الشعرات الشريفة
قال العلامة ابن العجمي في تنزيه المصطفى المختار: «ثبت في الصحيحين بروايات متعددة أن النبي ﷺ حلق رأسه الشريف في حجة الوداع وقسَّم شعره أو أمر أبا طلحة وزوجته أم سليم بقسمته بين الصحابة الرجال والنساء الشعرة والشعرتين. قال العلامة ابن حجر فيه: إنه يسن بل يتأكد التبرك بشعره ﷺ وسائر آثاره» انتهى. وذكر القسطلاني الروايات في ذلك عن الشيخين في كلامه على حجة الوداع من المواهب اللدنية وجاء في شرحها لسيدي محمد الزرقاني أن روايات الشيخين في ذلك من طرق مدارها على محمد بن سيرين عن أنس وأنه ﷺ قسم شعره بين أصحابه ليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم، وكأنه أشار بذلك إلى اقتراب الأجل، وخصَّ أبا طلحة بالقسمة التفاتًا إلى هذا المعنى؛ لأنه هو الذي حفر قبره ولَحَد له وبنى فيه اللبن. انتهى. وفي كتاب الشمائل من المواهب اللدنية المذكورة ما نصه: «وعن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. رواه مسلم». وفي الشرح أن ذلك كان في حجة الوداع، ثم قال في المواهب: «وعن محمد بن سيرين قال: قلت لعبيدة عندنا من شعر النبي ﷺ أصبناه من قِبَل أنس أو من قِبَل أهل أنس فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إليَّ من الدنيا وما فيها. رواه البخاري». وفي الشرح: أن وجه حصوله لمحمد أن سيرين والده كان مولى أنس، وأنس ربيب أبي طلحة وكان أول من أخذ من شعره كما في الصحيح. انتهى. قلنا: وسبب كونه ربيبه أن أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية كانت متزوجة بمالك بن النضر في الجاهلية فولدت منه أنسًا هذا وهو خادم رسول الله ﷺ، ثم تزوجها بعده في الإسلام أبو طلحة فما أصابه ابن سيرين من الشعر الشريف إنما وصل إلى أنس مما كان عند أمه أو زوجها أبي طلحة. وفي البداية والنهاية لابن كثير عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة فأخرجت لنا من شعر رسول الله ﷺ فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم. رواه البخاري. انتهى. وفي رواية أخرى أنها كانت خمس شعرات حمر. وفي حديث رواه الإمام البخاري أيضًا في باب صفة النبي ﷺ أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن رأى شعرًا من شعره فإذا هو أحمر، فسأل فقيل: أحمر من الطيب. وفي الخصائص الصغرى للإمام السيوطي المسماة بأنموذج اللبيب أنه ﷺ قسم شعره على أصحابه، وقال في خصائصه الكبرى: «أخرج سعيد بن منصور وابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فطلبها حتى وجدها وقال: اعتمر رسول الله ﷺ فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم أشهد قتالًا وهي معي إلا رزقت النصر». وفي فصل تحقيق الإسراء والمعراج من نسيم الرياض شرح شفا القاضي عياض للعلامة شهاب الدين الخفاجي أن معاوية (رضي الله عنه) كان عنده إزار رسول الله ﷺ ورداؤه وشيء من شعره وظفره فكفن بردائه وإزاره وحشى شعره وظفره بفيه ومنخره بوصية منه. انتهى.
قلنا: فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد ذلك فإنما وصل إليهم مما قسم بين الأصحاب (رضي الله عنهم)، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها، وسنورد ما اتصل بنا من أخبارها كما بلغنا وعلى ما رأيناه مسطورًا، تاركين للقراء الكرام الحكم فيها بما تطمئن إليه نفوسهم.
