الفصل الثالث

السر في تأخر ظهور الفن القصصي بالمغرب.

العوامل التي أدَّت إلى نشأة القصة القصيرة في المغرب.

بداية الفن الأقصوصي.

المقامة ومكانها من نشأة القصة القصيرة وتطورها.

***

(١) السر في تأخر ظهور الفن القصصي بالمغرب

إن الدارس للأدب المغربي الحديث، سيلحظ، ولا شك، أن الأجناس الجديدة الأدبية، التي تم لها البروز والنماء في المشرق العربي، قد ظهرت في المغرب متأخرة، وأنها حين أمكنها الظهور ذهبت تحتذي النماذج الأولى لتلك الأجناس، في تقليد ونسخ سطحيين وساذجين، لا ينبئان إلا عن قليل من الفهم والإدراك لطبيعة العمل القصصي وللعناصر الفنية المكونة له. كما يفيدان تذبذبًا قويًّا بين ألوان الكتابة القديمة من مقامة ومناظرة وخطبة وأحكام سمات هذه الألوان على أساليبهم ووجدانهم الأدبي، مما جعل كتَّابنا يتعثرون طويلًا وينفقون زمنًا غير هين، تطلب جيلًا كاملًا حتى تأتى لهم — كما سنرى استقبالًا — أن يخرجوا من إسار المحاولة والشروع والتجربة المليئة بالأخطاء والعشرات لينتقلوا إلى أحضان الفن القصصي، الصحيح والمتماسك.

غير أن لتأخر ظهور الفن القصصي، والقصير منه على وجه الخصوص، أسبابًا عدة بعضها متصل بجملة من الظروف الموضوعية وبعضها الآخَر ناتج عن طبيعة هذا الفن ذاته، ويمكن إيجازها مجتمعة، في الآتي:
  • (١)

    إن الأدب القصصي في المشرق، والذي يُعد المصدر الأول والحاسم في نشأة القصة المغربية، لم يكُن قد تحقَّق له النضج الكافي والمستوى الجيد القادر على الإيحاء والتأثير، والقمين بأن يصبح نموذجًا يحتذى، وأهمية ذلك تعود إلى أن الثقافة المزدهرة في المشرق هي السبيل لاتصال أكثرية متعلمي ومثقفي العربية عندنا وفي صقل مواهبهم وإنتاجها. ويُضاف إلى هذا أن الآثار والنماذج التي أمكنها أن تتسرب إلى محيطنا الأدبي، لم تكُن لتعطي أكلها سريعًا، إذ احتاجت إلى وقت غير يسير حتى تتذوقها النفوس وتتأملها الأذهان، ثم لتتمثلها بعد ذلك التمثل الذي يدفع الكاتب إلى محاولة النسج على غرارها من ناحية، وإلى ملاحظة الواقع وإثباته ضمن القالب القصصي، من ناحية ثانية.

  • (٢)

    إن الحركة السلفية، المنشط الفكري، الذي انبثق في المغرب الحديث لإحياء الحياة الثقافية وبعث المقومات الاجتماعية والدينية الأصيلة، اتجهت أكثر إلى العمل على نشر الثقافة الإسلامية وفرض سيادتها، وما استتبع ذلك من تغلغل روح المحافظة والدعوة للعودة إلى كل ما هو تراثي أصيل، وتشجيع التعليم الإسلامي، بما يحتوي عليه من مواد فقهية وشرعية وأدبية بلاغية، كل ذلك لم يكُن ليهيئ مناخ وعي فني جديد أو لينشط الفنون الأدبية عامة.

