المبحث الأول: فلسطينُ في العَصرِ الحجَريِّ القَديم

يقودنا علم دراسة الإنسان القديم (الباليو أنثربولوجيا Paleo-anthropology) إلى الربط بين البقايا العضويةِ والثقافيةِ للإنسان القديم؛ فهو يقوم، من ناحية، بدراسة الموادِّ العضويةِ للإنسان؛ مثل العظامِ والأسنان، وتحليلِها بواسطة علماءِ الأنثروبولوجيا الفيزيقية. ويقومُ، من ناحيةٍ أخرى، بدراسة المادَّةِ الثقافيةِ للإنسان؛ مثل الأدواتِ والأسلحةِ والمسكنِ وغيرِها، وتحليلِها بواسطة علماء الأنثروبولوجيا الثقافية المتخصِّصينَ في مجال علمِ الآثار.١

وتعتمد دراسة الإنسان الأول — والذي ظهر على وجه الأرض بهيئةٍ مقارنةٍ نوعًا، لهيئة الإنسان الحالي — على المقاربات البايولوجية مع الحيوانات الفِقرية المرافقة له في نهايات الدهر الجيولوجي الثالث وبدايات الدهر الجيولوجي الرابع.

أما دراسةُ آثارِ الماديةِ والثقافيةِ في العصور الحجرية فتعتمدُ على ما تمنحُنا إياه حفرياتُ علمِ الآثارِ Archaeology الذي تعتمد عليه كليًّا دراسةُ عصورِ ما قبل التاريخ. أما العصورُ التاريخيةُ فيزدادُ اهتمامُها تدريجيًّا، كلما تقدَّمنا باتجاه الحاضر، بالآثار والوثائق المكتوبة، إضافةً إلى الآثار الصامتة.
إذا كان الدهرُ الجيولوجيُّ الثالثُ (السينوزوك Cenozoic).٢ قد شهد ظهورَ النوعِ الشبيهِ بالإنسان في عصره الأخير المسمَّى عصرَ البيلوسين Pliocene في أفريقيا بوجهٍ خاص، فإن الدهرَ الجيولوجيَّ الرابع (النيوزوك Neozoic)٣ قد شهد ظهورَ النوعِ الإنسانيِّ المعروفِ في عصر البليستوسين Pleistocene٤ حيث بدأَت أجناسُه بالظهور في أفريقيا وآسيا وأوروبا متزامنةً مع ظهور العصورِ الجليديةِ في الطبيعة والعصورِ الحجريةِ في الثقافة التي أنتجَها ذلك الإنسان.
ومنذ عصرِ الهولوسين Holocene،٥ الذي بدأ في حدود ١٠٠٠٠ق.م. وما زِلْنا نعيش فيه. انعطفَت حياةُ الإنسانِ الحضارية باكتشافَي الزراعةِ والنُّحاس، ثم اختراعِ الكتابةِ في نهاية عصورِ ما قبلَ التاريخ أو بدايةِ العصورِ التاريخية.
لقد درَج العلماء على تقسيم عصورِ ما قبلَ التاريخِ إلى خمسة عصورٍ حجريةٍ عمَّت أرجاءَ الأرضِ، رغم وجود خصوصياتٍ محليةٍ لها في كل بقعةٍ حضاريةٍ من الأرض، وهذه العصورُ هي:
  • (١)
    العصرُ الحجريُّ الفَجْري (السحيق) Eolithic Age: ويبدأُ تقريبًا بعد ظهور الإنسانِ على وجه الأرض إلى حوالي نصفِ مليونِ سنةٍ من الآن (١٠٠٠٠٠٠–٥٠٠٠٠٠ق.م.)
  • (٢)
    العصرُ الحجريُّ القديمُ Paleolithic Age: وهو العصرُ الذي تضمَّن العصورَ الجليديةَ الأربعةَ والفتراتِ غير الجليدية الثلاث التي تخلَّلَتها، وبدأ قبل حواليْ نصفِ مليونِ سنة، وظهرَت فيه ثلاثةُ أنواعٍ أساسيةٍ من الإنسان هي (المنتصِب، النياندرتال، العاقل)، ويقسِّمه العلماء إلى ثلاثة عصور (أدنى، أوسط، أعلى) (٥٠٠٠٠٠–١٩٠٠٠ق.م.)
  • (٣)
    العصرُ الحجريُّ الوسيط Mesolithic Age: وهو العصرُ الذي شهدَ نهايةَ العصرِ الجليديِّ الرابع وبدايةَ الفترةِ غيرِ الجليديةِ الرابعة بعد أن ذاب جليدُ أوروبا. وكان الإنسانُ العاقلُ في الشرق الأدنى يمرُّ بفترةٍ من الأمطارِ الموسميةِ والمناخِ المعتدل، مما ساعدَهُ على ابتكار حضارةٍ حجريةٍ وسيطةٍ متميزة (١٩٠٠٠–٨٠٠٠ق.م.).
  • (٤)
    العصرُ الحجريُّ الحديثُ Neolithic Age: وهو العصر الذي بدأ الإنسان فيه — في الشرق الأدنى — باكتشاف الزراعةِ المنظمة، ثم ظهورِ صناعةِ الفَخَّار (٨٠٠٠–٥٠٠٠ق.م.)
  • (٥)
    العصرُ الحجَريُّ النُّحَاسي Chalcolithic Age: وهو العصر الذي اكتشف فيه الإنسان النُّحَاس وبدأ بتطويعه واستخدامه في حياته اليومية، وفي هذا العصر ظهرت المدنُ والمعابدُ (٥٠٠٠–٣٠٠٠ق.م.)

