المبحث الرابع: الأثَرُ الهِيلِّنستي
أوَّلًا: العالَمُ الهِيلِّنستيُّ وأثَرُه في صياغةِ الدِّينِ اليهودي
- (١)
الترجمةِ السبعينيةِ للأسفار اليهوديةِ المقدسةِ التي أتاحت لليهود الجمعَ المنظمَ لمادة الكتابِ المقدسِ اليهودي، والذي سُمِّي بكتاب «الشريعة» وشَمل، في الغالب، مادَّة التوراةِ الأساسية التي ضمَّت الأسفارَ الخمسةَ الأولى بشكلٍ خاص.
- (٢)
كتابةِ الأسفارِ الإضافيةِ مثل سِفرِ دانيال وحزقيال والأمثالِ والمزاميرِ والأسفارِ المحذوفةِ مثل أخنوخ وطوبيا … إلخ.
- (٣) مثل سِفرِ الجامعة، والمناخ الهيلنستي الواضح، والذي نتَج عنه ما نسمِّيه بهيلينية اليهودِ أثناء حكمِ البطالمةِ أولًا ثم السلوقيين «ذلك أن الإغريقَ واليهودَ كانوا جميعًا يتطورونَ في عالمٍ واحدٍ، ومنهم من كانوا يتطوَّرونَ في نفس الطريق. وكان الأمرُ كما هو اليومَ تمامًا، فكانت هناك مجموعةٌ من الأفكار تملأُ الجو، وهو شيءٌ تستطيعُ أن تسمِّيَه «روح العصر»، أو أي شيءٍ آخرَ يُرضيك ولا شك أنه كان يؤثِّرُ في الناس لا شعوريًّا.»١
- (٤)
قامَت الكتاباتُ الهيلنستيةُ في ذلك الوقت بإظهار خصوصيةِ اليهودِ وجَعلِهم أصحابَ شأنٍ خاصٍّ في الدين مثل ما قام به بولهيستور ودمتيريوس ويوبوليموس وأرطبانوس وكليوديموس وثيودوتس مؤلفُ النبوءاتِ السبيلينيةِ الذي كتَبه أرستوبولوس المشائي.
- (٥) تأليفِ سِفرِ الرؤيا الذي تضمَّن توقُّع ظهورِ المسيحِ من بيت لاوي وهارون لا من بيت داود «إن ذلك الجليليَّ الذي ألَّفَ ذلك الأثرَ الخالدَ في عهد هيركانوس — أَلَا وهو وصايا الآباءِ الاثني عشر، بما احتوت عليه من توقعاتٍ رفيعةٍ جاءت في عظةِ الجبل — قد خُيِّل إليه أن هيركانوس — وهو النبيُّ والكاهنُ والملك (الملك في الحقيقة والواقع وإن لم يتلقب باللقب) — قد تحقَّقَ في شخصه الأملُ المسيانيُّ المرجوني؛ ألا وهو ظهورُ مسيح، وإليه وجَّه الكاتبُ ترتيلتَين مما يُنشَدُ للمسيح.»٢
- (٦)
ساهمَت الهيلينيةُ بشكلَيها الإيجابيِّ في التفاعل بين الإرثَين الهيلينيِّ واليهوديِّ عن طريق الحزب الهيليني، والسلبيِّ في مقاومة الهيلينيةِ عن طريق حزبِ القديسينَ والمحافظينَ والحسديم. وساهمَت هذه الثقافةُ في بلورة وصياغة ما نستطيعُ أن نُسَمِّيَه بالشكل المزدوج لليهودية؛ الدين العالمي والدين الخاص، العقيدة الدينية الشمولية والمُكبَّلة بخصوصية الشعب المختار. وهو الوصفُ الدقيقُ لليهودية في هذا الزمن.