(١) الشعرات الواردة في الأخبار
(١-١) شعرة كانت عند المرشدي بمكة
ذكرها العلامة السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بالمرشدي المولود سنة ٧٦٣ بمكة والمتوفى بالمدينة سنة ٨٢٩ فقال عنه: «كان خيِّرًا دينًا ورعًا زاهدًا متجمعًا عن الناس، زار النبي ﷺ أكثر من خمسين سنة مشيًا على قدميه، وكذا زار بيت المقدس ثلاث مرار ولقي بها رجلًا صالحًا كانت عنده ستُّ شعرات مضافة للنبي ﷺ ففرقها عند موته على ستة أنفس بالسوية كان هذا أحدهم كما سبق في ترجمة ولده عمر». انتهى. والصواب أنه فرقها على ثلاثة أنفس لا ستة على ما ذكره في ترجمة ولده المذكور عمر بن محمد المرشدي المتوفى سنة ٨٦٢ فإنه قال فيها: «وكانت عنده شعرة مضافة للنبي ﷺ تلقاها عن أبيه المتلقى لها عن شيخ ببيت المقدس كانت عنده ست شعرات ففرقها عند موته بالسوية على ثلاثة أنفس هو أحدهم فضاعت شعرة منهما وقد تبركت بها عنده سنة ست وخمسين». انتهى. ومراده أنه تبرك بها في مكة لما حج، ثم ورث هذه الشعرة أبو حامد المرشدي عن أبيه عمر المذكور، وذكرها السخاوي في ترجمته بالضوء اللامع في باب الكنى؛ لأن كنيته اسمه وهو أبو حامد بن محمد المرشدي المولود تقريبًا سنة بضع وخمسين وثمان مائة قال السخاوي: «وهو خيِّر متعبد زائد الفاقة عنده شعرة منسوبة للنبي ﷺ ورثها من أبيه». قلنا: وقد زار العلامة القسطلاني هذه الشعرة وذكرها في كتاب الشمائل من المواهب اللدنية فقال: «وقد رأيت بمكة المشرفة في ذي القعدة سنة ٨٩٧ شعرة عند الشيخ أبي حامد المرشدي شاع وذاع أنها من شعره ﷺ زرتها صحبة المقام الغَرسي خليل العباسي وَالى الله إحسانه عليه».
(١-٢) شعرة أخرى كانت بمكة
ذكرها ابن العجمي في تنزيه المصطفى المختار نقلًا عن العلامة ابن حجر الهيثمي ونص عبارته: «بمكة شعرة من شعره المكرم مشهورة تزار، واتفق الخلف عن السلف أنها من شعره ﷺ». انتهى. ولا ندري أهي الشعرة التي كانت عند آل المرشدي أم غيرها؟ ثم استطرد إلى ذكر فتوى لابن حجر عن شعرة كانت عند أخوين آثرنا نقلها لتضمنها خبر إحدى الشعرات النبوية، ونص ما قال: «وأفاد في فتاويه أنه سئل عن شعرة من شعر النبي ﷺ على ما قيل كانت عند أخوين يزورها الناس وما يحصل من الفتوح يقسم بينهما، ثم ماتا فهل إذا طلب ورثتهما قسمتها تقسم كما فعل بعض جدودهم ذلك وقسمها أم لا؟ فأجاب بقوله: هذه الشعرة الشريفة لا تورث ولا تملك ولا تقبل القسمة، فالمذكورون مستوون في الاختصاص بها والخدمة لها لا تمييز لأحد منهم على أحد». انتهى.
(١-٣) شعرات كانت بتونس
- أحدها: قبر الصحابي الجليل سيدي أبي زمعة البلوي١ دفين القيروان، وكان أخذ من الشعرات الشريفة يوم منى في عام حجة الوداع لما حلق رسول الله ﷺ رأسه، ووضعها أبو زمعة في قلنسوته إلى أن استشهد في القيروان فدفنت معه. قلنا: وقد راجعنا ترجمته في معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان للعلامة عبد الرحمن بن محمد الدباغ فرأينا بها ما نصه: «ومات بالقيروان ودفن بالبقعة التي تعرف الآن بالبلوية سميت به من ذلك الوقت، وأمرهم أن يستروا قبره ودفن معه قلنسوته وفيها من شعر رسول الله ﷺ تسليمًا، وذكره الشيخ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن رشيق في كرامات أهل إفريقية. قلت: ونعرف من حفظي أنه كان فيها ثلاث شعرات وأنه أوصى أن تعمل شعرة على عينه اليمنى وشعرة على عينه اليسرى وشعرة على لسانه». انتهى.
