فضيحة في بوهيميا
في نظر شيرلوك هولمز، هي دائمًا «المرأة»، المرأة التي فاقته حيلةً ودهاءً. لم يكن على صديقي سوى أن يقول «المرأة»، فأفهم عمن يتحدث. كان اسمها إيرين أدلر.
دعوني أقدم لكم نفسي: اسمي دكتور واطسون. تشاركنا أنا وهولمز السكن في بناية رقم ٢٢١ب شارع بيكر، إلى أن تزوجت. وعشنا هناك صديقين أعوامًا، كنت أساعده حينها في تحقيقاته. وقد حولت فيما بعد الكثير من هذه المغامرات إلى قصص لقرائي.
في إحدى الليالي، كنت أتجول في لندن، ووجدت نفسي في شارع بيكر. كان ذلك يوم ٢٠ مارس/آذار ١٨٨٨. نظرت إلى أعلى، فرأيت هولمز في نافذة الدور الثاني. تمكنت من رؤية جسده الطويل النحيل، وهو يسير جيئةً وذهابًا. كان رأسه منخفضًا، لكنني تمكنت مع ذلك من رؤية أنفه، الذي يشبه منقار الصقر، وذقنه الحاد، وكان يضع يديه خلف ظهره. لقد كان صديقي القديم صعب المراس في العمل. لم أره منذ وقت طويل، لذلك قرعت الجرس ودخلت.
نظر إليَّ هولمز بعينيه الحادتين الثاقبتين، وألقى عليَّ التحية مبتسمًا. بدا مسترخيًا وجسده الطويل النحيل ممددًا على أريكته القديمة المفضلة. تملكني شعور بالراحة مجددًا عندما تنفست هواء ردهته كريه الرائحة، ذلك المكان الذي تدارسنا فيه تفاصيل العديد من القضايا معًا. بدأ شيرلوك الحديث قائلًا: «أرى يا واطسون أنك تستمتع بالزواج، أعتقد أن وزنك قد زاد سبعة أرطال ونصف منذ أن التقيت بك آخر مرة، وألاحظ كذلك أنك عدت إلى ممارسة مهنة الطب. يؤسفني أن الأمطار هطلت عليك مؤخرًا، وأن لديك خادمًا مهملًا في المنزل.»
قلت له مندهشًا: «عزيزي هولمز، لقد زاد وزني بالفعل سبعة أرطال منذ أن رأيتك آخر مرة. وهطلت عليّ أمطار غزيرة في الريف الخميس الماضي. وأنت محق كذلك في اعتقادك أنني وزوجتي لسنا راضيين عن الخدم في المنزل. لكن كيف علمت بكل ذلك؟»
ضحك هولمز وقال: «حقًّا؟ كنت متأكدًا أنها سبعة أرطال ونصف. الأمر بسيط يا واطسون: يوحي حذاؤك بأنه كان مغطى بالوحل مؤخرًا، ويمكنني رؤية علامات الكشط التي تدل على أن شخصًا مهملًا نظف الحذاء.
كما أنني أشم فيك رائحة معقم ضعيفة، وأرى مسحوقًا أسود على إصبعك لا يُستخدم سوى في علاج حالات العدوى، يوجد أيضًا نتوء في معطفك حيث تحمل عادةً سماعتك. تشير هذه الأدلة إلى أنك عدت لامتهان الطب من جديد.»
فقلت له: «يبدو الأمر بسيطًا دائمًا للغاية عندما تشرحه يا هولمز. لكنني لا أفهم أبدًا كيف تنتقل من النقطة أ إلى النقطة ب، بالرغم من أنني أرى كل ما تراه.»
قال هولمز، وهو يعطيني ورقة سميكة: «أنت ترى، لكنك لا تلاحظ. على سبيل المثال: ماذا ترى في هذه الرسالة الموجزة؟ اقرأها بصوت مرتفع يا صديقي.»
فبدأت القراءة: «سيأتي رجل طويل القامة يرتدي قناعًا لزيارتك الليلة، إنه يرغب في التحدث إليك. لقد ساعدت أشخاصًا من أصول ملّكية من قبل، لذا فأنا أعلم أن بإمكاني الوثوق بك. لقد سمعنا بذلك من العديد من المصادر الموثوق بها.»