- (٧) كان فيلون الإسكندريُّ (٢٠ق.م.–٥٠م) أوضحَ صورةٍ للتفاعلِ بين اليهوديةِ والهيلينية؛ فقد كان الفيلسوف اليهودي المُتَهليِن، والذي حشَر اليهودية في الفلسفة الإغريقية وحشَر الفلسفة الإغريقية في الدين اليهودي، فكان أكبرَ من عبَّر فكريًّا عن العالَمِ اليهوديِّ والهيلينيِّ معًا. إنه نتاجُ كلِّ تلك الفترةِ الملتهبةِ بالأخذ والردِّ بينهما، وكان يُلقَّبُ ﺑ «أفلاطون اليهودي»؛ لأن فلسفته قامت على فلسفة أفلاطون، ولكي يصل إلى غرضه هذا لجأ إلى المبدأ القائل إن جميعَ الحادثاتِ والأخلاقِ والعاداتِ والشرائعِ المنصوصِ عليها في العهد القديم ذاتُ معنيَين؛ أحدُهما مجازيٌّ والآخرُ حرفي، وإنها تَرمزُ إلى حقائقَ أخلاقيةٍ أو فلسفية، وتُمثِّل فلسفتُه أهمَّ محاولةٍ للتوفيق بين الدين اليهودي والفلسفة اليونانية، وتميَّزَت باستعمال التأويلِ الرمزيِّ والمجازيِّ للتوراة.٣
المَرجعِيَّةُ الآثاريَّة
هذا ما كان من تبدُّلات وعمليات تكوين الدين والعقائد اليهودية التي كانت القدسُ بؤرةً لها … أمَّا ما كان من مدينة القدس في المرحلة الهيلنستية فمن المؤكَّدِ أن المدينةَ شهِدَت انتعاشًا عمرانيًّا واضحًا، ودخلَت في عمارتها العناصرُ الإغريقيةُ المعروفة، بل والأبنيةُ العُمرانيةُ الدنيويةُ بشكلٍ خاصٍّ مثل الجمنازيوم (نادي الرياضة) والشوارعِ المُدَرَّجَةِ والقصورِ والمنازلِ وغيرِ ذلك. وقد توسَّعَت المدينةُ فخرجت عن إطارها السابقِ المحصورِ في المدينة اليبوسيةِ في بداية العصرِ الحديديِّ لتمتدَّ إلى الأعلى نحو جبلِ الأوفل وموريا وإلى الغرب من المدينة اليبوسية، فيتوسَّعُ السكنُ فيها، وتظهرُ المدينةُ العليا المتاخمةُ لوادي هنوم من الأعلى، والمدينةُ السفلى اللصيقةُ بمدينة يبوس القديمة.
ولا شك أن المدينةَ انتعشَت أكثرَ في ظل حكمِ الأسرةِ المكابية والأسرة الحشمونية، وربما طال ذلك «هيكل يهوا» الذي تعرَّضَ للإهمال والتهميش في الفترة البطلمية والسلوقية.
أمَّا الآثارُ المنقولةُ التي عُثر عليها في القدس في العصر الحديديِّ حتى نهاية العصرِ الهيلنستيِّ فيمكننا تصنيفُها كما يلي:
الفَخَّاريات
- (١) فَخَّارياتِ الحشواتِ اليهوديةِ المبكرة (في نهاية العصر الحديدي الثاني) وتشمل بقايا الجِرارِ الفَخَّاريَّةِ وكسر التماثيلِ البشريةِ والحيوانيةِ الصغيرة، وبعضَ الأقراصِ الفَخَّارِيَّةِ التي رُسِمَت عليها طيورٌ فاردة الأجنحة، وأشكالًا زهريةً وزخرفية.٤ (انظر شكل ٨٦)شكل ٧٧: فَخَّاريات الحشوات اليهودية المبكرة/نهاية العصر الحديدي الثاني. المرجع: 1985: 36 Tushingham.
- (٢) فَخَّارياتُ الحشواتِ اليهوديةِ الفارسية: وهي فَخَّارياتُ العصر الحديدي الثالث، وأغلبُها قطعٌ من جرارٍ وأوانٍ فَخَّاريةٍ مختلفةِ الأحجام، وتمتازُ بدقةِ الصنع.٥شكل ٧٨: فَخَّارِيَّاتُ الحشواتِ اليهوديةِ الفارسية. الرقم ٩: ربما يكون من العصر الحديدي. الرقم ٢٤ و٢٦ من القرن الأول ق.م. أو القرن الأول الميلادي. المرجع Tushingham 1985: 368.