أوَّلًا: فلسطينُ في العَصرِ الحجَريِّ السَّحِيق (الإيوليت) (١٠٠٠٠٠٠–٥٠٠٠٠٠ قبل الآن)

يُطلِق العلماء على العصر الحجريِّ الذي سبق العصرَ الحجريَّ القديم (الباليوليت) اسمَ الإيوليت Eolithic، وهو عصرُ الفجرِ الحجري (السحيق) الذي ليس له بدايةٌ محدَّدةٌ؛ فهو يأتي بعد ظهور الإنسانِ، ويمتدُّ لأكثرَ من مليونِ سنةٍ حتى نصفِ مليونِ سنةٍ من الآن، وسادَ فيه الإنسانُ الماهرُ Homo habilis وظهرَت فيه الثقافةُ الحصَوِيَّة Pebble Culture حين هذَّبَ الإنسانُ الحصى الكبير، واستعملها كسلاحٍ وأداةٍ للعمل. وتشيرُ أغلبُ القرائنِ الآثاريةِ إلى أن هذا العصرَ ظهر بوضوحٍ في قارة أفريقيا. ورغم أننا لم نعثُر في فلسطينَ على أدواتٍ حصَويَّة تشير إلى هذا العصرِ إلا أن الإنسانَ الماهرَ كان قد انتقل من أفريقيا عَبْر الجسرِ البريِّ الذي يربط آسيا بأفريقيا واستقرَّ في فلسطين، وتحديدًا على جانبَي غَور الأردن؛ حيث تحرَّك باتجاه الشرق نحو الأزرق في الأردن وباتجاه الغرب نحو سواحلِ البحر الأبيض المتوسط في فلسطين. ويبدو أن حيواناتٍ كثيرةً انتقلَت معه؛ مثل الفيلِ والزرافةِ والظِّباءِ ووحيدِ القرنِ وغيرِها.
وقد عُثر في موقع «العُبيدية» الواقع إلى الجنوبِ الغربيِّ من بحيرة طبرية — وعلى عمق ٢٠٥ أمتارٍ تحت مستوى سطحِ البحر — على أقدمِ ما عرفه علمُ الآثار حتى الآن من المخلَّفات البشريةِ في العالم، ماعدا صخورَ أفريقيا الوسطى. وقد وُجدَت هذه المخلَّفاتُ المتحجِّرةُ مطويةً في طبقاتٍ جيولوجية، نَشِطَت بعد استقرار الإنسان هناك في عصر البليستوسين الأدنى. وتُشير هذه التشكيلاتُ الجيولوجيةُ إلى أن الموقعَ كان يقوم على شاطئ بحيرةٍ اختفَت بفعل عواملِ الطبيعةِ في الانهدام السوريِّ-الأفريقي، الذي يشكِّل غورُ الأردنِ جزءًا منه.٦
تَلُّ العُبَيديَّة Ubeidiya Tel يقعُ في منتصفِ الضَّفَّةِ الغربيةِ لوادي الأردن، عند التقاءِ وادي العمودِ بنهر اليرموكِ على بُعدِ ثلاثةِ كيلومتراتٍ جنوبَ بحيرةِ طبريَّا في فلسطين، في مكانٍ ينخفضُ نحوَ ٢٠٥ أمتارٍ عن مستوى سطح البحر. اكتُشفَ مُصادفةً عام ١٩٥٩م، في أثناء فتحِ الجرافاتِ بِرَكًا لتربية السمك؛ كشفَت عن نوعَين من الأدوات الحجَرية؛ يشتمل الأول على أدواتٍ أبيفيلية صُنعَت من حَصَى البحيرات والأودية وشواطئ البحار. أمَّا الثاني فجاءت أدواتُه أقلَّ عددًا، وتألفَت من فئوسٍ يدويةٍ مُشَذَّبة الوجهَين. وتُشير المخلَّفات المادية إلى أن الإنسانَ المنتصبَ القامةِ استوطن المنطقةَ مدةً طويلة، وتكوَّنَت الأدواتُ الحجريةُ المكتشفةُ من فئوسٍ يدويةٍ ذاتِ وجهَين، ومن معاولَ، وقواطعَ، وشظايا، وأنوية.