  • (٣)
    إن الكتَّاب الذين اقتحموا ميدان الكتابة القصصية، لم يتوفر عندهم دافع حقيقي أو متأصل لممارسة الإبداع القصصي، وقد كان لهذا أثره، فيما بعد، في إعاقة تطور الفن القصصي، وينكشف هذا بجلاء في تشتت الكتاب بين مواضيع وأصناف من الكتابة مختلفة، مما يصعب معه تأسيس كتابة مستحدثة وغير معروفة الأصول والقواعد، وقد التفت الأستاذ عبد الله كنون إلى هذه المشكلة حين رأى أن «جهود الأدباء تتوزع بين النظم والنثر والقصة والمقالة وغير ذلك من ضروب الإنتاج الأدبي، ولا نجد أديبًا انقطع إلى كتابة القصة خاصة أو كان اهتمامه بها أكثر من اهتمامه بالألوان الأخرى من الأدب.»١
  • (٤)
    ازدراء العامة والمتعلمين من الفقهاء والعلماء لفن القص (Recit) ونظرتهم المستهينة له كانت تصرف حملة الأقلام عنه، وتدفعهم للخوض في الذي يحسبونه أهم وأجدى. لقد كانت نظرة الناس لهذا الفن متخلفة؛ إذ كان عندهم مجرد أداة للتسلية وتزجية الفراغ، ولم تكُن الثقافة النقدية مبذولة ولا ميسورة لدى علمائهم أو متذوقيهم لتجعلهم يحسبون لهذا الفن حسابه في قدرته على استبطان النفوس وتصوير وجوه الواقع ومصاعبه ومآسيه ونقل صورة النفس والحياة نقلًا متجددًا ملونًا ومطعمًا بوجهة نظر الكاتب والمجتمع. ولعل هذا الفهم الخاطئ الذي غمر الأذهان، نشأ من اعتقاد الناس أن القصة ليست إلا ضربًا من الخرافة أو من الحكايات والأخبار التي تشتغل بالخيال وتمتلئ بالأساطير وتصلح للسمر في الأماسي الباردة والليالي المقمرة. ولم يكُن بوسعهم أن يصلوا إلى أن فن القصة هو على غير ما تصوروا لون جديد منبت الصلة بما عهدوه في القصص والحكايات عند العرب القدماء أو مَن تلاهم من الشعوب التي أولعت بالقصص، متوفر على خصائص وسمات ومواضيع لم يتم طرقها ولا سبكها إلا على يد الغرب في القرن التاسع عشر.
  • (٥)
    إن معرفتنا بأن الشروط الموضوعية والذاتية التي تهيئ لظهور القصة القصيرة لم تكُن قد برزت بعد، يجعلنا نستغرب أو نتيه في البحث عن أسباب تأخر ظهور هذا الفن، فمن ناحية نعرف أن القصة القصيرة كما أسلفنا في المقدمة هي في الغالب تعبير فني عن واقع الطبقة الوسطى وعن شتى الأزمات والمصاعب التي تعتريها. إنها اقتطاع لشريحة من حياة هذه الفئة وتكثيف لوجه أو مظهر أو مظاهر لحياة الأفراد بها، بما يعانونه من ضروب التمزق والحيرة المادية والنفسية وما يطرأ عليهم من تبدلات في الإحساس والسلوك. والقصة القصيرة عند روادها جوجول أو موبسان وتشيخوف حفلت بمثل هذه الأشياء وزخرت بكثير من تناقضات الواقع الاجتماعي الشاخص في حياة الطبقة الوسطى، الصاعدة من رحم المجتمع الرأسمالي، والتي جعلتها شروط حياتها المادية نهب التردُّد والحيرة والقلق الذي يجد أحسن تجسيد له في القصة القصيرة، كما أن هذا الفن حين ولادته الحقيقية في مصر على يد أدباء المدرسة الحديثة أمثال محمود طاهر لاشين، وعيسى عبيد، وشحاته عبيد، وحسن جمعة، وغيرهم،٢ وبعد أزمة ثورة ١٩١٩م، انطلقت مع المراحل الأولى لبداية ظهور الطبقة الوسطى هاته بين الإقطاعية المحلية والبرجوازية الوطنية، وبين فئات العمال والفلاحين الفقراء، فكانت بمثابة استقراء لمشاعر الناس وآمالهم، ورصدًا فنيًّا ملهيًّا حينًا ومفصلًا آخر عن صبواتهم وكبواتهم واقتطاعًا ذكيًّا لخطرات واجتياحات حياتهم اليومية.

وهذا الارتباط الجدلي بين هذا الجنس الأدبي وبين الحياة الاجتماعية يبيِّن إلى أي حدٍّ كانت إمكانية ظهور القصة القصيرة عسيرة ومتعذرة، فالبلاد في أغلب نصف هذا القرن كانت ممزقة بين مخالب الاستعمار، والبنيات الاجتماعية جامدة راكدة، والعقلية الدينية المحافظة هي السائدة، ولم يكن الاصطدام بالاستعمار ومعه أفانين حضارته ومغرياتها ليتخذ شكل تعبير قصصي، فإن ظهر جنوح إلى تفجير عاطفة أو وصف واقع، فالشعر أو المقالة يمتصانه ويسيران به بين الناس.

والقصة بعد هذا لون جديد و«بدعة»، «وكل بدعة ضلالة»، فمن أي أفق كان فجر القصة سيطل إذَن؟

إن القصة القصيرة، تبرز من خلال واقع اجتماعي تغمره التناقضات المادية والفكرية ويتزاحم فيه صراع الفرد بالواقع، وهذه المواجهة الثنائية كان الاستعمار يحجبها بما يمارسه من تحديات تجعل الكتاب أكثر التفاتًا إلى المجموع منهم إلى الذات وأميل إلى التعبير عن القضية في شمول وتجريد وليس إلى الجزئيات أو الملامح التي قلما تتراءى أو تبرق وتُخفي بداخلها الدلالة الكبرى والتعبير الموجز الحكيم.

ويمكننا أن نضيف إلى جملة الأسباب التي ذكرنا، هنا، عن سر تأخر ظهور الفن القصصي، أسبابًا أخرى يراها الأستاذ عبد الكريم غلاب من معوقات النشوء المبكر للفن القصصي، منها:
  • أن التعليم العربي الإسلامي هو الذي كان سائدًا في المغرب، إلى ما بعد الحرب الأولى، وأن الذين كانوا على صِلة بالإنتاج العربي في المشرق لم تكُن تعنيهم من الجوانب الأدبية إلا ما خص منها الأدب العربي القديم، ولم تكُن هناك إلا أصداء خافتة عن المحاولات الجديدة في القصة والمسرح.

