دكتور «كيد» كان هو بطل الفيلم!
كان «أحمد» أسرع من «روك» فقد أطلق طلقةً من مسدسه أصابَته، فسقط على الأرض بلا حَراكٍ. كان الباب قد انهار تمامًا، وظهر سردابٌ طويل، يبدو الضوء في نهايته فأسرعوا بالخروج. كانوا يتقدمون في حذرٍ، وعندما وصلوا إلى نهايته، توقفوا بينما تقدَّم «أحمد» وهو يحمل مسدسه، وألقى نظرةً سريعة على الخارج. كانت منطقةً قاحلة تمامًا، تحدُّها مرتفعات ليست عالية، وأشار إلى الشياطين، فتَبِعوه وأخذوا يصعدون المرتفع الذي قابلهم حتى وصلوا إلى نهايته. لم يكن هناك أحدٌ فتقدموا، وأخرج «قيس» لاقطًا للصوت، وبدأ في استخدامه فلم يسجِّل أيَّ صوت قريب.
أمسك «أحمد» بالبوصلة، وبدأ يعرف الاتجاه. كان عليهم أن يتَّجهوا إلى الشرق. تقدَّموا بسرعةٍ وظلُّوا في طريقهم أكثر من ساعةٍ، قبل أن تظهر المستعمرة بعيدًا.
قال «أحمد»: فرصتنا الآن هي الوصول إلى «فال»، وصمت قليلًا ثم قال: أقصد القرية وليس الرجل.
حددوا اتجاه القرية، وأسرعوا إليها فلم يكن هناك سبيلٌ إلى قطع المسافة إلى قرية «فال» سوى السير. فهذه المنطقة لا تسير داخلها إلا سيارات «هام». إذن لا بُدَّ من مغامرةٍ ما. غيَّروا اتجاههم إلى المستعمرة. كانوا يحاولون الاختفاء، حتى لا تقعَ عينٌ عليهم، ومن بعيدٍ، ظهر رجال يعملون. أخرج «عثمان» نظارته وبدأ يرصد المكان. كانت «فلاور» تجلس مع أبيها، ولم يكن «هام» موجودًا، شرح لهم ما يراه، ثم قال: يبدو أنه ذهب إلى العيادة. ولكنه فجأة أضاف: ها هو «هام» إنه يقترب ومعه بعض الرجال. وظل يستعرض المكان، ثم قال: هناك مجموعة من سيارات النقل، والسيارة الجيب، والسيارة الفورد.
تقدَّم منه «أحمد» فأخذ النظارة، ثم بدأ ينظر خلالها … أبعدَها عن عينَيه قليلًا، وأخذ يرقُب المسافة، وقال في النهاية: إن بيننا وبينهم حوالي مائتَي متر. إننا نستطيع أن نعرف كلَّ شيءٍ وبالتفصيل. ثم أخرج من جيبه فراشةً صغيرة، وضغط زرًّا فيها، ثم أطلقها. وظل يرقب الفراشة، وهي تطير في اتجاه الجالسين هناك، حتى توقفت فوق الشمسية. أخرج جهاز الاستقبال، ثم بدأ يستمع … كان حديث «هام» يبدو واضحًا. وكان يقول: إنني لم أرْتَح لمنظرهم من البداية. يبدو أنهم بعض الأولاد المغامرين. قال «أحمد»: إنه يترك المكان، ويتجه إلى المناجم.
ثم سمع «فال» يقول: إنني لا أفهم بالضبط ماذا تريد منهم. إنهم شبَّان طيبون.
ضغط «أحمد» زرًّا في جهاز الاستقبال، أخذ يرقب المكان هناك فطارَت الفراشة من فوق الشمسية، وأخذَت طريقها إليه، حتى توقفت فوق كتفه، فأخذها ووضعها في جيبه.
قال «فهد»: يجب أن نحصل على سيارةٍ. إنها فرصتنا للوصول إلى العيادة قبل أن يعود «هام».
أضاف «قيس»: المسألة تحتاج إلى لفت نظرٍ، وقدَّم لهم خطَّتَه التي وافقوا عليها مباشرة، وتركهم وابتعد مسرعًا وبعد ربع ساعة، كان يعود.