إلا أن الاكتشافَ الأهمَّ — في الموقع — هو العثورُ على بقايا بشرية؛ تكونَت من أربعة أجزاءٍ من جمجمةٍ وسِنَّين، تعود للإنسان المنتصبِ القامة، ويُعَدُّ ذلك — إلى جانب البقايا البشريةِ المكتشفةِ في موقع الندوية في سوريا — من أقدم البقايا البشرية في بلاد الشام.

دلَّتِ التحرِّياتُ المختبَريةُ على أن عمرَ الموقعِ يعودُ إلى حوالي ٧٠٠٠٠٠ سنة، واقترح آخرونَ تاريخًا آخرَ يتراوحُ ما بين ١٩٠٠٠٠٠–١٤٠٠٠٠٠ سنة من الآن، استنادًا إلى دراسة الأدوات الصَّوَّانية، والبقايا الحيوانية، والطبقات الجيولوجية.

ولا بد من التذكير أن أقدمَ آثارٍ بشريةٍ حَفْرية عُثر عليها خارجَ منطقةِ الظهورِ الأوَّلِ للإنسان في تنزانيا في «أومو»، وهي موجودةٌ في هذا الجدول المُبَسَّط:

ت البلد مكان الحفرية نوعها الزمن التقريبي لها قبل الآن
١ المغرب جبل إرهود Jebel Irhoud بقايا الانسان العاقل ٣٠٠٠٠٠
٢ إثيوبيا بقايا في موقعَين Ethiopia بقايا الإنسان العاقل ١٩٥٠٠٠ و١٦٠٠٠٠
٣ فلسطين مساليا في جبل الكرمل Misliya Mount Carmel فك بشري وأدوات حجرية ١٩٤٠٠٠ و١٧٧٠٠٠

يدُل هذا على أن فلسطين كانت هي الأقدمَ في استقبال الإنسانِ الماهر و/أو المنتصبِ القامةِ خارجَ أفريقيا.

figure
شكل ٣: حَفْرية عَظْم الفكِّ العُلويِّ مع عدة أسنان. وعُثر معها على أدواتٍ حجريةٍ في مكانٍ قريب. الأدوات والفك تعود لما بين ١٧٧٠٠٠ و١٩٤٠٠٠ سنة قبل الآن، الموقع هو مسليا في جبل الكرمل Misliya, Mount Carmel.

ثانيًا: فلسطينُ في العَصرِ الحجَريِّ القَدِيم (الباليوليت) ٥٠٠٠٠٠–١٩٠٠٠ق.م.

يُشكِّلُ العصرُ الحجَريُّ القديم (الباليوليت) الجزءَ الأعظمَ من العصور الحجرية، وينقسمُ إلى ثلاث فتراتٍ مميزة هي:
  • (١)

    الباليوليت الأدنى (٥٠٠٠٠٠–١٠٠٠٠٠ق.م.)

  • (٢)

    الباليوليت الأوسط (١٠٠٠٠٠–٤٠٠٠٠ق.م.)

  • (٣)

    الباليوليت الأعلى (٤٠٠٠٠–١٩٠٠٠ق.م.)

(١) الباليوليت الأدنى (٥٠٠٠٠٠–١٠٠٠٠٠ق.م.)

تتميزُ فترةُ الباليوليت الأدنى — والتي بدأت منذ نصف مليون سنة — بظهور الإنسان المنتصبِ القامة Homo erectus وهو أرقى من سلَفه، الإنسان الماهر، والذي ظهر في العصر الحجريِّ السحيق. والإنسانُ المنتصبُ القامة له قامةٌ مستقيمةٌ متوسطةُ الطول، وله دماغٌ متطور، وكان يصنعُ أدواتِهِ الحجريةَ والعَظميَّةَ والخشبيةَ عن سابق تصوُّرٍ ومعرفةٍ ليجعلَها تناسبُ حاجاتِه في صيد الحيواناتِ وحفرِ الأرضِ والصخورِ وقطعِ الأشجار.
وفي فلسطين أظهرتِ الحفرياتُ أن هذا الإنسانَ عاش أيضًا على جانبَي نهرِ الأردن، ومن مواقعه المعروفةِ موقعُ العُبيدية، وموقعٌ قُربَ بيتِ لحمٍ وموقعُ جسرِ بناتِ يعقوب، وموقعٌ يقع على مَقربةٍ من بحيرة الحولة، في وادي قطنة في الجنوب، وفي مغارة الطابون في جبل الكرمل وغيرها على الساحل.٧
وفي موقع العُبيديةِ عُثِر على هيكلٍ عَظميٍّ للإنسان — المُنتصبِ القامة — يعودُ تاريخُه إلى حوالَي ٧٠٠٠٠٠ سنة.٨