  • وأن التخلُّف الثقافي من جهة، والكبت الاستعماري اللذين لم يكونا يتيحان لهذه الثقافة أن تزدهر، جعل فنون القول التي تحتاج إلى الثقافة والإتقان وإلى إتقان الأداة التعبيرية من لغة وفنون الكتابة والأداء القصصي، جعل كل ذلك فنون القول الحديثة والمسرحية تظهر متأخرة عن نهضة هذه الفنون في المشرق العربي.٣

إن هذه الأسباب والمعوقات كانت قمينة، ولا ريب، بجعل ظهور القصة القصيرة، متأخرًا عندنا إلى بدايات الحرب الكبرى، وحائلة دون تعرُّف أدبائنا على هذا الفن المستحدث والاطلاع عليه والكتابة على نهجه. ولا عجب في ذلك فعمره، أيضًا، لا يعدو القرن من الزمن، وما كان له أن يظهر إلا بعد تيسر أسبابه الممكنة.

(٢) العوامل التي أدت إلى نشأة القصة القصيرة «في المغرب»

إن زوال بعض أسباب تأخر النشأة هو ولا ريب من بين عوامل النشأة، غير أن هناك أمورًا أخرى كان لها النصيب الأوفر في زرع نطفة الفن القصصي في رحم الحياة الأدبية بالمغرب، وفي دفع الأدباء المغاربة للاقتراب من مشارف هذا الفن والإقبال على خوض تجربته، وهذه الأسباب نذكرها في الآتي:
  • (١)
    الصحافة ودورها في تطور الأسلوب النثري وتطويعه،٤ فغير خافٍ ذلك الدور الذي قامت به الصحافة في العمل على تشذيب الأغصان اليابسة لشجرة النثر العربي مما تخلف عن عصور الانحطاط. فبحكم ضرورة رواج هذه الصحافة واكتساحها الأجواء وقطاعات عديدة ومتباينة من القرَّاء، وبسبب المواضيع الهامة واليومية التي تطرقها، وجد النثر نفسه يسير في طريق أسلوب يسعى لأن يكون سهلًا بعيدًا عن التعقيد والغرابة، قريبًا من أذهان الناس، هادفًا إلى إفهامهم وتبليغهم الفكرة والواقع، وقد مهد هذا التطوير الطريق فيما بعد أمام الكتاب الذين حاولوا معالجة الفن القصصي وتقصي دربه، بأن سهل أمامهم مهمة السيطرة على أداة رئيسية من أدوات الكتابة القصصية وهي اللغة.
  • (٢)
    كانت الصحافة إلى جانب هذا قد مهدت الطريق بما هو أهم وألصق بالقصة من غيره، أي بما كانت تقدمه بين الفينة والأخرى من قصص مترجمة أو من مسلسلات روائية٥ دفع إليها بصورة رئيسية وازع اجتذاب القراء واستمالتهم لهذه الأوراق القليلة المجتمعة والتي تدعى الصحف. ويحدثنا عبد المحسن طه بدر عن هذه الناحية، بالنسبة للشرق العربي، فيرى أنه «كان من الضروري البحث عن وسائل لاجتذاب القراء إلى هذه الصحف، وكان من أكثر هذه الوسائل فعالية تقديم رواية مسلسلة إلى القراء تشدهم إلى الصحيفة وتسليهم وترفه عنهم، وبدأت جريدة الأهرام تنشر هذه الروايات منذ سنة ١٨٦٦م.»٦ وفي المغرب أيضًا نعثر في الصحف الأولى على العديد من الروايات المسلسلة والتي كانت جريدة «السعادة»، خاصة، تحفل بها في جل أعدادها. ومن غير شك فإن هذه القصص والمترجمات الروائية، بالرغم من عدم توفرها على الخصائص الكيانية للفن القصصي وعلى بعض الملامح الرئيسية لهذا الفن، فإنها، على أي حال، قد وجهت الأنظار، كما وجهت المواهب، إلى نوع جديد من الأجناس الأدبية وأبانت عنه في حدود بل وقد ظهر أثرها جليًّا فيما أنشأه كلٌّ من عبد العزيز بن عبد الله وعبد الله إبراهيم، بعد ذلك، من قصص تاريخية، استوحت إلى حدٍّ بعيد رؤية تلك المترجمات وحبكتها، وإن تجنَّبَت ما عرف فيها في إسفاف وتلفيق حكائي. لقد كان للترجمة، إذَن، أثرها الذي لا ينكر في الدفع، حثيثًا، بالأدب العربي المغربي نحو سبل الإنشاء، القصصي، وقد أشار عبد الله كنون إلى أن كتابة القصص «كان الباعث عليها قراءة بعض المترجمات منها أو الاطلاع عليها في لغتها الأصلية بالنسبة لمن يحسنون لغة أجنبية.»٧
  • (٣)
    ازدهار المقالة ومحاولتها الخروج على المألوف في الكتابة النثرية: ذلك أن الازدهار والإقبال على كتابة المقالة التي هي عصب الصحافة، والأثر الذي أحدثه هذا الإقبال، من تطوير الأسلوب النثري،٨ أن هذا كله هيأ القرَّاء والكتَّاب للتمرن على هذا الجنس الأدبي الجديد. وسيتبين لنا في غير هذا المكان أن أول شكل من أشكال الممارسة القصصية جاء نتيجةً لسعي الأدباء لتفجير الشكل المقالي، أو بتعبير آخَر، إلى التسلل إلى أجواء القصة من خلال مسارب المقالة، بالشكل الذي سيتضح لنا في فصل لاحق عن «المقالة القصصية.»
  • (٤)

    التأثر بالأدب المشرقي (القصصي منه خاصة) ومحاولة تقليد القصص المكتوب فيه، ويُخيل إليَّ أن التقليد كان باعثًا هامًّا على الإبداع القصصي عندنا، وذلك لما عرف من سيطرة روح التقليد على الفكر والأدب المغربيين، ومن اقتفاء أثر كل ما يرد عليهما، وإن الدارس أو المتأمل للشعر المغربي في مختلف عصوره سيحس بهذه الظاهرة إحساسًا حادًّا.

