الفصل الثالث والعشرون
استمر سقوطٌ مُنتظِم لقطرات المطر حتى بداية الصباح، يُزيل التراب عن الأسطح القِرْميدية الحمراء لكلية روبرت، ويُعِيد بعض الرونق إلى أوراق النباتات الموجودة فيها. ورغم أن النوافذ مُغلَقة بإحكام، كان مكتب الكاهن يفوح برائحة الأرض الرطبة وحبوب اللقاح، وهي نفس رائحة حقل الهِنْدباء البرية الذي يقع خلف القديس إغناطيوس. أطبق الكاهن على حافة القلم بأسنانه مُتِيحًا لنفسه الاستغراق في حلم يقظة قصير. تدفَّق الماء في المزاريب، وبدا الضوء الذي تسلَّل من زجاج النافذة المُلطَّخ فوق مكتبه كما لو كان مَغسُولًا، كما لو كان هو أيضًا مغمورًا بالماء. ولكن رغم روعة الضوء، فعليه أن يركِّز في المهمة التي يقوم بها. بسط راحتَيْه على كلٍّ من جانبَي الخطاب الذي أمامه، وقرأ ما كتبه حتى الآن.
عزيزي دونالد
آمُل أن يصلك خطابي وأنت تتمتَّع بمَوْفور الصحة والسعادة، وأن تعذرني لغيابي الطويل.
غطَّى الكاهن قلمه، وسار على مَهْل عابرًا غرفة المكتب حتى المِدْفأة. كانت الكلمة الصحيحة هي «تأخُّري» وليس «غيابي»، ولكنه لم يكن في مِزاج يسمح له بإعادة كتابة الخطاب من جديد. فعندما يتعلَّق الأمر بموضوعات ضرورية، فهو لا يهتمُّ بما يقوله دونالد ستورك عن أسلوبه في الرسائل وما إلى ذلك. أما السبب وراء استمرار المراسلات بينهما تلك الفترة الطويلة، فهو أمر متعلِّق بالانصياع والمجاملة لا الصداقة، فلم يكن الكاهن بالطبع مهتمًّا بمغامرات دونالد في وول ستريت ولا الحفلات التي يحضرها هو وزوجته. وإحقاقًا للحق، فإن جيمس لا يتخيَّل أن دونالد يهتمُّ بالأوضاع المعقَّدة في مجتمع إسطنبول أو بالتطوُّر المنتظِم لكلية روبرت. استند الكاهن مولر على الحجر البارد للمستوقد، ولاحظ أن نباتاته أصبحت ذابلة. وذكَّر نفسه أنه عليه التحدُّث إلى السيدة إسكي أوغلو بشأن الطريقة المناسبة للاعتناء بنباتات الزينة، حتى وهو يسجِّل تلك الملحوظة في ذهنه كان يدرك أنها ستَتُوه في زحام المهامِّ التي عليه الاهتمام بها قبل تناوُل عشائه ذلك المساء مع فريدريك.
من بين كلِّ أصدقائه في كلية ييل، كان فريدريك ساتون آخر من يتوقَّع جيمس أن يأتي إلى زيارته. لا لأنهما لم يكونا صديقين مقرَّبين، ولكن لأنه لمَّا كان كلاهما ابنًا لعائلة من الطبقة العاملة، فقد كان هو وفريدريك يتشاطران مزيجًا لا مفرَّ منه من الانجذاب والتنافُس، ولكنَّ أمواج الحياة قد جرَفَتْهما في اتجاهين مُتقابِلين؛ الكاهن مولر إلى النسيج، وفريدريك إلى الكَدْح الوضيع في عالم الصحافة. ولكن بالإضافة إلى ذلك التباعُد الوظيفي، لم يكن فريدريك كاتبَ خطاباتٍ على مستوًى عالٍ. ظلَّا يتبادلان البطاقات البريدية بضعة أعوام بعد التخرُّج، ولكن تلك المراسلات مع تفقُّد المستجدات في حياة كلٍّ منهما سرعان ما تلاشت حتى انتهت. وظلَّ الكاهن مولر يعلم أخبار فريدريك عن طريق أصدقاء آخرين أكثر اهتمامًا به، فعلم بأمر الترقيات والعلاقات والانتقال إلى نيويورك، ولكنه لم يتلقَّ أيَّ خطاب من الرجل منذ عامين على الأقل. حتى شهر مضى، عندما وجد برقيةً صفراء على مكتبه تحمل الرسالة التالية:
أحْضُرُ إلى إسطنبول في الثاني من أغسطس. على الخطوط الهولندية الأمريكية. أراك في ذلك الحين يا صديقي. فريدريك ساتون.