- (٣) فَخَّارياتُ الحشواتِ اليهوديةِ الهيلنستية والمتأخرةِ: وأغلبُها من الجِرار والأواني الفَخَّارية، وبعضُها يحملُ نقوشًا زهريةً، وبعضُ أفواهِ الجِرار ضيقٌ والبعضُ الآخَرُ واسعٌ٦ (انظر شكل ٨٨).شكل ٧٩: فخاريات الحشوات اليهودية الهيلنستية. (١) الحشوات اليهودية المبكرة: الأرقام (١–٢، ٤، ٦–١٢، ١٤، ١٧–٢١). (٢) الأماكن اليهودية المبكرة: الأرقام (٣، ٥، ١٣، ١٥–١٦). (٣) الحشوات والأماكن اليهودية المتأخرة: الأرقام (٣٢–٢٣، ٤٠). (٤) الحشوات اليهودية المتأخرة: الأرقام (٢٢–٣١، ٢٤–٣٩، ٤١–٥٥). المرجع: Tushingham 1985: 372.
الدُّمَى والتماثيل

الأدَواتُ المُختلِفة

العصور | فروع العصور | زمن العصور ق.م. | اسم القدس الشائع | طبيعة القدس السكانية الغالبة وحضارتها | أهم حكامها |
---|---|---|---|---|---|
الحجري | القديم الأعلى | ٤٠٠٠٠–١٩٠٠٠ | مستوطنات صيادين وفلاحين تستعمل الأدوات الحجرية في حياتها اليومية | الأحمرية | لم يظهر بعدُ نظامُ الحكم السياسي، ولم تكُن على أرض القدس مدينةٌ بالمعنى المعروف. |
الوسيط | ١٩٠٠٠–٨٠٠٠ | الكبارية والنطوفية | |||
الحديث | ٨٠٠٠–٥٠٠٠ | الطاحونية | |||
النُّحاسي | ٥٠٠٠–٣٣٠٠ | الغسولية | |||
البرونزي | المبكر | ٣٣٠٠–٢٠٠٠ | منورتا | الأمورية | – |
المتوسط | ٢٠٠٠–١٥٥٠ | أورشالم | الكنعانية | ملكي صادق | |
المتأخر | ١٥٥٠–١٢٠٠ | يوروسالم | الكنعانية | عبدي حيبا | |
الحديدي | الأول | ١٢٠٠–١٠٠٠ | يوروسالم | الكنعانية | ؟ |
الثاني | ١٠٠٠–٥٨٦ | أورشليم (من القرن ٧ق.م.) | اليبوسية اليهوذية الكنعانية (من القرن ٧ق.م.) | حزقيا، يوشيا يهوياقين | |
الثالث | ٥٨٦–٣٣٣ | أورشليم | أهل السبي واليهود والآدوميون والفرس | زربابل، عزرا | |
الهيلنستي | المقدوني | ٣٣٢–٣٢٣ | أورشليم | اليهود والإغريق | يهوياداع |
البطلمي | ٣٢٣–٢٠٠ | أورشليم | اليهود والإغريق | أونياس، طوبيا | |
السلوقي | ٢٠٠–٦٣ | أورشليم | اليهود والإغريق | أونياس ٣، ياسون، | |
دولة يهوديا | أورشليم | اليهود والإغريق | يهوذا المكابي | ||
(١) المكابية | ١٤٢–١٠٦ | ||||
(٢) الحشمونية | ١٠٦–٤٨ | ||||
الروماني | (١) الهيرودية | ٤٨ق.م.–٤٤م | أورشليم | اليهود والرومان | هيرودس |
المقسمة | ٤٤–٧٠م | أورشليم | اليهود والرومان | سبعة ولاة | |
الروماني | ٧٠–٦٢٨ | إيليا كابيتولينا | اليهود والرومان | رومان | |
البيزنطي | ٣٢٤–٦٣٨ | إيليا | اليهود والمسيحيون |
موجز تاريخ القدس القديم منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الروماني.