وإذا كان الباليوليت الأدنى في أوروبا قد شهد ظهورَ أربعِ ثقافاتٍ متميزةٍ فيه هي «الأبفيلية، الكلاكتونية، الآشولية، اللفلوازية» فإن الباليوليت الأدنى في فلسطين وبلاد الشام عمومًا قد شهد ظهورَ هذه الثقافاتِ جميعِها باستثناء اللفلوازية، التي ظهرَت ثقافةٌ محليةٌ موازيةٌ لها، في فلسطين، هي الثقافة التياسية.

figure
شكل ٤: أولى هجرات الإنسان القديم في عصور الباليوليت الأسفل من أفريقيا إلى القارات الأخرى، فلسطينُ وآثار سخول والقفزة.
figure
شكل ٥: جمجمة الإنسان المنتصب محفوظة في جامعة ميتشجان، متحف العلوم الطبيعية. تم العثور على أدلة على الإنسان المُنتصِب في تل العبيدية، جنوب بحيرة طبريَّا. https://ancient-world-project.nes.lsa.umich.edu/image-database/items/show/335

الثقافة الآشولية أنتجَت الفئوسَ اليدويةَ من قِبل الإنسانِ المنتصبِ القامة.

«وبشكلٍ عامٍّ فإن إنسان الباليوليت الأدنى المنتصبَ القامة كان أولَ الأجناسِ البشريةِ ذاتِ الدماغِ الكبيرِ التي احتلَّت الشرقَ الأدنى القديم بالتدريج، وعاش متنقلًا في أودية الأنهار والمناطق الساحلية، وكان أولَ من تكيَّف وَفْقَ المناخِ المعتدلِ والمناخِ البارد.»٩

صَنَع الإنسانُ المنتصبُ القامة، في فلسطين، أدواتِه الحجريةَ المكوَّنةَ من الفئوسِ اليدويةِ والمقاشطِ والسواطيرِ والمطارقِ والبلطات. وكان يستعملُها كأسلحةٍ لقتل الحيوانات أو لقطع الأشجار أو للدفاع عن النفس.

مغارة الطابون حوالي ٢٤ كيلومترًا إلى الجنوب من حيفا، تُوثِّق ٥٠٠٠٠٠ سنة من التاريخ البشريِّ. وهي مغارةٌ فريدةٌ من نوعها؛ لأنها تمثِّل، خطوةً بخطوةٍ، تاريخَ البالبوليت الأسفل وكيفيةَ تغييرِ استخدامِ النارِ في الكهف. وقد عُثر على أدواتٍ حجريةٍ رافقَت اكتشافَ النار — تعود إلى حوالي ٣٥٠٠٠٠ من الآن.

ظهرَت آثارُه في موقع العُبيدية، وعلى مقرُبةٍ من بحيرة الحولة، وفي وادي قطفة في الجنوب، وفي مغارة الطابون في جبل الكرمل، وغيرها على الساحل. وعُثر على عظام فخذٍ لإنسانِ الهومواركتوس ﻓﻲ موقع جسر بنات يعقوب. يتراوح عمرها بين ٦٠٠٠٠٠–١٠٠٠٠٠ سنة قبل الآن، وهناك بقايا أخشابٍ متحجِّرة وأدواتٍ خشبية.

figure
شكل ٦: حجر الصوَّان يشكِّل حفرةً دائريةً تكونُ «وعاء، غطاء» لموقد نار ما قبل التاريخ في مغارة الطابون. http://www.sciencemag.org/news/2014/12/israeli-cave-offers-clues-about-when-humans-mastered-fire
figure
شكل ٧: جمجمة مرمَّمة لإنسان الباليوليت الأدنى حوالي ٣٥٠٠٠٠ سنة من الآن. http://popular-archaeology.com/issue/winter-2015-2016/article/new-early-human-site-discovered-in-israel
وعُثر في مغاوره وكهوفه على ما يشير إلى أنه اصطاد وأكل لحوم الماعز والبقر والغزال. وفي مغارة الطابون «عُثر على قِطع فحمٍ أرجعها العلماء إلى نحو (١٥٠٠٠٠) سنة، وهناك قطعٌ أخرى ترجع إلى الدور الأخير من العصر الحجريِّ القديم، اكتُشفَ في مغارة الوادي (قرب الطرَف الغربي للكرمل)، وهذا يدُل على أن إنسان فلسطين قد عرف النار.»١٠
figure
شكل ٨: مواقعُ الباليوليت الأسفلِ في فلسطين.
ويبدو أن هذا الإنسانَ الفلسطينيَّ المنتصبَ القامةِ سكن في الكهوف، خصوصًا في جبل الكرمل وأم قطفة (شمال غرب البحر الميت) وفي موقع الزطية (شمال غرب بحيرة طبرية) ليُجَنِّبَ نفسَهُ عواملَ الطبيعةِ القاسية، ثم نزل إلى السهول والمنخفضات حيث تجري الأنهارُ وتنبتُ النباتات، وهناك بنى الأكواخ البسيطة البدائية. وقد أظهرَت حَفْريات ١٩٦٢م، التي قام بها ستيكليس Stekelis أن القِسمَ الأعلى من وادي رفائيم في القدس المسمَّى أيضًا «بكة» في الحي الإغريقي جنوب غرب وادي هنوم ثلاثُ طبقات، والطبقتانِ الثانيةُ والثالثةُ تحتويانِ على فئوسٍ يدويةٍ ونِصَالٍ وأدواتٍ حجريةٍ باليوليتية تعود إلى العصر الأبيفيلي أو الأشولي المبكِّر.١١