إن القصة القصيرة، لهذا ولغيره، قد نشأت نتيجة اللقاء المباشر وغير المباشر بالثقافة المشرقية والثقافة الغربية في آنٍ واحد، بل إن تطور الأدب العربي الحديث كله كما يقول الدكتور عبد المحسن طه بدر «هو في حقيقته نتاج الصراع بين هاتين الحضارتين.»٩ وأنه لو تيسر لأدبائنا الاطلاع على نماذج الأدب القصصي من ينابيعه الحقيقية، أي من الأدبين الفرنسي والإنجليزي دون أن يرد إليهم في ذوق وفهم مغايرين، لأمكن للفن القصصي بالمغرب أن يبلغ من التطور والتفنن ما لم يحققه الفن القصصي بالمشرق العربي، وأن الاستقاء المباشر من القصة الغربية هو ما يفسر لنا ويبرر المستوى الجيد والناضج القصة المغربية المكتوبة بالفرنسية.

(٣) بداية الفن الأقصوصي

من القضايا الشائكة في تاريخ الفنون الأدبية التوصل إلى تحديد زمني مضبوط لنشأة فن أو انطلاق حركة فنية أو نقدية. ويمدنا التاريخ بأمثلة عديدة عن تشابك هذه القضية وعسر البت فيها.١٠ ذلك لأن النشاط الفني ظاهرة جماعية أكثر منها فردية، تتطلب تضافر أقلام وإبداعات عدة حتى يتسنى لها الظهور وفرض الوجود فلا يكفي بروز إبداع متميز عن المألوف حتى يجوز لنا القول بولادة فن أو تيار أدبي جديد، بل لا بد له لكي يشغل مكانه من تاريخ الأدب من أن يتوفر على خاصيات معينة، تفرده عن غيره وتهبه هويته وتنحت في وجهه خصائصه وملامحه المميزة. وهذه الخاصيات لا تتأتى إلا من خلال ممارسات عديدة لأكثر من كاتب، بحيث يحق لنا حينئذٍ القول بأن هناك ظاهرة فنية قد وُلدت أو هي في طريقها إلى التبلور، ومن دون هذا التعدد والتضافر فإن المحاولة المفردة لا ترسم طريقًا ولا تؤسس منهجًا وإن ملكت إمكانية الإرهاص أحيانًا، ولذلك، فإن وجود قصص مبعثرة على مدى فترة زمنية متباعدة في الصحف المغربية لا يعني، بتاتًا، انبثاق فن جديد. فنحن نعثر، مثلًا، في جريدة «السعادة.»١١ من جرائد الشمال (طنجة) على أقصوصة (١٩١٤م) بعنوان: «الشقيقان.»١٢ أقرب ما تكون إلى الوصف والاستجواب الصحفيين، ولا تقتبس من القصة سوى هيكلها الخارجي، الذي يُصاب عند كاتبها برضوض وكسور كثيرة … وبعد هذا التاريخ بقليل أو بكثير لا نعثر على شيء يُذكر، إلى أن نشارف أواخر العقد الرابع. وإن كنا لا نستبعد وجود بعض المحاولات المتعثرة التي لم يتيسر لها الظهور.
وإذا كان لا بد من تحديد فترة للبداية، فإننا نميل إلى اعتبار السنوات الأخيرة من العقد الرابع لهذا القرن، نقطة الانطلاق المعالجات والمحاولات القصصية، وما سبق هذا التاريخ من كتابات لا يعدو أن يكون ذيلًا وظلًّا للكتابة النثرية التقليدية بأنواعها المختلفة. ويؤيد هذا الذي نذهب إليه الأستاذ أحمد اليابوري في أطروحته١٣ عن الفن القصصي بالمغرب (١٩١٤–١٩٦٦م) من «أن الفترة التي تمتد بين ١٩١٤ و١٩٣٥م عرفت إنتاجًا قصصيًّا على شكل مقامات ومناظرات ورحلات وبعدها بالضبط ازدهر الفن القصصي والتاريخي» ويسندنا كذلك في هذا النوع ما لاحظناه وعايناه من تواتر المعالجات القصصية وشبه انتظامها، انطلاقًا من ذلك التاريخ.
وحين نرى أن هذه الفترة هي نقطة الانطلاق في تجريب هذا الفن، فإننا نسجل أن هذا لم يكُن يدل على انصراف مجموعة من الكتاب، بعينهم، إلى كتابة القصة أو قصدهم إلى تهيئة حصيلة أدبية من هذا الفن، كانت فترة بداية مصحوبة بعثرات شتى ويعوزها الفهم النقدي الصحيح والثقافة الضرورية في مضمار الأدب المعالج. إنها إذَن بداية ساذجة وغير مخططة بوعي أو اتجاه، خاصة وأنه لم يتهيأ للقصة القصيرة في البداية ذلك الأديب أو أولئك الأدباء الذين يوفرون لها الجهد والإتقان اللازمين، فهم ما بين مقبل عنها ومدبر، تارة إلى المقالة الصريحة يتجهون، وأخرى إلى القصة أو ما يشبهها مما هو أقرب إلى المقالة، وطورًا إلى الشعر أو التأليف الأدبي أو ما إليه. وظاهرة الانقطاع عن كتابة القصة كما يرى عبد الله كنون١٤ «تكاد تكون عامة بين الذين زاولوها وأجادوا فيها (…) ولعلهم كانوا يعطون الأمثلة على استطاعتهم أن يلجوا كلًّا من أبواب الإنتاج الأدبي حتى أضيقها مسلكًا، ولم يكونوا جادين نحو اختيار الفن القصصي وسيلة للتعبير عن أفكارهم، ولا أن يصبحوا في يوم من الأيام مختصين بكتابة القصة.»
إن هذا التعثر وانعدام القصد وفقدان المواظبة والخدمة المستديمة للفن جعل من الأقصوصة في أول أمرها تتأرجح بين القالب النثري التقليدي وبين تمحل الشكل القصصي بعناصره المدرسية، ونتج عنه من بين أمور أخرى:
  • (١)