قال: يجب أن نتصرف بسرعةٍ. وضغط جهاز التفجير، فانطلق صوتٌ هزَّ المكان، وارتفع عامود من الدخان الأخضر في نفس المنطقة التي وضع فيها الشحنة الناسفة، وكانت هذه خطته. راقب «أحمد» المستعمرة، ورأى «فال» و«فلاور» وبعض العمال، يُسرعون إلى منطقة التفجير، فقال «أحمد»: فلنتحرك. وأسرعوا في طريقهم إلى المستعمرة في طريق مخالف، وعندما وصلوا، لم يكن أحد هناك. اقتربوا بسرعة من منطقة السيارات. كانت هناك سيارة «رينو» صغيرة، تختفي بين السيارات الضخمة. ركبوا السيارة، وانطلقوا. كان الوقت حرجًا بالنسبة لهم، وهم لا يريدون أن يدخلوا معركة واسعة، فهي ليست في صالحهم. قطعوا المسافة بسرعة. وعندما ظهرت قرية «فال»، كانوا يستعدون للمواجهة مع أيِّ إنسانٍ. إن هذه هي الخطوة الأخيرة. ظهرت الفيلَّا البيضاء. أوقفوا السيارة وغادروها في هدوءٍ. لم يكن يظهر أحد في المكان. لكنهم تقدَّموا في حذرٍ خشيةَ أن يكون هناك كمينٌ ما. قال «أحمد»: سوف نَرقُب المكان ويدخل «فهد» لاستعادة الكاميرا.
تسلَّل «فهد» في خفة الفهد. قفز من فوق السور المنخفض، ثم اختفى في الداخل. لكن فجأةً، دوَّت طلقةٌ قال «أحمد» على أثرها: إنه كمين!
أسرعوا إلى الفيلَّا. وقفزوا من فوق السور، في نفس الوقت الذي كانت فيه طلقات الرصاص لا تنقطع. كان «فهد» قد كسر إحدى النوافذ فظلت مفتوحة. وعندما تقدم «أحمد» منها دوَّت طلقة بجوار قدمِه فتراجع. فجأة كان رجل يخرج من النافذة طائرًا في الهواء ثم سقط على الأرض. قال «عثمان»: لقد اشتبك «فهد». أعطياني فرصة للدخول.
تعامل «أحمد» و«قيس» بالرصاص مع أفراد العصابة، وقال «قيس»: نحتاج إلى ساتر من الدخان. تراجع هو و«أحمد» بسرعةٍ، حتى ابتعدَا بما يكفي، وأخرج كلٌّ منهما قنبلة دخان، ثم ألقياها في اتجاه نافذة الفيلَّا …
لحظة، ثم انتشر دخانٌ كثيف أحاط الفيلَّا كلها، حتى كادت تختفي. أسرعَا إليها، وقفزَا إلى داخلها كانت هناك معركةٌ بين «فهد» و«عثمان»، وثلاثة من الرجال اشتبك «أحمد» و«قيس»، وأسرع «فهد» إلى حجرة «هام». وعندما عاد، كانت المعركة لا تزال تدور. كان أحدهم يُسدِّد لكمةً إلى وجه «قيس». طار «فهد» وأمسك بذراع الرجل، في قوة، جعلت الرجل يصرخ. في نفس الوقت الذي طار فيه «قيس». في حركة مستقيمة، ليصدم بالرجل، فهوَى إلى الأرض. بينما كان «أحمد» و«عثمان» قد انتهيَا من الرجلين.
أسرعوا جميعًا للخروج من باب الفيلَّا، لكن الباب كان موصدًا. أخرج «عثمان» مسدسه، ثم أطلق طلقةً على قُفْل الباب، فانفتح.
في نفس اللحظة، كان مجموعة من الرجال قد دخلت من النافذة المفتوحة. وعندما أطلُّوا برءوسهم من الباب انهالت طلقات الرصاص. أسرع «قيس» بإلقاء قنبلة دخان، ثم أعقبها بأخرى. ظل الرصاص منهمرًا كالمطر. قال «أحمد»: انسفوا المبنى.
