إيفيجينيا في أوليس
الوقت: ليلًا. مصباحٌ مضيء داخل فسطاط أجاممنون. خادمٌ عجوز ينتظر
خارجه. يظهر أجاممنون عند باب الفِسْطاط.
أجاممنون
:
تعالَ، أيها العجوز، وقِفْ أمام هذا الفِسْطاط.
الخادم العجوز
(يتقدم)
:
ها أنا ذا أتيتُ، ماذا تريد، يا ملِكي، أجاممنون؟
أجاممنون
:
أما تُسرِع؟
الخادم العجوز
:
ها أنا ذا أُسرِع؛ فبسبب شيخوختي، لا أنام كثيرًا، وشيخوختي هذه قائمةٌ فوق
أجفاني كديدبانٍ متيقظ.
أجاممنون
:
ما اسم هذا النجم، الذي في كبد السماء هناك؟
الخادم العجوز
:
إنه الشِّعرى Sirius، القريب من البيليادس
Peliads السبع. إنه يسير وسط
السماء.
أجاممنون
:
حقيقة، ليس هناك أيُّ صوت، ولا حتى صوت تغريد الطيور أثناء نومها، ولا همسات
البحر، وصمت الرياح مُطبِق فوق يوريبوس Euripus
النائمة.
الخادم العجوز
:
لا أزال خارجَ فِسْطاطك، أيها الملِك، أجاممنون. لماذا تخطو هكذا في عصبية؟
يخيِّم سكونُ الليل على أوليس، ومَن يحرسون الأسوار صامتون، هيا بنا
ندخل.
أجاممنون
:
إني لأحسدك، أيها العجوز؛ فبما أنكَ لستَ في خطر، فإنك تقضي حياتك دون
الاهتمام بأي شيء وغير طالبٍ شهرة. كما أنني أحسُد قليلًا مَن هم في مركزٍ
سامٍ.
الخادم العجوز
:
ومع ذلك، يتوِّج المجد حياة هؤلاء.
أجاممنون
:
ولكن الخطر يكمُن مع المجد. وجدتُ الطموح يُغري في حلاوة، إلا أنه جارٌ للقلق
الفظيع؛ لأن إرادة الآلهة تصطدم مع إرادة الإنسان، فتحطِّم حياته؛ فمع أولئك
الناسِ الذين لهم أطماعُ الغواصين، ولا يُمكِن لأحد أن يُرضيَهم، يتمزَّق نسيجُ
عملِ الحياة.
الخادم العجوز
:
كلا، لا أحب في الملِك مثل هذا الضجر. أنجبك أتريوس
Atreus،١ يا أجاممنون، ليس لتتجَوَّل في أيامٍ كل سمائها صافية الأديم،
ساطعة النور، وإنما يجب أن يكون نصيبك الأفراح والأتراح لأنك بشر. ولو أن
تدبيرك يفسد، فإن تنفيذه متوقف على مشيئة الآلهة.
لقد أضأتَ مصباحك ذا وميض النجوم، وأراك تكتب خطابًا، وتُمسِك به في يدك، ثم
تمحو ما كتَبتَه وتختمُه، وتفضُّ الأربطة بمجرَّد ربطها، وتقذف بقرطاس ورق
الصنَوبَر، إلى الأرض، والدموع تنهمر باستمرارٍ من عينَيك. ماذا يحزنك، وما هو
عذابك الغريب، أيها الملِك؟
دعني أقاسِمكَ قِصتَك، ستُفضي بها إلى المخلص، إلى الوفيِّ المجرِّب، الذي
أرسله تونداريوس Tyndareus٢ مع بائنة زواجك الملكية، ليقوم بخدمة عروسك.
أجاممنون
:
ولدَت ليدا Leda، ابنة ثيستيوس
Thestiius ثلاث بنات، هن: فويبي
Phoebe وكلوتمنسترا، زوجتي، وهيلين
Helen. جاء الأمراء الذين يفوقون في
ثرواتهم جميع مَن في أرض هيلاس، يخطبون هذه الأخيرة. وكلٌّ منهم يُقسِم بأغلظ
الأيمان، مُهدِّدًا بأن يقتلَ منافسه إذا لم يَحظَ هو بيدها.
حار أبوها تونداريوس في أمره حَيرةً بالغة. كيف يتسنَّى له، سواء أعطى أو
رفض، أن يتحاشى تحطيم سفينته، وأخيرًا طرأَت على باله هذه الفكرة؛ أن يجعل كل
عاشق يُقسِم للآخر، ويضع كل واحدٍ منهم يده في يد زميله، ويسكبون مع الضحية
المحروقة، تقدماتٍ من الشراب، ويقسمون على هذا؛ أن يدافعوا عن أي واحدٍ منهم
تصبح ابنة تونداريوس زوجته، ضد كل من يسرقها من بيتها، ويهرب بها، نابذًا سيدها
جانبًا، فيسيروا ضده ويدمِّروا بلده، سواء أكان هيلينيًّا أو أجنبيًّا، بجيوشهم
المتدثِّرة بالدروع، فلما ارتبطوا، هكذا، بهذا التعهُّد، وقد تفوَّق عليهم
تونداريوس العجوز بذكائه ودهائه، جعل ابنته تختار من بين العشَّاق مَن تسوقها
إليه رياح الحب الحلوة.
اختارت — وليتها ما اختارته قط! — مينيلاوس.٣ بعد ذلك، جاء من فروجيا Phrygia،
ذلك الذي حكم بين الربَّات، كما تقول الأسطورة الأرجوسية
Argive، جاء إلى إسبرطة
Sparta، فأحب هيلين وأحبَّته، فسرقَها وهرب
إلى حظائر إيدا Ida، بينما كان مينيلاوس بعيدًا
عن وطنه، فاستبد به الارتباط، فأسرع خلال هيلاس طالبًا تنفيذ قسَم تونداريوس،
العجوز، فطلب من الجميع أن يبرُّوا بتعهُّدهم ويساعدوا المعتدى عليه.
عند ذلك هب الرمَّاحون الهيلينيون معًا، فلبسوا الدروع للقتال، وجاءوا إلى
ممَر أوليس الضيِّق هذا. جاءت السفن الحربية، وحاملو التروس، وكثيرٌ من
الفرسان. واصطَف كثيرٌ من العربات، واختاروني رئيسًا إكرامًا لخاطر مينيلاوس؛
إذ إنا أخوه. ليت رجلًا آخر نال ذاك الشرف، بدلًا مني!
والآن، عندما أتى الجيش المُجتمِع معًا، إلى أوليس، عاقَتْنا عوامل الطقس، ثم
أمر العرَّاف كالخاس Calchas،٤ ونحن يائسون، أن نذبحَ إيفيجينيا، التي أنجبتُها أنا، نذبحها
لأرتيميس المقدمة في هذه الأرض، كي نسافر، وكي تضرب فروجيا، وإذا لم نذبحها،
فلن يحدث شيءٌ من هذا، فلما سمعتُ هذا، أمرتُ تالثوبيوس
Talthybius٥ بأن يسرِّح الجيش، معلنًا بصوتٍ مرتفعٍ أنني لا يُمكِن أن أرضى بأن
تُذبح ابنتي. وعند ذلك توسَّل إليَّ أخي بتوسُّلاتٍ عدة، ودفعنَي إلى ذلك العمل
البشع، فكتبت في ثنايا أحد الألواح آمرًا زوجتي بأن ترسلَ ابنتَنا لتكون عروسًا
لأخيل، وعظمتُ في اللوح بسمعة هذا البطل السامية، وقلتُ إنه لن يُبحرَ مع جيش
أخايا Achaea إلا إذا جاءته عروس من بيتنا إلى
فثيا Phthia. مُقدِّرًا أن هذا يُغري زوجتي،
تُغريها مثل هذه الزيجة العظيمة للفتاة.
لم يعلم بهذا الأمر معي، أيُّ أحدٍ من الآخيين، سوى كالخاس وأوديسيوس
ومينيلاوس. وها أنا ذا، الآن، أُلغي الخطأ هنا، وأكتُب الحقيقة داخل هذه
اللِّفافة، التي رأيتَني، أيها العجوز، في ظلام الليل، أفتحُها وأُعيد ختمها.
اذهَب واحمِل هذا الخطاب إلى أرجوس، وما يُخفيه اللوح في ثناياه. سأخبرك به
كله. سأخبرك بكل ما هو مكتوب هنا؛ لأنك وفيٌّ لزوجتي، ولبيتي.
الخادم العجوز
:
تكلَّم وقرِّر، حتى يزن إخباري إلى جانب الكلمة المكتوبة.
أجاممنون
(يقرأ)
:
«أُضيف هذا إلى خطابي الذي سبق أن كتبتُه: يا ابنة ليدا، لا تُرسلي الابنة
إلى شاطئ أوليس العديم الأمواج؛ حيث يقع انحناء الجناح البحري لإيوبيا، على
هيئة خليج؛ فقبل أن نحتفل بطقوس زواج ابنتنا، يجب أن ننتظر موسمًا.»
الخادم العجوز
:
ولكن، إذا فقد أخيل زوجته الموعودة، ألا تتضخَّم عاصفة غضبه ضدك وضد زوجتك؟
من المؤكَّد، أن هذا خطر. أخبِرني بقصدك.
أجاممنون
:
لا يُعير أخيل اسمه بعد ذلك؛ فهو لا يعرف شيئًا عن عروس، ولم نخطِّط نحن
شيئًا، ولم أتحدث إليه بمفردي لأعطيَه يدَ ابنتي.
الخادم العجوز
:
عمل هذا بخوف، يا أجاممنون، أن تحضر ابنتك إلى هنا، أيها الملِك، على أن تكون
عروسًا لابن الربة، وهي في الحقيقة قربانٌ محروق!
أجاممنون
:
يا للمصيبة! إنني، كلي، شارد الذهن. إنني مسوقٌ إلى الخراب! أسرِع قدمَك،
أيها العجوز، ولا تُبطئ بحُجة الشيخوخة.
الخادم العجوز
:
ها أنا ذا أُسرِع، يا سيدي.
أجاممنون
:
لا تجلس حيث تتدفَّق نوافير الغابات، ولا تخضَع لسيطرة النوم.
الخادم العجوز
:
لا تَنطِق بهذه الشكوك المقيتة!
أجاممنون
:
عندما تصل إلى مفترق الطرق، لاحظ جيدًا، لئلا تُفلِتَ عربة من ملاحظتك؛ فقد
تكون عجلاتها الدائرة حاملةً ابنتي إلى هنا، إلى حيث يُوجَد الدانائيون، فإن
عثَرتَ على قافلتها المصاحبة لها، فأرجِعها أدراجها. أمسِك العِنان وهُزَّه،
مسرعًا بها ثانية إلى الأسوار الكوكلوبية
Cyclopean.
الخادم العجوز
:
سمعًا وطاعة، سأفعل هذا.
أجاممنون
:
هيا، انصَرِف من الباب.
الخادم العجوز
:
ولكن كيف تعرف زوجتُك أنني أقول الصدق، وأن الأمر هو كذلك؟
أجاممنون
:
احتَفِظ بهذا الختم الذي خُتم به الخطاب الذي تحمله. انصرف! فقد صارت السماء
رمادية، وتُومِض من بعيدٍ أولى شعلات الفجر، وعربة إله الشمس. والآن، ساعِدني
في ضائقتي! (يخرج الخادم العجوز.)
لا أحد محظوظ إلى النهاية، ولا أحد سعيد؛ فلم يَنلِ الإنسان، حتى الآن، حظًّا
لا يتكدر صفوه.
(يخرج.)
(يدخل الكورس.)
الكورس
(الأنشودة الأولى)
:
أتيتُ إلى حافة خليج أوليس البحري،
إلى رمالها المتألقة،
وأبحرتُ فوق أمواج يوريبوس Euripus
المندفعة
من المدينة القائمة،
ملكة باب البحر، خالكيس Chalcis
مدينتي،
التي على ثنية صدرها
تتألق أريثوسا Arethusa، النافورة
المقدَّسة،
أتيتُ لأُشاهد
الجيشَ الآخي، وسُفنَ الأبطال
التي ستُبحِر قُدمًا،
ألف سفينةٍ حربية إلى شواطئ أرض طروادة،
يقودها هذان الملِكان
نعم، الأمير مينيلاوس، ذو الشعر الذهبي،
كما يقول سادتنا،
ومع الملك أجاممنون، سار كل هؤلاء
على طريق الأخذ بالثأر،
طلبًا لتلك التي أحضَرها الراعي
من جانب نهر
أعواء الغاب الهامسة، جائزة يستحقُّها عن جرمه،
أفروديتي المعطية
وعدت، عندما نزلَت إلى أسفل
النافورة يلفُّها الرشاش،
٦
عندما تبارت الكوبرية
Cyprian٧ مع هيرا
Hera٨ وبالاس
Pallas٩
على تاجِ الجمال.
(مرد الأنشودة الأولى):
وعبْر غابة أرتيميس الذبائحية،
أسرعَت آتية
بينما، سرعان ما ارتفعَت الحُمْرة في خدي
ورود الخجل؛
إذ من أجل نظري إلى التروس وإلى الخيام المتألقة
بالأسلحة، كنت مُتلهِّفة،
وإلى مجموعات الخيول على مجموعات العربات.
أبصرتُ هناك اثنَين؛
أياس
١٠ الأويلي
Oilid Aias، وابن
تيلامون
Telamon
فخر سالاميس Salamis،
إلى جانب المتاهة المتنقِّلة للتيارات المخاتلة
جلسنا جنبًا إلى جنب
بروتسيلاوس Protesilaus، وذلك الذي
انحدَر
من نسل بوسايدون،
بالاميديس Palamedes، وهناك بجانب
ذراع ديوميدي
Diomede القوية الممتدة،
قفزت الجلة، فاغتبط بذلك،
وإلى جانبه تمامًا
كان ميريونيس Meriones من أقرباء إله
الحرب،
فأبصره الرجال مدهوشين.
وابن لايرتيس Laertes الآتي من تلال
الجزيرة البعيدة،
خلال ضباب البحر اللامع،
ونيريوس Nireus، الأكثر طيبةً بين
جميع
جيش الحرب ذاك.
(فاصل بين الأناشيد)
كان هناك أخيل Achilles الذي كانت
قدمُه كالرياح في
عاصفة الهجوم الجامحة.
رأيتُ ذلك المولود من ثيتيس، والذي
درَّبه خايرون Cheiron
أسرع مرتديًا الدروع فوق الرمال، وفوق
الأخشاب جرى،
تتعادل، في مباراة السرعة، قدماه مع عربة
ذات أربعة خيول،
يدور مكتسحًا حول حلبة السباق من أجل النصر،
فدوَّت متزايدة
صيحاتٌ من يوميلوس الفيريتيدي Pheretid
Eumelus
وبالمِنخَس الذي يحمله
ضرب جياده الأكثر أصالة، رأيتُها، فرأيتُ
زينةً في تألُّق الذهب.
لجمها نفيسة غالية، وفي وسطها نِير العربة الذي
تحمله على أعناقها،
كانت مرقَّطة، وعليها شَعر، هنا وهناك مثل
بقعةٍ ضربها الثلج.
تلك التي اكتسحَت عمود الدوران في آخر السباق
دون تهدئة،
كانت كأشجار الغار، مرقَّطة بنقط، تقفز
إلى جانبها البليديس
Peleides١١
ظل مكسُوًّا بعدَّته الحربية، واقفًا إلى
حافة العربة ومحورها.
(الأنشودة الثانية):
وأتيتُ حيث يُوجَد جيش السفن الحربية —
وهو أعجوبةٌ تفوق الوصف —
كي يملأ بالرؤية عينَي امرأة
وقلبًا يعجُّ بالبهجة.