    الانشداد إلى سمات اللغة النثرية بما كان يميزها من تنميقات ومحسنات بديعية وميل إلى التقرير والمباشرة في رصف الأفكار وتسجيل المقولات.

  • (٢)

    ارتباط الأقصوصة بخيط جد رفيع هو الحكاية. وهذه غالبًا ما تستحيل إلى رداء فضفاض، يتم حشوه بكل ما يشغل ذهن الكاتب ووجدانه.

  • (٣)

    انطلاق القصة وانحباسها لزمن في شكل مزدوج هو إلى المقالة أقرب منه إلى القصة، أي إلى بدء المعالجة القصصية فيما اصطلح على تسميته بالمقالة القصصية.

(٤) المقامة ومكانها من نشأة الأقصوصة وتطورها

لا يلزمنا في مقدمة هذا الحديث أن نعرض للمقامة كلون من ألوان النثر العربي القديم أو نأتي على ذكر معناها وخصائصها، فإن ذلك، على اتساعه وطوله، مما أصبح معروفًا ومدروسًا ومبذولًا في كثير من الكتب والدراسات الأدبية١٥ وإنما الذي سننشغل به الآن، هو زعم كثير من الدارسين بأن «المقامة» كمشكل أدبي نثري، قد هيأ ومهَّد لظهور فن القصص القصير، ومن أنها، أي المقامة، مرحلة تستوجب التوقف عندها كلما بدأ الحديث عن القصة القصيرة في نشأتها بأدبنا الحديث.
غير أن الدارسين، على هذا الاتفاق، يختلفون في تقدير أهمية المقامة من ناحية درجة التأثير الذي مارسته على الأقصوصة، كما أن هناك فئة أخرى، بحثت في الموضوع، لا ترى رأيهم، كما تقف على زعمهم موقفًا مناقضًا، يجعل من القصة فنًّا منبت الصلة بما سبقه، قائمًا بذاته، مستقى ونابتًا من أثر تلقيح الأدب الغربي، ولذلك فمعالجة هذه القضية تتفرع إلى الوجوه الآتية:
  • الوجه الأول: هناك الرأي الشائع الذي يقول به أكثر من باحث، والذي يعتبر المقامة أصلًا ومصدرًا أساسيًّا من مصادر القصة العربية القصيرة. وأنها بحسب ذلك، تُعد شكلًا من القص القصير يدفع ما يُقال من حدة هذا الفن عند العرب ووروده عليهم من الغرب، ففيها من القصة القصيرة: الحدث والبطل والشخصيات، كما أنها تتوفر على الوحدات الثلاث، أي البداية والوسط والنهاية، وهي كذلك حكاية تروى في جلسة واحدة.
  • والرأي الثاني: ينظر إلى المقامة من زاوية أنها جنس بين الشكل القديم والشكل الجديد، وفي هذا الاتجاه ترد كلمة للأستاذ يحيى حقي: «كانت الخطوة المنطقية الأولى أن تكتب مقامات عن العصر القائم، أن تقام قنطرة بين الشكل في الماضي وبين موضوع اليوم إلى وصف المجتمع القائم، وقد تولى السيد المويلحي هذا العمل الجليل بتأليف كتاب عيسى بن هشام ۱۹۰۷م.»١٦ ويميل الكثيرون إلى الأخذ بهذا الرأي الاعتماد عليه في سرعة استجابة الكاتب العربي لهذا الجنس الأدبي، وقدرته، بعدئذٍ، على احتذائه، بل وتكييفه حسب البيئة المحلية، في الشكل والمحتوى.
وقريب منه ما تذهب إليه الدكتورة سهير القلماوي التي تقدم رأيًا وسطًا في هذه المسألة. فهي لا تزعم أن القصة القصيرة في صورتها الفنية الأولى، كما نجدها عند محمود تيمور، قد تطورت عن المقامة، وبالتالي إن القصة القصيرة هي نتاج تطور طبيعي للشكل المقامي. كما أنها لا تنكر أن تكون المقامة أثرًا وسببًا في وجود القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث، وفي توجُّه أدبائنا إليها، ودليلها على ذلك أن كتابة المقامة لم تنقطع من عهد بديع الزمان الهمذاني مرورًا بالحريري إلى علي مبارك وفارس الشدياق وحسن العطار، فإبراهيم ومحمد المويلحي، وتبيَّن عن رأيها الوسط في قولها بأنه: «لا شك أن المقامة عاشت في أدبنا الحديث فترة، ولا شك أنها مهدت بمضمونها وتطوره وتنوعه على مدى التطور إلى كثير من معالم القصة القصيرة الحديثة، ولكن الذي لا شك فيه أيضًا أنه في فترة ما نجد أن الخيط قد انقطع بين تيمور (محمد) وتيمور (محمود) وهذه المرحلة مرحلة انقطاع الخيط من القديم واستقطاب الأوروبي الوافد هي مرحلة هامة في دراسة القصة القصيرة.»١٧