- الثاني: قال الوزير السراج الأندلسي ثم التونسي: تواتر الخبر بأن بدار الأشياخ بتونس شعرات من شعر رسول الله ﷺ، وهي الآن بالزاوية البرانية بخارج باب قرطاجنة المعروفة بزاوية ولي الله المرجاني، قال ابن الدباغ: أراني إياها حفيده أبو فارس عبد العزيز فتبركت بها، وبها براءة قديمة مكتوب فيها صحة كونها من شعره ﷺ، وبها أثر صفرة، قال: وكان شيخنا أبو صالح البطريني يصحح لنا كون ذلك حقًّا.
- الثالث: قال الوزير: ومن الأماكن أيضًا ما حدثني والدي حفظه الله تعالى أن الشيخ أبا شعرة المدفون بالزلاج وقبته معروفة، وحولها فضاء مسور به شجر زيتون، وإنما سمي أبا شعرة لقضية وهي أنه كان حرفته البناء، فقادته أزمة السعادة أنه اصطنع لبعض الأكابر بناءات ضخمة تجمَّع له في أجرها مال ذو بال، وكان في بعض خزائن صاحب البناءات شعرة من شعرات نبينا ﷺ، فقال له أبو شعرة: أعطني الشعرة الكريمة وأبرأك الله من جميع ما ترتب لي بذمتك فأعطاه إياها فأوصى بدفنها معه، فدفنت معه. تواتر النقل بذلك عند أهل تونس. انتهى.
(١-٤) شعر كان عند الخلاطي بمصر
ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمته بالدرر الكامنة فقال: إنه علي بن محمد بن الحسن الخلاطي الحنفي القادوسي المتوفى سنة ٧٠٨، وكان يقال له: الركابي لزعمه أن عنده ركاب رسول الله ﷺ. قال: وكان يزعم أيضًا أن عنده من شعره. انتهى باختصار، وستأتي ترجمته بنصها في فصل الركاب النبوي.
(١-٥) شعرة كانت بمدرسة ابن الزمن بمصر
(١-٦) شعرات كانت بجامع برسباي بالخانقاه
انتهى. ولما وصل العلامة عبد الغني النابلسي إلى مصر في رحلته إليها في أوائل القرن الثاني عشر مر على بلدة الخانقاه ونزل بها وذكرها في «الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز» وذكر مدرسة الأشرف برسباي بقوله: «وفي البلدة المذكورة جامع السلطان الملك الأشرف وهو جامع عظيم، له قدر بين الجوامع جسيم، وذلك أن في محرابه شعرات مدفونة من شعرات الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد أنشدنا فيه بعض الناس من الجزل، لبعض أصحاب الرقة والغزل، قوله:
(١-٧) شعرات كانت عند منجك اليوسفي
ذكرها النعيمي في تنبيه الطالب وإرشاد الدارس إلى ما بدمشق من الجوامع والمدارس في كلامه على المدرسة المنجكية التي أنشأها للحنفية الأمير سيف الدين منجك اليوسفي الناصري المتوفى بالقاهرة سنة ٧٧٦، وكان مملوكًا للناصر محمد بن قلاوون وتنقلت به الأحوال فولي عدة ولايات كنيابة طرابلس وحلب ودمشق وصفد، ثم طلب إلى القاهرة وولي نيابة المملكة إلى أن توفي بها. قال النعيمي في ذكر مناقبه: «ومن سعادته أنه ظفر بشعر من شعر النبي ﷺ فكان لا يزال معه وكان حسن الملتقى سيما لأهل العلم» ومثله في مختصر هذا الكتاب للشيخ عبد الباسط العاموي.