على الرغم من جناح الضيوف الوثير المتاح في كلية روبرت، أصرَّ فريدريك على البقاء في فندق بيرا بالاس. شعر جيمس بالضيق إلى حدٍّ ما لقرار صديقه بالإقامة في فندق، ولكن في النهاية ربما كان ذلك لصالحه؛ فلديه الكثير من العمل كي يُنجِزه خلال الأسبوعين التاليين، وآخِر ما يحتاجه هو ضيف يُكرِم وِفادته. ذلك المساء على وجه التحديد، كان يرغب في أن يُنهِي خطابه إلى دونالد ستورك، ويُعِد الخطوط العريضة للتقرير الذي سيرفعه إلى نائب القنصل الأمريكي ويستعرض المُسَوَّدة النهائية لمقاله حول المظاهر المختلِفة للعبقرية أثناء الطفولة. ولكنه قبل أن يستغرق في العمل مرة أخرى خطر له أنه من الأفضل الخروج في نزهة قصيرة سيرًا على الأقدام كي يُصفِّي ذهنه.
كان الهواء بالخارج مشبَّعًا ببخار الماء، والشمس تتسلَّل أشعتها عبر مجموعة من السحب السريعة الحركة. كانت الأشجار تتدلَّى بالطحالب النديَّة، وخارج مكتبه بالضبط أخذت مجموعةٌ من طلاب السنة الأولى تمارس لعبة جماعية بالكرة. رفع يده ملقيًا التحية على طلَّابه وهو يعبر الساحة الرئيسة حتى موقعه المُفضَّل للتأمُّل، وهو مَقْعَد خشبيٌّ يطل على البوسفور. بدا أن العاصفة قد أخْلَت الطريق حتى جُزُر الأمراء؛ حيث كان سربٌ من السفن يسير مسرِعًا تحت ستارة مُنخفِضة من السحب الرَّعْدية. حجب عينيه من أشعة الشمس وقطَّب جبينه. ربما كانت إحدى تلك السفن هي ما تقِلُّ فريدريك، لن يعلم أحد أبدًا. وبعد ساعة تقريبًا من التأمُّل، نهض الكاهن وذهنه صافٍ، وقد أخذ قرارًا جديدًا بإنجاز ما يتحتَّم عليه إنجازه. كان يسير في الممرِّ الضيِّق بين الكنيسة ومكتبه وهو يخطِّط في ذهنه الجزءَ التالي من خطابه إلى دونالد ستورك عندما استوقفه أحد الطلاب، وهو غلام نَحِيل كان قد استخدمه منذ عدة شهور كي يُراقِب تحرُّكات إلينورا. كان الصبي يلهث وياقة قميصه مُلطَّخة بالعَرَق، واستغرق لحظةً كي يلتقط أنفاسه.
قال: «هل سمعتَ الأخبار يا سيدي؟»
هزَّ الكاهن رأسه بلا مُبالاة، مُعطيًا الصبي الإذْن كي يواصِل حديثه.
قال: «الآنسة كوهين، لقد كانت في قصر السلطان أمس وسقطت مغشيًّا عليها، وأخذت ترتجف على الأرض وتتحدَّث بلغة غير مفهومة.»
قال الكاهن بصوته الذي يحمل نَبْرة تحذيرٍ: «بُني، فَكِّرْ فيما تقول. ترتجف على الأرض؟ تتحدَّث بلغة غير مفهومة؟ يصعب عليَّ تصديق ذلك. أخبِرْني أين سمعت بالأمر.»
«الجميع يتحدَّثون عن ذلك يا سيدي.»
انحنى الكاهن حتى مستوى عيني الصبي ووضع يده برِقَّة على كَتِفه.
