كاميرا سرية … داخل العيادة!
وقف «كاماي» يُرحِّب بالرجل الذي تحدَّث إليه، بينما التقَت أعينُ الشياطين. كانوا يشعرون بالرغبة في الضحك. إنهم في النهاية، داخل عربةٍ واحدة.
قدَّم «كاماي» ضيفَه قائلًا: الدكتور «هام» الذي حدَّثْتُكم عنه. فوقفوا جميعًا يُحيُّون الرجل، فقدَّمهم «كاماي» له، وعندما جلسوا، كان «أحمد» أسرَعهم بالحديث: لقد حدثنا السيد «كاماي» عن جهودك من أجل عمَّال المناجم، كذلك حدثنا المهندس «جان فال» الذي سَعِدْنا بحديثه عن المستعمرة السكنية. وبينما كان «أحمد» مسترسلًا في حديثه، كان «هام» ينظر إليه مبتسمًا، وإن كانت ابتسامتُه تُخفي شيئًا. لاحظَ «أحمد» ذلك، إلا أنه لم يتوقَّف؛ لقد ظلَّ يتحدَّث حتى لا يكشفَ نفسه. وعندما انتهى من حديثه، قال «هام» جملةً قصيرة سريعة: إنهما يُبالغان كثيرًا، ثم التفَت إلى «كاماي» يتحدَّث إليه.
شعَر «أحمد» أنه فعلًا أمام رجلٍ غير عاديٍّ، إلا أنه في نفس الوقت كان يُريد أن يشتبك معه في حديث، حتى يقتربَ منه أكثر. سمع الشياطين الدكتور «هام» يقول: لقد وصلَت المعدَّات فعلًا، وقد انتهينا من المستشفى، وسوف تَصِل هيئة الأطباء والممرضون قريبًا. ودار الحديث بين «هام» و«كاماي» حول العمَّال، وحالتهم، والأمراض الجديدة التي تظهر بينهم. كان حديثًا طويلًا، لكن «هام» كان يتحدث كرجل يفهم ما يفعله جيدًا. في النهاية نظر في ساعته، ثم قال: إن أمامنا نصفَ ساعة حتى نَصِل إلى «ماريدال»، ينبغي أن أُجهِّز أشيائي. ترَكَهم وانصرف، فعلق «كاماي»: إنه رجل شديد الذكاء!
مضَت الدقائق سريعةً، فانصرفوا يُجهِّزون أشياءَهم. وعندما ارتفعت صفارة القطار متتابعةً، متقطعة، عرَف الشياطين أنهم يقتربون من مدينة «ماريدال»، أو يقتربون من لحظة الصدام.
توقَّف القطار في المحطة، كان الناس قليلين على أرصفتها، وكان معظمهم من العمَّال، نزلوا جميعًا، وعلى الرصيف: قال «كاماي»: هل أراكم قريبًا؟
أجاب «عثمان»: بالتأكيد. إنَّ لنا حديثًا طويلًا أمام الطبيعة في الفيلَّا. ضحك «كاماي» ضحكةً رائقة، وقال: إلى اللقاء!
انصرف «كاماي»، ووقف الشياطين يرقبون حركةَ المحطة قليلًا. لقد شاهدوا «هام» وهو يمشي في هدوءٍ وحوله بعضُ الرجال الأشدَّاء. وعلى بُعد، في زحام ليس بالكثير، كان «جان فال» يتقدم هو وابنته «فلاور» التي صاحَت عندما رأَتْهم: هيَّا! هيَّا!
تحرَّكوا إلى الباب، وكانوا يُعطون أنفسَهم فرصةً حتى ينصرفوا دون أن يلفتوا نظرَ أحدٍ … وعندما التقَوا قالت فلاور: سوف أنتظر محادثتكم التليفونية الليلة، فإنني سوف أُقيم بالمدينة. وانصرفَت «فلاور» مع والدها، وعندما اختفيَا، أخذ الشياطين طريقَهم إلى الشارع الذي تقلُّ حركتُه الآن. فإن معظم سكان المدينة يعملون في المناجم، أو في مصانع المعلبات.
ركبوا تاكسيًا إلى المقرِّ السري، وعندما أصبحوا داخله، كانوا يحتاجون إلى اجتماع سريع، يُرتِّبون فيه حركتَهم المقبلة، وتحدَّث «فهد» في البداية، قال: إن الحظَّ في جانبنا تمامًا. فها هو الدكتور «هام»، أو دكتور «كيد» كما تحدَّث عنه رقم «صفر»، يأتينا بقدَميه بجوار وجود «كاماي» والمهندس «جان فال». إن كل التفاصيل أمامنا، ولا يبقى إلا أن نتحرك في حرصٍ.
وتحدث «قيس»: إن المهمَّ معرفة كيف يختفي الماس عن طريق الدكتور، فلا يكفي أن نلقاه، ولا يكفي أن نعرف أنه من أعضاء عصابة «سادة العالم».
وقال «عثمان»: أعتقد أنها بداية طيِّبة على كل حال.
