تاريخ الجنسانية (الجزء الأول): إرادة المعرفة
«أصبح الجنس شيئًا فشيئًا موضوع الشُّبهة الكبيرة، والمعنى الشامل والمُقلِق الذي يجتاز — رغمًا عنَّا — تصرُّفاتنا وحياتنا؛ نقطة الضَّعف التي منها تنفذ إلينا مَخاطر الشر، وذلك الجزء من الليل الذي يحمله كلٌّ منَّا في ذاته. الجنس هو دلالة شاملة، وسِرٌّ عام، وسببٌ حاضر في كل موجود، وخوف لا ينقطع.»
يسعى «فوكو» في الجزء الأول من مشروعه الكبير «تاريخ الجنسانية» إلى إحداث قطيعة مع ما يسمِّيه «الفرضية القَمعية»، التي تتصوَّر الواقع الجنسي في المجتمع الغربي في فترة ما بعد العصر الفيكتوري بوصفه واقعًا سُفليًّا خفيًّا تُمارَس عليه تأثيراتٌ جذرية من سُلطةٍ فَوقية تَقمعه وتعمل على مُحاصَرته وحَظْره. يدحض «فوكو» هذا التصوُّر الذي شاع بين المؤرِّخين، ويؤكِّد على أن المجتمع الذي نَما في مطلع القرن التاسع عشر لم يُجابِه الجنس ولم يَرفض الاعترافَ به، بل على العكس من ذلك، استخدَم جهازًا كاملًا بشبكة مترابطة وكبيرة أنتجَت خطابات حقيقية ومَعارف حول النشاط الجنسي، هذا الجهاز هو ما يَعنيه ﺑ «الجنسانية»، وهي التي تتعلَّق بها «إرادة المعرفة»؛ أيْ معرفة النشاط الجنسي وضَبْطه.