سأل هولمز: «ما الذي توصلت إليه من الرسالة يا واطسون؟»
فأجبته: «إنها مكتوبة على ورق غالي الثمن؛ فأيًّا كان من أرسلها، فهو ليس فقيرًا.» ورفعت الورقة إلى أعلى في الضوء، وقلت: «وتوجد كذلك علامات على الورقة.»
قال هولمز: «تشير العلامات إلى الكثير؛ فهي توضح اسم الشركة التي صنعت هذه الورقة تحديدًا. وقد توصلت إلى أنها تقع في مملكة بوهيميا.»
وتابع حديثه قائلًا: «ليس هذا كل ما في الأمر. فالشخص الذي كتب هذه الرسالة ألماني. هل لاحظت الاستخدام الغريب للغة في الجملة الأخيرة بالرسالة. ما كان ليكتب جملة كهذه شخص فرنسي أو روسي. لا يمكن أن يكتبها سوى شخص يتحدث الألمانية. وإذا لم أكن مخطئًا، ها هو ذا قد أتى …»
يأتي من الخارج صوت حوافر خيول وعجلات عربة. وبعد لحظات قرع شخص الجرس، تلا ذلك صوت خافت لوقع أقدام على درجات السلم، ونقر عالٍ على الباب.
دخل رجل ضخم الردهة. كان مفتول العضلات وطوله يزيد عن ستة أقدام، يرتدي معطفًا فاخرًا وعباءة لونها أزرق داكن. كانت العباءة معقودة عند الرقبة بحجر كريم كبير الحجم. وكان حذاؤه طويل الرقبة ومزودًا بالفراء في أعلاه. أمسك بقبعة كبيرة في إحدى يديه، في حين ضبط باليد الأخرى قناعًا للعين كان يغطي الجزء العلوي من وجهه.
قال هولمز: «رجاءً، تفضل بالجلوس. هذا صديقي وزميلي، دكتور واطسون. أي شيء ستخبرني به، يمكنك أن تقوله لرفيقي الجدير بالثقة.»
قال الغريب: «سيد هولمز، أنا الكونت فون كرام، أحد نبلاء بوهيميا. وأريد التحدث معك بشأن أمر في غاية الأهمية، وأود أن يكون ذلك على انفراد.»
نهضت لأغادر، لكن هولمز أمسك بذراعي، وقال: «إذا لم تتحدث إلى كلينا، فلن أستطيع مساعدتك.»
أجاب الزائر: «حسنًا، لكن يجب أن أبدأ بطلبي من كل منكما الحفاظ على هذه الأمور سرًّا مدة عامين، وبعد ذلك لن يهم الأمر. لكن الآن يعتمد مصير أوروبا على التزامكما الصمت.»
تعهدت أنا وهولمز بالحفاظ على الأمر سرًّا. وأكمل زائرنا حديثه: «أرجو معذرتي على ارتداء القناع؛ والشخص الذي أرسلني يجب أن يبقى اسمه مجهولًا، حتى إنني لم أخبركما باسمي الحقيقي.»
قال هولمز: «أعلم ذلك.»
وواصل ذو القناع حديثه: «يمكن أن تتسبب هذه الأحداث في فضيحة مروعة للعائلة المالكة في بوهيميا.»
أضاف هولمز: «وأعلم ذلك أيضًا. أكمل جلالتك، رجاءً.»
انزعج ضيفنا فجأة، وأخذ يسير في الغرفة بعصبية، ثم أمسك بالقناع، ونزعه من على وجهه، وألقاه على الأرض. وصاح قائلًا: «أنت محق يا سيد هولمز! لا يمكنني إخفاء شيء عنك. لم يرسلني أحد أعضاء الأسرة المالكة. أنا الملك ذاته! أنا فيلهلم جوتسريش سيجسموند فون أورمستين، الدوق الأعظم لكاسيل-فيلستين، ملك بوهيميا. تبلغ مشكلتي من الخطورة ما يمنعني من المجازفة بإرسال أحد بدلًا مني، فلا أثق بأحد سواي في رواية قصتي لك!»
قال هولمز: «حسنًا، أخبرني بها رجاءً.»
– «بدأ الأمر كله منذ خمسة أعوام. كنت أزور حينها وارسو ببولندا، والتقيت هناك بامرأة اسمها إيرين أدلر، ربما تكون قد سمعت عنها.»