ظلَّ «أحمد» يستمع إلى كلماتهم وهو ينظر إليهم وفي النهاية قال: إننا نحتاج إلى زيارة عيادة الدكتور «هام» أولًا. ثم زيارة المناجم بعد ذلك. والمسألة تحتاج إلى لعبةٍ ما، فإن زيارتنا لعيادة طبيب، دون استشارةٍ طبية مثلًا، مسألة تدعو إلى الشك، كذلك زيارة المناجم دون أن يصحبَنا أحدٌ، خصوصًا وأننا معروفون له الآن … وصمت قليلًا.
فسأل «عثمان»: ماذا تقترح إذن؟
ابتسم «أحمد»، وقال: مَن يحتاج منكم إلى علاج أسنانه؟ فنظر الشياطين إلى بعضهم، وابتسم «قيس» قائلًا: إن أسناني لا تزال سليمةً.
وقال «فهد»: لقد حشوتُ أحدَ أضراسي منذ سنوات، ولا أظن أنني أحتاج إلى حشوِه الآن. فقال «أحمد»: هو أنت إذن.
فنظر له «فهد» بدهشة وسأل: ما المطلوب؟
قال «أحمد»: أن تُمثِّل ألمَ الضرس، ثم تذهب إلى هناك.
قال «قيس»: إن السرعة التي تتصرف بها، تجعل الطبيب يشكُّ بالتأكيد. إننا في حاجة لبعض الوقت حتى يمكنَ أن نذهب إلى عيادته. وصمتوا جميعًا، غير أن «أحمد» قال: هذا صحيح. إننا في حاجة لبعض الوقت إذن، علينا بزيارة المناجم زيارةً سريَّة.
قضَوا بقية النهار في زيارة المدينة، وعندما أقبل المساء قال «قيس»: ما رأيكم لو اتصلنا ﺑ «فلاور». إننا في حاجةٍ إلى صداقتها. وافق الشياطين على الفكرة، فقصدوا أقرب كافيتريا، وجلسوا فيها، في نفس الوقت الذي تحدث «أحمد» إليها بالتليفون.
قالت «فلاور» إنها سوف تقضي الليلةَ مع والدها، وسوف تنتظر مكالمتهم غدًا.
جلس الشياطين بعضَ الوقت، فقال «قيس»: ينبغي أن نستغلَّ الوقت. أقترح أن يذهب اثنان منَّا إلى عيادة الدكتور «هام» لمعرفة المكان جيدًا، ومعرفة مواعيد العمل. إن ذلك يوفر علينا الكثير.
وافق الشياطين، فانصرف «فهد» و«عثمان» للذهاب إلى العيادة. إنها تقع في قرية «فال»، وهي تقع على بُعْد ساعة بالسيارة من «ماريدال»، واتفقوا على اللقاء في المقر السري … لم يكن أمام «أحمد» و«قيس» إلا أن يبحثَا عن طريقةٍ يقطعان بها الوقت، فاقترح «قيس» أن يبحثَا عن سينما، غير أن «أحمد» لم يكن راغبًا في ذلك. في النهاية ظلَّا يتجولان في شوارع «ماريدال»، وعندما بدأت الشوارع تزدحم بالعمَّال، عرَف «أحمد» أن العمل قد انتهى في المناجم، فأخذَا طريقَهما إلى المقرِّ السرِّي، وجلسَا صامتَين … ولكن فجأة، تغيَّر الموقف تمامًا لقد دقَّ جرس جهاز الاستقبال في المقر وأسرع «أحمد» يتلقَّى الرسالة التي ينقلها، كانت الرسالة من «فهد»: «على النسور أن تتحرك. نحن محاصران النقطة «د».»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «قيس»، ثم أرسل الرد: «النسور في الطريق.» وفكَّر بسرعة، ثم رفع سماعة التليفون وأدار القرص برقم سري. كان يطلب العميل رقم «صفر» وجاءَه الصوتُ بعد قليل مرحبًا. قال «أحمد»: نريد سيارة. أجاب الطرف الآخر: عند النقطة «ل» بعد ١٠ درجات.
وضع السماعة، ونظر في ساعة يده، وقال بعد لحظةٍ: يجب أن نخرج. إن مكان السيارة ليس بعيدًا.
خرجَا مسرعَين، يقطعان الطريق إلى النقطة «ل»، ثم مضَت الدقائق العشر، وتحت شجرةٍ ضخمة، كانت تقف سيارةٌ سوداء، عرف «أحمد» علامتَها، فاتَّجهَا بسرعةٍ إليها، ثم انطلقَا بها … كان الطريق إلى قرية «فال» يبدو خاليًا، وسط صفَّين من الأشجار العالية. كان طريقًا سهلًا نظيفًا، يبدو شاعريًّا مع المساء الذي بدأ يهبط، وفي نصف ساعةٍ كانَا يدخلان القرية المكوَّنة من مجموعة من الأكواخ، لكنهما عندما تقدَّمَا أكثر، وجدَا فيلَّا بيضاء أنيقة، مضاءة إضاءةً كاملة، حتى إنها كانت تُضيء المكانَ حولها.