ثانيا: خُلاصةُ جداوِل تاريخِ القُدس
ت | العصر وزمنه (ق.م.) | اسم القدس الشائع وطبيعتها الآثارية | تاريخ وأحوال القدس وأهلها |
---|---|---|---|
١ | البرونزي المبكر ٢٠٠٠–٣٠٠٠ | مدينة بدائية ربما يكون الأموريون سكنوها وأسموها: منورتا وذكرَتْها نصوص إبلا: أورسليم | مدينةٌ صغيرة جدًّا على مرتفع أوفل، تظهر حول القدس عددٌ من المعابد مثل: معبد التل «عي» بالقرب من القدس، وتل المتسلم «مجدو» في سهل ابن عامر. |
٢ | البرونزي الوسيط ٢٠٠٠–١٥٥٠ | ذُكرَت «روشاليم» في نصوص اللعن المصرية، معنى اسمها «شاليم وضع الأساس». | الاسم لا يصف مدينةً محددة، بل مكانًا. |
٣ | البرونزي المتأخر ١٥٥٠–١٢٠٠ | لم تقُم «مدينة» حقيقية في القدس في أثناء فترة «رسائل العمارنة». ومن الناحية الأثرية، لم تكن القدس ببساطة مأهولة. رسالة عبدي حيبا: عاصمة أرض أورسالم التي تُدعى بيت شولماني. | ذُكِرَ في «رسائل تل العمارنة» على نحو «أوروسالم Urusalim» اسم فلسطين هو الأكثر شيوعًا في الاستخدام حتى العصر الراهن. |
٤ | الحديدي الأول ١٢٠٠–١٠٠٠ | برزَت أهمية القدس إلا عندما دُمِّرَت لخيش في بداية القرن (حوالي ١١٠٠ق.م.)، اسمها أوروساليم. | القدس مدينةٌ جبليةٌ صغيرة ولا تُوجد بعدُ دولة مدينة اسمها «يهوذا»، نشأَت دولةُ مدينة كنعانية اسمها «إسرائيل» عاصمتها السامرة. |
٥ | الحديدي الثاني ١١٠٠–٥٨٦ | أصبحَت أورشليم عاصمة دولة مدينة «يهوذا». وظهور ديانةٍ كنعانيةٍ يهوذية في أورشليم. | لا يزيد حجمها على «١٢ هكتارًا». ومن الممكن أنها كانت تتسع لسُكنى ألفَي نسمة. مدينة صغيرة: جزء من سور المدينة فوق التلة، والمبنى الحجَري المدرَّج، وبعض الأنقاض التي نشأَت من مبنًى عامٍّ ضخم. نهاية إسرائيل والسامرة على يد الآشوريين. |
٦ | الحديدي الثالث ٥٨٦–٣٣٣ | السبي البابلي الأول ٥٩٦ق.م. السبي البابلي الثاني (الكبير) ٥٨٦ق.م. أورشليم تثور على جدليا، تدوين أول أسفار التوراة، الفرس يحرِّرون نصف أهل السبي من بابل، والنصف الآخر يستمر في بابل في العمل وتدوين الأسفار والتلمود. | تحوَّلَت من مدينةٍ إدارية الى مركزٍ حضري، مساحتها حوالي ٥٠ هكتارًا، لكن حجمها وحدودها بدقة لا يزالانِ موضع جدال! ومن الممكن أنها كانت تتسع لسُكنى حتى عشرة آلاف نسمة. حفرياتُ أنقاض الدمار في المدينة كميات كبيرة من المواد، ومعظم الموجود من حفريات كنين كان منشؤها من هذه الطبقات. وعُثر على موادَّ من هذه الفترة من كل مربعات حفرياتها تقريبًا. سقوط القدس على يد نبوخذ نصر البابلي. |
ت | العصر وزمنه (ق.م.) | اسم القدس الشائع وطبيعتها الآثارية | تاريخ وأحوال القدس وأهلها |
---|---|---|---|
١ | المقدوني ٣٣٢–٣٢٣ق.م. | أورشليم. دخلَت تلقائيًّا ضمن الإمبراطورية المقدونية، وانتهت من الهيمنة الفارسية. | دخلَت قواته مدينة غزةَ في خريف عام ٣٣٢ق.م. وبعد أن زحف عَبْر الساحل الفينيقي تجاه مصر. صمدَت غزة من ٢–٤ شهور في وجه حصار الإسكندر، ودخلها بعد أن قتل عددًا من رجالها ودمَّرها وبِيعَ الكثيرُ من سكانها رقيقًا. وتُوفِّي الإسكندر ٣٢٣ق.م. ربما يكون قد دخل القدس. |
