أصبح الموقف حَرِجًا!
عندما خرج الشياطين من قاعة الاجتماعات في المقرِّ السرِّيِّ كانت كلمات رقم «صفر» لا تزال ترنُّ في آذانهم: إنَّ المهمة صعبةٌ، وإنَّ عليهم ألَّا يتأخروا لحظةً، فمثل هذه الأمور الدقيقة، تحتاج إلى عملٍ أكبر … لقد شرح لهم رقم «صفر» في الاجتماع، اختفاء الماس من منجم «كمبرلي» في جنوب أفريقيا، وهو يُعتبر أكبر منجم ماس في العالم، ورغم التفتيش الدقيق الذي يتعرَّض له العمال عند خروجهم إلا أن الماس في النهاية يختفي، حتى كاد منجم «كمبرلي» أن يُصبح بلا إنتاجٍ، ولقد أعلنت الحكومة هناك أن ثروة البلاد تكاد تُصابُ بالعجز الكامل، نتيجة فقْدانها هذا المعدنَ الغالي الثمن، والذي يُشكِّل جزءًا رئيسيًّا من ثروتها …
ورغم الأبحاث الدقيقة، ورغم المراقبات المتصلة، إلَّا أن الحكومة لم تستطع أن تَصِل إلى شيءٍ، غير أن عملاء رقم «صفر» توصَّلوا إلى بداية الخيط: إنَّ عصابة «سادة العالم» قد وصلت إلى هناك، وكانت هذه أول جملة قالها رقم «صفر»: «إن عصابة «سادة العالم» قد وصلت إلى هناك.» ثم بدأ يشرح لهم تاريخَ ظهور الماس في جنوب أفريقيا، وكيف كان له دورٌ هامٌّ في السياسة الاستعمارية التي حاولَت أن تكسب ثقةَ الشعب، حتى تحصلَ على ما تريد، وكيف قامَت حركاتُ التحرُّر الثورية، ولا تزال تقوم في جنوب أفريقيا، منذ بداية الستينات.
كانت آخر كلمات رقم «صفر» للشياطين: «إنكم تعرفون عصابة «سادة العالم» جيدًا، وهذا سوف يُسهِّل مأموريَّتكم، أتمنَّى لكم التوفيق!»
كان هذا أقصر اجتماع عقدَه رقم «صفر» مع الشياطين؛ فلقد كانت المعلومات التي وردَت للمقرِّ السريِّ قليلةً، لكن لأن الأمر خطيرٌ فإنها كانت كافيةً، للبداية، فإن مجرد ظهور عصابة «سادة العالم»، يعني أنها قد دخلَت إلى المنجم في «كمبرلي»، وأنها تُهرِّب الماس بطريقةٍ أو بأخرى … وأسرَعَ الشياطين إلى قاعة الاجتماعات الصغرى؛ حيث يعقدون اجتماعاتِهم المحدودة دائمًا، بعد أن يكون رقم «صفر» قد قدَّم لهم كلَّ شيءٍ. وعندما جلسوا، كان «أحمد» هو الوحيد الذي ظلَّ واقفًا، حتى إنهم جميعًا نظروا إليه، لقد كانوا ينتظرون أن يقولَ شيئًا، غير أنه لم ينطق بكلمة، لقد نظر لهم لحظة، ثم قال: سوف أذهب إلى قسم المعلومات لخمس دقائق.
وفي قسم المعلومات، ضغط زرًّا صغيرًا، فأُضيئت شاشةٌ في صدر القاعة الواسعة داخل القسم، وضغط عدةَ أرقامٍ متجاورة، فبدأت المعلومات تظهر على الشاشة، وفي ركنٍ منها ظهرت خريطةٌ لجنوب أفريقيا، حيث تطلُّ على المحيط الهندي في الشرق، وعلى المحيط الأطلنطي في الغرب، وحيث تحدُّها أربع جمهوريات أفريقية في الشمال، هذه الجمهوريات هي: موزمبيق، روديسيا، بتسوانا، ناميبيا، ثم ظهرَت خطوطُ مواصلاتها الجوية التي تربطها ببلاد العالم، وأخيرًا ظهرَت خطوط السكك الحديدية، وكانت تُغطِّي جمهورية جنوب أفريقيا تمامًا … ظلَّ يَرقُب الخطوط الداخلية، وهو يرسم في ذهنِه حركةَ الشياطين، حتى الوصول إلى إقليم «أورنج»، حيث تقع مناجم «كمبرلي» كانت أقربُ مدينة إلى منطقة المناجم هي مدينة «ماريدال» التي يربطها بالعاصمة «كيب تاون» خطٌّ حديديٌّ … وفي شريط يبدو كصفحة كتاب، كان يقرأ معلوماتٍ كاملةً عن جنوب أفريقيا. في النهاية، ضغط زرًّا، فاختفت الخريطة، وتوقَّفت المعلومات …
أطفأ الصالة، وأخذ طريقَه إلى الشياطين، وكانوا لا يزالون في القاعة الصغرى، وعندما دخل كانت «إلهام» تقول: إنَّ قِطَع الماس الصغيرة يمكن أن تخرج من المنجم بسهولة، إنها يمكن أن تختفيَ داخل كعب حذاء مثلًا، أو في جيبٍ سريٍّ في الحزام.