(٢) الشعرات الباقية إلى اليوم
(٢-١) شعرات المسجد الحسيني بالقاهرة
(٢-٢) شعرة رباط النقشبندية بالقاهرة
المعروف بتكية النقشبندية بشارع درب الجماميز عن يسار السالك به من ميدان باب الخلق وهي من إنشاء والي مصر عباس باشا الكبير، وسبب إنشائها أنه كان عظيم الاعتقاد في الشيخ محمد عاشق النقشبندي فطلب منه أن يبني له ولصوفيته مكانًا للسكن والعبادة فبنى لهم هذه التكية سنة ١٢٦٨، وجعل بها مصلى وحجرًا للصوفية ودارًا لشيخهم وأنشأ بها حديقة ووقف عليها أوقافًا كثيرة، ثم لما توفي الشيخ محمد عاشق المذكور سنة ١٣٠٠ دفن بها في مقصورة ولم يعقب ذكورًا فتولى عليها سبطه السيد عثمان خالد وما زال بها إلى الآن، وكانت والدة عباس باشا المذكور لما حجت أحضرت معها من الحجاز شعرة أهديت إليها على أنها من الشعر الشريف، فلما حضرتها الوفاة سلمتها للشيخ محمد عاشق وطلبت منه حفظها بالتكية ليتبرك الناس بها، وهي ملصقة بقطعة من الشمع ومحفوظة في ثلاثة صناديق صغيرة الواحد داخل الآخر، وكان الشيخ يحتفل بإخراجها في ليلة المولد النبوي وليلة الإسراء ويدعو لذلك العلماء وكبار رجال الدولة والأعيان ويولم لهم، ثم يخرجها من الصناديق ويمسح بها على جفونهم ويناله منهم الشيء الكثير، ثم بطل هذا الاحتفال بعد موته وجعلها سبطه بصناديقها في صندوق أكبر منها علقه على المقصورة التي بها قبر جده، وهي باقية إلى اليوم كذلك.
(٢-٣) شعرات القسطنطينية
(٢-٤) شعرات أخرى بالقسطنطينية
كان المعروف أن ببعض مساجدها شعرات مفرقة بينها غير التي بالأمانات المباركة، وقد نقلت ثلاث منها إلى ثلاث مدن بفلسطين كما سيأتي، وأخبرنا أستاذنا العلامة الأكبر الشيخ عبد الرحمن قراعة الذي كان مفتيًا بالمملكة المصرية عن المولى نوري أفندي آخر قضاة الدولة العثمانية بمصر أنه كان عنده شعرات نبوية، قال: وأظنه أخبرني أنها ثلاث كانت متوارثة في أسرة والدته وكانت خالته آخر من كان يحفظها منهم، ثم رأته أجدر بها منها فسلمتها إليه ليقوم بحفظها في حياته وتبقى في أسرته من بعد، ولا يعلم الآن عن هذه الشعرات ولا عن حافظها شيء وكان آخر العهد به حين فصلته الدولة المصرية عقب وقوع الحرب العظمى وسفرته مع أسرته إلى القسطنطينية، وبلغنا أنه جعل هناك شيخًا للإسلام ثم لم نسمع عنه شيئًا، ولاسيما بعد الانقلاب الكمالي الذي انتهكت فيه حرمة الدين وعلمائه.
(٢-٥) شعرة المشهد الحسيني بدمشق
(٢-٦) شعرة مقام التوحيد بدمشق
وهو المقام المنسوب للسيد سعد الدين الجباوي (رضي الله عنه) سأل عنها السيد سعيد الحمزاوي الشيخ بدر الدين السعدي شيخ هذا المقام فأخبره أن والده الشيخ إبراهيم سعد الدين تشرف بهذه الشعرة بالنقل عن والده الشيخ محمد سعد الدين، وهو تلقاها وتشرف بها عن والده الشيخ محمد الأمين الشهير ببني سعد الدين، وهكذا بالتسلسل عن جددهم، وأوقات زيارتها يوم المولد النبوي وليلة المعراج وليلة ٢٧ رمضان وهو ما كان عليه عمل الأجداد والأسلاف، وفي هذه الشعرة يقول الأستاذ الأكبر العلامة السيد محمود الحمزاوي مفتي الشام المتوفى سنة ١٣٠٥:
وقد نقشا على العتبة العليا من مقام هذه الشعرة سنة ١٢٩٢، وكان رحمه الله يتولى إخراجها في المواسم فيزورها الحاضرون وهي بيده ثم يعيدها إلى لفائفها ويرفعها إلى مكانها.