قال هولمز لي: «رجاءً يا دكتور، ماذا يوجد في «الدليل» عن الآنسة أدلر؟»
احتفظ هولمز بكتاب كبير مليء بكل أشكال قصاصات الصحف والمعلومات التي تمكن من التوصل إليها. وكان يطلق على هذا الكتاب «الدليل». أخذت «الدليل» من على الرف، وعثرت على اسم «إيرين أدلر»، وأعطيته لهولمز.
قال هولمز: «لنرى، لقد ولدت في ليفربول في عام ١٨٥٨. عملت مغنية بالأوبرا، وغنت مع أوبرا وارسو الملكي، واعتزلت الغناء، وتعيش في لندن.» ثم نظر إلى أعلى نحو الملك، وقال: «ووقعت في حب هذه المرأة في وارسو.»
قال ضيفنا الملكي: «هذا صحيح يا سيد هولمز، لكنني سأتزوج الآن من أخرى، من أميرة نرويجية. وإذا اكتشفت عائلتها موضوع الآنسة أدلر، فسيدمر ذلك كل شيء! وهذه هي المشكلة، فالآنسة أدلر لا تريدني أن أتزوج، وتهدد بإرسال الخطابات الغرامية التي كنا نتبادلها إلى خطيبتي.»
اقترح هولمز: «يمكنك أن تقول إن الخطابات مزورة.»
فقال الملك: «لديها صورة محاطة بإطار لنا معًا.»
قال هولمز: «يا إلهي، هذه مشكلة. عليك أن تستردها، حتى إن اضطررت إلى سرقتها أو شرائها.»
رد الملك: «لقد حاولت استعادتها يا سيد هولمز. اقتحم رجالي منزلها، لكنهم لم يعثروا عليها. ولن تقبل الحصول على أي مبلغ من المال في مقابلها، وتقول إنها سترسل الصورة والخطابات يوم أعلن خطبتي؛ سيكون ذلك بعد ثلاثة أيام.»
قال هولمز: «إذن، يجب أن نبدأ العمل. سأحتاج إلى اسم الفندق الذي تقيم فيه، وعنوان الآنسة أدلر.»
قال الملك: «أقيم في فندق لانجهام تحت اسم الكونت فون كرام، وتقيم الآنسة أدلر في نزل بريوني بطريق سيربنتين.»
قال هولمز: «حسنًا، سأتصل بك في الفندق عندما تصلني أخبار. وأنت يا واطسون، أرجو أن تأتي لزيارتي غدًا الساعة الثالثة مساءً. سأقدر مساعدتك في هذا الشأن.»
وفي الثالثة بعد ظهر اليوم التالي، كنت في شارع بيكر، لكن هولمز لم يكن هناك. ظللت منتظرًا حوالي ساعة حتى فُتح باب المبنى. دخل رجل يرتدي ملابس بالية متسخة، وأشعث اللحية، ويعرج في سيره.
كان شيرلوك هولمز. كنت أعلم أن صديقي بارع في التنكر، مع ذلك كان يصعب علي التعرف عليه. توجه هولمز إلى غرفة النوم، وعاد بهيئته المعتادة. جلس بجوار النار وضحك.
قال هولمز: «يا له من صباح مثير يا واطسون! يمكنك أن تخمن من تنكري أنني قد زرت منزل الآنسة أدلر لأراقبها. لم يكن هناك أي شيء غير عادي بشأن نُزل بريوني، لكنني لاحظت وجود غرفة جلوس كبيرة ذات نوافذ كبيرة للغاية بالدور الرئيسي.
وتحدثت أيضًا مع العديد من الأفراد في الشارع، وعلمت أن الآنسة أدلر تخرج كل يوم في الخامسة وتعود في السابعة. وهناك أيضًا سيد وسيم يزورها في كثير من الأحيان. يدعى هذا السيد جودفري نورتون، ويبدو أنه محامٍ. هل هذا يعني أنه يعمل لحساب الآنسة أدلر؟ هل هما أصدقاء؟ ما العلاقة بينهما؟ إذا كان يعمل لحسابها، فربما تكون الصورة معه.»