ظهر اكتشافُ أشباهِ البشر (الإنسان المبكِّر)؛ في موقعٍ استيطاني قربَ نيشر الرملة، وهو الاستيطانُ البشريُّ في أوقات العصر الحجريِّ القديمِ الأوسط (حوالي ٣٠٠٠٠٠–٥٠٠٠٠ سنة قبل الآن.)

وعلى الرغم من أن نوع الإنسان لم تُعرَفْ هُويتُه حتى الآنَ، فقد شهدَت هذه الفترةُ الزمنيةُ أنشطةَ كلِّ إنسانِ نياندرتال والبشر المعاصرينَ في وقتٍ مبكِّر. وكانت القِطعُ الأثريةُ الحجريةُ من التقليد الموستيري Mousterian وشملَت النوى الليفالوازية، والرقائق، والنقاط.

(٢) الباليوليت الأوسط (١٠٠٠٠٠–٤٠٠٠٠ق.م.)

إذا كان الباليوليت الأوسطُ في أوروبا متميزًا بفعل ظهور إنسانِ النياندرتال، فإنه في فلسطين تحديدًا يغدو أكثرَ تميُّزًا بفعل ظهورِ نوعَين من البشر هما:
  • (١)
    إنسانُ النياندرتال Homo Neanderthalensis.
  • (٢)
    الإنسانُ القديمُ الفلسطيني Paleo-anthropuspalaestiniensis.

وإذا كان إنسانُ النياندرتال الأوروبيُّ قد أنجز ثقافتَي اللفلوازية الموستيرية والموستيرية في الباليوليت الأوسط، فإن نياندرتال فلسطين أنجز نمطًا خاصًّا متطورًا من الثقافة اللفلوازية سُمِّيَت ﺑ «الثقافة الطابونية» (نسبةً إلى مغارة طابون في جبال الكَرْملِ الجنوبية الغربية). أمَّا الإنسانُ القديمُ الفلسطينيُّ فقد أنجز بامتيازٍ الثقافةَ الموستيرية في الشرق الأدنى.

وتمتاز الثقافة اللفلوازية الموستيرية بالأدوات الحجَرية المصنوعة من الشظايا المصقولة، أمَّا الثقافةُ الموستيرية فتمتازُ بالفئوسِ اليدويةِ على هيئة القلبِ وبالمِثْقاب.

إن ظهورَ الإنسانِ القديمِ الفلسطينيِّ الذي يُعرَفُ أيضًا ﺑ «الجليليِّ» — بسبب ظهورِ معظمِ آثارِه في منطقة الجليل — يُعَدُّ أمرًا مُحيرًا ونادرًا في أحداث العصرِ الحجريِّ القديم؛ فقد انفردَت فلسطينُ دون غيرها، بظهور إنسانٍ متطورٍ يشبِهُ الإنسانَ العاقلَ ويسبقُهُ زمنيًّا، وهو ما جعلَ حضارةَ فلسطين في الباليوليت الأوسطِ متميزةً جدًّا عن مثيلاتها في الشرق الأدنى وأوروبا معًا.

كان الإنسانُ القديمُ الفلسطينيُّ (الجليليُّ) قصيرَ القامةِ بالنسبة إلى الإنسانِ العاقل، ويحملُ على كتفَيه العريضتَين جمجمةً كبيرةً مستطيلة، عَظمُها سميكٌ وصدفَتا العينَين واسعتان تَحُفُّ بهما نتوءاتٌ بارزة. أما الأنفُ فمُسَطَّح، وعظامُ الحنَكِ نافرةٌ صُلبة، والأسنانُ كبيرة، وفي الحنَكِ الأسفلِ ذقنٌ صغيرٌ واضح، والصدرُ واسع، والعضلاتُ ضخمة، وهو ما يعطيه قوةً جسديةً كبيرة، واليدانِ كبيرتان، لكنَّ عظامَ الأصابعِ محدَّدةُ الحركة. والفخذُ عندَه أقصرُ من الساق، والظهر يميل إلى الانحناء نحوَ الأمام؛ حيث يبقى الرأسُ مائلًا في هذا الاتجاه.١٢
أما الأماكنُ التي عُثر فيها على الهياكل العَظميَّة لهذا الإنسانِ فهي:
  • (١)

    مغاورُ جبالِ الجليلِ في وادي العمود (الزطية والأميرة).

