المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه كلمات قصدتُ بها إلى التعريف بالجزيرة العظيمة، جزيرة العرب؛ فبيَّنتُ مُجْملًا وصفها الطبيعي، وأقسامها وأعلام بلدانها ومحالَّها، ووصلت هذا بطرف مما يتصل به من الأشعار والأخبار والأساطير في غير توسع ولا تعمق، وذكرت فيها أمهات القبائل ومواطنها.
وهي مقدمة للتعريف بالجزيرة العربية، يكتفي بها مَن يكفيه الإلمام بأوصافها، ويبتدئ بها مَن يريد المزيد.
ولا بد من هذه المقدمة لطلبة الأدب العربي عامة، والجاهلي خاصة؛ فكثير من الشعر والنثر لا يُدْرَك معناه إلا بمعرفة ما يتصل به من مكان أو قبيلة أو حيوان أو قصة، أو بمعرفة طبيعة بلاد العرب إجمالًا.
وقد نالت هذه الجزيرة من أسلافنا عناية مشكورة، فكتبوا في أوصافها وأخبارها، وبقينا عالة عليهم ولم نقتفِ آثارهم؛ فرجعنا إلى الكتب القديمة التي تركوها لنا، وأخذنا عن الأوروبيين، ونحن أولى بمعرفة أرضنا، وأقدر على التجول فيها ومخالطة أهلها، وأعرف بلغتها وتاريخها وعاداتها.
على أن العناية بالكتابة عن الجزيرة قد ظهرت في هذا العصر، فأخرج «سعادة» الشيخ حافظ وهبة كتابه «جزيرة العرب»، و«سعادة» فؤاد حمزة «بك» كتابه «قلب جزيرة العرب»، وهما بداية مبشِّرة باطِّراد البحث والاستقصاء في الدرس إن شاء الله.
وقد اقترحت، وما زلت أقترح، على جامعتنا «جامعة فؤاد الأول» أن تبعث إلى الجزيرة بعثًا فيه من المؤرخين والأدباء والجغرافيين والمهندسين؛ ليضعوا مُصَوَّرات للجزيرة، ويبيِّنوا المواضع التي ذُكِرت في التاريخ والأدب، ويحققوا أمكنة الوقائع التاريخية، ومنازل القبائل القديمة، وهلم جرًّا.
وهذا ميسور، وقد عمَّ الأمن أرجاء الجزيرة، ويسَّرتِ الوسائل الحديثة السفرَ والبحث والاستقراء.
ولعل رجاءنا يتحقق قريبًا بعد أن تنبَّهت الأمم العربية، ونشأت لهم هذه الجامعة المباركة، فيكون من أول ما يعنى به مكتب الثقافة في هذه الجامعة تحقيق هذا الرجاء، والقيام بهذا الواجب.
والله ييسر لنا كل صعب، ويهيئ لنا من أمرنا رشدًا.