٢ | البطلمي ٣٢٠–٢٠٠ق.م. | السبي البطلمي لليهود وشمل بضعة آلاف من اليهود. الحرب السورية الأولى والثانية وعودة السبي والترجمة السبعينية. | بطليموس الأول: السبي البطلمي. بطليموس الثاني: الترجمة السبعينية. بطليموس الرابع: هلينة القدس والدين اليهودي. |
٣ | السلوقي ٢٠٠–٦٣ق.م. | في البداية كان التسامح مع اليهود، ثم ظهرَت نزاعات اليهود الداخلية، ثم ظهرَت القسوة السلوقية وهيلينية اليهود. | دولة يهوديا المكابية (١٦٤ق.م.–٧٠م) قامت حرب المكابيين ضد السلوقيين استمرت ٤٠ سنة من ١٧٥–١٣٥ق.م. انتهت هذه الحرب بقيام الأسرة الحشمونية التي قضى عليها بومبي سنة ٦٣ق.م. واحتل القدس. |
٤ | الروماني ٦٣ق.م.–٣٢٤م | في سنة ٥٧ق.م. تولَّى غابينوس ولاية سوريا، فقسم منطقة القدس إلى خمسة أقضية مستقلة (قضاء بيت المقدس ويتبعه جبال القدس والخليل وآدوم). | أنطونيو نصَّب هيرود ملكًا على فلسطين، وقد نجح هيرود في تحقيق طموحه بسبب التأييد الروماني له ولأسرته. وكان أنطونيو يرعى هيرود منذ انتصاره في معركة فيليبي ٤٢ق.م. بعد معركة أكتيوم ٣١ق.م. انهزم أنطونيوس فأصبح هيرودوس مواليًا طيلة حياته لخصمه أكتافيوس. تيتوس يُدمِّر أورشليم ويُخرج اليهود منها كليًّا. |
٥ | المسيحي المبكر ٣٠م | أورشليم القدس المكان الذي كان يسوع، السيد المسيح، يقيم فيه ويبشر فيه، وحيث تُوفِّي وبُعِث بعد الموت. | أصبحَت القدس نواة انتشار الديانة المسيحية في المشرق، ثم في اليونان وروما. |
٦ | البيزنطي ٣٢٤–٦٣٨م | إيليا كابتوليا، كابيتوليا تمسيح مدينة القدس، وجعلها مدينة الحج المسيحي، وبناء الكنائس الكبيرة فيها. | زارت والدة قسطنطين، هيلانة، القدس، وأمرَت ببناء كنيسة القيامة وكنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة البشارة في الناصرة فلسطين، تحت الحكم البيزنطي؛ فقد قسِّمَت إلى ثلاثة أقسامٍ إدارية. دخلَها المسلمون بعد انتصارهم على البيزنطيين عام ٦٣٨م. |
ثالثًا: مَوقعُ وجُغرافيةُ القُدسِ الطبيعيَّة
بعد الخوض في تاريخ القدس القديم نوَدُّ التعرُّف بشكلٍ سريعٍ على موقع المدينة وجغرافيتها.
وترتفعُ المدينةُ اليومَ على ثلاثة مرتفعات تحيطها ثلاثة وديان (انظر الخارطة ١٢).
- (١) مرتفع موريا (Moria Hill): وهو المرتفعُ الشماليُّ الذي يضمُّ الحرمَ القدسيَّ الشريف، ونرى أ، كلمة موريا ذات علاقةٍ أكيدة بالأموريين وباسم فلسطين القديم (موريا). ولا علاقة لهذا الاسم بأيِّ اشتقاقٍ لاتيني.
- (٢) مرتفع أوفل (Ophel Hill): ويُعرف أيضًا بجبل «الضهور» ويرتفع عن سطح البحر حوالي ٦٨٠ مترًا، وينخفضُ عن ساحة الحرم القدسي الشريف بنحو «٢٠٠»م، ويبلغ طوله الممتدُّ من الشمال إلى الجنوب نحو «٤٠٠»م، وعرضه من الشرق إلى الغرب نحو «١٣٥» م؛ أي إن مساحته تبلغ حوالي «٥٥» دونمًا، ويُطلُّ المرتفعُ على قرية سلوان إلى الجنوب الشرقي من الحرم، كما عُرف مرتفع أوفل ﺑ «حصن يبوس»، و«حصن صهيون»، و«الأكَمة»، و«جبل صهيون».١٠
وفي أسفل المرتفَع تقع عين جيحون أو عين «روجل» أو عين «القصار» أو عين «ستنا مريم» أو عين «أم الدرج»، وقد سُمِّيَت بالاسمِ الأخيرِ لخروج العين من نبعٍ منخفضٍ يخرج من الصخر الصلد في الجانب الشرقي من المرتفع، وينزل إليها بدرجاتٍ يوصلها إلى كهفٍ طبيعيٍّ عند منتصفِ وادي قدرون.