  • (٢)

    مغاورُ جبالِ الكَرْمَل (السخول والطابون).

  • (٣)

    مغارة القفزة قرب الناصرة.

ويعتقد العلماء أن الإنسانَ القديمَ الفلسطينيَّ ينتمي لما يُسمَّى ﺑ «الأشكال الوسيطة» التي لا تتوافقُ مع الأنماط الفيزيقيةِ لإنسانِ النياندرتال أو الإنسانِ العاقل. وقد تمَّ الكشفُ عنها في أوروبا (يوغسلافيا) والشرق الأدنى (فلسطين) وأفريقيا (المغرب وإثيوبيا وجنوب أفريقيا).١٣
figure
شكل ٩: أماكنُ وجودِ بقايا الإنسانِ في الباليوليت الأوسطِ في فلسطين. http://bcrfj.revues.org/3272
figure
شكل ١٠: مواقع الباليوليت الأوسط في المشرق القديم. Levantine Middle Paleolithic sites.
ويرى فاندرميرش أن الإنسانَ القديمَ الفلسطينيَّ يرتبطُ بجنس «كرومانيون» أكثر من ارتباطه بإنسانِ «نياندرتال» مما قد يعني أنه كان أساسًا لجزءٍ كبيرٍ من سكان أوروبا الغربية بعد سنة ٣٥٠٠٠ تقريبًا قبل وقتنا الحاضر، وكِلا الإنسانَين — إنسانِ كرومانيون وإنسانِ فلسطين — ينتمي إلى جماعةٍ تُعرَفُ الآنَ باسمِ الإنسانِ العاقل.١٤

إن هذا يعني بوضوحٍ أن حضارةً مبكرةً ذاتَ قيمةٍ عاليةٍ ستنسجُ خيوطَها في فلسطين، وستكونُ هذه الحضارةُ البعيدةُ الزمنِ قاعدةً صُلبةً لما ستتواتر عليه العصورُ القادمةُ وصولًا إلى الحضارتَين الكبارية والنطوفية، اللتَين سيُنجزُهما الإنسانُ العاقلُ في فلسطين في العصر الوسيط.

وهكذا نجدُ أن ثَمَّةَ علاقةً وشيجةً بينَ الباليوليت الأوسطِ والعصرِ الوسيط (الميزوليت) في فلسطين أساسُها الإنسانُ العاقلُ بنوعَين؛ المبكِّر (الإنسانِ القديمِ الفلسطيني) والمتأخِّر (الإنسانِ العاقلِ الفلسطيني).

تنحَصر، بشكلٍ عام، إنجازاتُ إنسانِ الباليوليت الأوسطِ في فلسطين في قدرتِه على التكيُّف مع الطبيعةِ بشكلٍ أفضل؛ فقد ارتدى الجلود، وطوَّر الإفادةَ من النار، وهيَّأ لها المواقدَ في الكهوف، ووسَّع من استخدامها، وكان صيادًا ماهرًا؛ فقد استطاعَ إنسانُ النياندرتال دفنَ موتاه مما يعبِّر عن أوَّلِ المشاعرِ الدينيةِ التي وجَدَت صدَاها في احترام الجسدِ البشريِّ واحتمالِ ذهابِه إلى عالَمٍ آخَر مُرفَقًا بالأدوات الحجريةِ والأطعمةِ والحيواناتِ المقدسةِ عند الإنسان، فعَمَد إلى صبغ جسده بالألوان، وظهرَت معتقداتُه الروحيةُ أيضًا في دفن الجماجم بصورةٍ مستقلَّة عن أجسادها، مما يعكسُ اهتمامًا بإمكانية احتوائِها على الروح.

وإذا كانتِ المنجَزاتُ التي تحدَّثْنا عنها أعلاه قد أُنجِزَت من قِبل النياندرتال الفلسطينيِّ بشكلٍ خاص، فإنَّ إنجازاتِ الإنسانِ القديمِ الفلسطيني ما زالت قَيْد الدرسِ والبحثِ والتمحيص. لكنَّ السؤالَ الذي يبرُز أمامَنا واضحًا هو عن مصيرِ هذا الإنسانِ وكيفيةِ اختفائِه من على مسرح الباليوليت الأوسط. وفي هذا الصدَد وضَع العلماءُ أربعَ نظرياتٍ لِمَا آل إليه مصيرُ الإنسانِ القديمِ الفلسطينيِّ مع اقترابِ الباليوليت الأعلى، وهي:
  • (١)

    أنه تطوَّر تدريجيًّا ليتحولَ نهائيًّا إلى الإنسان العاقل بسبب قُدرتِه الحضاريةِ الفائقة، وتطوُّرِه العقلي، ووضوح تطوُّرِ حضارتِه المادية، وإضافاتِه التقنيةِ على صناعة الأحجار.

