التَّعَرُّفُ إِلَى الْمُحَقِّقِ فيكس
هَا قَدْ بَدَأَتِ الرِّحْلَةُ الْعَاصِفَةُ! بعد أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ مِنَ السَّفَرِ كَانَ فيلياس وباسبارتو قَدْ غَادَرَا أُورُوبَّا، حَيْثُ سَافَرَا بِالْقِطَارِ إِلَى دوفر وَمِنْهَا أَبْحَرَا إِلَى بَارِيسَ، وَمِنْ بَارِيسَ اسْتَقَلَّا قِطَارًا إِلَى تورينو فِي إِيطَاليَا، وَحَمَلَهُمْا قِطَارٌ آخَرُ مِنْ إِيطَاليَا إِلَى برينديزي حَيْثُ صَعِدَا عَلَى مَتْنِ بَاخِرَةٍ تُدْعَى «منغوليا».
كَانَ مِنَ الْمُقَرَّرِ وُصُولُ الْبَاخِرَةِ «منغوليا» إِلَى مِينَاءِ السُّوَيْسِ يَوْمَ الْأَرْبَعَاءِ الْمُوَافِقَ التَّاسِعَ مِنْ أُكْتُوبَرَ فِي تَمَامِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ صَبَاحًا؛ إِذْ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَسْرَعِ الْبَوَاخِرِ الَّتِي تَمْلِكُهَا شَرِكَةُ «بنينسولار آند أورينتال».
وَبَيْنَمَا كَانَتِ الْبَاخِرَةُ تُبْحِرُ فِي اتِّجَاهِ السُّوَيْسِ، كَانَ هُنَاكَ رَجُلَانِ يَسِيرَانِ جِيئَةً وَذَهَابًا فِي الْقَنَاةِ، وَكَانَ مِنْهُمَا الدِّبْلُومَاسِيُّ الْبِرِيطَانِيُّ لِلْمِنْطَقَةِ، وَيُدْعَى ستيفنسون، وَالْآخَرُ كَانَ أَحَدَ الْمُحَقِّقِينَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ بَنْكُ إِنْجِلْتِرَا حَوْلَ الْعَالَمِ لِلْبَحْثِ عَنِ اللِّصِّ السَّارِقِ، وَكَانَ يُدْعَى الْمُفَتِّشَ فيكس.
كَانَ السَّيِّدُ فيكس قَصِيرَ الْقَامَةِ، ذَا عَيْنَينِ ضَيِّقَتَيْنِ، وَحَوَاجِبَ كَثِيفَةٍ تَنْتَفِضُ بِاسْتِمْرَارٍ بِشَكْلٍ لَا إِرَادِيٍّ. وَبِالرَّغْمِ مِنْ مَظْهَرِهِ الَّذِي يَجْعَلُهُ يُشْبِهُ الْفَأْرَ، فَقَدْ كَانَ مُحَقِّقًا ذَكِيًّا، وَكَانَتْ مُهِمَّتُهُ أَنْ يُرَاقِبَ كُلَّ رَاكِبٍ يَأْتِي إِلَى السُّوَيْسِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْ أَيِّ شَخْصٍ قَدْ يَشْتَبِهُ أَنَّهُ اللِّصُّ.
وَكَانَ فيكس يَقُولُ لِلْمَرَّةِ الْعِشْرِينَ: «حَسَنًا يَا ستيفنسون، أَتَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْبَاخِرَةَ تَصِلُ «دَائِمًا» فِي مَوْعِدِهَا؟»
تَنَهَّدَ السَّيِّدُ ستيفنسون: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ فيكس، هَذَا صَحِيحٌ، وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ تَصِلُ الْبَاخِرَةُ «منغوليا» قَبْلَ مَوْعِدِهَا.»