وهناك اصطف على الجناح الأيمن،
ميرميدون
Myrmidon١٢ فثيا المساعدة في المعارك،
وهي خمسون سفينةً حربيةً سريعة، للحرب،
مع صفوف المجاذيف تتحرك مع متاريسها،
وقد ارتفعت على مؤخراتها تماثيلُ ذهبية
للربَّات النيريديات Nereid، تبرق من
بعيد،
وهي الشارة التي يعلِّقها جيش أخيل.
(مرد الأنشودة الثانية):
وإلى جانب سفنٍ معادلة لهذه
اجتمع الأرجوسيون،
عبَروا البحار مع ابن تالايوس Talaüs
المتبنَّى —
الذي أبوه ميكيستيوس Mecisteus
—
ومع سثينيلوس
Sthenelus، ابن
كابانيوس
Capaneus، الواقف إلى جانبه.
وهناك ركب سفن أتيكا
Attica الحربية مع
ابن ثيسيوس
Theseus١٣ الثاني إلى اليسار — وهي ستون سفينة — والفجر
العظيم
لزينتهم الحربية، كان عربةً مُجنحة، تحمل
بالاس، مع خيولٍ ذاتِ حوافرَ غير مشقوقة،
وهذه علامةٌ مباركة للقوم المسافرين بحرًا.
(الأنشودة الثالثة):
سفن بيوتيا
Boeotia١٤ ماخرة البحر
خمسون تقف هناك،
لاحظت شاراتها البرَّاقة.
إنها لكادموس Cadmus،
التي يتجلَّى فوقها التنين الذهبي
على كل حلية خلفية،
وابن ليتوس Leitus الأرضي
قاد صفوفها.
وأتت سفنٌ حربية من فوكيس
Phocis،
وفي سفنٍ لوكرية Locrian
شبيهة
بها، ذهبَت شهرة ثرونيوم
Thronium
إلى ما وراء سلطان آسيا.
(مرد الأنشودة الثالثة):
أرسل ابن قصر التيتان Titan
أتريوس Atreide في موكيناي.
مائة سفينةٍ حربيةٍ مكتظة الأسطح،
ذهب أخوه
كصديقٍ مع صديق، ليأخذها،
تلك التي خرجَت من حدود وطنها
من أجل خاطر بطلٍ أجنبي،
من أجل العفاف،
هناك، سفن ملِك بولوس Pylos،
نسطور
١٥ الجيريني
Gerenian Nestor،
يُحضِر
العُدَد الحربية الغريبة
التي أعارها ألفيوس Alpheus.
(موال):
قاد جونيوس Gouneus، ملِك الشعب
الأينياني Aenian
اثنتَي عشْرةَ سفينةً حربية،
وإلى جانبها ترتفع قلاع
سادة قوة إليس Elis،
الذين عيَّنهم جيش الإيبيين
Epeians:
فأتى يوروتوس Eurytus
ليقودهم،
وقاد سفينة التافيين Taphians ذات
المجاذيف الفضية
الذين كان ملِكُهم
ميجيس Meges ابن فوليوس
Phyleus، الذي
جاء من جُزر إخيناد Echinad
التي
لا يُبحِر إليها أيُّ رجل، فاقترب جيشُه الحربي.
أما أياس Aias، ابن سالاميس
Salamis المُتبنَّى
فالتصق بجناحه الأيمن
مع جناحهم الأيسر الأقرب إليه.
كانت هناك اثنتا عشْرةَ سفينةً تطيع
الدفَّة، التي سيطرَت على أبعد مسافة،
فأقفلَت الخط الذي يحدُّ الساحل،
كما سمعتُ، وأستطيع أن ألاحظ الآن؛
فأي شخصٍ يأتي بسفينةٍ بربرية
ليلتقيَ بها، فلن يعود قط
إلى وطنه من جرَّاء الالتحام بمؤخرته.
انظر، إن الصفوف البحرية الطيبة،
التي رأتها عيناي اليوم،
قبل قصة العرض العسكري العظيم،
التي رنت خلال وطني، سيبقى مجدُها
في قلبي إلى الأبد.
(يدخل الخادم العجوز ممسكًا بخطابٍ خطَفه منه مينيلاوس.)
الخادم العجوز
:
هذا اعتداء، يا مينيلاوس! عارٌ عليك!
مينيلاوس
:
ارجِع إلى الخلف! إنك كثيرُ الوفاء لسيدك.
الخادم العجوز
:
إنك توجِّه إليَّ تأنيبًا هو فخرٌ لي.
مينيلاوس
:
ستندم إن تخطَّيتَ واجبك.
الخادم العجوز
:
ليس من حقك أن تفُضَّ ختم اللِّفافة التي أحملها.
مينيلاوس
:
ولا من حقك أن تجلب اللعنة على جميع الأغارقة.
الخادم العجوز
:
ناقِش ذلك مع غيري، إنما أرجِعْ إليَّ هذا.
مينيلاوس
:
لن أتنازل عنه!
الخادم العجوز
:
ولن أتركَه من قبضتي!
مينيلاوس
:
إذن، فسرعان ما تُريق هِراوتي الدمَ من رأسك.
الخادم العجوز
:
إنه لشرفٌ لي أن أموتَ في تأديتي لواجب سيدي.
مينيلاوس
:
اتركْه! إنك عبدٌ كثيرُ الثرثرة.
الخادم العجوز
:
هيا، يا سيدي! اعتداء! انظر، خطف هذا الرجل خطابك، بالقوة، من يدي، يا
أجاممنون، ولم يُراعِ الحق!
(يدخل أجاممنون.)
أجاممنون
:
يا لَلفظاعة!
ما هذا الصخَبُ عند بابي، وهذا العِراكُ غير اللائق؟
مينيلاوس
:
لي الحق في الكلام قبل أن تسمع كلام هذا الشخص.
أجاممنون
:
لماذا تناضل معه، يا مينيلاوس، وتأخذ ما معه بالقوة؟
(يطلق مينيلاوس الخادم العجوز، الذي يخرج.)
مينيلاوس
:
انظر إليَّ في وجهي، كي أستطيع أن أبدأ الحكاية.
أجاممنون
:
أخاف، أنا المنحدر من أتريوس، أن أرفع أجفاني؟
مينيلاوس
:
أترى هذا اللوح، هذا، حامل قصة مخجلة؟
أجاممنون
:
أراه، ويجب أن تُسلِّمَه أولًا، من يدك.
مينيلاوس
:
أبدًا، لن أسلِّمه قبل أن أُريَ جميع الدانائيين، ما كُتب فيه.
أجاممنون
:
كيف؟ وهل فضضتَ ختمي، وعرفتَ ما لا ينبغي لك أن تعرفه؟
مينيلاوس
:
نعم، فضَضتُه، رغم أنه يحزنك، كي أعرفَ تآمرك السري.
أجاممنون
:
نعم؟ وأين وجدتَه؟ أيتها الآلهة، أيُّ جبينٍ وقحٍ هذا؟!
مينيلاوس
:
وأنا أراقب لأرى ما إذا كانت ابنتُك تقترب من الجيش.
أجاممنون
:
من الذي صرَّح لك بأن تتجسَّس عليَّ؟ أليس هذا العمل عارًا؟
مينيلاوس
:
مزاجي هو تصريحي، أنا لستُ عبدك، أنا.
أجاممنون
:
أليس هذا اعتداء؟ أتريد أن تحدَّ من سلطتي في بيتي؟
مينيلاوس
:
نعم؛ فإن أفكارك متقلبة، دائمة التغيُّر مع تغيُّر الوقت.
أجاممنون
:
لقد تملَّقتَ الشر بدهاء! مَقيتٌ هو اللسان الماكر!
مينيلاوس
:
أما القلبُ الخائن، غير الوفي لأصدقائه، فخزانةٌ للخطايا. سأستجوبك، فلا
تَحِد عن الحق بروحٍ استولى عليها الغضب، ولن أضغطَ عليك بشدة، هل نسيتَ كيف
كنتَ تتُوق إلى قيادة الأغارقة إلى شاطئ إيليوم
Ilium،١٦ متظاهرًا بأنك لا ترغب في ذلك الشيء، بينما أنت تتلهَّف إليه بشدةٍ
في قرارة نفسك، وكيف أنك، بوضاعة، أمسكتَ بأيدي جميع الرجال كدليل على الصداقة،
تاركًا بابَك مفتوحًا باستمرارٍ لأي رجلٍ من أولئك القوم يُريد الالتقاء بك،
وأمرتَ الجميع بأن يقابلوك في حرية، متناولًا القلوبَ المُحتشِمة، ساعيًا
بتقلباتك إلى شراء التقدُّم كما يحدث في السوق الحرة؟ ولكن، عندما فزتَ
بالسلطة، غيَّرتَ كل معاملاتك، وما عُدتَ صديقًا لأصدقاء الأيام الماضية، كما
كنتَ، بعد ذلك تعذَّر الاتصال بك، وقلما وُجدتَ في البيت. لا يجب على نبيل
النفس الذي ارتفع إلى مركزٍ سامٍ أن يتحوَّل عن طريق الماضي. كلَّا، بل ينبغي
أن يكون أكثر إخلاصًا لأصدقائه عما كان عليه من قبلُ، وعندما تصير قدرتُه
المساعدة أكثر منها في أي وقتٍ آخر، عن طريق الرجاء؛ فأولًا، هذا أول ما وجدتُك
فيه وضيعًا، وأُنحي عليك باللوم. ثم عندما حضرتَ مع جميع جيش هيلاس إلى أوليس،
لم تكن خائفًا قَطُّ من النكبات التي تُرسِلها السماء، ولمَّا أعوزَتك الرياحُ
المواتية، وأمرك أبناء داناوس بأن تسرِّح السفن في ذلك الوقت، وألا تبذلَ
الجهود عبثًا في أوليس، كم بانَ الحزنُ في وجهك وقتذاك، وتجلَّى الغيظ الوحشي
في عينَيك، لئلا تُرسِلَ رمَّاحيك خلال سهل بريام
Priam، أنت، يا قائد الألف سفينة،
فسألتَني: «ماذا أفعل؟ أية وسيلةٍ ألجأ إليها لكيلا أبدوَ عاجزًا غير كفءٍ
للقيادة، ولكيلا أفقدَ سمعتي؟» ثم عندما أمرك كالخاس بأن تضع حياة ابنتك على
المذبح لأرتيميس — كي يستطيع الدانائيون، عندئذٍ، الإبحار — امتلأتَ فرحًا
فوعدتَ مبتهجًا، بأن تذبح ابنتك، وعلى ذلك أرسلتَ إلى ملكتك، طائعًا مختارًا،
وبمحض إرادتك دون ضغطٍ من أي فرد، ولا يمكنك أن تقول غير ذلك، أرسلتَ إليها أن
تُرسلَ ابنتك إلى هنا، على أنها ستأخذ أخيل سيدًا لها. انظر، ها هي نفس السماء
التي فوق رأسك، والتي سمعَتْك، عند ذاك، تسجِّل وعدك.
والآن تتقلَّب، ووُجدتَ تنقُض رسالتك، قائلًا إنك لن تكون إطلاقًا، قاتِلَ
ابنتك! وهكذا كانت. هناك كثيرون وكثيرون من أمثالك، يعملون بإرادةٍ ضعيفة حتى
يصلوا إلى ذروة السلطان، وبعدها يسقُطون من القمة، يجلِّلهم العار، فينسبُ
بعضُهم ذلك إلى عمى الناس، ويُلقي بعضٌ آخرُ اللومَ كلَّه على أنفسهم؛ إذ ليس
في مقدور ذوي الأيدي الواهنة حراسة المدينة التي نالوها.
أما عن نفسي، فإنني أنوحُ على هيلاس البالغة التعاسة أكثر مما سواها، حتى
إنني لأتمنى لها أسمى تقدُّم. ورغم هذا، يتخذها الأغراب الأنذال سخريتهم، أولئك
الذين يرفضون أيديَها من أجلك ومن أجل ابنتك. لن أُفرِحَ أيَّ رجل من أجل خاطر
القرابة، بأن يحكُم البلد أو يقود جيشًا! إنه بحاجة إلى الحكمة، ذلك الذي يحكُم
الرجال؛ لأن واجبه قيادة الأمة، ذلك الذي لديه عقلٌ يفهم.
الكورس
:
مخيفةٌ بين الإخوة هي ألفاظُ الاحتقار الشديد والصدام، إذا ما دبَّ بينهم
النزاع.
أجاممنون
:
والآن، جاء دَوري في أن أبيِّنَ عيوبك باختصار بعد أن أفصِّلَها بدرجةٍ عالية
من الاحتقار، بل أراعي تخفيفها كما يجدُر بالأخ ذي الخلق النبيل
والشهامة.
أجبني، لماذا هذا الهياج والثوَران في الحديث. لماذا هذا النزاع المصحوب
بوحشية العيون الحمراء؟ مَن أساء إليك؟ مِمَّ تشكو؟ أتتوقُ إلى الفوز بزوجةٍ
عفيفة؟ لا يُمكِنني أن أراك هكذا. وإن تلك التي ترغب في أن تربحها، تحكمك
بنذالة. ماذا؟ أيجب عليَّ، أنا الذي لم أقترف ذنبًا نحوك، أيجب عليَّ أن أعانيَ
الآن؟ أو هل يضرُّك تقدُّمي؟ كلا، ولكن ليس لك إلا رغبةٌ واحدة، أن تضم امرأةً
جميلةً في ذراعَيك! لقد نبذتَ العقل والشرف، وأطحتَ بهما للرياح! إن لذَّاتِ
الحقد وضيعة. فهل أُرمى بالجنون، أنا الذي اتبعتُ مشورةً سيئة ثم ثُبْتُ إلى
رشدي الآن وتصرَّفتُ بحكمة؟ كلا، بل إنه أنت، الذي بعد أن فقدتَ زوجةً شريرة،
تُريد أن تستعيدها، نعمة الربِّ لبيتك. حقيقة، أقسَم العاشقون، طلاب الزواج،
قسمًا لتونداريوس. بَيْد أنني أجد أن هؤلاء قادَتْهم ربة الأمل، وعملت على
تنفيذ ذلك القسم، أكثر مما عملتَ أنت ومراقبتُك القوية. قُدْهُم أنت فهؤلاء على
استعدادٍ لذلك بغباوة قلوبهم! ليس الرب قاضيًا لا يُبصِر؛ فعيناه حادَّتان عند
الأيمان المحلوفة بالضغط، والعهود التي يعتبرها على غير حق.
لستُ أنا الذي يقتل أولاده! ليس من العدالة في شيء، انتقامك هذا من أجل زوجةٍ
بالغة الشهوانية، بينما أنا أقضي الليالي باكيًا، ويعتريني الضعفُ خلال أيام
الهموم والمتاعب من أجل معاملتي غير الشرعية وغير الحقة لأولادي الذين أنجبتهم!
هاك جوابي مختصرًا وواضحًا وسهل الفهم. إذا كنتَ تحيدُ عن الحكمة، فإن بيتي
سيسير وراء الخير.
الكورس
:
هذا يؤيِّد ما سبق أن قُلتَه، ويدُل على حسنِ نيَّتِك في إنقاذ حياة
ابنتِك.
مينيلاوس
:
وا حَسْرَتَاه على تعاستي! لا أصدقاء لي!
أجاممنون
:
هذا صحيح، طالما تسعى إلى هلاك أصدقائك.
مينيلاوس
:
كيف تُبرهِن على أنك ابن أبينا؟
أجاممنون
:
بالأخوَّة عن طريق الحكمة، وليس عن طريق الغباء.
مينيلاوس
:
يجب على الأصدقاء أن يُحسُّوا بحزن الأصدقاء كما لو كان حُزنَهم، هم
أنفسهم.
أجاممنون
:
تتحدَّاني بالمعروف، وليس بالصلَف.