والرأيان السالفان، معًا، يسعيان للعثور على أرضية تراثية للقصة القصيرة في الأدب العربي القديم، في المقامة أو في غيرها من المصادر كالقصص القرآني١٨ أو في الأخبار والحكايات عند الجاحظ وأبي حيان التوحيدي أو عند غيرهما، وما هو موجود عند كل الشعوب. ولا شك أن المقامة شملت بعض عناصر القص من ناحية احتوائها على حدث بعينه، يخضع بتفاوت لبداية وعقدة ونهاية، وعلى شخصيات وراوية، غير أن هذه السمات تظل بعيدة عن أن تكون خاضعة لما يخضع له الحدث والحبكة والشخصية في الأقصوصة الفنية، إضافة إلى أنها لا تهتم بعناصر القص هاته في ذاتها ومن أجل صياغة عمل قصصي من خلال تركيب القالب القصصي والإجادة في صوغ وتركيب نسيجه، وإنما كان شاغلها الأساس الاحتفال باللغة وامتصاص الغريب، والحوشي، وحشد الألفاظ المسجوعة والمنمقة بغاية التعالم والتفاصح والإبهار والاعتداد بامتلاك ناصية اللغة يضاف إلى ذلك الناحية التعليمية للغة وفي هذا ما فيه من بُعد عن القصة كما وردت علينا من الغرب.
ويقودنا هذا الفهم إلى الرأي الثالث، الذي يعبر عنه الأستاذ محمود أمين العالم في قوله: «ليس من الدقة أن نسعى إلى تلمُّس مصادر القصة العربية في تاريخ الأدب العربي القديم والقرآن والأساطير الشعبية والحكايات والمقامات وكتب الأخبار، فالقصة بمعناها العام تُعتبر وثيقة الصلة بحياة الإنسان منذ نشأته ولا تخلو منها حياة شعب من الشعوب، مدونة كانت أو شفهية، وعندما نتكلم عن نشأة القصة القصيرة، فإنما نقصد شكلًا معينًا من التعبير له قيم فنية غير قيم الحكاية بمعناها العام، ولم يكُن لهذا الشكل المعين وجود قبل نشأة القوميات الحديثة، وتحرر عبيد الأرض، وانتشار الطباعة انتشارًا كاملًا، وظهور الصحافة.»١٩ ثم إنه لا ضير أن نعترف — كما يقول يحيى حقي — «من أن القصة جاءتنا من الغرب وأن أول مَن أقام قواعدها عندنا أفراد تأثروا بالأدب الأوروبي والأدب الفرنسي بصفة خاصة.»٢٠
ولعل عدم اعترافنا المبكر بأصالة الفن القصصي القصير وجدته على آدابنا، وتعنتنا في محاولة العثور له على جذور في تربة أدبنا القديم، كان سببًا في عسر ولادته عندنا، كما تركنا زمنًا تتلكأ ونتردَّد بين المقامة والقصة ولا نجرؤ على التوجه مباشرة إلى ما نقصد إليه «فقد حاول بعض كتابنا تقديم إنتاجهم في شكل مقامات تفيض بكل ألوان الصنعة، فلم يخرجوا عن سنن الأقدمين الذين كانوا يضعون المقامة في المكان اللائق بها.»٢١ كما أن بعض كتاب المقامة المغاربة «اختاروا لإنتاجهم عنوان «مقامة» وفي ذلك دليل على اتجاههم نحو هذا الشكل القصصي للتعبير عن مشاعرهم وانطباعاتهم، فساروا في أسلوبهم على نهج أصحاب المقامات من تنميق وتصنيع ومزج بين الشعر والنثر الفني.»٢٢

على أننا، إلى ما ذهبنا إليه، لا نستطيع أن ننفي أن اتجاه كتابنا صوب المقامة ووقوعهم، زمنًا، في شرك صنعتها قد هيأ نفوسهم وأمزجتهم لتقبل الشكل الفني الجديد، والسعي لتقليده، وهذا التدرج والتنقل من المقامة إلى القصة القصيرة لا شك له أهميته وفائدته الجليلة، وإن كان بعيدًا عن أن يكون سببًا في الوجود أو التأسيس لهذا الحنين الأدبي.