أبطأ «أحمد» سرعة السيارة، وأرسل رسالةً إلى «فهد»: إننا هنا. فجاءه الردُّ بسرعةٍ: استمرَّ، إننا في الطرف الشمالي. فاستمرَّ في طريقه، وعندما تجاوزَا الفيلَّا بمائتَي متر، بدأَت الظلمة تُغطِّي المكان. وعندما خرجَا من القرية عند طرفها الشمالي، كانت الغابة قد بدأت وكانت تبدو موحشةً تمامًا.
لمعَتْ داخل السيارة لمبةٌ حمراء، فعرَف «أحمد» أن «فهد» و«عثمان»، أمامهما مباشرة، خلف إحدى الأشجار، فأخذَا جانبًا، ثم توقَّفَا. كان الصمت يُغطِّي المكان، ولم يَكُن يسمع صوتًا. مرَّتْ لحظةٌ، ثم سمعَا صفيرًا متقطِّعًا، يعني: اتركَا السيارة وتقدَّمَا. فنفَّذا ما سمعاه وتقدَّمَا قليلًا. وجاء صوت «عثمان»: إننا هنا. تَبِعَا الصوت، وكان «عثمان» و«فهد» يقفان خلف شجرة كافور ضخمة، فقال «عثمان» بسرعة: يوجد بعضهم بالمكان.
توغَّلوا قليلًا داخل الغابة في حذرٍ، وبدأ «فهد» يشرح لهم ما حدث. لقد دخل عيادة الدكتور «هام»، ولم تكن العيادة قد بدأت عملها بعدُ، إنها نفس الفيلَّا البيضاء المضاءة، كان «فهد» و«عثمان» قد اتفقَا على أن يُثبِّت «فهد» كاميرا صغيرة، تعمل تبعًا لجهاز خاص يحمله «فهد»، وعندما يضغط عليه، تبدأ عملية التسجيل، وهي كاميرا يستخدمها الشياطين … ولقد وضع الكاميرا داخل حجرة الدكتور، في مكان لا يمكن اكتشافه، بجوار أنها بلا صوت، حتى يمكن تسجيل ما يقوم به «هام». وعندما بدأ مغامرة الحجرة، أُضيئت الفيلَّا، لكنه استطاع أن يفلت من إحدى النوافذ، إلا أن أحدهم صاح: كان أحدٌ بالداخل! وبسرعةٍ حدثَت مطاردةٌ، لكن «فهد» استطاع أن يختفيَ داخل الغابة. في نفس الوقت كان عددُ الرجال يتكاثر، وبدأ نوعٌ من الحصار، هم ما زالوا فيه. لكن ليست هذه هي المهمة. إن المهمة الحقيقية، هي كيف يمكن استرداد الكاميرا؟
قال «عثمان»: من الضروري أن تكون هناك حراسةٌ مشددة منذ الليلة. وهذه هي الصعوبة. ولم يَكَد «عثمان» يقول الجملة حتى أشار «أحمد» بالصمت. لقد كانت هناك أصواتُ أقدامٍ تقترب. وظلَّ صوتُ الأقدام يتضح أكثر فأكثر. وتحرَّك الشياطين في هدوءٍ، مبتعدين عن المكان. قطعوا عشر خطوات، ثم فجأةً، دوَّت صيحةٌ، تردَّدت في جنبات الغابة، ونزل ثِقَل هائل فوق كتف «قيس»، حتى إنه سقط على الأرض، كان عملاق أسود قد سقط هو الآخر مع سقوط «عثمان»، وأسرع «أحمد» في حركة خفيفة بضربة قوية بقدمِه، فطرحه أرضًا مرة أخرى، قبل أن يستقيم في وقفتِه. وفي نفس الوقت، كان قد ظهر أربعة آخرون، اشتبكوا مع الشياطين في معركة رهيبة.
نظر «أحمد» في الظلام الذي بدأ ينكشف. كانت هناك أضواءُ سيارةٍ بعيدة تقترب. ورأى في الضوء «قيس» وهو يسقط على الأرض، ويتابعه عملاقٌ ضخمٌ بخنجرٍ لمع في ضوء السيارة، فطار «أحمد» في اتجاهه، وضربه ضربةً قويةً، فانكفأ على الأرض. في نفس الوقت الذي قفز فيه «قيس»، وهو يأخذ وضع الاستعداد … أما «عثمان» فقد كان يرقب الموقف، بعد أن أجهز على الرجل الذي وقع في يده.
كان ضوء السيارة قد اقترب تمامًا، وأصبحت المنطقة مضاءة، فقال «أحمد» بسرعة: الانسحاب هو أفضل الطرق الآن. وفي لمح البصر، كان الشياطين يختفون داخل الغابة. إلَّا أن طلقات الرصاص كانت تَتْبعهم، وكأن السماء تُمطر رصاصًا.