مينيلاوس
:
إذن، فهل عدَلتَ عن الاشتراك في هذا العمل مع بلاد الإغريق؟
أجاممنون
:
هيلاس مثلك، أصابَتْها ضربة الربِّ بالجنون.
مينيلاوس
:
إذن، فافخَر بصولجانك، أيها الخائن لأخيك، سألجأ إلى وسائلَ أخرى وأصدقاءَ
آخرين.
(يدخل رسول مسرعًا.)
الرسول
:
اسمع، يا أجاممنون، يا ملِك جيش هيلاس، أنصِت إليَّ، لقد أحضرتُ إليك ابنتَك
المسمَّاة إيفيجينيا، وهي في أبهائك. أتت معها أمها كلوتمنسترا، وكذلك الطفل
أوريستيس Orestes ليُقِرَّ عينك ويُفرِحَك.
جاءوا من بيتك واستغرقوا في الترحال مدةً طويلة. ولكن، بعد وعثاء السفر، تغسل
النساء أقدامهن الآن عند ينبوعٍ جميل التدفق، هن وجيادهن؛ لأننا أطلقناها وسط
كلأ المرعى كي تستطيع تناوُل علفِها فيه. أما أنا، فلكي أجعلَك تتأهب للقائهم،
سبقتُهم بالمجيء. وبمجرد أن علم الجيش بذلك، نشَر إشاعة وصول ابنتك، فجَرَت كل
الجموع لمشاهدة ابنتك؛ فعِليةُ القوم مشهورون، ويتوقُ الجميع إلى رؤيتهم،
وكانوا يتساءلون: «أهو زواج؟ أو ماذا يقصد الملك؟ أم أن الملك اشتاق إلى ابنته
فأرسلَ يطلبها؟» ويُمكِنك أن تسمع آخرين يقولون: «إنهم يقدِّمون إلى أرتيميس،
إلى ملكة أوليس، طقوسَ زواج تلك الفتاة!١٧ ومن هو ذلك العريس؟» إذن، فأعِدُّوا سِلالَ القرابين، وضَعوا
الأكاليلَ على رءوسكم.
وأنت أيضًا، أيها الأمير مينيلاوس، أنشِد ترنيمة الزفاف، ودعِ النايَ يرنُّ
داخل الخيام على صوت الأقدام الراقصة؛ إذ يبزُغ فجرُ هذا اليوم بالفرح على هذه
العذراء.
أجاممنون
:
هذا حسَن، شكرًا لك. انطلِق الآن إلى الداخل. وسنُجري ما بقي تبعًا لما يريده
القدَر.
(يخرج الرسول.)
يا وَيلتي! ماذا بوسعي أن أقول، أو من أين أبدأ؟ إلى أية أغلالٍ قذف بي! لقد
بذَّتني ربة الحظ في الذكاء، وبرهنَت على أنها أكثرُ دهاءً من جميع تدابيري!
انظر الآن، أية فائدة تعيب ذوي المولد الوضيع؛ لأن هذا يمكن أن يخفِّف من هموم
قلوبهم بذرف الدموع، فيبوحوا بكل أحزانهم. وتنتاب نفس الأحزان ذوي المولد
الرفيع، غير أن الكرامة تستبد بحياتنا، ونحن عبيد الشعب. كذاك الحال معي؛ لأنني
أخجل أن أبكي، ورغم هذا، لا أخجل من البكاء، يا لي من حقير، أنا الذي وقعتُ في
أعمق محنة! وانظر الآن، ماذا أقول لزوجتي، وكيف أستقبلها؟ وبأي وجهٍ وملامحَ
أقابلها؟ لقد أهلكَتْني بمجيئها وسط مضايقاتي مع ابنتها، لتقدِّم للعروس خدمة
الحب. أين تتجلى نذالتي! والعذراء التعيسة، لماذا ندعوها عذراء؟ يبدو أن هاديس
سرعان ما سيأخذها عروسًا. ويلي، ويا لَشفقتي! إني لأسمعها تتوسَّل قائلة: «آه،
يا أبي، هل ستذبحني! عساك تجد مثل هذا العرس، أنت وجميع من تُحبهم؟!»
سيبكي أوريستيس إلى جانبها، حزنًا، عن غير قصد، ولكن بقصدٍ عميق، من ذلك
الوليد. يا لَلحسرة! كيف حطَّمني ابن بريام، باريس
Paris، الذي تسبَّب في كل هذا بإثمه مع
هيلين؟
الكورس
:
وأنا كذلك، أرثي لك أكثر مما تحزن السيدات الغريبات، لأحزان الأمراء.
مينيلاوس
:
أخي، عاهِدْني، على أن أُمسِك يدك.
أجاممنون
:
أعطيكها. لك النصر، ولي الحزن.
مينيلاوس
:
أقسم ببيلوبس Pelops، بأبي المسمى أبًا،
وبأتريوس أبينا، على أنني سأتحدث إليك من قرارة قلبي، لا أبتغي من وراء ذلك
هدفًا، بل ما يجول بخاطري وبتفكيري؛ فإنني إذ أرى الدموع تنهمر مدرارًا من
عينَيك، ينفطر قلبي إشفاقًا عليك، فأذرف الدمع ردًّا على دموعك؛ ولذا أسحب
كلامي الذي سبق أن تفوَّهتُ به، وما عُدتُ عدوًّا لك، بل أضع نفسي موضعك،
وأنصحك بألَّا تقتل ابنتك، وألَّا تدوس على صالحك من أجل صالحي. لم يكن عدلًا
أني جعلتُك تتأوَّه، بينما كأسي كلها حلوة، وأن تموتَ ذرِّيتُك وترى ذرِّيتي
النور؛ فماذا جرى لي؟ أليس بوسعي أن أجد عروسًا ممتازة في أي مكانٍ آخر، إذا
اشتقتُ للزواج؟ كيف يتأتَّى لي أن أفقدَ أخًا — وهو آخرُ من يجب أن أفقد —
وأفوز بهيلين، وبذا أشتري الطالح بالصالح؟ كنتُ مجنونًا وفجَّ الذكاء، إلى أن
أبصرتُ الأمور من كثَب، ورأيتُ ماذا يعني قتل الأولاد. كما أنني أُشفِق على
الفتاة المقدَّر لها أن تُذبح من أجل خاطر عروسي، وعندما فكَّرتُ في الأمور
تحرَّكَت الشفقة في نفسي، وفي قرابتنا؛ فماذا يمكن أن تفعل ابنتُك لهيلين؟
سرِّح الجيش ودَعْه ينصرف من أوليس! وكُفَّ عن إغراق عينَيك بالدموع، يا أخي،
كما لا تحُثَّني على البكاء، فإن كان لك نصيبٌ في الوحي الخاص بها، فلن يكونَ
لي نصيبٌ فيه! أتنازل لك عن نصيبي. قد تقول: «هذا تغيُّرٌ سريع، عن تلك الألفاظ
القاسية التي سبق أن قيلَت!» ولكنه أكثرُ ملاءمةً أن أتغيَّر من أجل محبة ذلك
الذي انحدَر من نفس الرحم الذي انحدرتُ أنا منه. ليست هذه طباعَ رجلٍ وغد
يتحوَّل إلى الجانب الأفضل.
الكورس
:
هذا كلام حق ونبيل، وجدير بتنتالوس Tantalus١٨ ابن زوس! لَم تجلبِ العارَ على أسلافك.
أجاممنون
:
شكرًا لك، يا مينيلاوس. لقد قلتَ حقًّا، فوق كل ما كان مأمولًا، وهذا خليقٌ
بك. قد ينشأ النزاع بين الأخوَين من أجل امرأة، أو من أجل الطمع. خسئًا لها تلك
القرابة التي تجلب المرارة لكلَينا! كلَّا، ولكننا مقيَّدون بنفس المصير! يجب
أن نعمل معًا على قتل ابنتي.
مينيلاوس
:
كيف؟ مَن ذا الذي يضطرُّك إلى إهلاك ابنتك؟
أجاممنون
:
جميع صفوف الجيش الآخي.
مينيلاوس
:
كلا، ألبتَّة، إذا أرجعتَ ابنتك إلى أرجوس.
أجاممنون
:
بوسعي أن أفعل هذا سرًّا، ولكني لن أفعلَه.
مينيلاوس
:
ماذا؟ لا تخشَيَنَّ السوقة كثيرًا.
أجاممنون
:
سيُخبر كالخاس الجيش بالوحي.
مينيلاوس
:
لن يحدث هذا إذا مات أولًا. ليس هذا بالأمر الصعب.
أجاممنون
:
قبيلة العراف كلها لعنةٌ مقيتة.
مينيلاوس
:
لعينة وعديمة النفع طالما هو على قيد الحياة.
أجاممنون
:
أليس الخوف الذي يتطرق إلى نفسي هو خوفك؟
مينيلاوس
:
كيف أحِسُّ به طالما أنك لم تخبرني به؟
أجاممنون
:
سيعلم نسل سيسوفوس Sisyphus١٩ بكل هذا.
مينيلاوس
:
لا يُمكِن لأوديسيوس أن يضُرَّك ويضُرَّني.
أجاممنون
:
إنه متقلِّب ومن جنس السوقة.
مينيلاوس
:
هو عبدٌ للطمع، ولعنةٌ بالغة الخطر.
أجاممنون
:
ألا تظن أنه يقف وسط الأرجوسيين، ويخبرهم بالوحي الذي تكلم به كالخاس؟ وكيف
أَعِد أرتيميس بتقديمِ ضحيَّتها، ثم أنكُث وعدي؟ وإذ يعمل بهذا على إثارة
الجيش، فإنه يأمرهم بأن يقتلوني، ويقتلوك، ويذبحوا الفتاة ضحية؟ وإذا عُدتُ إلى
أرجوس، تبعوني إليها ودمَّروها حتى يتساوى أعلاها بأسفلها، وهدَموا أسوارها
الكوكلوبية. هذا كله هو ما يقُضُّ مضجعي ويعذِّبني، فما أعظَم مصيبتي! كيف
زجَّت بي الآلهة وسط هذا اليأس! ولاحِظ شيئًا واحدًا، يا أخي، ألا تعلم
كلوتمنسترا بهذا الأمر من الجيش أثناء مرورها وسطه، إلى أن أرسل ابنتي إلى
هاديس، فيكون عذابي بدموعٍ أقل. وأنتُن، أيتها الآنسات الغريبات، الزَمْنَ
الصمتَ فيما يختَص بهذا الأمر.
(يخرج.)
الكورس
(أنشودة)
:
إنه لخيرٌ لهم، أولئك الذين ستلطِّف
لهم ربة الحب، نار الهيام،
وتجلب لهم ثمرة الرغبة
بخطًى رقيقة، وبطريقةٍ لطيفة،
فمن كانت نفوسهم بحارًا هادئة، فقد كُفُوا
بلبلة الفكر، وألم الحمَّى،
والنوبات الساحرة للسهمَين كليهما
سهام الحب ذوات الشعر الذهبي،
التي يحلِّق بها البعض ممنوحًا النعمة،
والبعضُ الآخر بدمار القلق،
فيا ربة الجمال، أبعدي عن صدري،
الذي هو بائنة زواجي، أبعدي هذا الحب!
دعي نوباتِ الحب تأتي بقدْرٍ مناسب
تحطُّ فوقي وتجعل رغبتي طاهرة.
وليضِء ينبوع أفروديتي Aphrodite
النهاري
عليَّ، وليبتعد عني قيظُ ظهيرتها!
(مرد الأنشودة):
لتكن قلوب الناس متنوِّعة التكوين،
ونفوسهم متنوِّعة، ولكن الطيبة الحقيقية
ستظهر واضحةً خلال الجميع،
في كل درسٍ سامٍ مستوعبٍ تمامًا،
فيُعير أجنحةً للطيران إلى سماء الفضيلة؛
لأن الحكمة في الاحترام الذاتي،
ورؤية الحق إلى هذا،
يُعطى سحر كامل التنقل،
وتُسكب الشهرة الدائمة، بهذا
على الحياة بواسطة ربَّة الشهرة، ما أمجدَ
طلبَ الفضيلة! لنا،
الفضيلة المصونة، والعفاف.
أما للرجل فما فُطر عليه من نعمة
القانون والنظام، يجعلُه عظيمًا،
والدولة، بخدمة أبنائها،
تُبدي فضيلتَها بألف طريقة.
(موال):
عُدتَ، يا باريس، إلى حيث
تُوجَد أبقار إيدا Ida الناصعة
البياض،
راعيًا، زمرتَ لحنًا
جعل روح أوليمبوس
Olympus العجوز
٢٠ تصحو ثانيةً هناك
ترعى الأبقار الكاملة الضروع، في السلم
الحالم، عندما جاءك النداء
لتحكُم في تنافس الربات،
فأرسلك الحكم إلى بلاد الإغريق،
أمام القصور العاجية
لتقف، كي ترى في عينَي هيلين،
التي تحرَّقَت إليك، فسطع نورُ الحب،
ليثير بشبق إيروس Eros،
ومن أجل ذلك يسوقُ النزاع جميع
هيلاس، بالسفن، وبالرمَّاحين ليسقطوا
على قلاع طروادة الشامخة.
انظر، انظر، عظماء الأرض كيف هم منعَّمون
إيفيجينيا الفخورة بمولدها من الأمراء، انظر،
أنظر كلوتمنسترا، المنحدرة
من تونداريوس، يا له من اسمٍ ملِكي
لأبوَين عظيمَين! توَّجَت الشهرة مصيرهما!
فمن رفعوا عاليًا، في الثروة وفي القوة
يتعادلون مع الآلهة في نظر البشر الأقل منزلة.
(تدخل كلوتمنسترا وإيفيجينيا في عربة ومعهما خدم)
نقف نحن، بنات خالكيس، قريبًا،
نمُد أيدي المعونة الرقيقة،
وبذا لا تسقط على الأرض.
ستخطو الملكة إلى أسفل، ولن تعرف
الأميرة أي خوف، ولن تتوقف،
ابنة أجاممنون الذائعة الصيت.
ربما كنا غريباتٍ هنا، فلن نُحدِث
أية ضجة، وُجد أن دخول
الأغراب إلى أرجوس، لا يحوطُه خوف.
كلوتمنسترا
:
أعتبر هذا فألًا يدل على حظٍّ طيب، يتجلى في رقَّتِكن وحسنِ استقبالكنَّ
وعباراتِ ترحيبِكُن. لديَّ أملٌ طيب في أن مجيئي سيقود العروس إلى زفافٍ سعيد.
احمِلن، من العربة، هذه البائنة التي أحضرتُها للعروس، احمِلنها بسرعة إلى
البيت. وأنت، يا ابنتي، انزلي من العربة التي تجرُّها الخيول، وضَعي قدمَيك
الرقيتَين برفق، واستقبِلْنها يا هؤلاء الآنسات في أذرعكن، وساعِدْنها في
النزول من العربة سالمةً إلى وجهتها، ولتَمُد لي إحداكن يدًا ساندة، كي أترك
مقعد العربة برشاقة. وأرجو أن يقف بعضُكن أمام نِير الخيول لأن عين الحصان
خوَّافة، وخُذن هذا الطفل، ابن أجاممنون، أوريستيس، الذي ما زال وليدًا لم ينطق
بعدُ. كيف؟ هل عمل تأرجُح العربة على نوم الطفل؟ استَيقِظ مبتسمًا من أجل زفافِ
شقيقتك؛ لأن لحنكُن البطولي سيجعل من القريب بطلًا مساويًا لطفل النيريد
Nereid الشبيه بالآلهة. هنا، يا ابنتي،
اجلسي إلى جانبي، بقُرب أمك، يا إيفيجينيا، خذي مكانك، وأظهري الامتنان لهؤلاء
الغريبات. انظري، ها هو أبوك المحبوب! رحِّبي به.
(يدخل أجاممنون.)