هوامش

(١) عبد الله كنون، أحاديث عن الأدب المغربي الحديث، ص١٢٤.
(٢) شحاتة عبيد تُوفي سنة ١٩٦١م. عيسى عبيد تُوفي سنة ١٩٢٣م. محمود طاهر لاشين: ١٨٩٥–١٩٥٤م. انظر: القصة القصيرة في مصر، منذ نشأتها حتى سنة ١٩٣٠م تأليف عباس خضر، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، ١٩٦٦م.
(٣) من محاضرة للأستاذ عبد الكريم غلاب، انظر: عبد الكريم غلاب: «عن الأدب والأدباء» دار الكتاب، الدار البيضاء، ١٩٧٤م. وتحمل المحاضرة عنوان: تطور الأدب القصصي في المغرب العربي، وتقع في الكتاب من ص٥٤ إلى ص٨٥.
(٤) أستطيع القول جازمًا، وبعد إعادة تصفح أعداد كبيرة من الصحف، وقراءة نماذج عدة من صحافتنا في المواضيع الصحفية السياسية والثقافية أن أسلوب المقالة لحقه التطور ومسه اليسر والبعد عن التكلف من فترة ليست قريبة كما قد يذهب إلى ذلك الظن. إن قراءة مقالات نُشرت منذ ١٩٣٦م وما تلاها ليس في اعتقادنا وقتًا متأخرًا جدًّا إذا قيس بظروف الصحافة في المغرب وبشروط التطور الأدبي عمومًا. لكن ما بالنا نذهب إلى هذا التاريخ القريب، نسبيًّا، ولا نتجه إلى زمن أبعَد من هذا. قدمت مجلة المغرب (فبراير ١٩٣٤م، س۲، ع۱۷) جردًا عن كتاب «تاريخ الصحافة العربية» وفيه يشير كاتبه إلى عدد كبير من الصحف التي ظهرت في مدن مختلفة بالمغرب بدءًا من سنة ١٨٨٩م. ففي طنجة وحدها كانت تصدر سبعة صحف، وغير خافٍ ما قامت به من إسهام في تطويع الأسلوب النثري لمقتضيات العصر وتبدل الأحوال والمفاهيم.
(٥) نقدم فيما يلي نماذج من الصحافة المغربية التي كانت تنشر القصص المترجمة والمسلسلات:
«لصوص المقابر»، نُشرت مسلسلة في جريدة السعادة (طنجة) (رواية العدد) من ١٨ فبراير ١٩١٤م إلى ۳۰ مارس من نفسها.
«روحي فداك» (رواية العدد) بقلم رئيس التحرير من أول أبريل ١٩٧٤م إلى ١٦ مايو من السنة نفسها.
«الملكة المهجورة» تعريب الروائي الشهير طانيوس عبده (!) السعادة من ٤ يونيو ١٩١٤م (من ع٧٤١ إلى ٧٥٧).
تبدأ قصة «الملكة المهجورة» كالتالي: «في سنة ١٥٤٤م كان يوجد في ميلانو رجل يُدعى غاستا كاراني، أي ممزق الجلود، وهو رجل اشتهر شهرة بعيدة بصنع الأسلحة والقتال بالسيف، فهو الذي صنع درع فرانسوا الأول وخوذة شرلكان …» ملاحظة: في استهلال «الرواية» وضعت هذه الأبيات ووضع لها عنوان: «مغزى الرواية».
يا بنَ الجريمة ما أسأت إلى التي
ولدتك لكن قد أُسيء إليكا
نسلتك من ملك وقد أنكرته
بالرغم عنك فأنكروا أبويكا
أنت اللقيط وكل ما أوتيته
إن الأكارم يشفقون عليكا
انظر أيضًا: البلبل والوردة أو الفنان وفنه. قصة مترجمة ترجمها «الأديب الحالم»، جريدة الوداد ١٣ أبريل، ١٩٤٢م، س٦، ع١٣٦.
أوسكار وايلد: الأمير السعيد. تعريب: عبد الله العمراني. مجلة الأنوار، التطوانية، ع٥، س١، ١٩٤٦م.
أوسكار وايلد: الصديق الوفي، ترجمة ع الخطيب الأنوار، ١٩٥٠م، س٥.
ستيفان زفايج: عيون الأخ الخالد، ترجمة عبد السلام المودن.
انظر أيضًا: قصة «الصديقان» مترجمة في رسالة المغرب عن الفرنسية (لا ذكر للمؤلف) ترجمة أحمد بناني، رسالة المغرب، ع٤، س۱، دجنبر، ١٩٤٢م.
(٦) عبد المحسن طه بدر، تطور الرواية العربية، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٣م، ص١٢٠.
(٧) عبد الله كنون: أحاديث في الأدب المغربي الحديث، ص۱۲۲.
(٨) من كتاب الأسلوب النثري الجديد الأوائل في الصحافة:
محمد الأوراوي، عبد الحفيظ الفاسي.
محمد الجزولي، أحمد النميشي.
محمد السليماني، محمد حركات.
أحمد السيكرج، محمد الضرباني.
(٩) عبد المحسن طه بدر، تطور الرواية العربية، ص۱۱.
(١٠) الاختلاف مثلًا في تحديد بداية الشعر العربي المعاصر وما صاحب هذا من خلاف وادعاء بين الشعراء والرواد – معرفة أول رواية عربية – تحديد انطلاق الحركة المسرحية – كذلك التاريخ لظهور الحركات الفنية والأدبية في المغرب.