أكمل هولمز حديثه: «لم يمر وقت طويل حتى وصلت سيارة أجرة تجرها الخيول إلى نُزل بريوني، كان السيد نورتون. اندفع مسرعًا من السيارة إلى المنزل، وبعد ذلك رأيته يسير جيئةً وذهابًا في غرفة الجلوس. لم أر الآنسة أدلر، لكنني أظن أنها كانت معه.
بعد نصف ساعة، ظهر وهو يخرج مهرولًا من المنزل. وقبل أن يعود داخل العربة الأجرة، سمعته يطلب من السائق أن يسرع إلى كنيسة سانت مونيكا، ثم ذهب إلى هناك.
وبينما كنت أتساءل عما سأفعله بعد ذلك، وصلت عربة أخرى تجرها الخيول. كان دور الآنسة أدلر في الإسراع من المنزل. لم يسعني سوى إلقاء نظرة خاطفة عليها يا واطسون، لكنها سيدة جميلة. يمكنني أن أفهم سبب اتباع الملك لقلبه، وليس لعقله.
صعدت الآنسة أدلر إلى العربة، وطلبت من السائق أن يسرع إلى الكنيسة نفسها. ناديت على عربة أجرة، واتبعتها. وعند وصولي إلى سانت مونيكا، كانا هناك بالفعل. دخلت بهدوء، ورأيت الاثنين في مقدمة الكنيسة، كانا يقفان مع القس. حاولت الاقتراب متظاهرًا أنني مجرد متجول دخل لتوه إلى المكان من الشارع.
فاجأني السيد نورتون بركضه نحوي، وسحبه إياي إلى المذبح. قال إنهم بحاجة إلى شاهد ليكون الزفاف قانونيًّا. وقبل أن أدرك ما يحدث، كنت قد ساعدت الاثنين في أن يتزوجا!
وجها إلي الشكر، وأعطياني بعض العملات المعدنية. سمعت الآنسة أدلر وهي تخبر زوجها أنها ستعود إلى المنزل في السابعة كالمعتاد، ثم غادرا الكنيسة في عربتين مختلفتين.»
فقلت له: «يا له من صباح مثير بالفعل يا هولمز! لكن ماذا سنفعل الآن؟»
أجاب هولمز: «الآن يا واطسون أحتاج إلى مساعدتك. يجب أن نكون في نُزل بريوني في السابعة هذا المساء عندما تعود الآنسة أدلر — أو بالأحرى السيدة أدلر — إلى المنزل. لقد قمت بالترتيبات بالفعل ليساعدنا آخرون هناك. سأدخل إلى المنزل، ثم سيفتح أحدهم النافذة الموجودة في غرفة الجلوس. وعندما أشير إليك من الداخل، عليك أن تلقي بهذه عبر النافذة.»
أعطاني هولمز أنبوبًا صغيرًا، وأوضح لي أنه قنبلة دخان.
وأكمل حديثه: «وبعد ذلك، ستصرخ قائلًا «حريق» بأعلى صوتك. وسينضم إليك آخرون في الإنذار بالأمر. وأخيرًا، ستنتظرني في آخر الشارع.»
قلت له: «يمكنك الاعتماد علي يا هولمز.»
تناولت أنا ورفيقي الغداء في هدوء، ثم اختفى هولمز في غرفة نومه. وعندما عاد كان متنكرًا ثانيةً. هذه المرة كان يرتدي ملابس قس: قبعة سوداء وسروالًا فضفاضًا. لكن أبرز ما تغير فيه هو أسلوبه وتعبيره. طالما اعتقدت أن هولمز باستطاعته أن يكون ممثلًا عظيمًا، وهذا دليل على ذلك.
تركنا شارع بيكر، وكنا في نزل بريوني قبل السابعة. فاجأني وجود الكثير من الأشخاص في الشارع. كانت هناك مجموعة من الرجال رثي الثياب يقفون في الزاوية. وكان هناك سيدان يتحدثان مع امرأة شابة، في حين كان هناك العديد من الناس الذين يسيرون في الطريق.
قال هولمز: «الآن، وبعد أن تزوج الاثنان أصبحت الصورة أكثر أهمية. لا يريد الملك أن تراها خطيبته، لكنني على يقين أن إيرين أدلر لن ترغب في أن يراها السيد نورتون أيضًا.