(تجري إيفيجينيا إلى ذراعيه.)
إيفيجينيا
:
إنني أسبقك، يا أماه — لا تغضَبي — وأضُم أبي، قلبًا إلى قلب.
كلوتمنسترا
:
أيها الملك أجاممنون، يا أعظم من أبجِّل، أتينا طاعةً لأمرك.
إيفيجينيا
:
ما أعظم لهفتي، يا أبي، إلى أن أرتميَ على صدرك بعد كل هذه المدة الطويلة!
ولو أنني أسبقُ غيري لأنني مشتاقةٌ إلى وجهك! فلا تغضَب.
كلوتمنسترا
:
يمكنك هذا، يا طفلتي، نعم، يا أعظم نسلٍ ولَدتُه، حبًّا لوالدك.
إيفيجينيا
:
لقد طالت المدة، يا أبتاه، وهكذا تراني مسرورة!
أجاممنون
:
وكذلك أنا مسرور، تكفي كلماتك لكلتَيكما.
إيفيجينيا
:
مرحبًا! حسنًا فعلت، يا أبي، بطلب مجيئي إلى هنا.
أجاممنون
(يتراجع مأخوذًا)
:
حسنًا؟ لستُ أدري يا بنتي، كيف أُجيب على هذا.
إيفيجينيا
:
ها!
مسرورٌ لرؤيتي، ومع ذلك، فما منظر وجهك المهموم هذا؟
أجاممنون
:
يُكابد الملوك والقوَّاد كثيرًا من الهموم.
إيفيجينيا
:
هذه الساعة ملكي، هذه الساعة! لا تستسلم للهموم!
أجاممنون
:
كلي لك، الآن؛ أفكاري غير شاردة.
إيفيجينيا
:
إذن، فافرُج أساريرك ودَعِ الحبَّ يذيبُ عينك.
أجاممنون
:
انظري، يا بنيتي، ها أنا ذا أفرح، كما اعتدتُ أن أفرح عند رؤيتك.
إيفيجينيا
:
ومع ذلك، ومع ذلك فإن عينَيك ما بَرِحتا تَذْرِفان الدموع.
أجاممنون
:
نعم؛ لأن الغياب كان طويلًا قبل الحضور.
إيفيجينيا
:
لست أعرف، لستً أعرف، يا أبي العزيز، معنى ما تقول.
أجاممنون
:
تزيدُ بصيرتُكِ الحكيمة من إثارة أشجاني.
إيفيجينيا
:
إذن، فلِكَي أسُرَّك، سأتكلَّم بالخزعبلات.
أجاممنون
:
يا ويلتي! (بصوتٍ منخفض) يَكسِر هذا السكوت قلبي (بصوتٍ مرتفع) أشكرك.
إيفيجينيا
:
امكُث، يا أبي، امكُث وابقَ مع أولادك في بيتك!
أجاممنون
:
سأفعل. هناك ما يعترض رغبتي، وهنا يقع حزني.
إيفيجينيا
:
خسئًا للحروب، ومظالم مينيلاوس!
أجاممنون
:
سيكون هلاكي هلاك آخرين أولًا.
إيفيجينيا
:
كانت غيبتُك طويلةً في خليج أوليس.
أجاممنون
:
وما زال هناك ما يعُوق سفَر الجيش.
إيفيجينيا
:
أين يقيم الفروجيون، يا أبت، كما يقول الناس؟
أجاممنون
:
حيث لم يسكُن أبدًا ذاك الباريس البرباميدي!
إيفيجينيا
:
هل ستسافر بعيدًا، يا أبي، وتتركني؟
أجاممنون
:
إنكِ في مثل حالِ أبيك، يا طفلتي.
إيفيجينيا
(تتأوَّه)
:
أما كان من الأنسب أن أستطيع السفر معك؟
أجاممنون
:
ويجب عليكِ، أنتِ أيضًا، أن تسافري إلى حيث يمكنكِ التفكير فيَّ.
إيفيجينيا
:
هل سأُبحِر مع أمي، أم بمفردي؟
أجاممنون
:
بمفردك. مفصولةً عن أمكِ وعن أبيك.
إيفيجينيا
:
كيف ذلك؟ هل وجدتَ لي بيتًا جديدًا، يا أبي؟
أجاممنون
:
كفى! لا يليقُ بالفتيات أن يعرفنَ مثل هذه الأمور.
إيفيجينيا
:
عُد إلى فروجيا، منتصرًا هناك، يا أبي.
أجاممنون
:
يجب أن أقدِّم ذبيحةً هنا، أولًا.
إيفيجينيا
:
نعم، يجب أن نبجِّل السماء بطقوسٍ مقدَّسة.
أجاممنون
:
سترَينَ هذا، وستقفين إلى جانب طَستِ التقدمة.
إيفيجينيا
:
هل سأقود الرقص حول المذبح، يا أبي؟
أجاممنون
:
جهلك هذا، يجعلك، أسعد مني! ادخلي إلى حيث لا يرى ذلك المكان غير العذارى.
ولكن، أعطيني قبلةً حزينةً واحدة، ودعيني أمسِك يدَكِ اليمنى، قبل سفرك الطويل
بعيدًا عن أبيك، يا للصدر، ويا للخدَّين، ويا للشعر الذهبي! يا له من عبء
وضعَتْه عليك مدينة فروجيا وهيلين! ولكن، كفى، ينتابني ويغمرني دُوارٌ مفاجئ،
من عيني، وانا ألمسُك! ادخُلي الفسطاط (تخرج إيفيجينيا) عفوًا، يا ابنة ليدا،
إنه ليكسر قلبي أن أسلِّم ابنتي إلى يد أخيل. بعد مثل هذا الفراق لنعمة، ولكنه
في الوقت نفسه يعتصر القلب، أن يسلِّم الآباء أولادهم إلى بيوتٍ غريبة، وقد
جاهدوا طويلًا من أجل هؤلاء الأولاد.
كلوتمنسترا
:
لستُ غبيةً إلى هذا الحد، كن على يقينٍ من أنني سأحِس بهذه المحنة بما لا يقل
عنك؛ لذا لن أزجرك عندما أقود الفتاة بأناشيد الزواج، ولكن التقاليد، متكاتفةً
مع الزمن، ستُزيل الألم. أعرفُ اسم ذلك الذي خطبت إليه ابنتي، وأودُّ أن أعرفَ
وطنه ونسبه.
أجاممنون
:
كانت الحورية أيجينا Aegina،٢١ ابنة أسوبوس Asopus.
كلوتمنسترا
:
وهل تزوَّجها إنسان، أم إله؟
أجاممنون
:
تزوَّجها زوس، وأنجب منها أياكوس Aeacus ملك
أوينوني Oenone.
كلوتمنسترا
:
وأي أبناء أياكوس أمتلكُ بيته؟
أجاممنون
:
بيليوس Peleus،٢٢ وتزوج بيليوس ابنة نيريوس.
كلوتمنسترا
:
وهل كانت منحةً من الإله، أو بحقد السماء؟
أجاممنون
:
كان زوس هو الذي خطَبها، فقدَّمها أبوها.
كلوتمنسترا
:
أين تزوجها؟ هل تحت البحر المائج؟
أجاممنون
:
حيث يقيم خايرون Cheiron٢٣ عند سفح بيليون Pelion
المقدَّس.
كلوتمنسترا
:
حيث تعيش قبائل القنطر Centaurs، كما يقول
الناس؟
أجاممنون
:
نعم، وهناك أقام الآلهة وليمةَ زواجِ بيليوس.
كلوتمنسترا
:
ومن ربَّى أخيل، أهي ثيتيس Thetis٢٤ أم أبوه؟
أجاممنون
:
خايرون، كيلا يعرف طرقَ البشر الخبيثة.
كلوتمنسترا
:
نعم، هكذا! ما أحكَم المعلِّم، وكم كان الأب أكثر منه حكمة!
أجاممنون
:
سيكون مثل هذا البطل سيد ابنتك.
كلوتمنسترا
:
لا أحدَ خيرٌ منه. وفي أية مدينةٍ إغريقيةٍ موطنه؟
أجاممنون
:
في مستنقعات فثيا Phthia بجوار أبيدانوس
Apidanus.
كلوتمنسترا
:
وهل ستقودُ ابنتَك وابنتي إلى هناك؟
أجاممنون
:
كلا، بل هو مهمة من سيتَّخذها زوجة.
كلوتمنسترا
:
لهما البركات! وفي أي يوم سيتزوَّجان؟
أجاممنون
:
عندما يكون القمر بدرًا، ومتوَّجًا بالبركات.
كلوتمنسترا
:
وهل ذبحتَ ضحيةً للربة من أجل ابنتنا؟
أجاممنون
:
هكذا أنوي، وفي أيدينا هذا نفسه.
كلوتمنسترا
:
وأين ستُقيم وليمة الزواج، بعد ذلك؟
أجاممنون
:
عندما أقدِّم القرابين الملائمة للآلهة.
كلوتمنسترا
:
وأنا، أين أقيم وليمة السيدات؟
أجاممنون
:
هنا، في الكوثل الفخمة لسفن أرجوس.
كلوتمنسترا
:
تقول هنا! ومع ذلك، يجب أن تكون، فليُصِبنا الإنصاف!
أجاممنون
:
إذن، فهل تعرفين واجبك، أيتها السيدة؟ أطيعي أمري.
كلوتمنسترا
:
في أي شيء؟ اعتدتُ طاعتك.
أجاممنون
:
هنا؛ حيث يُوجَد العريس، سأكون أنا نفسي.
كلوتمنسترا
:
وما وظيفة الأم، في غيابي؟
أجاممنون
:
قدِّمي ابنتَكِ بمساعدة الدانائيات Daneans.٢٥
كلوتمنسترا
:
ولكن، أين يجب أن أمكُثَ طيلة كل هذه المدة؟
أجاممنون
:
اذهبي إلى أرجوس، للعناية ببناتك الصغيرات.
كلوتمنسترا
:
وأترك ابنتي؟ ومن يرفع المِشْعل؟
أجاممنون
:
سأقدِّم مثل هذا المِشْعل الزواجي الملائم.
كلوتمنسترا
:
أهملتَ جميعَ التقاليد! ما من شيءٍ هنا يسترعي اهتمامك!
أجاممنون
:
لا يليق بك الاختلاط بالقوات المسلحة.
كلوتمنسترا
:
ويليقُ بالأم أن تقدِّم ابنتَها وتتركَها!
أجاممنون
:
ولا يليقُ ترك البنات، في البيت، وحدهن.
كلوتمنسترا
:
إنهن في أمانٍ داخلَ مخادع الفتيات، ومحروساتٌ جيدًا.
أجاممنون
:
كلا، أصغي إليَّ …
كلوتمنسترا
:
لا! وحق الربة ملكة أرجوس! لك أن تأمر بما هو خارج البيت، أما
بداخله، فأنا التي تأمرُ بما يليقُ للعروس. (تخرج.)
أجاممنون
:
يا ويلتي، عبثًا ذهبَت محاولتي! خاب أملي، من ذلك البعيد عن النظر، الذي
قرَّر إرسال زوجتي. أَحيكُ المؤامرات بخططٍ بارعة ضد أعزِّ محبوبةٍ عندي، ومع
ذلك، يُحبَط مسعاي في كل موضع، ولكن، على الرغم من هذا، سأذهب مع كالخاس
Calchas، الكاهن، للاستفهام عما يسُرُّ
الربة … لي المصيرُ المشئوم، ولهيلاس الإجهادُ المرير. ينبغي للرجل الحكيم أن
يقتني في بيته زوجةً مُعينة وطيبة وإلا، فجديرٌ به ألا يقتني أية عروس.
(يخرج.)
الكورس
(أنشودة)
:
«إلى سيمويس Simois. إلى الفضي
الالتواء.
ستأتي الأعاصير، فيُقبِل الجيش الهيليني.
بالسفن الحربية، وبمُعَدَّات المعركة، يسير قدمًا
إلى سهل فويبوس، إلى الساحل الطروادي؛
حيث تهزُّ كاساندرا
Cassandra٢٦ خصائلَ شعرها الذهبية،
بأكاليلها ذات أوراق الغار الخضراء المثنية،
كما يقولون، عندما يقبض الاضطرار القوى
فتلقي روحها في مهب رياح التنبؤ العاصفة.
(مرد الأنشودة):
سيقف الطرواديون على مرتفعات حصونهم، ملتفِّين
حول أسوار طروادة، مرتدين حُللَهم الحربية،
عندما إله الحرب، فوق سطح المياه،
يقود بذراعه النحاسية الإغريق على متن السفن الحربية الفخمة ذوات
المجاذيف، فتقترب إلى الشاطئ؛ حيث تجري جداول سيمويس
Siomis، لتحملَها؛ ففي أبهاء بريام
Priam الذي يُخفي أبناء شقيقة زوس
المقيمين في السماء
بالتروس والرِّماح ضد أرض هيلاس.
(موال):
وسيُحيط شيطانُ الحرب بالذبح
أبراج برجاموس Pergamus
الحجرية،
وسيُميل رأسَ الأسيرة إلى الخلف
كي يستطيع النصلُ القاطعُ الرقاب أن ينزل،
عندما يخفِضُها إلى أسفل في الثرى،
وقد سقطَت طروادة من عليائها.
سيُعِد لفتياتنا عويلًا،
وستنتحب ملكة بريام،
وستعلم ابنة زوس
في ذلك اليوم، وسينهمر فيضُ
دموعِ الندم من عينَي هيلين،
التي تركَت زوجَها وحيدًا.
فوقي، فوقي، قد يبدو هناك،
لا، ليس في الجيل الثالث،
لن يغشى أبدًا، مثل ظل المصير
هذا، كل سيدةٍ متزينة بالذهب
من الأمة الليدية Lydian
الفروجية،
بجانب إطار نَول النسج
سيعولن، كل واحدة إلى الأخرى خوفًا، ويأسًا،
«يا ويلتي»، من يُنشِب في جدائلِ شعري اللامع
قبضتَه، إلى أن تنهمر دموعي مدرارًا،
هل تُفصل عن دولتي الهالكة
كما يقطف شخصٌ ما زهرة؟
من أجل خاطرك، يا ابنة البجعة ذات العنق المقوَّس،
لو كانت القصة تستحق التصديق
أن ليدا Leda، ولدَتك كطائرٍ
مجنح،
عندما زيَّن زوس بريشِها شكلَه المتحوِّل،
أو هل في قراطيس الأناشيد
كُتبت مثل هذه القصص البشرية،
فتُحكى في غير موعدها، وكل هذا نظير لا شيء؟»
(يدخل أخيل.)
أخيل
:
أين يُوجَد رئيس معارك أخايا Achaea؟ مَن مِن
الخدم يُخبره بأن أخيل بن بيليوس Peleus واقفٌ
عند الباب يبحث عنه؟ لا يصح هذا الانتظار هنا للجميع على حدٍّ سواء؛ إذ إن
بعضنا، رغم عدم زواجهم، قد تركوا مساكنهم بدون حراسة، بينما يجلس هنا على
الشاطئ، خاملين، البعض الآخر الذين لهم زوجاتٌ وأولاد، نزلَت لهفة الحرب
الغريبة هذه، على هيلاس بمشيئة السماء. لا بد أن أقول مظلمتي الحقة. أنا نفسي،
أما غيري فليتكلم بنفسه عن قضيته؛ تركت بلاد فرساليا
Pharsalia وبيليوس، وأمكث هنا في أجواء
يوريبوس Euripus المنيرة، ضاغطًا على جنودي
المورميدون Myrmidons، رغم صياحهم بإلحاحٍ
يقولون: «لماذا تنتظر هنا، يا أخيل؟ كم من الوقت يجب أن ينتظر الجيش المُعَد
للرحيل إلى طروادة؟ اعمل ما في مقدورك، وإلا قفَل جيشك راجعًا إلى وطنه، دون أن
ينتظر تلكؤ أبناء أتريوس.»