(٢-٧) شعرة بيت المقدس
لها خازن خاص غير الخطيب والإمام، والراجح أنها جلبت إليها قديمًا، وخازنها اليوم من أسرة الشهابي، وميعاد زيارتها في ٢٧ رمضان.
(٢-٨) شعرتان بعكا وحيفا
من البلاد الفلسطينية، وكانتا بالقسطنطينية من شعرات الأمانات المباركة، فأهداهما السلطان محمد رشاد لهذين البلدين، فحفظت إحداهما بمسجد أحمد باشا الجزار بعكا، والثانية بالجامع الكبير بحيفا، وميعاد زيارتهما في ٢٧ رمضان.
(٢-٩) ثلاث شعرات بصفد وطبرية والناصرة
من البلاد الفلسطينية، وكانت مفرقة ببعض مساجد القسطنطينية، ونقلت إلى هذه البلاد بأمر السلطان محمد رشاد، فحفظت واحدة بمسجد غار يعقوب بصفد، والثانية بالمسجد العمري بطبرية، والثالثة بالمسجد المنسوب لعلي باشا بالناصرة، وعلي باشا هذا هو والد عبد الله باشا والي صيدا الذي أسره إبراهيم باشا ابن العزيز محمد علي في إغارته على البلاد الشامية، ثم سرقت شعرة الناصرة من المسجد إبان الحرب العظمى التي بدأت في أواخر سنة ١٣٣٢هـ، والسبب في نقل هذه الشعرات الثلاث من المساجد أن السلطان رشادًا لما أهدى الشعرتين لعكا وحيفا طلب أهالي هذه البلاد الثلاثة إهداءهم أيضًا من هذه الشعرات للتشرف والتبرك بها، فأمر بأدائها لهم من التي بالمساجد؛ لأنه خشي من موالاة الإهداء من شعرات الأمانات أن تقل ثم لا يبقى منها شيء، وجميع الشعرات المهداة من هذا السلطان جعلت في أنابيب من الزجاج ترى منها بالعين في غاية الوضوح، وكل أنبوب ملفوف بأربعين قطعة من الحرير مختلفة الألوان وموضوع في صندوق صغير يحفظ طول السنة في خزانة من الحديد، وميعاد زيارتها كل عام في ٢٧ رمضان بعد صلاة العصر.
(٢-١٠) شعرتان بطرابلس الغرب
أفادنا عنهما حضرة الفاضل الشيخ الطاهر أحمد الطرابلسي الزاوي نسبة إلى الزاوية الغربية، وهي حوزة بطرابلس الغرب تجمع عدة قرى؛ إحداهما: بمدينة طرابلس بجامع طور غود باشا في مقصورة غاية في الحسن بالجهة الشرقية من الجامع عن يسار الداخل، وهي في قارورة من زجاج مستديرة ملفوفة بقطع من الحرير ومحفوظة في صندوق من الآبنوس، ويحتفل بزيارتها في ليلة النصف من شعبان وليلة المعراج، فيتهافت الناس على تقبيلها للتبرك، والمتولي الإشراف عليها نقيب الأشراف، وهو الذي يحملها بيده ويناولها للزائرين، وله مرتب من الأوقاف على ذلك، ويقال: إنها كانت بالقسطنطينية، فنقلها أحمد راسم باشا إلى طرابلس. والثانية: ببني غازي في جامع راشد باشا المشهور بجامع عثمان، وقد نقلت إليه من الجامع الكبير، وجعلت في مقصورة بأعلى الجامع من الداخل في الجانب الشرقي، وهي أيضًا في زجاجة ملفوفة بلفائف من الحرير، ومحفوظة في صندوق من الآبنوس، ويحتفل بزيارتها في المواسم المتقدم ذكرها، ويتولى الإشراف عليها المفتي.
(٢-١١) شعرة في بهو بال بالمهند
هذا ما تيسر لنا الوقوف عليه من خبر الشعرات المنسوبة إلى سيد الوجود ﷺ، والله سبحانه أعلم بالصحيحة منها وغير الصحيحة.