أخرج «قيس» قنبلة يدوية، ثم نزع مسمار الأمان، وألقاها في اتجاه النافذة المفتوحة. دوَّى انفجارُ القنبلة، وتعالَت الصرخات. أسرعوا إلى إحدى حجرات الفيلَّا التي تُطلُّ على الاتجاه الآخر. وفتح «فهد» النافذة، وألقى «قيس» قنبلة دخان أخرى. ومن شدة كثافة الدخان، أسرعوا بالقفز من النافذة لكن فجأة، اصطدم «أحمد» برجل فأطبق عليه. وتخلَّص منه. وكان واضحًا أن هناك مجموعة من الرجال، تُحاول أن تَصِل إليهم من خلال الدخان … ولأنهم لا يرون … خارجه فقد أصبح الموقف شائكًا. صفَّر «أحمد» صفارة فهمها الشياطين، فانبطحوا أرضًا، وأخذوا يزحفون بسرعة مبتعدين عن الفيلَّا، وعن سُحُب الدخان … أخذ الدخان يخفُّ شيئًا فشيئًا، كلما ابتعدوا. وفجأة سمعوا صوت سيارة يتردد في المكان.
قال «عثمان»: يبدو أنهم يحاصروننا. أسرعوا مبتعدين. لكن صوت السيارة كان يطاردهم. اقتربت الغابة. وكانت هذه فرصتهم. وما إن وصلوا إليها، حتى اختفَوا داخلها. ألقَوا أنفسهم تحت شجرة ضخمة ليلتقطوا أنفاسَهم. وقال «أحمد»: إن هذه فرصتنا للاستيلاء على السيارة. إن الطريق طويلٌ، ونحن نحتاج كلَّ دقيقةٍ تمرُّ. أسرعوا في اتجاه صوت السيارة. كانت الحشائش كثيفةً بما يكفي لاختفائهم. وكان صوت السيارة يقترب. قال «أحمد»: فلننتظر. إنهم يأتون إلينا.
انقسموا إلى مجموعتين، اختبأت كلُّ مجموعة خلف شجرة. أخرجوا مسدساتهم واستعدوا. ظهرت السيارة، فقد كان الطريق بجوارهم. أخرج «أحمد» نظارته، ثم أخذ يرقب السيارة التي كانت تقترب بسرعة. قال في هدوء: إنهم أربعة، وهذا يكفي.
ثم صمتَ قليلًا وقال: سوف نجعلهم يقفون، ونُطلق إبرًا مخدِّرة في وقت واحد.
اقتربت السيارة حتى أصبحت أمامهم. صاح «أحمد» صيحةً جعلت الرجال يتلفتون، ثم توقفت السيارة. نظر «أحمد» إلى الشياطين، ثم أشار بيده فانطلقت المسدسات. لم تمرَّ لحظاتٌ، حتى كان الرجال الأربعة يرقدون في السيارة، وهم يغطُّون في النوم، أسرع الشياطين إليهم، فقذفوا بهم خارجها. لحظة، ثم قال «أحمد»: يجب أن نُخفيَهم عن الطريق.
حملوهم إلى الغابة، وألقَوا بهم بين الحشائش، ثم أسرعوا إلى السيارة، وانطلقوا بها. وعندما دخلوا مدينة «ماريدال»، وقبل أن يقتربوا من المقرِّ السري، غادروا السيارة، بعد أن أوقفوها في شارعٍ جانبيٍّ. وفي دقائق، كانوا يدخلون المقرَّ، أسرع «فهد» إلى جهاز العرض الصغير، ثم أخرج شريط «الفيديو» المثبت في الكاميرا السرية، وبدأ العرض. شاهد الشياطين الدكتور «هام» وهو يلبس البالطو الأبيض … وأحد العمال العامل على الكرسي وأمامه «هام» يُمسك بملقاط، ويفتح فم العامل، ثم يخرج الملقاط بعد لحظة، وهو يُمسك بقطعة لامعة صغيرة. نظر الشياطين لبعضهم في دهشة. بدأَت نفس الحركة تتكرر. يخرج عامل، ويدخل آخر. فيفتح فمه، ويدخل الملقاط، ليخرج بتلك القطعة الصغيرة اللامعة. انتهى الفيلم. وقال «فهد»: إنها خدعةٌ بارعة.
قال «أحمد»: بالتأكيد. لقد قلتُ لكم في البداية، إن عصابة «سادة العالم»، لا تتصرف بطريقة تقليديةٍ. أعادوا عرْضَ الفيلم مرةً أخرى. وقال «أحمد»: يجب أن نُرسل رسالةً إلى رقم صفر.