(تدخل كلوتمنسترا.)
كلوتمنسترا
:
يا ابن الربة النيريدية Nereid، سمعتُ صوتك
من الداخل، فخرجتُ من الفِسْطاط.
أخيل
:
يا ملكة العفاف العظيمة. أية سيدةٍ أراها هنا متوَّجة بجمالٍ منقطع
النظير؟
كلوتمنسترا
:
لا عجب في أنك لم تعرفني؛ إذ لم ترني قبل الآن.
وإنني لأمتدح احتشامك.
أخيل
:
من أنت؟ ولماذا جئتِ إلى جيش أخايا امرأة وسط رجالٍ مسلَّحين بالتروس؟
كلوتمنسترا
:
أنا ابنة ليدا، واسمي كلوتمنسترا، وسيدي هو الملك أجاممنون.
أخيل
:
حسنًا قلتِ باختصار أهم ما في الأمر، بَيْد أنه من العار أن أتحدث إلى
سيدة!
كلوتمنسترا
:
انتظر، لماذا تهرب؟ أعطني يدك اليمنى لأُمسِكها مقدمةً لزواجٍ مبارك.
أخيل
:
كيف تقولين هذا؟ هل يدي ملكٌ لك؟ هذه اللمسة غير المقدَّسة تُخجِلني أمام
سيدك!
كلوتمنسترا
:
إنها كاملة القداسة؛ لأنك ستتزوَّج ابنتي، يا ابن سيدة البحر.
أخيل
:
ما هذا الزواج؟ لستُ أعرف ماذا أقول إلا أن هذا الكلام يصدُر من عقل
مخبول.
كلوتمنسترا
:
طبيعة جميع الرجال أن يخجلوا أو ينكمشوا أمام القرابة الجديدة، وحديث طقوس
الزواج.
أخيل
:
سيدتي، لم أخطب ابنتك إطلاقًا، ولم أنطق بكلمةٍ واحدة عن زواج أبناء
أتريوس.
كلوتمنسترا
:
ما معنى هذا؟ أتعجَب، بدَورك، من قولي؟ كلامك غريبٌ يدهشني.
أخيل
:
فكري، لنا قضيةٌ مشتركة للتحقيق في هذا. ربما كان كلٌّ منا صادقًا فيما يقول
هنا.
كلوتمنسترا
:
كيف؟ هل سخر مني؟ أأسعى، كما يبدو، إلى زواجٍ غير واقعي؟ لقد جلَّلني
العار!
أخيل
:
ربما سخر شخصٌ ما منك ومني. هوِّني عليك الأمر، ولا تأخذيه مأخذَ
الجد.
كلوتمنسترا
:
وداعًا؛ فلا أستطيع لقاء عينَيك بعينَين جريئتَين، أنا التي جُعلَت كاذبة،
وسُخر مني على هذا النحو.
أخيل
:
وأنا أيضًا، أقول لك وداعًا، سأدخل ذلك الفِسْطاط بحثًا عن سيدك.
خادم عجوز
(من داخل الفسطاط)
:
أيها الغريب، يا ابن أياكوس، انتظر، يا من أناديك، يا ابن الربة! وكذلك ابنة
ليدا، أيضًا.
أخيل
:
من الذي ينادي من وراء الأبواب نصف المفتوحة؟ ينادي بصوتٍ مخيف؟
خادم عجوز
:
أنا عبد، هذا الاسم الذي لن أحتقره، ولا يتحمَّله الحظ.
أخيل
:
من أنت؟ لستَ عبدي، ليس لي نصيبٌ في ممتلكات أجاممنون.
خادم عجوز
:
أنا عبدُ تلك الواقفة أمام الفِسْطاط. أعطاها إياي أبوها تونداريوس.
أخيل
:
ها أنا ذا أنتظر، إن كنت تريد شيئًا، فقل ما أوقفتَني من أجله.
خادم عجوز
:
قفا كلاكما وحدكما — هل يُوجَد أحدٌ بقربنا هنا؟ — أمام الباب.
أخيل
:
تكلم، نحن وحدنا. اقترِب إلى هنا، من فِسْطاط الملك.
خادم عجوز
(يدخل، آتيًا من الفسطاط)
:
أنقَذ الحظُّ وبُعدُ النظر من أرغب في إنقاذهم!
أخيل
:
هذا تضرعٌ ملكي! قد يكون ذا نفعٍ في حاجتنا المقبلة.
كلوتمنسترا
(عندما يكاد الخادم العجوز أن يركع أمامها)
:
لا تتوانَ في أن تلمسَ يدي، إذا كنتَ تريد أن تُخبرني بقصتك.
خادم عجوز
:
أظنك تعرفين مبلغ وفائي لك ولأولادك.
كلوتمنسترا
:
نعم، أعرف أنك كنتَ خادمي، في البيت، منذ القِدَم.
خادم عجوز
:
وامتلكني أجاممنون مع بائنتك؟
كلوتمنسترا
:
أتيتَ معي من أرجوس وكنتَ عبدي إلى هذه الساعة.
خادم عجوز
:
هو كذلك، وإنني مخلصٌ لك أكثر من إخلاصي لسيدك.
كلوتمنسترا
:
أرجوك، الآن، ألَّا تُخفي ما في نفسك، مهما كان السر.
خادم عجوز
:
انظري، إن ابنتَك سرعان ما سيذبحُها أبوها، بيده هو نفسه.
كلوتمنسترا
:
كيف؟ خسئًا لهذه القصة، أيها العجوز! من المؤكَّد أن عقلك كله شارد!
خادم عجوز
:
سيفصل عنق ابنتك التعيسة الناصع البياض، بسيف القتل.
كلوتمنسترا
:
يا لحسرتا! ربما جُنَّ سيدي الآن بحب القتل.
خادم عجوز
:
إنه سليم العقل إلا فيما يختص بك وبابنتك؛ فهو مجنونٌ في هذَين فقط.
كلوتمنسترا
:
ما السبب؟ أي شيطان انتقامٍ يسوقه إلى هذه الجريمة؟
خادم عجوز
:
الوحي، كما يقول كالخاس، كي يعبُر الجيش البحر.
كلوتمنسترا
:
إلى أين؟ الويل لي، ولكِ، يا من ينتظركِ أبوكِ ليقتلك!
خادم عجوز
:
لكي يُحضِر مينيلاوس هيلين إلى قصر داردانوس
Dardanus.
كلوتمنسترا
:
ها، ها! هل عودة هيلين إلى بيتها مرتبطة بحتف إيفيجينيا؟
خادم عجوز
:
ها أنتِ قد عرفتِ كل شيء؛ سيذبح الأب ابنتكِ لأرتيميس.
كلوتمنسترا
:
إذن فقد جعل الزواج ذريعة للخداع! أجيء من الوطن لهذا!
خادم عجوز
:
كي تُحضِري ابنتكِ مسرورةً لتكون عروس أخيل.
كلوتمنسترا
:
وا بنتاه! لقد جئتِ إلى الهلاك، وأمكِ إلى جانبك!
خادم عجوز
:
حظُّكِ يُرثى له، وكذلك حظُّها، حاول سيدك تنفيذ فعلةٍ شنعاء.
كلوتمنسترا
:
وا بَلْوتاه! هلَكْت! لا سبيل إلى إيقاف سيل دموعي!
خادم عجوز
:
إذا كان فقد الأولاد يؤلم، فليَفِض سيل الدموع.
كلوتمنسترا
:
ولكن كيف سمعتَ ما أخبرتَني به، أيها العجوز؟ كيف عرفتَ ذلك؟
خادم عجوز
:
من خطابٍ كتَبه وعَهِد إليَّ بحمله.
كلوتمنسترا
:
أليَمنعَني من إحضار ابنتي لتموت، أم ليحُثَّني على إحضارها؟
خادم عجوز
:
ليمنعك إحضارَها؛ إذ كان سيدك وقتذاك سليم العقل.
كلوتمنسترا
:
لماذا، إذن، وأنت تحملُ مثل ذلك الخطاب، لماذا لم تسلِّمه إليَّ؟
خادم عجوز
:
خطفه مني مينيلاوس، سبب كل هذه المحن!
كلوتمنسترا
:
يا ابن ثيتيس Thetis، ونجل بيليوس، هل سمعتَ
هذه المهازل
أخيل
:
نعم، سمعتُ ما يحزنك، ولن أطيق دوري فيه هادئًا.
كلوتمنسترا
:
سيذبحون ابنتي، جاعلين زواجَك بها شَركًا!
أخيل
:
كم أنا حانقٌ على زوجك! لن أعتبر هذا أمرًا بسيطًا.
كلوتمنسترا
:
لا أعتقد أنه من العار أن أنحني على ركبتَيك وأمسكَهما، بشر أمام ابن ربة،
ماذا تفيدني كرامة السيدات؟ فمن أجل مَن، أعز من ابنتي، يجب أن أعملَ على
الفور؟ لكن، أيها المولود من الربة، الحامي لي في يأسي، والحامي للفتاة
المسمَّاة عروسًا لك، رغم أن ذلك كله لم يأتِ بفائدة. كل ما فعلتُه في تتويجها
بالأكاليل كان من أجلك، وجئتُ أقودها لتكون عروسك وما جئتُ لأقودها للذبح! سيقع
عليك عار اللوم، أنت نفسك إن لم تَحمِها؛ فرغم عدم ارتباطك بأواصر الزواج، فقد
كنتَ أنت الزوج المزعوم، لهذه الفتاة التعيسة أتوسل إليك بلحيتك، وبيدك اليمنى،
وبربوبية أمك! فبما أن اسمك كان السبب في هلاكي، فلا تجعل اسمك يتلوَّث. ليس
لديَّ مذابحُ أهرب إليها، سوى ركبتك، في محنتي هذه، ولا صديقٌ قريب. لقد سمعتُ
عن التهور القاسي لأجاممنون، وقد أتيتُ، أنا المرأة، كما رأيتَ، إلى جيش شعب
البحر المتمرد والجريء على فعل الشر، ولو أنهم قد يرغبون في المساعدة رغبةً
قوية؛ فلو تجاسرتَ بمد يدك فوق رأسي؛ لأنقذتَ حياتنا، وإلا فقد انتهت
حياتنا.
الكورس
:
ما أقوى عاطفة الأمومة! ستقاتل جميع الأمهات بشدة من أجل حياة أطفالهن وقد
تملَّكَتهن نوبةٌ قوية.
أخيل
:
لقد أثيرت إلى العمل كل حمية في نفسي، ومع ذلك، فقد تعلَّمتُ الاعتدال في
الأحزان من أجل المتاعب، وفي الفرح من أجل الظفَر المكتسَب؛ لأن مثل هؤلاء
الناس تعلموا بالحكمة أن يسيروا جيدًا خلال الحياة، في الحكم الهادئ بالاعتماد
على النفس. حقيقة، يُجري الألمَ أحيانًا مَن كان كثير التعقُّل، ولكن، غالبًا
ما يأتي الربح من الاعتماد على النفس. رباني خايرون
Cheiron، فكنتُ أخاف الله أكثر من كل شيء،
فتعلَّمتُ ألَّا أمارس طرقَ التعذيب. وإذا كان ولدا أتريوس، يقوداننا بحكمة،
فأنا أطيعهما، وإلا، فلا طاعة لهما عليَّ. سأظل هنا، وفي طروادة، رجلًا حرًّا،
أبارك دَور البطل قَدْر طاقتي. وأمَّا أنتِ، أيتها السيدة، يا من أثارك أقربُ
أقربائك، فسيُدافع عنك عَطْفي، بقَدْر ما يستطيع البطل الشاب أن يفعل.
لن تُقتل بيد والدها، ابنتُك التي سميت، ذاتَ مرة، عروسي. ولن أسمحَ بأن
أكونَ أداةَ سيدك في مؤامراته الماكرة، وإلا كان مجرد اسمي، رغم عدم شَهرِه أي
سيف، هو الذي سيقتُل ابنتك، والسبب في ذلك هو سيدك! سيتلوَّث دمي بالقتل إذا
كانت هذه الفتاة، التي تُعاني مظالم لا تُطاق، تهلكُ من أجلي، ومن أجل زواجي،
بظلمٍ فوق كل ما يحتمل التصديق، فإنني أكونُ أحطَّ رجلٍ بين الأرجوسيين، ومن
سَقَط المتاع، — ويكون مينيلاوس رجلًا! — ولا أكون منحدرًا من بيليوس، بل من
شيطانٍ انتقاميٍّ ما، إذا هيَّأ اسمي جزارةً لسيدك! كلا، بحق ابن أمواج
أوقيانوس نيريوس Nereus والد ثيتيس التي
ولدَتْني، لن يمسَّ الملك أجاممنون ابنتَكِ، ولن يضع أنملةَ إصبعٍ على ثوبها!
وإلا فإن سيبيلوس Sipylus، نصف البربرية، تغدو
مدينة، تلك التي نشأ منها نسل بيت رؤساء الحروب، ويعدم اسم فثيا
Phthia شهرته بالرجال في كل مكان. سيتحسَّر
العراف كالخاس Chalcas على وليمته، وعلى قطرات
غسل الذبيحة! ما هو العرَّاف؟ إنه رجل يقول القليل من الصدق والكثير من
الأكاذيب. فإذا ما أصابت سهامه، فمن يخرب إذا أخطأ. ليس لخاطر العروس — هناك
الكثير من العرائس يتلهَّفن إلى يدي — أقول هذا. غير أن الملك أجاممنون قد
أهانَني. كان يجب أن يسألني أولًا عمَّا إذا كان يُمكِنه استعمال اسمي للإيقاع
بابنته في الشَّرك. استسلمَت كلوتمنسترا إلى زوجها عن طريق الثقة بي أكثر من أي
شيءٍ آخر. منحت بلاد الإغريق هذا؛ إذ تمَّت الرحلة إلى طروادة، لم أرفض مساعدة
قضية الذين أسير معهم إلى الحرب، ولكني الآن لا شيء في عينَي ذلك الرئيس.
سيَّان لديه إن أكرمني أو أخجَلني! سرعان ما سيعرف سَيْفي قبل أن يذهب إلى
طروادة. سأضرِّجه بقطرات دم الموت إذا انتزع منِّي أي رجلٍ ابنتَك. هدِّئي من
رَوْعك؛ فرغم أنني لم أهبَّ إلى النجدة كإلهٍ قوي، فسأبرهن على أنني
كذلك.
الكورس
:
تتحدَّث، يا ابن بيليوس، بما أنت جديرٌ به، وجديرٌ بالربة المولودة من
البحر.
كلوتمنسترا
:
كيف يمكنني أن أمدحك بحيث لا أفسد النعمة الجليلة بتلويثها؟ لأن الرجال
الخيرين، عندما يمدحهم شخصٌ بطريقةٍ ما، فإنهم يمقُتون المادح، إذا تمادى في
مدحهم بأكثر من اللازم. يحمرُّ وجهي خجلًا أن أعهد إليك بقصَّتي المحزنة؛
فآلامي لنفسي، وأحزاني لا تعتصرك. ومع ذلك، فإنه لعملٌ نبيل أن يتنازل الخيِّر
بأن يساعد المنكوب. أشفق عليَّ لأنني بحقٍّ في حال تستدرُّ العطف، أنا التي
حلَمتُ أولًا بأنك ستتزوجُ ابنتي فخاب أملي! ثم، ربما كان فألًا سيئًا لك أن
يكون زواجك المزعوم موت ابنتي، اعمل حساب هذا. حسنًا تكلمتُ من أول الأمر إلى
آخره، فإن رغبتَ في المساعدة أنقذتَ ابنتي. هل يرضيك أن تمسك ابنتي ركبتَيك
متضرِّعة؟ ليس هذا دَور فتاة، ورغم هذا فإن خلتَه لائقًا، فإنها ستأتي رافعةً
عينَين صريحتَين بريئتَين، ولكن، إذا أمكنَني أن أكسبَ قضيتي بغيرها، فلنتركها
في الداخل محافظةً على كرامة عذريتها، ومع ذلك، ينحني الاحتشام أمام الحاجة
الشديدة.