سَأَلَ الْمُحَقِّقُ: «وَهَلْ تَأْتِي مُبَاشَرَةً مِنْ برينديزي فِي إِيطَاليَا؟»
قَالَ ستيفنسون: «مَرَّةً أُخْرَى، هَذَا صَحِيحٌ؛ فَالسَّفِينَةُ تَجْمَعُ الْبَرِيدَ ثُمَّ تُغَادِرُ فِي الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَاءِ يَوْمِ السَّبْتِ، وَالْمَوَاعِيدُ لَا تَتَغَيَّرُ أَبَدًا. «منغوليا» سَتَصِلُ هُنَا فِي تَمَامِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، تَحَلَّ بِالصَّبْرِ يَا سَيِّدُ فيكس. وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ، فَأَنَا لَا أَفْهَمُ كَيْفَ سَتَتَمَكَّنُ مِنَ الْعُثُورِ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَبْحَثُ عَنْهُ بِالْمُوَاصَفَاتِ الَّتِي لَدَيْكَ عَنْهُ، فَمِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ أَيَّ شَخْصٍ؛ إِذْ إِنَّ هُنَاكَ الْعَدِيدَ مِنَ النُّبَلَاءِ الَّذِينَ يَأتُونَ إِلَى هُنَا مِنْ إِيطَاليَا.»
أَجَابَ فيكس سَرِيعًا: «نَعَمْ! وَلَكِنْ يَا سَيِّدِي، الْمَرْءُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْعُرَ عِنْدَمَا يَكُونُ بِصُحْبَةِ أَشْرَارٍ، فَلَدَيَّ قُوَّةُ إِحْسَاسٍ بِهِمْ، حَاسَّةٌ سَادِسَةٌ تَمْزِجُ السَّمْعَ وَالنَّظَرَ وَالشَّمَّ! وَهَكَذَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُمَيِّزَهُ.»
سَأَلَ ستيفنسون: «حَتَّى إِذَا كَانَ رَجُلًا مِنَ النُّبَلَاءِ؟»
قَالَ فيكس: «سَوْفَ أَشَمُّ رَائِحَةَ هَذَا الرَّجُلِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِنَ النُّبَلَاءِ!»
كَانَتِ السَّاعَةُ تُشِيرُ إِلَى الْعَاشِرَةِ وَالنِّصْفِ عِنْدَمَا بَدَأَ الرَّصِيفُ فِي الِازْدِحَامِ، حَيْثُ مَرَّ الْبَحَّارَةُ وَالتُّجَّارُ وَبَنَّاءُو السُّفُنِ وَالْحَمَّالُونَ، وَكَانَ الْمُحَقِّقُ فيكس يَتَفَحَّصُ بِحَذَرٍ كُلَّ شَخْصٍ يَمُرُّ بِجَانِبِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَمْ تَأْتِ «منغوليا» بَعْدُ!»
كَرَّرَ ستيفنسون: «سَتَصِلُ السَّفِينَةُ فِي مَوْعِدِهَا الْمُحَدَّدِ.»
سَأَلَ فيكس: «كَمْ مِنَ الْوَقْتِ سَتَظَلُّ فِي السُّوَيْسِ؟»
أَجَابَ ستيفنسون: «لِأَرْبَعِ سَاعَاتٍ حَتَّى تَتَزَوَّدَ بِحَمُولَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الْفَحْمِ.»
– «وَحِينَهَا تُبْحِرُ الْبَاخِرَةُ مُبَاشَرَةً إِلَى بومباي؟»
فَقَالَ ستيفنسون: «إِنَّهَا تَتَوَقَّفُ فِي عدن لِلتَّزَوُّدِ بِالْفَحْمِ، ثُمَّ تَتَّجِهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُبَاشَرَةً إِلَى بومباي.»
قَالَ فيكس: «جَيِّدٌ، فَإِذَا كَانَ اللِّصُّ عَلَى مَتْنِهَا، فَغَالِبًا مَا سَيَنْزِلُ هُنَا لِيَتَّجِهَ إِلَى آسْيَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُ إِلْقَاءُ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، بَدَلًا مِنَ الْهِنْدِ الَّتِي تُعَدُّ جُزْءًا مِنْ إِمْبِرَاطُورِيَّةِ الْمَلِكَةِ.»
فَأَجَابَهُ ستيفنسون: «هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ مَكَثَ فِي إِنْجِلْتِرَا لِلِاخْتِبَاءِ.»
فَقَالَ فيكس: «هَذَا غَيْرُ مُرَجَّحٍ! غَيْرُ مُرَجَّحٍ!»
