.»
قَالَ فيلياس: «صَحِيحٌ! سَوْفَ أَقُومُ بِجَوْلَةٍ حَوْلَ الْعَالَمِ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا أَوْ أَقْلَّ.»
قَالَ الْخَمْسَةُ رِجَالٍ مَعًا: «جَيِّدٌ جِدًّا!»
قَالَ فيلياس: «جَيِّدٌ جِدًّا! هُنَاكَ قِطَارٌ سَيُغَادِرُ اللَّيْلَةَ إِلَى مَدِينَةِ دوفر فِي الثَّامِنَةِ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ دَقِيقَةً، سَأَكُونُ عَلَى مَتْنِهِ.»
سَأَلَهُ أندرو: «مَسَاءَ الْيَوْمِ؟»
أَجَابَ فيلياس: «نَعَمْ، مَسَاءَ الْيَوْمِ.» وَأَخْرَجَ رُوزْنَامَةَ تَقْوِيمٍ صَغِيرَةً مِنْ جَيْبِهِ، وَنَظَرَ فِيهَا بِتَمَعُّنٍ قَائِلًا: «الْيَوْمَ الْأَرْبِعَاءُ الْمُوَافِقُ ٢ أُكْتُوبَرَ، وَسَوْفَ أَعُودُ إِلَى هَذِهِ الْغُرْفَةِ فِي تَمَامِ الثَّامِنَةِ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ دَقِيقَةً مِنْ مَسَاءِ يَوْمِ السَّبْتِ الْمُوَافِقِ ٢١ مِنْ دِيسَمْبِرَ، وَإِلَّا فَسَتَكُونُ أَمْوَالِي مِلْكًا لَكَ.»
وَكَعَادَةِ النُّبَلَاءِ، وَقَّعَ الرِّجَالُ وَرَقَةً تُثْبِتُ الرِّهَانَ، وَحَافَظَ فيلياس عَلَى هُدُوئِهِ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لِتَوِّهِ قَدْ رَاهَنَ بِنِصْفِ ثَرْوَتِهِ، ثُمَّ الْتَقَطَ نَفَسًا عَمِيقًا وَقَالَ: «أَيُّهَا السَّادَةُ، لِنَلْعَبْ جَوْلَةً أَخِيرَةً مِنَ الْوَرَقِ قَبْلَ رَحِيلِي.»