(١١) جريدة السعادة: جريدة رسمية كانت تابعة للحماية الفرنسية وقد بدأت الصدور من ١٩٠٥م. وقد استخدمت الحماية صحفيين لبنانيين لإصدارها وكان يرأس تحريرها وديع كرم.
(١٢) الشقيقان: بقلم رئيس التحرير، السعادة، ٢٠ ماي، ١٩١٤م، ع٧٣٧، يعتبر الأستاذ أحمد اليابوري في رسالته الجامعية المشار إليها، أن قصة «الشقيقان» تمثل بداية القصص القصيرة في المغرب، ومن ثَم جعل رسالته تنطلق من هذا التاريخ.
والحق أن القصة المذكورة لا تتوفر على شيء من فن القص، وإن هي سوى سرد خبري عن شيء عارض وقف عليه الراوي أو الكاتب.
وكاتبها ليس قاصًّا وبيئته ليست المغرب، ولكن المشرق، وهي بالقياس إلى القصة في المشرق أكثر من متخلفة.
أنها رصد لموضوع، بطريق المقال الصحفي، ولربما جاز، وبمنتهى التحفُّظ، نعتها بالمقالة القصصية.
لم تحدث هذه القصة أي أثر فيما بعد، ولا يظهر، حسب اطلاعنا أنه تبعها قصص من المؤلف نفسه أو من سواه، مباشرة أو بعد فترة وجيزة، بما يجعلنا نقول إنها خطوة في طريق نشأة القصة القصيرة في المغرب. أما موضوع القصة فعن العبيد وأوضاعهم وعلاقتهم بسادتهم في المغرب، والشقيقان هما عبدان يتعرفان على بعضهما ويكتشفان أنهما من أصل واحد وأب واحد تبدأ القصة على الشكل التالي:
«يعلم الخاص والعام كيف تجلب العبيد إلى المغرب وكيف تباع بأسواقها كما تباع البهائم».
ويعلم الخاص والعام أن العبيد بالمغرب يفضلون الحياة في منازل أسيادهم على الحياة في البادية السودانية التي تشتري منها تجار الرقيق الأطفال من كل جنس.
حذا بي للكتابة بهذا الموضوع حديث سمعته من عبدين شقيقين عرفا بعضهما بعد مضي خمسة عشر عامًا على حياتهما بالعبودية والرق، وكلاهما الآن يفضل الحياة الحاضرة على حياتهما بالقيطون الوالدي».
ثم يسترسل الكاتب في وصف مجلس العبيد والحوار الدائر بينهم إلى أن يخلص إلى «النهاية.»
(١٣) الفن القصصي بالمغرب ١٩١٤–١٩٦٦م، رسالة لنَيل دبلوم الدراسات العليا في الآداب منحت تحت إشراف الدكتور محمد عزيز لحبابي ونوقشت بكلية الآداب بالرباط سنة ١٩٦٧م، وتوجد نسخة من الرسالة بمكتبة الكلية بالرباط. رقم الترتيب ٥.
(١٤) عبد الله كنون، أحاديث في الأدب المغربي الحديث، ص١٤٢.
(١٥) لا نبتغي من وراء التعرض لهذه القضية أن نتهالك على ما تتضمنه كما لا نقصد إلى تفصيل القول في المقامة بأن نجعل حديثنا عنها مسهبًا، مفصلًّا ولكن الحديث عنها يأتي عرضًا وانتقاليًّا، ولذلك تعمدنا ألَّا نقف وقفة خاصة عند الآراء المتضاربة التي تعتبر المقامة مصدرًا رئيسيًّا من مصادر القص القصير عند العرب أو تلك التي تنفي هذا الراي نفيًا باتًّا، وأخرى تتخذ لها مكانًا وسطًا.
وعلى كلٍّ فإن كتبًا عدة قد عالجت هذه المسائل وأفاضت فيها وحسبنا أن نحيل هنا على دراسة مفصلة فردت لهذا الموضوع، وحده، مفصولًا في أطروحة جامعية:
أثر المقامة في نشأة القصة المصرية الحديثة، د. محمد رشدي حسن عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٧٤م.
(١٦) يحيى حقي، «فجر القصة المصرية»، سلسلة المكتبة الثقافية، رقم ٦، ص۱۹، د.ت.
(١٧) سهير القلماوي، «من الحريري إلى محمد تيمور»، مجلة الهلال القاهرة، أغسطس ١٩٦٩م.
(١٨) الدكتور محمد أحمد خلف الله، «الفن القصصي في القرآن الكريم». ط٣، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة ١٩٦٥م.
(١٩) خلدون الشمعة، «تقنية القصة القصيرة في سورية خلال ربع قرن»، مجلة المعرفة، فبراير، ۱۹۷۱م.
(٢٠) يحيى حقي، «فجر القصة المصرية»، سلسلة المكتبة الثقافية، القاهرة، د. ت. ص۲۰.
(٢١) عبد الله كنون: «أحاديث في الأدب المغربي الحديث»، ص۳۲.
(٢٢) عبد الله كنون، «أحاديث في الأدب المغربي الحديث»، ص۳۲.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