عَادَ ستيفنسون إِلَى مَكْتَبِهِ بَيْنَمَا ظَلَّ فيكس وَحْدَهُ عَلَى الرَّصِيفِ، وَظَلَّ يَجُوبُ الرَّصِيفَ ذَهَابًا وَإِيَابًا مُفَكِّرًا، وَسُرْعَانَ مَا سَمِعَ دَوِيَّ عَدَدٍ مِنَ الصَّافِرَاتِ الْحَادَّةِ مُعْلِنَةً وُصُولَ الْبَاخِرَةَ «منغوليا»! أَسْرَعَ الْحَمَّالُونَ إِلَى الرَّصِيفِ وَخَرَجَ عَدَدٌ مِنَ الْقَوَارِبِ لِلِقَاءِ الْبَاخِرَةِ. أَلْقَتْ «منغوليا» مَرْسَاهَا فِي السُّوَيْسِ فِي تَمَامِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ كَمَا قَالَ ستيفنسون.
تَرَاجَعَ فيكس قَلِيلًا وَرَاقَبَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ جَاءَهُ أَحَدُ الرُّكَّابِ بَعْدَ أَنْ شَقَّ طَرِيقَهُ فِي الزِّحَامِ إِلَيْهِ … إِنَّهُ باسبارتو.
– «عُذْرًا يَا سَيِّدِي، أَيْنَ أَجِدُ مَكْتَبَ الْجَوَازَاتِ الْبِرِيطَانِيَّ؟» وَهُوَ يَمُدُّ يَدَهُ بِجَوَازِ سَفَرٍ يَحْتَاجُ لِلْخَتْمِ.
أَخَذَ الْمُحَقِّقُ جَوَازَ السَّفَرِ وَسَأَلَ: «أَهُوَ لَكَ؟»
قَالَ باسبارتو: «لَا يَا سَيِّدِي، إِنَّهُ لِسَيِّدِي، رَبِّ عَمَلِي.»
سَأَلَهُ فيكس: «وَمَنْ سَيِّدُكَ؟»
أَجَابَ باسبارتو: «السَّيِّدُ فيلياس فوج، وَهُوَ عَلَى مَتْنِ السَّفِينَةِ.»
قَالَ فيكس: «حَسَنًا، عَلَيْهِ الذَّهَابُ بِنَفْسِهِ إِلَى الدِّبْلُومَاسِيِّ الْبِرِيطَانِيِّ لِخَتْمِ جَوَازِ سَفَرِهِ. إِنَّهُ هُنَاكَ، ذَلِكَ الْمَكْتَبُ عِنْدَ الزَّاوِيَةِ.»
– «شُكْرًا لَكَ يَا سَيِّدِي، إِنَّهُ لَنْ يَكُونَ مَسْرُورًا بِهَذَا أَبَدًا!»
شَقَّ باسبارتو طَرِيقَهُ فِي الزِّحَامِ عَائِدًا لِيُبْلِغَ فيلياس أَنَّ عَلَيْهِ الذَّهَابَ بِنَفْسِهِ إِلَى الْمَكْتَبِ، كَمَا شَقَّ فيكس كَذَلِكَ طَرِيقَهُ إِلَى الْمَكْتَبِ بِالزَّاوِيَةِ؛ فَقَدْ كَانَ يَشْعُرُ بِالْفُضُولِ تِجَاهَ الرَّجُلِ الَّذِي أَرْسَلَ خَادِمَهُ لِيَخْتِمَ جَوَازَ سَفَرِهِ.
وَفَكَّرَ فيكس: «لَا بُدَّ وَأَنَّهُ هُوَ اللِّصُّ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ!»
«لَقَدْ وَجَدْتُهُ!» هَكَذَا صَاحَ فيكس فَوْرَ دُخُولِهِ إِلَى مَكْتَبِ الدِّبْلُومَاسِيِّ، وَاسْتَطْرَدَ: «لَقَدْ صَدَقَتْ ظُنُونِي، إِنَّهُ عَلَى مَتْنِ «منغوليا»، وَسَيَأْتِي إِلَى هُنَا لِخَتْمِ جَوَازِ سَفَرِهِ، وَقَدْ قَابَلْتُ لِلتَّوِّ خَادِمَهُ الَّذِي قَالَ إِنَّ رَئِيسَهُ يَرْفُضُ النُّزُولَ مِنْ عَلَى مَتْنِ السَّفِينَةِ، وَقَدْ أَخْبَرْتُ الْخَادِمَ أَنَّ سَيِّدَهُ يَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ! إِنَّهُ فِي قَبْضَتِنَا الْآنَ!»