إلَّا أنَّ «عثمان» قال: إنها أصغر من ذلك بكثير، ولا تحتاج إلى هذه الفراغات الكبيرة، ولا أظن أن التفتيش يمكن أن ينسَى مثلَ تلك الألاعيب.
تعلَّقَت أعينُ الشياطين ﺑ «أحمد» الذي وقف يستمع إليهم، وقال بعد لحظة: إن هذه أساليبُ قديمةٌ للتهريب، وعصابة مثل «سادة العالم» لا تلجأ أبدًا إلى مثل تلك الأساليب، من الضروري أنَّ لها أساليبَ جديدةً، ونحن جرَّبْنا ذلك مرارًا معها! صمَتَ قليلًا ثم قال: الآن، نحتاج إلى تحديد المجموعة التي يجب أن تنطلق بسرعة.
لم يَكَد يُتمُّ جملتَه، حتى جاءَت رسالةٌ من رقم «صفر» تُحدِّد المجموعة التي ضمَّت: «أحمد»، «عثمان»، «قيس»، «فهد»، وعندما قرأ الشياطين الرسالة الشفوية التي ظهرَت فوق الشاشة في شكل شريطٍ سينمائيٍّ فوق باب القاعة، صمتوا جميعًا، فلم يَعُد هناك مجالٌ للمناقشة، وكان على المجموعة أن تُجهِّز نفسَها حتى تنطلقَ، فليس هناك وقتٌ.
قال «أحمد» في هدوء: إلى اللقاء بعد ربع ساعة. خرج بسرعة، فتحرَّك بقيةُ الشياطين خلفه؛ «عثمان»، و«قيس»، و«فهد».
أسرع «أحمد» إلى حجرته، حيث أخذ يُجهِّز الحقيبة الصغيرة، ويضع في جيوبها السحرية ما يحتاجه من أسلحة يعرفها جيدًا؛ فعصابة «سادة العالم» تحتاج إلى نوعياتٍ خاصةٍ من الأسلحة، وأغلق حقيبتَه في النهاية، ثم وقَف في منتصف الحجرة يُفكِّر قليلًا، فربما يكون قد نَسيَ شيئًا … تحرَّك بعد قليلٍ، بعد أن تأكَّد أنه حمَل ما يحتاجه بالضبط، ووصل إلى الباب، ولم يَكَدْ يفتحُه حتى أُضيئَت اللوحة الصغيرة فوق الباب … وقَف، فقد عرَف أن هناك رسالةً من رقم «صفر»، انتظرَ قليلًا، ثم نظر في ساعته. كانت لا تزال هناك خمس دقائق على موعد اللقاء مع بقية المجموعة.
جاءت الرسالة … وكانت تقول: «انتظر قليلًا، هناك معلومات جديدة في الطريق.»
فعاد وجلس على سريره، في نفس الوقت الذي دقَّ فيه جرسُ التليفون، فرفع السماعة، وكان المتحدث «عثمان»، قال: هل أنت جاهز؟
ردَّ «أحمد»: ينبغي أن ننتظر قليلًا، هناك رسالة من رقم «صفر»، وسوف أُحدِّد لكم موعدَ اللقاء.