أخيل
:
كلا، لا تُحضري ابنتك أمام بصري، ولا نخاطر، يا سيدتي، بلوم الأغبياء؛ لأن
هذا الجيش المحتشد الخالي من كل القيود الوطنية، يحب ثرثرة الألسنة الخبيثة
بالسوء. وعلى أية حال، سنصل إلى نفس الهدف، سواء توسَّلنا أو لم نتوسَّل؛ إذ
ينتظرني نضالٌ عظيمٌ واحدٌ أن أخلِّصكِ من السوء. كوني على يقينٍ من شيءٍ واحدٍ
سمعتِه؛ لن أكذب، فإن كذبتُ عليك أو سخِرتُ منكِ، فلأمُت، وليتركني الموتُ إن
أنا أنقذتُ الفتاة.
كلوتمنسترا
:
فلتُباركك السماء، يا مَن لا تزال تُغيث الملهوف!
أخيل
:
أصغي إليَّ الآن، حتى تسير الأمورُ على خيرِ ما نرجو.
كلوتمنسترا
:
ماذا تعني؟ يجب أن أتبعَ نصحك.
أخيل
:
فلنحُثَّ والدَها على عاطفةٍ أفضل.
كلوتمنسترا
:
إن به لبعضَ الجبن؛ يخشَى الجيشَ كثيرًا.
أخيل
:
ولكن العقل أقوى من الخوف.
كلوتمنسترا
:
هذا أملٌ فاتر، ومع ذلك، فقل، ماذا ينبغي لي أن أفعل؟
أخيل
:
توسَّلي إليه أولًا ألا يقتلَ ابنته، فإن قاومك، فتعالى إليَّ. وإذا استمع
إلى تضرُّعك، فلا حاجة بي إلى التحرك؛ لأن هذا الخضوعَ حياةٌ لها، وأبدو أكثر
صداقةً للصديق. ولن يلومني الجيش إذا ما أنهيتُ هذا الأمر بالعقل دون القوة،
فإن سار كل شيءٍ على ما نريد ونبغي، أشرق السرور عليكِ وعلى أصحابكِ بغير
مساعدتي.
كلوتمنسترا
:
أنعِم بها من كلماتٍ حكيمة! ولا بد لي من أن أعمل كما ترى أوفق، ولكن، إذا لم
نحظَ بأمنية قلبي، فأين أراك؟ إلى أين أذهب في محنتي، لأجد يدك الباسلة؟
أخيل
:
حيثما يلائمك أفضل مما عداه. وسأراقب الطريقَ من أجلكِ كيلا يراكِ أحدٌ
تجتازين المناكب وسطَ جيشِ الدانائيين ذوي العيون الوحشية. لا تجلبي العار على
بيت أبيك، فإن تونداريوس لا يستحقُّ أن يصير موضعَ سخرية؛ إذ هو عظيم بين
الرجال الهيلينيين.
كلوتمنسترا
:
سيكون هذا. احكم أنت. يجب أن أكون أمَتَك. وإذا كانت هناك آلهةٌ فإن عدالتَك
لا بد أن تحظى بتأييدها، وإلا فلماذا نبغي للبشر أن يكدُّوا ويسعَوا؟
(يخرج أخيل وكلوتمنسترا منفصلَين.)
الكورس
(أنشودة)
:
أية أنشودة زواجٍ رنَّت مع صراخ
الناي الليبي،
مع وَقْع أقدام الراقصات المتجاوبات
على صوت العود،
مع حماس ترحيب اليراع المسرور،
في ذلك اليوم، جاءت من فوق ذُرى بيليون
Pelion
إلى حفلات زواج بيليوس، مع وَقْع
الأقدام المحدوة بالذهب،
جاءت الفتياتُ المنشداتُ ذواتُ الجدائل الخلابة
إلى وليمة الآلهة،
وبطل ترنيمتهن الزواجية المفتون
حمل شهرة ثيتيس
فوق تلال القنطور البعيدة الجلجلة،
خلال أراضي غابات بيليون المتسللة في رفق،
فتظهر تلك العظمة الحديثة النشأة،
لاسم أياكيد Aeacid
وابنة دردانوس التي حملها
جناح النسر
من فروجيا، جانوميد Ganymede،
محبوبة
زوس، التي صبَّت
الرحيق (النكتار) من قاعِ الكأس الذهبية، بينما تنظر أقدام فتيات
البحر الراقصة
خلال الحلقات، وخلال المتاهات المحيطة
بالرمال البيضاء.
(مرد الأنشودة):
جاءت فوارس القنطور المتوَّجة بأوراق الشجر
برماحهم الصنوبرية
إلى وليمة ساكني السماء،
وطاسات خمرهم.
«مرحبًا، يا ملكة البحر!» هكذا دوَّى هتافهم.
«تألق نورٌ فوق تساليا»،
تغنى خايرون، يذكر اسم غير المولود
«سيتألق أخيل».
وعندما جعل فريبوس
٢٧ الرؤية أوضح
غنَّى العرَّاف يقول «إنه سيمُر.
إلى بلد بريام
٢٨ الفخور، في مهمة
نارية، بالرمح
وتصطفق تروس المورميدون
بالذهب؛ لأن أفران ملك النار
الساحقة، ستكسوه حلَّة
القتال الحربية،
ستقدِّم أمه الهدية،
وتُرسل إلى الأرض من لدن ثيتيس.»
وهكذا توَّج ساكنو السماء
بالسعادة الكاملة
زواج ابنة نيريوس،
عندما أحضروها عروسًا لبيليوس
نسل سادة المياه
الأعظم شهرة.
(موال):
ولكن الرجال سيضعون الأكاليل على رأسك
للموت، وعلى شعرك الذهبي —
كبقرة بيضاء وحمراء
تُقاد نازلةً من كهوف التل،
ضحيةً بحتة — سيُضرِّجون
بالدم عنقك الجميل الناصع البياض كالثلج،
ورغم أنك لم تُنشئي قَط
مع ألحان الرعاة
فستدوِّي مزامير اليراع وتملأ الجو،
ولكنك ربيتِ إلى جانب
أمكِ، وزُيِّنتِ عروسًا
لوارث ملك.
أية قوةٍ الآن
لوجه العذراء المحتشم
أو جبين الفضيلة
عندما تكون السلطة للمحرَّمات،
وينبذ البشر
الفضيلة صائحين «أفسحي مكانًا!»
عندما يدوس القانونَ رن لا يعرفون القانون،
ولا أحد يقول لأخيه
«فلنحذر غَيرة الإله!»
(تدخل كلوتمنسترا.)
كلوتمنسترا
:
خرجتُ من الفسطاط بحثًا عن سيدي، الذي ظل مدةً طويلة غائبًا خارج فسطاطه،
وغرقَت ابنتي التعيسة في الدموع منذ أن علمَت الميتة التي يدبِّرها لها أبوها.
انظروا، الآن سأتكلم إلى شخصٍ يقترب من هنا. إنه أجاممنون الذي سيقف هنا الآن،
مدانًا هو نفسه، في حق ابنته.
(يدخل أجاممنون.)
أجاممنون
:
حسنًا، يا ابنة ليدا، أن التقيتُ بك خارج الفسطاط أريد التحدُّث إليكِ قبل أن
تأتيَ ابنتُنا، عما لا يليق أن تسمعَه العرائس المتأهِّبات للزواج.
كلوتمنسترا
:
وما هو هذا الذي يلائم الموقف الآن جيدًا؟
أجاممنون
:
ابعَثي الفتاة إلى خارج الفسطاط لتلتقيَ بأبيها؛ فقد أُعدَّت مياه التطهير
هنا، والدقيق لتضعَه الأيدي فوق اللهب المطهر، والذبائح التي يجب نحرُها قبل
العرس، لأرتيميس مع تدفُّق الدم القاتم.
كلوتمنسترا
:
ما أجمل الجرسَ السمعيَّ للأشياء التي تذكُرها، ولكني لا أعرف أسماءً جميلة
الرنين لأُطلِقها على أفعالك. هيا، يا ابنتي، إلى خارج الفسطاط لأُقصيَ ما
تعرفينه عن تدبير أبيك. خذي الطفل أوريستيس٢٩ وأَحضِري أخاكِ ملفوفًا في ثيابك،
(تدخل إيفيجينيا.)
انظر، ها هي هنا، مطيعة لك. أما ما بقي لها ولي، فسأتكلم أنا عنه.
أجاممنون
:
لماذا تبكين، يا طفلتي، وما عاد منظرك مبهجًا، بل تخفِضين إلى الأرض عينَيك
المحجوبتَين بالثياب؟
كلوتمنسترا
:
يا لحسرتي!
كيف أبدأ مِحناتي؟ إذ أعتبر كل محنةٍ الأولى والوسطى والأخيرة في نسيج
النكبات المتشابكة.
أجاممنون
:
وكيف هذا الآن؟ كيف أرى كل واحدةٍ والجميع في تآمُرٍ لإبداء منظر الهمِّ
والدهشة؟
كلوتمنسترا
:
أجب على سؤالي كرجل، يا زوجي.
أجاممنون
:
لا حاجة لأن تأمريني؛ إذ أتلهَّف إلى أن أسأل.
كلوتمنسترا
:
ابنتُك وابنتي هذه، هل تنوي أن تقتلَها؟
أجاممنون
:
عجبًا!
يا له من سؤالٍ شنيع! هذا ظنٌّ خبيث.
كلوتمنسترا
:
هدِّئ من رَوْعك!
أجبني عن هذا أولًا.
أجاممنون
:
لو سألتِ سؤالًا جميلًا لسمعتِ جوابًا جميلًا.
كلوتمنسترا
:
لن أسأل شيئًا غير هذا، ولن تُجيبَني على شيءٍ سواه.
أجاممنون
:
يا للمصيرِ الجلَل، وللقدَر. يا لحظي التعيس!
كلوتمنسترا
:
وحظي وحظها! حظ واحد للثلاثة التعساء.
أجاممنون
:
من ذلك الذي ظلمتُه؟
كلوتمنسترا
:
أنت وأنا، أتسال هذا؟
ذكاؤك هذا، عدم ذكاء على الإطلاق.
أجاممنون
(بصوتٍ منخفض)
:
هلكت! أُفشيَ سري.
كلوتمنسترا
:
أعرف كل شيء نعم، وعلمتُ بجريمتك التي تنوي تنفيذها. إن صمتَك، وإرسالك
الأنةَ تلو الأنة، هما اعترافك. لا تتلاعب بالكلام.
أجاممنون
:
انظري، ها أنا ذا صامت. لماذا أكذب، فأضيف العار إلى سوء الحظ؟
كلوتمنسترا
:
أعِرْني سمعَك الآن؛ لأنني سأعرض قضيتي في صراحة؛ إذ لا فائدة من نصف التلميح
بالألغاز بعد ذلك؛ فأولًا قد ألقي عليك اللوم في هذا، أولًا تزوَّجتَني بالقوة،
وليس برضاي، قتلتَ تانتالوس Tantalus٣٠ زوجي السابق، وهشَّمتَ طفلي الحي على الأحجار، انتزعتَه من فوق
ثديي بالعنف. وبعد ذلك جاء ابنا زوس، أخواي كلاهما، يبرقان على جوادَين
أبيضَين، لمحاربتك، ولكن أبي العجوز تونداريوس توسَّل طالبًا الإبقاء على
حياتك، أنت الذي تضرَّعتَ إليه، واحتفظتَ بي. وهكذا عملتُ على إرضائك والإخلاص
لبيتك. كنتُ زوجةً لا غُبار عليها — وكن أنت شاهدي — عفيفة في رغباتي، ولا أزال
أزيد في أبهائك من المواد، وبذا كان كل دخولٍ لك فرحًا، وكل خروجٍ سعادة. قلما
يجد رجلٌ غنيمةً نادرةً فيفوز بمثل هذه الزوجة، غير قليل هو الحصول على زوجاتٍ
عديمات الفائدة. هذا الابن وثلاث بنات ولدتُهم لك. وإنك لتنوي أن تسلبني واحدةً
منهم بقسوة! والآن، إذا سألك سائل، لماذا تريد ذبحها، فتكلم، ماذا تقول؟ أو هل
يجب أن أتكلَّم نيابةً عنك؟ كي يستطيع زوج هيلين أن يحظى بها! يا له من عملٍ
ماجد، أن ندفعَ ثمنًا باهظًا بحياة الأولاد! كي نشتريَ الغثَّ بأحبِّ ما
لدينا.
أخبِرني، إذا ذهبتَ إلى الحرب وتركتَني هنا في بيتك، وستتأخَّر هناك، فبأي
قلبٍ تظنُّني، في أثناء غيابك الطويل، أدير أبهاءك وأحافظ عليها، عندما أرى كل
مقعد خلوًا منها، وخلوًا منها كل مخدعٍ من مخادع العذارى، وأجلس وحيدةً مع
الدموع والحزن الدائم عليها؟ «أيا ابنتي، إن الذي أنجبك، قتلَك هو نفسه، ولا
أحد سواه، وليس بيد شخصٍ آخر غيره، تاركًا في ذلك البيت مثل دين الانتقام هذا!»
وإذ ترى الآن أنه لا يُوجَد سوى عذرٍ واهٍ نتركه لك أنا وأولادي، فنُحيِّيك
بالتحية اللائقة! كلا، وحق الآلهة، لا تضطرَّني إلى خيانتك، كما لا تخونني.
انظر الآن،
إذا ذبحتَ ابنتك، فبأية صلاةٍ تُصلي عندئذٍ، وأية بركةٍ تطلب، يا قاتل ابنتك؟
وتكون عودتك إلى البيت مقيتة؛ إذ انصرفتَ منه بالعار! هل يمكنني أن أطلبَ لك
الخير في صلاتي؟ إذن، فمن المؤكَّد أننا نعتبر الآلهة أغبياء، إذا طلبنا منهم
البركاتِ للقاتلين! هل ستعود إلى أرجوس Argos
وتحتضن أولادك؟ يا لها من فكرةٍ دنسة! أي طفلٍ يمكنه أن يقابل نظرتك، إذا كنتَ
قد سلَّمتَ أحدهم إلى الموت؟ هل عملتَ حساب هذا؟ أم أن كل همك هو القبض على
صولجان وقيادة جيش؟ كان يجب أن تقوم بهذا العرض العادل — «أتريدون، أيها
الآخيون أن تُبحِروا إلى أرض فروجيا؟ إذن، يجب أن تقترعوا عمَّن يجب أن يذبح
ابنته.» هذا عدل — لا أن تختار ابنتَك لتكون ضحيةَ الدانائيين، أو كان الأَولى
أن مينيلاوس، الذي يخصُّه هذا النزاع، هو الذي يذبح هرميوني،٣١ من أجل أمها. والآن، هل ينبغي لي، أنا الزوجة الوفية، أن أفقدَ
ابنتي، بينما هي، تلك العاهرة، تصحَب ابنتَها إلى إسبرطة في وطنها، وسط بحبوحة
العز ورغد العيش! لو كنتُ أترافع هنا بغير الحق، فأجبني، أما إذا كان كلامي
يبدو حقيقيًّا، فاندَم، ولا تذبَح ابنتَك وابنتي، وبذا تُبرهن على أنك
عاقل.
الكورس
:
أصغِ إليها؛ إذ من الخير أن تنضَم إليها لإنقاذ ابنتك، يا أجاممنون، لا أحد
يُمكِنه أن يعترضَ على هذا.