  • (٢)

    أنه ذاب في جنس الإنسان العاقل عن طريق التزاوُج معه، والاندماج مع سُلالته.

  • (٣)

    أنه انقرضَ نهائيًّا بسبب انقطاع ظهوره في العصور اللاحقة.

  • (٤)

    أنه انتقَل إلى أوروبا، وربما تزاوَج مع إنسانِ النياندرتال المحليِّ وقضى عليه، واحتَل مكانَه.

ورغم أن هذه النظرياتِ الأربع قائمةٌ كلُّها، من حيث الاحتمال، إلا أن النظريةَ الأولى والنظريةَ الثانية هما الأرجحُ في هذه الاحتمالات.

(٣) الباليوليت الأعلى (٤٠٠٠٠–١٩٠٠٠ق.م.)

بظهور الإنسان العاقل Homo Sapiens انتهى الباليوليتُ الأوسطُ في حدود ٤٠٠٠٠ق.م. وبذلك يكون الجدُّ الأعلى للإنسانِ الحاليِّ قد ظهر وساد وجهَ الكرةِ الأرضية. ومع ظهوره دخلَت حضارةُ الإنسانِ في منعطفٍ جديدٍ ما زلنا إلى يومنا هذا نقطُف ثمارَه الحضارية. وإذا كان الباليوليت الأوسط مزدهرًا في الشرق الأدنى بشكلٍ خاص، فإن الباليوليت الأعلى شهد في بدايته حدوثَ تغيُّرٍ مُناخيٍّ جَذريٍّ اضطَر الإنسان، في الشرق الأدنى وأفريقيا، إلى الهجرة باتجاه أوروبا، وانتقال حضارته إلى هناك، وهو ما سبَّب جَدْبًا حضاريًّا واضحًا في أصقاع الشرق الأدنى وأفريقيا، وصعودًا حضاريًّا في أوروبا.

يُطلِق العلماء على الأزمة المُناخية، في الشرق الأدنى، ﺑ «أزمة الحيوان»، والتي اضطَرَّت الحيوانات غريزيًّا إلى الهجرة شمالًا باتجاه أوروبا، جارَّةً معها الإنسانَ الذي كان مرتبطًا بها وبوفرة النباتات والمياه على أرضه.

وهكذا رحَل أو انقرَض أو تطوَّر إنسانُ فلسطين القديم، وظهر مكانَه الإنسانُ العاقلُ الذي كيَّف نفسَه لمُناخٍ صعبٍ جديدٍ في أرضه، واستطاعَ هذا الإنسان، بحكم مؤهلاتِه البيولوجية أن يُنتِجَ حضارةً جديدةً مثلَ إنتاجه لنوعٍ جديدٍ من النِّصالِ والأدواتِ الصَّوَّانيةِ الصغيرةِ ذاتِ الأشكالِ الهندسيةِ المتعددة، التي يمكنُ وضعُها على سيقانٍ من الخشب أو العظام أو القرون، واستعمالُها بطريقةٍ أفضلَ من أدواتِه السابقة. كما أظهر هذا الإنسانُ ميلًا واضحًا لبناء البيوتِ المستديرة، رغم أنه لم يهجُر مغاورَ الكهوفِ تمامًا بل ظلَّ يستعملُها، واستطاع إنسانُ الباليوليت الأعلى الأوروبي، كما هو معروف، أن يُظهِرَ مواهبَه الفريدةَ في لوحات الكهوفِ والدُّمى الفينوسية، كتعبيرٍ عن حسٍّ جماليٍّ ودينيٍّ جديد، وهو ما يفتقرُ إليه إنسانُ الباليوليت الأعلى الشرقيُّ والفلسطيني. وعلى سفوح جبالِ القدسِ الشرقيةِ ظهرَتْ حضارةُ الباليوليت الأعلى المسمَّاة ﺑ «الحضارة الأحمرية» نسبةً إلى كهفٍ في عرق الأحمر هناك. وهو الموقع النموذج لهذه الحضارة في فلسطين، والتي تُوازِي الحضارةَ الأورينياسية في أوروبا.١٥
figure
شكل ١٢: مواقع الباليوليت الأعلى في المشرق القديم.
ومن المواقع الأخرى مغارةُ الوادي والكبارة والأميرة؛ حيث نشهد ظهورَ حضاراتِ العصرِ الحجريِّ القديمِ الأعلى كلها. وعلى العموم، يقسِّمُ العلماءُ هذه الحضاراتِ في فلسطين إلى ثلاثِ مراحلَ على ضوء الأدواتِ الحجريةِ المستعمَلة:
  • (١)

    المرحلة الانتقالية بين الباليوليت الأوسط والباليوليت الأعلى: حيث ظهرَت أدواتٌ جديدةٌ تعمل بعض المؤثِّراتِ الليفلوازية-الموستيرية، وتظهر آثارُها في مغارة الأميرة في فلسطين (قرب بحيرة طبرية).