قَالَ ستيفنسون: «أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ لَا يَأْتِي.»
قَالَ لَهُ فيكس: «إِذَا جَاءَ، فَعَلَيْكَ أَلَّا تَخْتِمَ جَوَازَ سَفَرِهِ.»
قَالَ ستيفنسون: «وَلَكِنْ لَيْسَ لَدَيَّ خِيَارٌ إِذَا كَانَ جَوَازُ سَفَرِهِ سَلِيمًا.»
قَالَ فيكس: «أُرِيدُ أَنْ أَجْعَلَ هَذَا الرَّجُلَ يَمْكُثُ هُنَا حَتَّى أَحْصُلَ عَلَى أَمْرٍ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ.»
– «وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ …» أَوْقَفَتْ طَرَقَاتٌ عَلَى بَابِ الْمَكْتَبِ كَلَامَ الدِّبْلُومَاسِيِّ فِي مُنْتَصَفِهِ، ثُمَّ دَخَلَ باسبارتو وفيلياس الْغُرْفَةَ، وَوَقَفَ فيكس فِي الزَّاوِيَةِ يُرَاقِبُ فيلياس وَهُوَ يُقَدِّمُ جَوَازَ سَفَرِهِ.
وَقَالَ فيلياس: «سَيِّدِي الْفَاضِلَ، هَلْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ تَخْتِمَ جَوَازَ سَفَرِي؟»
أَخَذَهُ ستيفنسون مِنْهُ وَتَفَحَّصَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكَ تُدْرِكُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الضَّرُورِيِّ خَتْمُ جَوَازِ سَفَرِكَ؟» وَكَانَ عَلَى وَشْكِ أَنْ يُعِيدَ جَوَازَ السَّفَرِ إِلَى فيلياس.
– «أَعْلَمُ، وَلَكِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أُثْبِتَ أَنَّنِي كُنْتُ هُنَا.»
خَتَمَ ستيفنسون جَوَازَ السَّفَرِ وَأَرَّخَهُ، وَدَفَعَ فيلياس الرُّسُومَ الْمُقَرَّرَةَ ثُمَّ انْحَنَى انْحِنَاءَةً بَسِيطَةً فِي احْتِرَامٍ ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ فيكس: «حَسَنًا؟»
قَالَ ستيفنسون: «إِنَّهُ يَبْدُو كَرَجُلٍ شَرِيفٍ، وَيَتَصَرَّفُ كَهَذَا أَيْضًا.»
سَأَلَ فيكس: «وَلَكِنْ أَلَا تَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُشْبِهُ اللِّصَّ بِالضَّبْطِ؟»
قَالَ ستيفنسون: «أَعْتَقِدُ هَذَا، وَلَكِنَّ هَذَا الْوَصْفَ عَامٌّ لِلْغَايَةِ يَا فيكس.»
قَالَ فيكس: «إِنَّهُ هُوَ! أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ!»
•••
تَتَبَّعَ فيكس عَوْدَةَ فيلياس وباسبارتو مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الرَّصِيفِ، وَقَدْ عَادَ فيلياس إِلَى سَطْحِ «منغوليا»؛ إِذْ كَانَ يَرْغَبُ فِي تَدْوِينِ بَعْضِ الْمُلَاحَظَاتِ عَنْ سَيْرِ الرِّحْلَةِ، بَيْنَمَا ظَلَّ باسبارتو عَلَى الرَّصِيفِ لِلتَّأَمُّلِ.
فَذَهَبَ إِلَيْهِ فيكس وَقَالَ: «هَلْ تَتَأَمَّلُ الْمَكَانَ؟»
أَجَابَ باسبارتو: «إِنَّنَا نُسَافِرُ فِي عَجَلَةٍ وَأَرْغَبُ فِي رُؤْيَةِ مَا يُمْكِنُنِي. إِذَنْ، هَذِهِ هِيَ مِصْرُ؟»
– «نَعَمْ، هَذِهِ هِيَ مِصْرُ.»
– «تَقَعُ فِي أَفْرِيقِيَا؟»
أَجَابَهُ فيكس: «نَعَمْ.»