وضع السماعة، وتعلَّقَت عيناه باللوحة الصغيرة فوق الباب ومرَّت الدقائق بطيئةً، فشرَدَ يسترجع المعلومات التي قرأها عن جنوب أفريقيا، ويستعيد في ذهنه: طريق الرحلة إلى هناك: إنهم سوف يأخذون الطائرة من القاهرة إلى «نيروبي» في «كينيا»، ثم إلى «جوهانسبرج» في جنوب أفريقيا، ثم بالسكة الحديد إلى «ماريدال» حيث يُصبحون قريبين من «كمبرلي»، وهناك، في مدينة «ماريدال» يبدأ العمل الحقيقي، أضاءَت لمبةٌ حمراء في أعلى اللوحة الصغيرة، فعرَفَ أن الرسالة سوف تَصِلُ بعد لحظاتٍ، واعتدل في جِلْستِه، فقد بدأت الرسالة، كانت الرسالة تقول: «إن طبيب الأسنان «كيد» واحدٌ من عصابة «سادة العالم» وهو يعمل في قرية «فال» القريبة من «كمبرلي» والتي تقع على نهر «فال»، وهو الذي يقوم بتنظيم أعمال أفراد العصابة الذين يعملون في المناجم، غير أنه يعمل مع شركة «جولدن كورن» أو «القمح الذهبي»، التي تقوم باستخراج الماس في «كمبرلي»، وتبعًا لذلك فهو يقوم بعلاج جميع العمَّال العاملين في المناجم هناك …»ب و«كيد» رجلٌ ضئيلُ الجسم، في الخمسين من عمره، أصلع، يبدو مبتسمًا دائمًا، عيناه لامعتان، تدلَّان على ذكاءٍ خارقٍ. وهو يُجيد إطلاق الرصاص بدرجة ممتاز، يحمل «الحزام الأسود» في الكاراتيه، ولذلك فهو شخصيةٌ ينبغي أن يُعمَل لها حسابٌ. إن دكتور «كيد» هو مفتاح مغامرتكم، أتمنَّى لكم التوفيق!
انتهَت رسالة رقم «صفر»، فأظلمت اللوحة، وتنفَّس «أحمد» بعمق؛ فقد أصبحت المسألةُ أسهلَ كثيرًا الآن، فرفع سماعة التليفون وتحدَّث إلى «عثمان» قائلًا: لقد وصلَتْني رسالةٌ هامة من رقم «صفر»، اللقاء بعد دقيقة واحدة. ووضع سماعة التليفون، ثم حمل حقيبته وانصرف، وعندما وصل إلى حيث تقف السيارة، كان بقية الشياطين في الانتظار، كان الثلاثة ينظرون إليه في اهتمام؛ فقد كانوا ينتظرون سماع الرسالة، ابتسم «أحمد» قائلًا: في الطريق ستعرفون كلَّ شيء، هيَّا بنا الآن.
استقلُّوا السيارة، وجلس «فهد» أمام عجلة القيادة، وبعد لحظاتٍ كانت الأبواب الصخرية للمقرِّ السريِّ تُفتح في هدوءٍ لتنطلق منها سيارةُ الشياطين إلى الخلاء الرَّحْب. وعندما أُغلقت أبوابُ المقرِّ السري كانت السيارة قد اختفَت عن أعين بقية الشياطين الذين وقفوا يرقبونها، وهي تنطلق بسرعة الصاروخ، كان الشياطين يجلسون داخل السيارة في صمتٍ قطعَه «قيس» بسؤالٍ: هل أعددت خطة الرحلة؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إن الرحلة طيبةٌ، المهم رسالة رقم «صفر». نَقَل لهم «أحمد» الرسالة كما قرأها فوق اللوحة، فقال «فهد» مبتسمًا: إذن، هي مغامرة ممتعة، إنني في حاجة إلى علاج أسناني. ضحك الشياطين لتعليقه … ضغط «عثمان» على زِرِّ الراديو، فانْسابَت موسيقى هادئة، جعلَتْهم يصمتون، إلا أن «قيس» قال: لماذا فعلتَ ذلك؟
ردَّ «عثمان»: نحتاج إلى بعض الهدوء، فنحن مُقبِلون على سفرٍ طويل.
قيس: لا أظن أنك سوف تقطع المسافة على قدمَيك.
ابتسم الشياطين، ولم يُعلِّق أحدُهم، كانوا يرقبون الطريق الخالي، الممتد تحت أعينهم إلى ما لا نهاية. كانت الساعة تقترب من منتصف النهار، حيث اختفَت ظلالُ الأشياء، فقد أصبحت الشمس عموديةً تمامًا. وعندما كانت الظلال تمتدُّ فوق الأرض، وأشعة الشمس تَخْفِت قليلًا، كان الشياطين قد أصبحوا على مشارف مدينة الإسكندرية، قال «فهد»: هل نقضي الليلة هنا؟
ردَّ «أحمد» بسرعةٍ: لسنا في حاجة إلى ذلك. إننا فقط سوف نستريح قليلًا في المقرِّ السريِّ، ونُجري اتصالًا بالقاهرة، حتى نعرف إن كانت هناك طائراتٌ الليلةَ إلى «نيروبي» … ثم نُقرِّر.