«مَنْ هم الجميع؟»
قال الصبي وهو يمسح العرق عن شفته العليا: «لقد سمعتُ ذلك أمس من شقيقي، ثم سمعناه مرة أخرى في المقهى، وقالت لي أمي إنها سمعتْه من صديقتها التي يعمل شقيقُ زوجها في القصر.»
«هل هذا كل ما سمعتُه يا بُني؟»
فهزَّ الصبيُّ رأسه.
«هل أنت على يقين من ذلك؟»
«نعم يا سيدي.»
«أشكرك، يمكنك الانصراف.»
راقب الكاهن مولر الصبيَّ وهو يهرع في الممرِّ، ثم فَرَك صُدْغيه وحاول أن يتخيَّل الآنسة كوهين وهي ترتجف على الأرض وتتحدَّث بلغة غير مفهومة. كانت صورةً غريبة، ولكنها لم تكن مُستحِيلة؛ فقد رأى أمورًا أغرب من ذلك بلا شكٍّ. والآن بعد أن فكَّر في ذلك الاحتمال، بدت له فكرةُ أنها قد تكون مُصابة باضطراب عصبيٍّ — كالصرع، أو ربما التهاب الدماغ — أقرب إلى المنطقية، فتلك الحالة تفسِّر الارتجاف والحديثَ بلغة غير مفهومة. وإذا تعمَّق في بحث هذا الأمر فقد يفسِّر أيضًا قُدراتِها الخارقة فيما يتعلَّق بالذاكرة. ومع ذلك، فعلى المرء ألَّا يصدِّق كلَّ ما يسمعه في تلك المدينة. كان الكاهن قد تعلَّم هذا الدرس بالتجرِبة، بعد أن أعطى مُدِيريه معلوماتٍ زائفة أكثر من مرة. أحكم إطباق حزامه ونظر حوله. كان قد نَسِي وِجْهته بالضبط، وفي الوقت نفسه كان وقت العشاء يقترب.
وبعد أن بدَّل جيمس ثيابه استقلَّ عربة حتى طريق لو بيتي شون دو مورت، وسار عبر الشارع العريض حتى فندق بيرا بالاس. كان مبنًى ضخمًا مُبهرَجًا على الطراز الفرنسي، مَطليًّا باللون الأصفر الشاحب، ومُزيَّنًا بعددٍ من الزخارف الشرقية المُدهِشة. وجد فريدريك في بَهْو الفندق مُحاطًا بمجموعة من المسافرين الألمان الذين يبدو عليهم أنهم قد عادوا توًّا من نزهة مسائية.
قال فريدريك وهو يشير بيده موضِّحًا الأبعاد: «طولُه أربع أقدام، وسُمكه كذراعي. كان أضخمَ ثعبان رأيته حقًّا، وعندما رأيته كان ملتفًّا حول رقبة جمل كالطَّوْق.»
تساءل أحد المسافرين بلهجة بريطانية رَصِينة: «هل ذهبت إلى حي قارئي الطالع؟ لقد اصْطَحَبَنا إلياس الترجمان الخاص بنا إلى هناك أمس.»
قال فريدريك وهو يومئ إلى الترجمان المُسِن: «أول مكان ذهبتُ إليه بعد النزول من السفينة مباشرةً. أخبرتُ عمال السفن بأن يحملوا حقائبي إلى بيرا بالاس، ثم يشيروا لي في اتجاه حي قارئي الطالع. سوف يصدر مقالي عنه في صحيفة الأحد القادم.»
بينما كان الألمان يهزُّون رءوسهم بالاستحسان، لاحظ فريدريك جيمسَ مولر وهو يقف عند أطراف المجموعة يستمع إلى الحديث الدائر.
صاح فريدريك وهو ينهض كي يعانِقه: «جيمي، لقد مرَّت فترة طويلة للغاية منذ أن تقابلنا آخِر مرة يا صديقي.»