إيفيجينيا
:
لو كان لي لسان أورفيوس Orpheus٣٢ يا أبي، كي أسحَر الصخور بالأغاني لتتبعني، وأفتنَ بالفصاحة كلَّ
من أريد، لاستخدمته. والآن، كل ما أبرع فيه، هو ذرف الدموع؛ لأن هذا هو كل ما
أستطيعه. وسألفُّ جسمي على ركبتَيك متضرِّعة، جسمي الذي ولدَتْه لك أمي. لا
تذبحني قبل موعد موتي! ما أحلى النور! لا تُجبرني على رؤية الظلام السفلي! كنتُ
أنا أول من سمَّاك أبي، وأول من سمَّيتَه طفلَك. كنتُ أنا التي توجت جسمها
أولًا على ركبتيك، وأعطيتُك قبلاتٍ حلوة، وأخذتُ منك القبلات، وكانت كلماتك هي
هذه: «آه، يا فتاتي الصغيرة، هل سأراك مباركة في أبهاء زوج، تعيشين وتزدهرين
جديرة بي؟» وبينما أعبث بأصابعي في لحيتك التي أتعلق بها الآن، أجبتك: «وماذا
عنك؟ هل سأرحِّب بشعرك الأشيب، يا أبي، بترحيب المحب في أبهائي، وأردُّ لك كل
متاعب تربيتك إياي؟» لا أزال أتذكَّر ذلك الحديث، وقد نسيتُ أنك ستقتلني. كلا
لم تفكر في هذا!
بحق بيليوس، وبحق أبيك أتريوس، وبحق هذه الأم التي تتجدَّد آلام مخاضها
الأولى في هذا الألم الحالي! أي دَورٍ لي في اعتداء باريس على هيلين؟ لماذا، يا
أبي، هل أتى لهلاكي؟ انظر إليَّ، يا أبي، أعطني نظرةً واحدة، قُبلةً واحدة، كي
لا أحتفظ منك في الموت إلا بهذه الذكرى، إذا لم تهتمَّ بتوسُّلي.
أي أخي الصغير، ليس بوسعك أن تكون عونًا لأصدقائك، ومع ذلك، فابكِ معي،
وتضرَّع إلى أبيك ألَّا يقتلَني! يتولد في الأطفال بعض الإحساس بالشر، ولو أنهم
لا يستطيعون التعبير. انظر، إنه بصمته، يتوسَّل إليك، يا أبي رحماك، أشفق على
شبابي! نعم، نرجوك، بلحيتك، نحن المحبوبَين كلَينا، أحدنا رضيع، والأخرى ابنة
كبرَت. يجب أن أبيِّن، في بكاء يعبِّر عن كل شيء، أن النور للإنسان حلو، أحلى
من الحلاوة نفسها، وليس الموت سوى لاشيء! ومن يرجُ الموت فهو مجنون؛ لأن الحياة
مهما ساءت، تفُوق الموت الماجد.
الكورس
:
أيتها الحقيرة هيلين! بسببك، وبسبب جريمتك، يأتي الألم لأسرة أتريديس،
وذريتها.
أجاممنون
:
أعرف ما يستدر العطف وما لا يستدره، أنا الذي أحب أولادي، وإلا لكنتُ
مأفونًا. ما أفظع الجرأة على هذه الفعلة يا زوجتي، وما أفظع احتمالها، ومع ذلك،
يجب أن أنفِّذها! انظري إلى هذا الجيش الذي لا يُحصَى عدًّا، بالسفن المحجوزة،
وجميع الملوك الهيلينيين ذوي العدد الحربية النحاسية، هؤلاء الذين لا يستطيعون
السفر إلى حصون إيليوم،٣٣ الذين لا يمكنهم تحطيم قلعة طروادة الشهيرة، إلا بدمك، كما قال
العرَّاف كالخاس. يستبدُّ بجيش هيلاس حماسٌ متأجج السعير للإبحار بكل سرعة إلى
أرض الأجانب، ووضع حدٍّ للاعتداء على زوجات الهيلينيين. سيقتلون بناتي في
أرجوس، ويقتلونك ويقتلونني إذا ألغيتُ أمر الربة. لم يستعبدني مينيلاوس، يا
ابنتي، كما أنني لم آتِ لخدمة مسرَّته. إنها هيلاس التي إما أن أخدمها أو لا
أخدمها، يجب أن أذبحك، لا نستطيع لهذا دفعًا. يجب أن تكون حرة، طالما يقع عليكِ
وعليَّ عدم انتهاك حرمة زوجات أبناء هيلاس بأعمال عنف الأغراب. (يخرج.)
كلوتمنسترا
:
أيا ابنتي! أيتها الفتيات، انظرن! يا للنكبة، من أجل موتكِ ووا حسرتاه عليَّ!
يهرب والدك ويسلِّمك إلى هاديس!
إيفيجينيا
:
وا حسرتاه عليَّ، يا أمي! يعد المصير أنشودة لنا، كلتَينا وما من أنشودةٍ
أخرى غير هذا اللحن؛ لن يقع نور الشمس وأشعتها عليَّ مرة أخرى على
الإطلاق.
أيتها الغابة الفروجية، التي تجعلها صخرة إيدا في ظلامٍ دامس؛ حيث وُضع في
عُشٍّ تراكَم فوقه الثلج، الابنُ الرضيع الذي تخلَّص منه بريام، والذي انتزعه
من على ثدي أمه. نعم، تركَه راقدًا هناك كي يقلب مصير الموت، يطلب باريس،٣٤ المعروف في أنحاء طروادة باسم «باريس إيدا»، الذي ربَّاه أحد
الرعاة وسط الماشية.
ليت الإله ما سمح بأن يكون بيتُه وسط نوافير حوريات الجبال ذوات الزبَد الفضي
التلألؤ، ولا حيث تُزهِر الورود ونورات النواقيس الزرقاء، للربَّات وسط المراعي
اليانعة!
جاءت ملكة الخداع بعينٍ عضَّها الحب، تُذْكي الجوى، تبتسم للنصر القريب، جاءت بالاس٣٥ في خُيلاء أقدامها، وهيرا٣٦ ملكة السماء. وهكذا عقدَت المباراة المقيتة للنزاع عمن هي أجمل من
غيرها، تلك المباراة التي أعطتني الموت، يأتيها الفتيات، وأعطت المجد
للدانائيين.
تتسلَّمني الصيَّادة كأولى ثمار صيدها من الضحايا البشريين، ووالدي نفسه يترك
ابنته، يخدع ابنةً أكثر تعاسة، وا أماه، أي أماه، ويهرب.
يا ويلتي، رأيناها — هيلين التي اسمها أشد مرارة مما تستطيع الألفاظ أن
تعبِّر! صارت لي قتلًا وحتفًا وللأب فعلةَ عار.
ليت أوليس Aulis لم تستقبل الحيازيم البرنزية
المحجوزة في الخليج منذ مدةٍ طويلة! ليت طروادة لم تؤجِّلها، بينما تأخَّرَت
أجنحتُها الصنَوبَرية! ليت زوس لم يتنفس قَط على يوريبوس
Euripus، ذلك النفس الذي أوقف
رحلتنا!
ذلك الذي يعدل عواصفه على البشر كما يشاء، فينشر بعضُهم شراعًا مبهجًا، ويقبع
بعضٌ آخر ساكنًا في حزن، مقيدًا بالمصير والقدَر. هذه التي تسرع، من الفرضة، لن
تملأ أبدًا الأجنحة البيض.
أيا نسل أبناء اليوم المكدود بالتعب، كيف قرَّر القدَر الكوارث دائمًا؟! أي
عبءٍ من الآلام تضع ابنة تونداريوس على الدانائيين؟!
الكورس
:
إنني لأرثي لحالك من أجل هذا الحظ التعيس الذي أصبتِه، ليتكِ ما قدمتِ
إطلاقًا.
إيفيجينيا
:
أماه، أرى حشدًا من الرجال يسعَون إلى هنا!
كلوتمنسترا
:
إنه، يا ابنتي، ذلك الذي أتيتِ إلى هنا من أجله، ابن ثيتيس.
إيفيجينيا
:
افتحن الأبواب لي، يا خادمات، كي يُمكنَني إخفاء وجهي بالداخل!
كلوتمنسترا
:
لماذا تهربين، يا بُنيَّتي؟
إيفيجينيا
:
خجلًا من عدم استطاعتي لقاء نظر أخيل.
كلوتمنسترا
:
ولماذا، هكذا؟
إيفيجينيا
:
يسحقني الخجل من محنة زواجي.
كلوتمنسترا
:
ليس هذا وقت الخفر وأنتِ هكذا، ابقَي، إذن، ليس هذا أوانَ كرامة العَذارى،
إذا كان بوسعنا أن …
(يدخل أخيل.)
أخيل
:
أيتها المرأة التعيسة، يا ابنة ليدا!
كلوتمنسترا
:
«تعيسة» بحق، أن اسمي هكذا اليوم!
أخيل
:
مخيفٌ هو صخبُ الأرجوسيين.
كلوتمنسترا
:
ما هو صخبُهم؟ أخبِرنا به.
أخيل
:
فيما يختَص بابنتِك.
كلوتمنسترا
:
إن كلماتك لترنُّ بطالع السوء!
أخيل
:
يصيحون قائلين: «يجب أن تُذبح!»
كلوتمنسترا
:
أليس هناك من تقاومهم كلماته؟
أخيل
:
بلى، كنتُ أنا في خطر المجلبة.
كلوتمنسترا
:
أي خطر، يا صديقي العزيز؟
أخيل
:
أن أُرجَمَ بالحجارة.
كلوتمنسترا
:
ألأنك تريد إنقاذ حياة ابنتي؟
أخيل
:
هو هكذا، بالضبط.
كلوتمنسترا
:
ولكن مَن يضع يدَه عليك! مَن ذلك الذي تُواتيه الجرأة على أن يفعل
هذا؟
أخيل
:
جميع الهيلينيين.
كلوتمنسترا
:
ولكن، ألم يكن معك جيشُ شعبك؟
أخيل
:
هؤلاء هم أوَّل من انقلبوا ضدي.
كلوتمنسترا
:
وا بُنيَّتاه! لقد ضِعنا.
أخيل
:
عيَّروني بأنني عبدٌ للزواج.
كلوتمنسترا
:
وبماذا أجبتَهم؟
أخيل
:
قلتُ: «لن تقتلوا عروسي المزعومة.»
كلوتمنسترا
:
وهذا طلبٌ عادل.
أخيل
:
«التي وعَد بها أبوها!»
كلوتمنسترا
:
نعم، أرسَل إلى أرجوس يستدعيها.
أخيل
:
ومع ذلك، علا صخَبُهم على صوتي.
كلوتمنسترا
:
إن السوقة شيءٌ لعين!
أخيل
:
ومع ذلك، فسأدافع عنك.
كلوتمنسترا
:
أتقاتل بفردك ضد حشود؟
أخيل
:
أترَينَ هؤلاء الذين يحملون أسلحتي؟
كلوتمنسترا
:
مباركةٌ هي بسالتُك.
أخيل
:
نعم، سأكون مباركًا.
كلوتمنسترا
:
ألن تُوضَع الآن على المذبح؟
أخيل
:
لن تُوضَع طالما أنا حي.
كلوتمنسترا
:
كيف، هل سيأتي البعضُ للقبض على الفتاة؟
أخيل
:
ألوف، وأوديسيوس٣٧ في المقدمة.
كلوتمنسترا
:
أهو نسل سيسيفوس Sisyphus؟
أخيل
:
نعم، هو كذاك.
كلوتمنسترا
:
هل هذا من تلقاء نفسه، أم أن الجيش عيَّنه لهذا الغرض.
أخيل
:
اختاروه، فوافَق.
كلوتمنسترا
:
يا له من اختيارٍ شرِّير، للعنف القاتل!
أخيل
:
كلا، ولكنني سأوقفه.
كلوتمنسترا
:
هل سينقلها من هنا بغير رضاها؟
أخيل
:
نعم، ومن خُصلات شعرها الذهبية.
كلوتمنسترا
:
وماذا بي، إذن؟
أخيل
:
تتعلقين بابنتك.
كلوتمنسترا
:
إذا كان هذا ينجِّيها، فتُفلِت من القتل.
أخيل
:
نعم، وبالتأكيد، سيصير هذا.
إيفيجينيا
:
أماه، أصغي إلى كلمتي! أراك ثائرةً في غضبٍ ضد زوجك بغير داعٍ، من العسير
علينا مواجهة القضاء المحتوم بغير خوف. ومن اللائق أن نشكُر البطل الغريب على
رغبته في الإنقاذ، ومع ذلك، يجب علينا أن نحذَر ألا يصيرَ موضع لوم جيش هيلاس،
فيلقى الهلاك، بينما نحن أنفسنا، لا نحظى بمصيرٍ أفضل. اسمعي ما طرأ على بالي،
يا أماه، وأنا أفكِّر في هذا الأمر. لقد عوَّلتُ على أن أموت، وأتلهَّف إلى أن
يحدث هذا في أنفة وشمم. أن أُبعِد عني أفكار الجبن المزرية. أرجوك، يا أماه، أن
تفكِّري في هذا معي، ولاحظي جيدًا ما أقول.
تتطلع إليَّ كل هيلاس القوية عن بكرة أبيها، يمكنني أن أمنحَها أفضالي
بالسماح لسفنها الحربية بالإبحار، لهزيمة فروجيا وتحطيمها، وتأمينًا لبناتنا في
المستقبل ضد البرابرة كيلا يخطفَهُن المعتدي الأثيم، بعد ذلك، من بيوتهن
السعيدة، عندما ينال باريس جزاءه الوِفاق على انتهاكه الحرمات، الذي هو عارُ
هيلين.
سأمنح، بموتي، كل هذا الخلاص العظيم، ويُشتهَر اسمي بأنني منحتُ هيلاس
الحرية، ويتوَّج بالبركات. أيجب أن أحيا، وتخطفَني الحياة بيد ثائرة؟ ولدتيني
لخير هيلاس، وليس لخيرك أنت وحدك. انظري إلى هؤلاء المحاربين الذين لا يحصيهم
العد، والتروس أمام صدورهم، ألوف الملايين هؤلاء، الذين هبُّوا للذود من الوطن
ضد الاعتداء، والمجاذيف القوية في أيديهم،
كلهم لا يهابون مواجهة الأعداء للموت من أجلِ أرضِ هيلاس. هل يتعطَّل الجميع
ويفشَلون، كلهم، من أجل حياةٍ واحدة، هي حياتي؟ أين العدالة هنا؟ وماذا بوسعي
أن أفعل استجابةً لمطلبهم؟ يجب أن نعمل حسابَ هذا أيضًا؛ لا يصح أن يشنَّ هذا
الرجل حربًا على كافة الأرجوسيين. كلا، ولا أن يَهلِكَ من أجل خاطر امرأة! رؤية
رجلٍ واحد للنور، خيرٌ من عشرة آلاف امرأة. وإذا كانت أرتيميس قد طالبَت بجسمي
حقًّا لها، فماذا يسعني أن أفعل، أنا المرأة البشرية العاجزة، لدفع المشيئة
الإلهية؟ كلا، لا يمكن أن يحدث هذا. إنني أسلم جسمي إلى هيلاس. ضَحِّي بي،
ودمِّري طروادة؛ إذ إن هذا يخلِّد ذكراي في جميع العصور؛ فالأطفال والزواج
والمجد كل هذه منسوبة إليَّ في هذا هنا! من العدل أن يحكم الهيلينيون البرابرة،
لا أن يُوضَع النِّير الأجنبي فوق الهيلينيين، يا أمي، عساهم أن يصيروا عبيدًا،
ونحن شعبًا حرًّا.
الكورس
:
نبيلٌ هو الدَّور الذي تلعبينه، أيتها الفتاة، أما أرتيميس والقدَر، فشرِّير
هو الدور الذي يلعبانه!