بعد نصف ساعة، كانت السيارة تقف أمام المقرِّ السريِّ، وأسرع الشياطين بالدخول، واتجه «أحمد» إلى التليفون؛ حيث أجرَى اتصالًا بالقاهرة، وعندما وضع السماعة، نظر إلى الشياطين مبتسمًا، وقال: ينبغي أن نرحَلَ حالًا، إن هناك طائرة إلى «نيروبي» الليلةَ، وقد حجزتُ مقاعدَنا عن طريق عميلنا الذي اتصل به رقم «صفر».
اغتسل الشياطين، وأخذوا طريقهم إلى خارج المقر، وفي لحظاتٍ، كانت سيارتهم تنطلق في الطريق إلى القاهرة، ورغم أن الطريق كان مزدحمًا الليلةَ، إلا أنَّ ذلك لم يجعل الشياطين يتأخرون، كانت هناك سياراتُ نقلٍ متتابعة في طابورٍ طويلٍ، وفي الطريق قال «فهد» فجأةً: إن هناك سيارة تَتْبعنا، وتُعطي إشارةً بالوقوف.
نظر «أحمد» خلفه ثم قال: لا أظنُّ أن أمامنا من الوقت ما يكفي.
رفع «فهد» سرعةَ السيارةِ أكثر، وهو يُعطي إشاراتٍ ضوئيةً للسيارات التي أمامه، حتى تُفسِحَ الطريق، كانت إشاراتُ السيارة التي تَتْبعهم لا تزال تلمَعُ في المِرآة أمام «فهد» غير أنها شيئًا فشيئًا ظلَّت تبتعد حتى اختفَت، فقال: يبدو أننا سوف نَلْقَى بعضَ المتاعب.
سأل «عثمان»: لماذا قلتَ ذلك؟
لم يَكَدْ «عثمان» ينتهي من السؤال، حتى كانت سيارة شرطة تقطع الطريق أمامهم، وهي تُعطي إشاراتٍ ضوئيةً للوقوف. ونظر الشياطين إلى بعضهم، فقال «أحمد»: يجب أن تتوقَّف، إنه في النهاية يحافظ علينا.
توقَّف «فهد» في جانب الطريق، فاقتربَت سيارةُ الشرطة، ونزل منها ضابطٌ شابٌّ، اتجه إلى «فهد» قائلًا: أَعْطني رُخَص السيارة، ورخصة قيادتك أيضًا.
فابتسم «فهد» وقال: يبدو أنني خالفتُ التعليمات، إنني أعتذر!
قال الضابط: أَعْطني الرُّخَص. فمدَّ «فهد» يدَه في تابلوه السيارة، فأخرج الرُّخَص، وقدَّمها إليه، وقرأ الضابط فيها لحظةً، ثم قال: اتْبَعْني إلى القسم.
وفتح «أحمد» الباب، ثم نزل، واتجه إليه قائلًا: مساء الخير يا سيدي!
الضابط: مساء الخير!
أحمد: بالتأكيد، لقد ارتكَبْنا خطأَ السرعة، لكننا لا بدَّ أن نَصِلَ إلى القاهرة في خلال ساعتين من الآن؛ حيث تُقلع الطائرة التي نسافر عليها. ونظر في ساعته ثم قال: إن الطائرة سوف تُقلع في الساعة العاشرة، وإذا لم نلحق بها، فسوف نضطرُّ إلى البقاء أربعة أيام، حتى تطيرَ طائرةٌ أخرى على نفس الطريق.
الضابط: إنني أحافظ عليكم، فهذه السرعة لا تُعرِّضُكم للخطر فقط، بل إنها تُعرِّضُ الطريقَ كلَّه، ينبغي أن تَتْبعوني إلى القسم.
تركَهم الضابط، وانصرف إلى حيث تقف سيارة الشرطة، ونظر الشياطين إلى بعضهم، إن هذه الدقائق التي تمرُّ، تُعطِّل الرحلة، وقد تقضي على كلِّ شيءٍ، وفكَّر «أحمد» بسرعة، ثم أخذ طريقَه إلى حيث سيارة الشرطة، لكن السيارة كانت قد تحرَّكَت … وأصبح الموقفُ حرجًا تمامًا.