لكن يظل السؤال: أين الصورة؟ فهي ليست صغيرة بما يكفي لتحملها معها. ربما تكون قد أعطتها للمصرفي أو المحامي اللذين تتعامل معهما. لكنني لا أظن أنها فعلت ذلك؛ فقيمة الصورة أكبر من أن تأتمن أحدًا آخر عليها. كما أنها ستود أن تكون تحت يدها في أية لحظة تحتاجها فيها، لذلك لا بد أنها في المنزل.»
قلت له: «لكن رجال الملك فتشوا المنزل بالفعل.»
فرد هولمز: «لم يعرفوا أين يجب البحث.»
سألته: «كيف سيكون بحثك إذن مختلفًا؟»
– «إنني لن أبحث عنها، بل سأجعل المرأة تدلني على مكانها.»
سألته: «لكن ما الذي يمكن أن يجعلها تفعل ذلك يا هولمز؟»
توقفت عربة إيرين أدلر فجأة أمام المنزل. وأثناء خروجها من العربة، اندفع رجلان لفتح باب العربة لها. وأخذا يتدافعان ويتجادلان؛ وانضم آخرون إليهما، وسرعان ما أصبحت المرأة وسط مشاجرة. اندفع هولمز متنكرًا لمساعدتها، لكن عندما وصل إليها، صرخ وسقط على الأرض بلا حراك، والدم يسيل من وجهه. وفر من كانوا يتشاجرون في الشارع.
شقت إيرين أدلر طريقها وسط الحشد باتجاه المنزل، وعندما أوشكت على الاختفاء بداخله، استدارت وسألت: «هل السيد المسكين بخير؟»
أجاب واحد من الحشد: «لا أعتقد، يا له من أمر مخزٍ! لقد أنقذك من سرقة العصابة لمحفظتك وساعتك. هل يمكنك اصطحابه معك إلى الداخل حتى يستريح؟»
أجابت السيدة: «بالطبع، أحضروه إلى غرفة الجلوس، وضعوه على الأريكة.»
وقفت بالخارج، وشاهدت هولمز وهو محمول إلى غرفة الجلوس. وبعد دقيقة واحدة، رأيته يجلس ويتحرك نحو النافذة. فتحت إحدى الخادمات النافذة، وتركت الغرفة. وبعد لحظات، أشار إليَّ هولمز، فألقيت سريعًا بقنبلة الدخان داخل المنزل وصحت قائلًا: «حريق!» وفي خلال لحظات، كان الناس من حولي يصيحون بالكلمة نفسها. وتدافعت سحب الدخان من الغرفة، ثم سمعت صوت هولمز وهو يصرخ بصوت يعلو فوق الضوضاء: «إنذار خاطئ!»
وبعد اجتياز الأمر، لحق بي صديقي بعد فترة قصيرة. سألته: «هل الصورة معك؟»
أجاب هولمز، ونحن نسير في طريقنا بتمهل نحو المنزل: «لا، لكنني أعرف مكانها. لقد أرشدتْني، كما توقعت، إلى المكان الذي تخفيها فيه بالضبط.
دعني أوضح لك الأمر يا واطسون. أنت تعلم الآن أن الناس في الشارع كانوا يساعدوننا. لقد طلبت منهم افتعال شجار عند عودة السيدة إلى المنزل. وتظاهرت بالسقوط، وافتعلت إصابة باستخدام بعض الطلاء الأحمر.
كنت أشك في وجود الصورة بغرفة الجلوس. وعلمت أيضًا ما سيحدث عند سماعها كلمة: «حريق». فستحاول إنقاذ أكثر ممتلكاتها قيمة، ألا وهي الصورة.
لذلك، عندما امتلأت الغرفة بالدخان، أسرعت إلى خزانة سرية في جدار من الجدران، وفتحتها وسحبت الصورة. وعندما صحت بأن الإنذار خاطئ، أعادت الصورة إلى مكانها. وفي الوقت نفسه لاحظت أنها لمحت قنبلة الدخان، ثم اختفت. كان بإمكاني أخذ الصورة في تلك اللحظة، لكن دخل أحد الخدم إلى الغرفة، وتحتَّم علي الفرار.»
قلت له ونحن ندخل شارع بيكر: «رائع يا هولمز. لكن ماذا سنفعل الآن؟»
فأجاب: «سأبعث برسالة إلى الملك، وأخبره بما توصلنا إليه. وسأطلب منه الانضمام إلينا صباح غد، ثم نذهب لزيارة نُزل بريوني ثانيةً. سيرشدنا أحدهم إلى غرفة الجلوس، وهناك سنستعيد الصورة.»