قام بسرعة إلى جهاز الإرسال، فأرسل رسالةً إلى رقم «صفر»، يشرح فيها كلَّ شيءٍ. وجاءه الردُّ بسرعةٍ: «استمروا. الطيارون سيكونون هناك.»
جلس الشياطين بعض الوقت، فجأةً دقَّ جرس التليفون، وقال المتحدث، وكان عميل رقم «صفر»: «كلُّ شيء جاهز. حدِّدوا الموعد.» وردَّ «أحمد»: سوف نتصل بك.
مرَّت الساعات، حتى جاء آخر النهار. فقال «أحمد» الآن، سوف يبدأ العمل هناك. سوف يعود العمال، ولا يستطيع الدكتور «هام»، أن يتوقَّف. رفع سماعة التليفون وتحدَّث إلى عميل رقم «صفر»: إننا جاهزون.
أجاب العميل: إنه هناك الآن.
أسرع الشياطين بوضع ماكياجهم، حتى لم يَعُد أحدٌ يستطيع أن يتعرَّف عليهم. أخذوا طريقهم إلى قرية «فال» حيث تقع عيادة الدكتور «هام». كانت هناك حركة غير عادية. حرَّاس كثيرون وعمَّال. كانت العيادة تعمل في هذه اللحظة. اقترب «أحمد» من أحد الرجال وسأل: هل الدكتور «هام» موجود؟
نظر له الرجل لحظةً، ثم سأل: لماذا تسأل؟
قال «أحمد»: إنني أحمل له رسالة هامة.
ظل الرجل ينظر إليه ثم قال بعد لحظة: اتبعني.
تبعه «أحمد» حتى دخلَا الفيلَّا، ووصلَا إلى إحدى الحجرات، طرَق الباب، ثم قال: انتظر لحظة. غاب الرجل داخل الحجرة، ثم عاد، وقال: ادخل. اتبعه إلى الداخل. رأى رجلًا أنيقًا يجلس إلى مكتب. نظر له قليلًا ثم سأل: ماذا تريد؟
أجاب: الدكتور.
الرجل: لماذا؟
أحمد: أَحملُ له رسالةً خاصة.
الرجل: رسالة خاصة. مِن مَن؟
انحنى «أحمد» وهمس: من الزعيم.
اضطرب الرجل لحظةً، ثم قال: لقد رحل الدكتور «هام» إلى الزعيم منذ ساعتين.
لم يَكَد يُنهي الرجلُ جملتَه، حتى فُتح باب الحجرة، وظهر الدكتور «هام» كما ظهرت الدهشة على وجه الرجل … ولم يتحرك «أحمد» من مكانه … كان «هام» ينظر له مبتسمًا، وقال بعد لحظة: إنني لم أُخطئ. كنت أشكُّ في أنك تقوم بمهمة ما.
ظهر خلف «هام» ضابطُ شرطة، ابتسم، وقال: دكتور «كيد»، طبيب الأسنان المعروف.
تقدَّم الضابط، وشدَّ على يد «أحمد»، ثم اصطُحب الاثنان إلى حجرة الدكتور، حيث كان أحد العمال يجلس على كرسي العمليات. قال الضابط: إنه يشكو من ألم في الضرس.
كان الشياطين قد انضمُّوا إليهم، فابتسموا، أمسك «كيد» بملقاط، ثم أدخله في فم العامل، وأخرج منه قطعة الماس الصغيرة.
التفت إلى «أحمد»، وقال: أليست فكرةً طيبة؟
ابتسم «أحمد» وقال: بالتأكيد.
أضاف «كيد»: لكنك مع الأسف اكتشفتَها!
حيَّا الضابط الشياطين، واقتاد «كيد» إلى الخارج … وقفوا يشاهدون ما يحدث. لقد كان رجال الشرطة، يقبضون على أعوان دكتور «كيد». وعندما تحركت سيارات الشرطة، كان المهندس «فال» قد وصل ومعه ابنته «فلاور» التي انضمت إلى الشياطين مسرعةً وهي تسأل: ماذا حدث؟!
وضحك الشياطين … وهم يدعونها إلى رحلة إلى … «كيب تاون» …