أخيل
:
أيا ابنة أجاممنون، اقترب إلهٌ ما ليباركني، ليتني فزتُ بكِ عروسًا لي. هيلاس
سعيدةٌ بك، كما أنكِ سعيدةٌ بهيلاس! نِعمَ ما قلته هذا، وما أجدرَه ببلدنا، لقد
ابتعدتِ عن طريق النزاع مع الآلهة — وهو أمرٌ جد شاقٍّ على نفسك — وقدَّرتِ
الخير الذي يأتي به القدَر.
يثيرني حُبكِ الآن؛ إذ رأيتُ طبيعتَك وقلبك النبيل. لماذا أنظر إلى هذا؟ أتوق
إلى أن أخدمك وأحملك إلى الوطن، يحزُّ في نفسي أن أكونَ شاهد ثيتيس، ولا أنقذك
بخوضِ معركةٍ طاحنة مع الدانائيين، فكِّري، الموت شيءٌ مخيف.
إيفيجينيا
:
أقول هذا كواحدةٍ بعيدةٍ عن كل الآمال والمخاوف؛ يكفي أن ابنة تونداريوس قد
أثارت النزاعَ والقتلَ عن طريق جمالها. وأنتَ، أيها الأمير الغريب، لا تمُتْ من
أجلي، ولا تقتل أيَّ رجل، دعني أكون مخلصةَ هيلاس، إن استطعت.
أخيل
:
أيتها الروح البطلة! ليس بوسعي أن أقول شيئًا زيادةً على ما قلتِ؛ إذ حسمتِ
رأيك، ونيَّتُكِ نبيلة، لماذا لا يقول الإنسان الحق؟ ومع ذاك، فربما تغيِّرين
رأيك، وقد عرفتِ ما أعرضه، أذهب لأضع أسلحتي بقرب المذبح، وأستعد لعدم عمل أيِّ
شيءٍ غير مقاومة موتك، وقد تعودين إلى ما عرضتُه عندما ترَينَ السكين على عنقك.
لن تموتي بسبب حافزٍ طارئٍ سريع. كلا؛ فبهذه الأسلحة سأذهب إلى المحراب،
وسأنتظر مجيئك إلى هنا. (يخرج.)
إيفيجينيا
:
لماذا تبكين في صمت، يا أماه؟
كلوتمنسترا
:
أبكي لسببٍ قوي، يا لفجيعتي! لأكسر قلبي.
إيفيجينيا
:
تشجَّعي، ولا تثبِّطي من عزيمتي، بل افعلي هذا.
كلوتمنسترا
:
تكلمي، لن يُصيبكِ سوءٌ مني، يا بُنيَّتي.
إيفيجينيا
:
لا تنزعي من أجلي خُصلات شعرك، ولا ترتدي ثياب الحِداد.
كلوتمنسترا
:
لماذا تقولين هذا؟ وقد فقدتُك، يا بنيتي!
إيفيجينيا
:
كلا، لقد أنقذت. سأكون مجدك.
كلوتمنسترا
:
كيف تقولين هذا؟ ألا أحزن لموتك؟
إيفيجينيا
:
لا تحزني ألبتة: لن يقوم لي قبر.
كلوتمنسترا
:
وكيف إذن؟ ألا يحقُّ الدفن عند الموت؟
إيفيجينيا
:
جدَثي هو مذبحُ ابنة زوس.
كلوتمنسترا
:
سأفعل ما أمرتِ به، يا بنيَّتي. تتكلمين صوابًا.
إيفيجينيا
:
على أنني فتاةٌ بُوركَت بأن تكون صاحبة الفضل على بلادنا الإغريقية.
كلوتمنسترا
:
وما رسالتُكِ التي أحملها لأختَيك؟
إيفيجينيا
:
لا تُلبسيهِما ثيابَ الحِداد.
كلوتمنسترا
:
هل أحمل إليهما كلمة حبٍّ منك؟
إيفيجينيا
:
«الوداع» فقط! استمري في تربية طفلك إلى طَور الرجولة.
كلوتمنسترا
:
عانقيه! ألقي عليه نظرةً أخيرة.
إيفيجينيا
(إلى أوريستيس)
:
يا أعزَّ عزيز، لقد مدَدتَ إلينا يد العون الذي استطعتَه.
كلوتمنسترا
:
ألا أقوم بعملٍ يسرُّك، في الوطن؟
إيفيجينيا
:
لا تمقُتي أبي وزوجك.
كلوتمنسترا
:
يجب أن أخوض دورًا مخيفًا من أجلك.
إيفيجينيا
:
لقد حطمتني تحطيمًا فظيعًا من أجل خاطر هيلاس.
كلوتمنسترا
:
بخداعٍ لا يليق بالملوك، وليس خليقًا بابن أتريوس!
إيفيجينيا
:
من سيقودُني قبل أن يأتيَ الرجال فيجُرُّوني من شعري؟
كلوتمنسترا
:
سأذهب معك.
إيفيجينيا
:
كلا، إنك لا تتكلمين صوابًا.
كلوتمنسترا
:
أتشبَّث بملابسك.
إيفيجينيا
:
اصغي إليَّ، يا أماه.
امكُثي هنا: من أجلك، ومن أجلي، هذا أفضل. دعي أحد خدَم أبي يقودني إلى مرعى
أرتيميس حيث أُذبح.
كلوتمنسترا
:
أي بُنيَّتي، أأنتِ ذاهبة؟
إيفيجينيا
:
لن أعودَ بعد ذلك.
كلوتمنسترا
:
وتتركين أمك؟
إيفيجينيا
:
يشقُّ عليَّ، كما ترَيْن.
كلوتمنسترا
:
قفي! لا تهجُريني!
إيفيجينيا
:
كلا، لا تذرفي أية دموع.
(كلوتمنسترا تدخل الفسطاط.)
أيتها الفتيات، أنشِدن جميع أناشيد الترحيب بالرحيل السعيد، نشيد مصيري،
لأرتيميس ابنة زوس. أَصدِرن الأمر إلى الجيش كي يحتفظ بالصمت المبجَّل. أحضِرن
سلال القرابين، وأشعِلن اللهبَ بالدقيق المطهر، وليذهب أبي إلى المذبح فورًا،
انظرن، إنني ذاهبةٌ كي أعطي هيلاس السلام المتوَّج بالنصر.
(تنشد نشيد الموكب.)
قدنني لدمار إيليوم وفروجيا.
أعطينَني الأكاليل، وأحضِرن زهور الزينة.
انظرن، ها هي خُصلات شعري تنتظر وضع الأزهار فوقها ورشاش الغسل
المطهر.
إلى أرتيميس الملكة، الربَّة المباركة، أخطو
برقصة، اذهَبن إلى المعبد والمذبح.
سأغسل اللعنة بإراقة الدم
المقدَّس، إذا كان لا مفرَّ من هذا
فمن أين، في فرضات أوليس الممتدة، تهتز
خوفًا؟ تقذف الرِّماح باسمي عاليًا.
أهلًا، يا أرض وطني بيلاسجيا
Pelasgia، أهلًا يا هاجرتي
موكيناي، الوطن، الوطن المفقود!
الكورس
:
أتبكين على مدينة بيرسيوس Perseus،٣٨ المشيَّدة عاليًا، بمجهود الكوكلوبس؟٣٩
إيفيجينيا
:
ربيتني نورًا لهيلاس، وها أنا ذا أموت، أموت باختياري من أجلك!
الكورس
:
لن يموتَ مجدُكِ.
إيفيجينيا
:
مرحبًا، أيها النور المقدس!
مرحبًا، أيها النهار، يا من تُضيء في يدَيك شعلة العالم! ينبغي لي أن أقيم في
حياةٍ جديدة، غريبة، ويجب أن يكون مصيرًا جديدًا غريبًا، وداعًا، أيها النور
الغريب وداعًا!
(تخرج.)
الكورس
:
انظرن إلى تلك التي من أجل دمار إيليوم وفروجيا، بشَعرها الجميل المزيَّن
بالزهور للموت، تذهب إلى مذبح التضحية وقد ذرَّ فوقها رشاش الغسل.
نعم، إلى مذبح محبة القتل، لترشيه بحياتك الدافقة، التي سيضرِّج دمها القرمزي
كل عنقك الجميل، وقد جرحَتْه السكين المخيفة.
تنتظرك مياه التطهير التي سيسكبها أبوك، ليغَني ألوف الآخيين الذاهبين إلى
طروادة. نغنِّي إلى ابنة زوس، الملكة الصيادة المعبودة، لأن فقدكِ ربح!
أيتها المحِبة لدم البشر، أرسلي الجيشَ إلى أرض فروجيا النائية، إلى طروادة
ساحل الخيانة، وهكذا توِّجي الملك، توِّجي هيلاس، بإكليل المجد الدائم.
(يدخل رسول.)
الرسول
:
أي كلوتمنسترا، يا ابنة تونداريوس، تعالَي إلى هنا من الفسطاط، كي يمكنك سماع
قصتي.
(تدخل كلوتمنسترا.)
كلوتمنسترا
:
سمعتُ صوتًا، فأتيتُ إلى هنا، تعيسةً بالفزع، وأرتجفُ خوفًا لئلا تكون قد
أحضرتَ ما يتوِّج الكارثة الحالية، بكارثةٍ جديدة.
الرسول
:
كلا، ولكني أتلهف إلى أن أخبركِ بأمرٍ يختَص بابنتك، إنه أمرٌ غريبٌ
مفزع.
كلوتمنسترا
:
لا تبطئ، بل هاتِ ما عندك بسرعة.
الرسول
:
مهلًا، يا سيدتي العزيزة. ستعلمين كل شيء بوضوح من البداية، إلا إذا تلعثم
لساني في الإخبار بسبب اضطراب عقلي؛ عندما أتينا إلى غابة أرتيميس، ابنة زوس،
وإلى مراعيها المليئة بالزهور، موضع تجمُّع جيش أخايا، نقود ابنتك. احتشدَت
الجموع الآخية على الفور، ولكن، عندما أبصر الملك أجاممنون الفتاة تدخل الغابة
للذبح، أرسل أنةً، وأدار رأسه بعيدًا يبكي، ورفع ثوبه أمام عينَيه.
أما هي، فذهبَت إلى جانب أبيها ووقفَت، وقالت: «أبتاه، جئت طاعةً لأمرك،
ولأقدِّم جسمي من أجل خاطر وطني، ومن أجل خاطر جميع هيلاس، لتقودني إلى مذبح
الربة، طوعًا واختيارًا، وأكون ضحية، إذا كان هذا هو قرار السماء. ازدهر، فيما
يختَص بي، وفُز بالنصر، وعُد إلى وطنك. لا تسمح لأي آخيٍّ بأن يضع يده عليَّ
سأسلم عنقي في صمت ودون إحجام».
هكذا قالت، ودهش الجميع عندما سمعوا شجاعة الفتاة وبطولتها. عندئذٍ تقدَّم
تالثوبيوس Talthybius، المكلَّف بهذا الدور،
معلنًا السكون والصمت المبجَّل. وجاء العرَّاف كالخاس، ووضع سكينًا حادة في
سلةٍ ذهبية، بعد أن أخرجَتْها يده من غمدها، ثم توَّج رأس الفتاة بالأكاليل.
وبعد ذلك، أخذ ابن بيليوس السلة وطاس التطهير، ودار حول مذبح الربة، وصاح: «أيا
ابنة زوس، يا قاتلة الوحوش، يا من تنثُر عجلات نورك العظمة خلال الظلام، تقبلي
هذا القربان الذي نقدِّمه إليك، نحن جيش أخايا مع الملك أجاممنون؛ الدم النقي
من عنق عذراء جميلة، وامنحي السفن الحربية سفرًا لا يعكِّر صفوه معكِّر،
وامنَحي رماحَنا أن تدمِّر حصونَ طروادة. وقف أبناء أتريوس وكل الجيش مطأطئ
الرءوس، وأمسك الكاهن بالسكين، وتلا الصلاة، ونحسَّس عنق الفتاة لمعرفة أنسب
موضعٍ يضربه بسكينه.
عندئذٍ سرى خلال نفسي ألمٌ مُمِض، ومال رأسي! رويدك؛ فقد حدثَت معجزةٌ فجأة!
لأن كل رجلٍ سمع الضربة تُصيب موضعَها، غير أن الفتاة لم يعرف أحدٌ أين
اختفت.
صاح الكاهن بصوتٍ عالٍ، وردَّد الجميع الصياح؛ إذ رأَوا العلامة التي أرسلَها
الرب، ولم يكن أحدٌ ليتوقعها إطلاقًا؛ إذ هي فوق ما يُمكِن تصديقه، ورغم هذا
شُوهدَت؛ رقد على الأرض غزالٌ يلهث، غزالٌ بالغ الضخامة وجميل المنظر، سال دمُه
على جميعِ مذبح الربة. بعد ذلك صاح كالخاس — وما كان أعظمَ سرورَه بذلك، فقال:
«أيا رؤساء الجيش الآخي المتحالفين، أترَونَ هذه الذبيحة التي وضعَتْها الربَّة
أمام مذبحها، غزالًا جبليًّا؟ تعتبره الربَّة مقبولًا أكثر من الفتاة، كي لا
تلوِّث مذبحها بالدم النبيل. قبلَت هذا بسرور، وستمنحنا السفر والهجوم على
طروادة. إذن، فليبتهج كل بحَّار! انصَرِفوا إلى السفن؛ لأننا يجب أن نغادرَ
خلجان أوليس اليوم، ونجتازَ لججَ بحر إيجة.» وهكذا، بعد أن أُحرقَت الذبيحة
كلها إلى أن صارت رمادًا في لهب نار الرب، قدَّم صلاةً مناسبةً لعودة
الجيش.
أرسلَني أجاممنون لأخبرك بهذا، وأعلمك بأي حظٍّ جميلٍ مُرسَل من السماء ناله،
وأية شهرةٍ خالدةٍ فاز بها، في كل أنحاء هيلاس.
كنتُ هناك، وأتكلم كمن رأى رأي العيان. من المؤكَّد أن ابنتك رُفعَت إلى
السماء عند الآلهة. اتركي الحزن، وكفِّي عن الغضب ضد زوجك. لا يرى البشر ما
تُدبِّره الآلهة، ومن أحبُّوه أنقذوه؛ لأنني، في هذا اليوم، رأيتُ ابنتك تموت
وتحيا.
الكورس
:
كم غمرَني السرور لسماع بلاغ هذا الرسول! يقول إن ابنتك تعيشُ وسط
الآلهة.
كلوتمنسترا
:
وا ابنتاه! أي إلهٍ سرقك؟ كيف أودِّعك؟ كيف أصدِّق هذا. إلا أن يكونَ محضَ
اختلاق لتهدئة قلبٍ كسيرٍ من أجلك؟
الكورس
:
انظري، ها هو الملك أجاممنون يقترب حاملًا نفس القصة، ليُخبركِ بها.
(يدخل أجاممنون.)
أجاممنون
:
أيْ زوجتي، يمكننا، الآن، أن نفرح بمصير بنتنا؛ لأنها، وايْمُ الحق، قد صارت
زميلةً للآلهة، ويجب، الآن، أن تصحَبي هذا الطفل الفطيم، وتُسافري إلى الوطن؛
إذ يتطلَّع الجيش إلى الإبحار. وداعًا! سيمضي وقتٌ طويل قبل أن أحيِّيَكِ
عائدًا من طروادة. لتَسِرْ أموركِ على ما يُرام.
الكورس
:
اذهب، يا ابن أترويوس، إلى أرض فروجيا مبتهجًا، وعُد إلى الوطن من تعب
القتال، مبتهجًا وحاملًا الغنائم الماجدة
من طروادة.
(يخرج الجميع.)