  • (٢)

    مرحلة الحضارة الأحمرية: وهي باكورةُ حضارةِ الباليوليت الأعلى؛ حيث ظهرَت أدواتٌ حجريةٌ خاصَّةٌ بهذا العصر؛ مثل المكاشطِ والمخارزِ ذاتِ الجبهةِ العريضةِ والنِّصالِ الطويلة؛ والتي تُشبِه الأدوات الأورينياسية الأوروبية، وقد ظهرَت في كهف عرق الأحمر في فلسطين.

  • (٣)

    مرحلة الحضارة العتليتية: حيث ظهرَت النِّصالُ الصغيرةُ والأدواتُ الدقيقةُ خصوصًا في مغارة (عتليت) في فلسطين، وهي خاتمةُ الباليوليت الأعلى وتمهِّد للميزوليت.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الباليوليتَ الأعلى الأوروبيَّ ينقسمُ إلى حضاراتٍ موازيةٍ للحضارة الفلسطينيَّة، منها «البريكَودية، الأوريناسية، السلوترية، المجدلينية»؛ حيث تقابلُ البريكَودية المرحلةَ الانتقاليةَ في فلسطين، والأورينياسية المرحلةَ الأحمريةَ في فلسطين، والسلوترية المرحلةَ العتليتيةَ في فلسطين. أما الحضارةُ المجدليةُ الأوروبية فلا يُوجَد ما يقابلها في فلسطين. ومن المعروف أن أهمَّ مُنجَزاتِ الحضارةِ المجدليةِ الأوروبيةِ هي ظهورُ لوحاتِ الكهوفِ والدُّمى الفينوسية على نطاقٍ واسع.

١  أسامة النور وأبو بكر شلابي، تاريخ الإنسان حتى ظهور المدنيات، مالطا، ١٩٩٥، ص٦٩.
٢  السينوزوك Cenozoic: هو زمنُ الحياةِ الثالث، وهو زمنُ الثديياتِ التي ظهرَت فصائلُها البدائية محلَّ الزواحفِ المنقرضة. وتميَّز هذا الزمنُ بانخفاضٍ مستمرٍّ في درجات الحرارة. وفي نهاية هذا العصر ظهرَت القردةُ القريبةُ الشبهِ من الإنسان، واستمرَّ هذا الزمنُ مدةَ ٦٥ مليونَ سنة.
٣  النيوزوك Neozoic: هو زمنُ الحياةِ الرابع، وهو زمنُ الإنسانِ الذي ظهَر في بدايته، وتخلَّلَ هذا الزمنَ أربعةُ عصورٍ جليديةٍ بينها فتراتٌ دافئةٌ نسبيًّا.
٤  البليستوسين Pleistocene: هو العصر الذي شغل أغلب زمن النيوزوك، واستمرَّ حتى ذاب جليدُ آخِرِ العصورِ الجليدية، وتفصلنا عنه أكثرُ من عشرةِ آلافِ سنة، وظهرت فيه أنواعُ الإنسانِ الأساسيةُ (القِرْدي، المُنتصِب، النياندرتال، العاقل).
٥  الهولوسين Holocene: هو العصر الذي بدأ منذ حوالي عشرة آلاف سنة من الآن وما زلنا نعيش فيه، وهو زمن العَصر الحجَري المتوسط والحديث والمعدني والعصور التاريخية.
٦  إلياس شوفاني، الموجزُ في تاريخِ فلسطينَ السِّياسي، ط٢، بيروت، ١٩٩٨م، ص١٣–١٤.
٧  نفسه، ص١٤.
٨  سلطان محيسن، بلاد الشام في عصور ما قبل التاريخ، الصيادونَ الأوائل، دمشق، ١٩٨٩م، ص٧٧.
٩  شوفاني، المرجع السابق، ص١٥.
١٠  W. Harold Mare, The Archaeology of the Jerusalem, Michigan, 1987, p. 36.
١١  عزمي، أبو عليان، القدس بين الاحتلال والتحرير، عمان، ١٩٣٣م، ص١٤.
١٢  شوفاني، المرجع السابق، ص١٧.
١٣  النور وشلابي، المرجع السابق، ص٣٩٢–٣٩٣.
١٤  أبو عليان، المرجع السابق، ص١٤.
١٥  شوفاني، المرجع السابق، ص٢١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