قادهما كبير النُّدُل عبر مطعم الفندق الرئيس إلى طاولة لشخصين بالقرب من مدخل استراحة المُدخِّنين. لم تكن أفضل طاولة في الفندق بأيِّ حال من الأحوال، ولكن في فندق مثل بيرا بالاس فالكاهن مولر وصديقه الصحفي لا يُعتبَران شخصيات غاية في الأهمية. وفي طريقه عبر المطعم، لَمَحَ الكاهِنُ البارونَ فون فيتز — المُلْحَق العسكري الأمريكي الجديد — ومجموعة من الأطباء من المستشفى الإيطالي. على أي حال، فإن الإضاءة الخافتة نسبيًّا للطاولة سوف تناسِب أغراضهما أيضًا. ذاب الجليد بينهما بسرعة وهما يتجاذبان أطراف الحديث بينهما حول أحداث الأعوام الثلاثة الماضية، ويتبادلان النميمة عن الأصدقاء القُدامى من نيوهافن. ولمَّا كان فريدريك يعيش في ألباني، فقد كان لديه المزيد من النميمة كي يشاطرها: انفصال آل هورنر، وكتاب داربي الجديد، والنزاع القائم بين جاك والحاكم، رغم أن الكاهن كانت لديه بعض الأخبار المشوِّقة الخاصة به، فهو لا يزال على اتصال وثيق بعدد من رُفَقاء الدراسة، وكما اكتشف فإن الناس يُبْدون استعدادًا أكبر لإفشاء أسرارهم إلى شخص مُؤتمَن يقْطُن بعيدًا.
قال فريدريك عندما وُضِع الطبق الأول: «هذا رائع!» وكان سَلَطةً تركية بسيطة مُتبَّلة بزيت الزيتون وعصير الليمون.
اتَّكأ للخلف كي يقيِّم المطعم بمَزِيج من الغرور والسذاجة.
«إنه نسخة طبق الأصل من أحد فنادق الريفيرا، ولكنْ ثمة إيقاع شرقي أيضًا. إنه مثاليٌّ لمجموعتي.»
قال الكاهن وهو يضع قطعة خيار في الشوكة: «أخبِرْني مرةً أخرى ما تلك المجموعة؟»
قطَّع فريدريك قطعةً من الطماطم نصفين وتفحَّصها من الداخل، كما لو كان يشكُّ أنها في الواقع صِنْف شرقي غريب من الخضار يتنكَّر في هيئة طماطم.
«لا شيء مُحدَّد، «صور وَصْفيَّة من الخارج» هو اسم المجموعة. وفي الواقع، فإن الصحيفة تُرسِل محرِّرًا إلى أوروبا كلَّ عام كي يكتب عن مكانٍ مُحدَّد أو يكتب بعض ملامح الحياة المحليَّة في منطقة معينة، وربما يؤدِّي دورًا ما في المجتمع على سبيل الهواية.»
«فهمت.»
«إنها مكافأة في حقيقة الأمر، تعويض عن الضرر الذي لَحِق بأنفي بسبب المطحنة في ألباني. أربعة أعوام هناك في الوَحْل وسقوط المبنى الحكومي يكافئ شهرًا من هذا.»
أوْمَأ على نحو متكلِّف نحو الأشياء المُحِيطة به.
«بدأتُ أعتقد أنها مُقايَضة عادِلة.»
قال جيمس: «إن بيرا مجرد البداية، مجرد لمحة صغيرة من إسطنبول، والمدينة مَلْأى بالألوان إذا كان هذا ما تريده.»
قال فريدريك: «لهذا السبب تحديدًا طلبتُ المجيء إلى هنا. حارَبُونِي في بادئ الأمر، فلم يعتقدوا أن القرَّاء سيرغبون في مشاهدة صورة وصْفِيَّة من آسيا. فأخبرْتُهم بأن نصف المدينة يقع في أوروبا، وثمة سبب ثانٍ؛ وهو أنَّ هذا بالتحديد ما يريده القرَّاء؛ إنهم يريدون الدراويش والأفيال. انظر إلى فيرن، انظر إلى «ألف ليلة وليلة»؛ إن الناس يريدون لونًا شرقيًّا.»
رفع الكاهن كأسه مُقترِحًا نَخْبًا.
«نَخْب اللون الشرقي، والأصدقاء القدامى. مرحبًا بك في إسطنبول.»