تَعَجَّبَ باسبارتو وَقَالَ: «أَفْرِيقِيَا! إِنَّنِي لَمْ أُسَافِرْ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ أَبْعَدَ مِنْ بَارِيسَ، إِنَّهَا وَطَنِي وَلَكِنَّنَا مَرَرْنَا بِهَا بِسُرْعَةٍ لِدَرَجَةِ أَنَّنِي لَمْ أُشَاهِدْ إِلَّا الرِّحْلَةَ بَيْنَ الْمَحَطَّةِ الشَّمَالِيَّةِ وَمَحَطَّةِ ليون.»
سَأَلَ فيكس: «إِنَّكَ فِي عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِكَ إِذَن؟» وَكَانَ يُحَاوِلُ أَلَّا يَطْرَحَ الْكَثِيرَ مِنَ الْأَسْئِلَةِ.
أَجَابَ باسبارتو: «كَلَّا، إِنَّهُ سَيِّدِي وَلَيْسَ أَنَا، فَهُوَ يَقُومُ بِجَوْلَةٍ حَوْلَ الْعَالَمِ.»
قَالَ فيكس: «جَوْلَةٌ حَوْلَ الْعَالَمِ!»
قَالَ باسبارتو: «نَعَمْ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا، وَهُوَ يَقُولُ إِنَّهُ رِهَانٌ، وَلَكِنْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنَا لَسْتُ مُتَأَكِّدًا مِنْ ذَلِكَ، لَا بُدَّ وَأَنَّ هُنَاكَ أَمْرًا آخَرَ.»
أَضَافَ فيكس: «بِالطَّبْعِ!»
– «سَيِّدِي رَجُلٌ ثَرِيٌّ، وَهُوَ يَحْمِلُ مَبْلَغًا كَبِيرًا مِنَ الْأَوْرَاقِ الْبَنْكِيَّةِ الْجَدِيدَةِ، وَسَيَفْعَلُ أَيَّ شَيْءٍ لِيَرْبَحَ الرِّهَانَ.»
قَالَ فيكس مَرَّةً أُخْرَى: «بِالطَّبْعِ! هَلْ تَعْرِفُ السَّيِّدَ فوج مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ؟»
قَالَ باسبارتو: «لَا، لَقَدْ بَدَأْتُ الْعَمَلَ لَدَيْهِ فِي نَفْسِ الْيَوْمِ الَّذِي غَادَرْنَا فِيهِ. عَلَيَّ أَنْ أَذْهَبَ الْآنَ؛ فَيَجِبُ أَنْ أَشْتَرِيَ بَعْضَ الْقُمْصَانِ الْجَدِيدَةِ لِسَيِّدِي قَبْلَ عَوْدَتِي عَلَى ظَهْرِ السَّفِينَةِ؛ فَنَحْنُ فِي طَرِيقِنَا إِلَى بومباي بَعْدَ ذَلِكَ!»
كَانَ تَدَفُّقُ الْحَقَائِقِ أَغْزَرَ مِنْ أَنْ يَسْتَوْعِبَهُ فيكس؛ فَالسَّفَرُ السَّرِيعُ مِنْ لَنْدَنَ وَالْمَبْلَغُ الْمَالِيُّ الضَّخْمُ الَّذِي يَحْمِلُه فيلياس فوج، وَكَذَلِكَ حَقِيقَةُ أَنَّ فيلياس يُرِيدُ السَّفَرَ بِسُرْعَةٍ إِلَى دُوَلٍ بَعِيدَةٍ، نَاهِيكَ عَنْ أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِمُوَاصَفَاتِ اللِّصِّ؛ إِذْ إِنَّهُ مِنَ النُّبَلَاءِ. هُرِعَ فيكس إِلَى مَكْتَبِ الدِّبْلُومَاسِيِّ لِيُرْسِلَ بَرْقِيَّةً إِلَى لَنْدَنَ.
مِنَ السُّوَيْسِ إِلَى لَنْدَنَ
إِلَى: السَّيِّدِ روان، قَائِدِ الشُّرْطَةِ، سكوتلاند يارد
مِنَ: الْمُحَقِّقِ فيكس
لَقَدْ عَثَرْتُ عَلَى لِصِّ الْبَنْكِ. إِنَّهُ فيلياس فوج.
أَرْسِلْ أَمْرًا بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ إِلَى بومباي؛ فَسَوْفَ أُقَابِلُهُ هُنَاكَ.