مُقدِّمةُ الطَّبْعةِ الثَّانيَة
ما زِلتُ أنظرُ لهذا الكتابِ بثقةٍ من زاويتَين؛ الأولى أكاديميةُ النظرة؛ فهو أحدُ أفضلِ ما كتبتُ من الكتب الأكاديمية التي تَتتَبَّعُ، بدقةٍ منهجية، تاريخًا أغرَقَتْه المروياتُ بأشباح الأساطيرِ والرواياتِ الدينية، وتُحاول أن تنتشلَه منها، والثانيةُ بنظرتها الثابتة في الاعتماد الكامل على علم الآثار، والكفِّ عن ترديد مروياتِ التاريخِ الموروثِ عن فِلَسْطينَ والقدس، وهو ما يُساهِم في تثبيت وقائعَ محددةٍ تؤيدُها الحفرياتُ الأركيولوجيةُ فقط.
وعلى هذَين الأساسَين لا نذكرُ شيئًا عن دولتَي إسرائيلَ ويهوذا القديمتَين كما هما في التوراة، بل نذكُر ما حصَل، حقيقة، عن مدينتَي السَّامَرَّةِ وأورشليمَ الكنعانيتَين دون أن نجد ذكرًا لهاتَين الدولتَين.
ليس هناك ما يَدْعوني للإنكارِ المُسْبَقِ لكلِّ التاريخِ العبريِّ واليهوديِّ في القدس القديمة وفي عموم فِلَسْطين، لكنِّي تركتُ لسانَ الآثارِ يروي قصتَهما فأنكَر أغلب ما توارَثْناه.
أشعُر بالرضا عن المنهج العلمي الذي اتَّبَعْتُه في تأليف هذا الكتاب، وهو المنهج نفسه الذي اعتمَده الباحثون العلميون في هذا المجال وهم كثير، ومنهم من يعيش في داخل دولة إسرائيل الحاليَّة؛ لأنه متمسكٌ بالمنهج العلمي دون مجاملةِ أحد.
كلُّ هذه الأمورِ تَدْعوني، اليومَ، لإعادة طبعِ ونشرِ هذا الكتابِ بطبعةٍ ثانية، بعد صدور طبعته الأولى قبل أكثرَ من عشرِ سنوات.
هذه طبعةٌ مزيدةٌ ومنقَّحةٌ ومُزْدانةٌ بصورٍ أكثرَ وأفضل … وسعادتي كبيرةٌ بصدورها؛ لأنها ما زالت تمثِّل وجهةَ نظرٍ علميةً دقيقة عن تاريخ القدس، وتبحث في طبقات الآثار عن موجوداتها ولقاها حتى لتخالُ أن هذا الكتابَ هو في علم آثارِ القدسِ أكثرَ منه في علم تاريخها من فَرْط اعتماده على الآثار في سرد هذا التاريخ.
هذا الكتابُ أقدِّّمه لفِلَسْطينَ الصابرةِ على جُرحها ولشجاعتها في الصمود والقوة، وأتمنَّى أن يعزِّزَ من أصالة شعبِها الفِلَسْطينيِّ الحاضرِ العربيِّ الكنعانيِّ الأموريِّ الجذور فيها.
٢٥ / ١ / ٢٠١٦م