وصلنا إلى باب البناية رقم ٢٢١ب، وكنا على وشك الدخول عندما صاح أحدهم من الشارع المزدحم قائلًا: «طابت ليلتك يا سيد هولمز.»
استدرت أنا وهولمز، لكننا لم نتمكن من رؤية المتحدث. قال هولمز، وهو ينظر إلى الشارع: «لقد سمعت هذا الصوت من قبل، تُرى من ذلك الشخص؟»
وصل الملك في الصباح التالي. وفي طريقنا إلى نُزل بريوني في عربته، أخبرناه بما حدث.
أوضح هولمز: «لقد تزوجت إيرين أدلر.»
فصاح الملك: «تزوجت! متى؟ وممن؟»
أجاب هولمز: «من محامٍ إنجليزي يُدعى نورتون.»
رد رفيقنا الملكي قائلًا: «من المؤكد أنها لا تحبه.»
قال هولمز: «أتمنى لو أنها تحبه بالفعل؛ فإذا كانت تحبه، فهذا يعني أنها لا تحبك. وإذا كانت لا تحبك، فلن تزعجك على الأرجح ثانيةً.»
وصلنا بعد وقت قصير إلى نُزل بريوني. وعندما كنا نقترب من المنزل، فتحت سيدة عجوز الباب الأمامي وألقت علينا التحية، وقالت: «السيد شيرلوك هولمز، أليس كذلك؟»
بدا رفيقي حائرًا وهو يقول: «بلى، أنا هولمز.» كانت الحيرة تعبيرًا لم أعتد رؤيته على وجهه.
قالت السيدة: «أبلغتني السيدة نورتون بحضورك. لقد غادرت إلى أوروبا هذا الصباح مع زوجها، ولن تعود مطلقًا إلى إنجلترا.»
قال الملك متفجعًا: «والصورة؟ والخطابات؟ ضاع كل شيء!»
عزيزي السيد هولمز:
أهنئك على إتقانك لمهمتك، كدت أن تخدعني تمامًا. حذرني أحدهم أن الملك سيطلب مساعدتك، لكن حتى مع هذا التحذير، تمكنت من خداعي لأرشدك إلى مكان الصورة. ولم أشك في أن الأمور تختلف عما تبدو عليه إلا بعد الإنذار.
أردت أن أتيقن أنه أنت، فاتبعتك أنت ورفيقك إلى المنزل. ولكوني فنانة مسرحية، فإنني أمتلك الملابس وأدوات التنكر الخاصة بي. ارتديت ملابس صبي صغير السن، وعندما وصلت إلى شارع بيكر، تأكدت أنني أتعامل مع المخبر العظيم: شيرلوك هولمز. وكان تصرفًا طائشًا، لكنني لم أتمكن من مقاومة رغبتي في أن ألقي عليك تحية المساء.
قررت أنا وزوجي الرحيل على الفور. وفيما يتعلق بالصورة، فأخبر جلالته أنه لا داعي للخوف من أي شيء. لقد أساء معاملتي، لكنني أنا وزوجي يحب كل منا الآخر. ولن أستخدم الصورة ضده، لكنني سأحتفظ بها لأحمي نفسي من أي شيء يمكن أن يفعله الملك. وربما يرغب في شيء يذكره بي، لذلك أترك له هذه الصورة.
صاح الملك: «آه، كم أتمنى لو كان بإمكاني الزواج منها. كم ستكون ملكة عظيمة! سيد هولمز، أنا مدين لك، فلم يعد هناك ما أخافه بشأن الصورة. والآن، أخبرني كيف يمكنني مكافأتك.»
قال هولمز: «هناك شيء واحد تمتلكه جلالتك وأرغب في الحصول عليه.»
فرد الملك: «اطلب ما تشاء!»
أجاب هولمز: «هذه الصورة.»
أخذ شيرلوك صورة إيرين أدلر وانحنى للملك، ثم غادرنا نُزل بريوني. وطوال طريق عودتنا إلى المنزل، كان هولمز هادئًا على غير العادة. لقد نجا الملك من فضيحة، لكن صديقي «خدعته» امرأة متفردة اسمها إيرين أدلر.