تبادلا قَرْع الكئوس وفَرَغا من تناوُلها. وبعد بُرْهة وصل النادل حاملًا الطبق الرئيس، وهو دجاج بيرا. كان ذلك هو الصنف الذي اشتهر به الطاهي، وهو ربع دجاجة صغيرة مطهوَّة في خلاصة عصير البرتقال والزيتون ومُزيَّنة بالقراصيا.
تساءل الكاهن بعد أن تناولا بضع لُقَيمات: «هل سمعتَ عن الدُّب المُتكلِّم؟»
«بالطبع.»
شعر الكاهن مولر بشرارة التنافُس القديم بينهما تشتعل داخله مرَّة أخرى، فبعد أقلَّ من يوم واحد في إسطنبول ها هو فريدريك يجلس كما لو كان يعرف مداخل المدينة ومخارجها.
تابع جيمس قائلًا: «إنها مدينة نابضة بالحياة بالفعل، إسطنبول هي عاصمة الألوان حقًّا؛ فثمة حيُّ قارئي الطالع الذي ذهبتَ إليه، وسوق العبيد، وساحر الثعابين من أوسكادار، بالإضافة إلى المَعالِم الأكثر شهرةً؛ مثل البازار الكبير وآيا صوفيا وأطلال طروادة.»
قال فريدريك: «نعم، إننا بحاجة للذَّهاب إلى طروادة؛ فهي إحدى المقالات التي أصرَّ مُحرِّرو الصحيفة التي أعْمَلُ فيها على الكتابة عنها. إنها ليست بعيدةً عن المدينة، أليس كذلك؟»
«إنها على بُعْد أقل من يوم بالسيارة.»
وبينما كانا ينتهيان من تناوُل الطبق الرئيس، مرَّ نادِل بطاولتهما حاملًا إناءً برونزيًّا ضخمًا من القهوة التركية وصبَّ لكلٍّ منهما فِنْجانًا.
قال فريدريك وهو يتشمَّم الفِنْجان الذي لا تزيد سعتُه عن رَشْفة واحدة: «إن رائحتها زكية. ما اسم هذا النوع من التَّوابل؟»
«الهال.»
قال فريدريك بلهجةٍ مُنتصِرة: «الهال! يمكنني كتابة مقالٍ وصفي كامل عن القهوة التركية.»
ظلَّ الكاهن مولر صامتًا للحظة. كان يرغب في إدهاش صديقه، وفي تعريفه بجانبٍ من المدينة لم يكن ليراه قطُّ.
وأخيرًا قال وهو يشعر بأثر الشراب في عنقه: «كما تعلم، فإن سَحَرة الثعابين وقارئي الطالع أمورٌ استعراضية فحسب، وكلُّ ذلك للأجانب، ولكن إذا رغبتَ في مشاهدة لون حقيقيٍّ فلديَّ طالِبة سابقة …»
«لا أقصد أن أكون وَقِحًا يا جيمي، ولكنني لا أعتقد أن أحدًا يهتمُّ كثيرًا بطلَّابك.»
قال الكاهن وهو يراقب صديقه: «إنها فتاة عمرها ثمانية أعوام، وهي مُستشارة للسلطان.»
فقطَّب فريدريك جَبِينه.
«لقد درَّست لها بضعة أشهر، ولكن بعد فترة لم يَعُدْ لديَّ ما أُعلِّمها إياه. وسمع السلطان عن مهارتها في اللغات فدعاها إلى القصر. وأما ما حدث في القصر، فثمة روايات عديدة، ويصعب تحديد أيٌّ منها كان حقيقة، فكما تعلم تلك هي مدينة الشائعات. ولكنني سمعتُ من مصدر مَوثُوق به إلى حدٍّ ما أنها كانت ترتجف على الأرض وتتحدَّث بلغة غير مفهومة.»
فرغ فريدريك من تناوُل قهوته ووضع الفنجان الخالي مَقْلوبًا، كما لو كان أحد النُّدُل سوف يقرأ له الطالع. كان في وُسْع الكاهن أن يرى عقل صديقه وهو يعمل، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة.
قال: «لقد وجدتُ العنوان بالفعل.» وقرع المائدة بطرف مِلْعقته متابِعًا: «إنه مثالي.»