ونُطلِق على مرتفع موريا ومرتفع أوفل والمرتفعِ الذي أنشِئَت عليه مدينة يبوس ﺑ «المرتفع الشرقي».
- (٣) المرتفع الجنوبي الغربي Southwestern Hill: وهو المرتفع الذي يقع مقابلَ المرتفعِ الشرقيِّ وينحصر ما بين وادي تيروبيون شمالًا ووادي هنوم جنوبًا.خارطة (١٢): الخارطة الطوبوغرافية للقدس. المرجع: Mazar 1993: 699.
- (١) وادي قدرون (Kidron Vally): ويقع شرقَ المدينةِ ويُسمِّيه العربُ وادي سلوان ووادي ستي مريم ووادي النار ووادي جهنم، ودُعِيَ في القرن الرابع الميلادي بوادي «يهو شافط».
- (٢) وادي تيروبيون (Tyropoeon): ويقع غربَ المدينة باتجاه الشمال، ويلتقي واديَ قدرون على بُعد ٩٠٠م جنوب مرتفع أوفل، فيتخذانِ شكل حرف V، وتقع المدينة والمرتفع بينهما. وقد دعاه يوسيفوس بهذا الاسم ومعناه «صانعو الجبن»، وفسَّره بعضهم «وادي الروث»، وهو اليومَ ملئٌ بالأحجار والطوب الذي ألقي فيها على مرِّ العصور.
- (٣) وادي هنوم (Hinnom Vally): ويقع إلى الجنوب والجنوب الغربي من المدينة، ويسمَّى أيضًا «وادي الربابة»، وهو يلتقي واديَ قدرون على بُعد ٢٠٠م من نقطة التقائه بوادي تيروبيون.
ومن خلال هذا التكوين الطوبوغرافي للمدينة نلاحظ أنها كانت متميزةً في موقعها ومحميةً بخطوطٍ دفاعيةٍ طبيعيةٍ من ثلاثِ جهاتٍ شرقيةٍ وغربيةٍ وجنوبيةٍ تُمثِّلها الوديان، وتجعل اقتحامَها من هذه المناطق أمرًا صعبًا في العصور القديمة، لكنَّ جهتَها الشماليةَ مكشوفةٌ ولا توجدُ عوائقُ طبيعيةٌ فيها؛ ولذلك كان شمالُ المدينةِ نقطةَ الضعف التي كان يخترقُها الغزاةُ بسهولة.
- (١)
عين جيحون (أم الدرج): التي تبعُد ٣٠٠ متر عن الزاوية الشرقية لسور الحرم، وكانت المصدرَ الوحيدَ لمياه القدس منذ القِدَم، وعددُ درجاتها حوالي سبعَ عشرةَ درجةً تنتهي في العمق إلى مغارةٍ ضيقة عمقُها ثمانيةُ أمتار.
- (٢)
بركة سلوان: قبلي عين أم الدرج وعلى بُعد أمتارٍ قليلةٍ منها وتقع غربَ مرتفع أوفل (الضهور).
- (٣) البركة التحتانية: إلى الجنوب الشرقي من بركة سلوان، وعلى بُعد بضعة أمتار منها، وتُدعَى أيضًا البِركةَ الحمراء، وهي التي دعاها يوسيفوس في القرن الأول للميلاد بحيرة سليمان.١١
- (٤) بئر أيوب: يصل عمقها إلى حوالي ١٢٥ قدمًا، وظن بعضهم أنها عين روجل المذكورة في العهد القديم، وهي تبعُد عن البِركة الحمراء حوالي ألفِ قدمٍ ولا نبعَ فيها ولا عينَ بل يأتيها الماءُ رَشْحًا من أم الدرج وغيرها.١٢