رابطة ذوي الشعر الأحمر
عزمت في أحد أيام الخريف الباردة على زيارة صديقي شيرلوك هولمز. كان السير ممتعًا، ووصلت سريعًا إلى شارع بيكر. لكن هولمز كان لديه زائر بالفعل، رجل ضخم البنيان كبير السن، وشعره أحمر كالنار.
قال هولمز: «وصلت في الوقت المناسب يا واطسون. أعتقد أنك ستجد قصة هذا السيد مشوقة للغاية. ويمكن أن تثبت هذه القصة ما كنت أخبرك به دائمًا؛ وهو أن الحقيقة أغرب من الخيال، وأن أبسط الجرائم تكون أكثرها تشويقًا في بعض الأحيان.
هذا السيد جابيز ويلسون. وكان يخبرني ببعض الأحداث شديدة الغرابة. رجاءً سيد ويلسون، لتبدأ من جديد.»
قبل أن يبدأ الرجل ذو الشعر الأحمر في رواية قصته، سحب جريدة من جيب معطفه. وأثناء تصفحه لها، دققت النظر فيه. حاولت أن أخمن بعض الأمور عنه بالأسلوب الذي كان صديقي المخبر يتبعه دائمًا.
كان بإمكان هولمز ملاحظة ما كنت أفعله، فنظر إليَّ وقال: «أنا أيضًا لم ألاحظ أي شيء يا واطسون، فيما عدا بالطبع أن السيد ويلسون عامل، وعضو في منظمة تُعرف بالماسونية، وأنه زار الصين، وكان يكتب كثيرًا مؤخرًا.»
رفع السيد ويلسون نظره عن الجريدة بعينين متسعتين، وقال: «كيف لك أن تعرف ذلك يا سيد هولمز؟ صحيح أنني عامل، وعملت نجارًا للسفن، وما قلته غير ذلك صحيح أيضًا.»
أوضح هولمز قائلًا: «عضلات يدك اليمنى أكبر من اليسرى، مما يشير إلى أنك استخدمت يديك في عملك. كما أنك تضع دبوسًا يحمل رمز الماسونية. وألاحظ أيضًا أن طرف الكُم الأيمن لامع للغاية ومهترئ، وهي علامة على أنك قضيت وقتًا طويلًا في الكتابة.»
وأكمل هولمز: «يوجد أيضًا وشم على هيئة سمكة على رسغك الأيمن. لقد درست الوشوم، وهذا الوشم لا يمكن رسمه سوى في الصين. وألاحظ كذلك عملة صينية تتدلى من سلسلة ساعتك. تدل هذه الأمور على أنك زرت تلك البلاد البعيدة.»
طالما أدهشني سجل الحقائق المخزن في رأس هولمز. فهو قد لا يعلم أن الأرض تدور حول الشمس، أو لا يمكنه ذكر اسم مؤلف كتاب شهير، لكن بإمكانه إخبارك بالبلد الذي يرجع إليه أصل وشم ما. ويمكنه كذلك دراسة رماد السجائر المختلفة، والتمييز بينها.
ضحك السيد ويلسون بصوت مرتفع، وقال: «لقد فهمت الآن يا سيد هولمز. ظننت في بادئ الأمر أن ما فعلته شيء بارع، لكن يبدو أنه لم يكن صعبًا على الإطلاق.»
وجه هولمز حديثه إليَّ وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه: «ذكّرني يا واطسون ألا أوضح الأساليب التي أتبعها في المستقبل. والآن يا سيد ويلسون، هل عثرت على الخبر في الجريدة؟»
إلى رابطة ذوي الشعر الأحمر:
بناءً على طلب الراحل هزكيا هوبكنز، من لبنان ببنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك وظيفة خالية لشخص ذي شعر أحمر، يتمتع بسلامة العقل والبدن، ويزيد عمره عن ٢١ عامًا. سيحصل من ينجح من المتقدمين للوظيفة على راتب. يرجى التقدم شخصيًّا يوم الاثنين، الساعة الحادية عشرة، لدانكان روس، في ٧ بوبز كورت، شارع فلييت.
سألت: «ماذا يعني ذلك؟»
قال ويلسون: «حسنًا يا سيد واطسون، إنني أمتلك محل رهونات صغير أبيع وأشتري فيه السلع المستعملة من الناس. وبالكاد أكسب ما يكفيني من قوت يومي. وما كنت لأتمكن من دفع راتب لمساعدي لولا أن لديه الاستعداد للعمل مقابل نصف ما يجب أن أدفعه له، ليتمكن فقط من تعلم المهنة.
اسمه فينسنت سبولدنج، وهو عامل جيد. شكواي الوحيدة منه هو أنه يقضي الكثير من الوقت في ممارسة هوايته، وهي التصوير الفوتوغرافي. فهو يلتقط الصور، ثم يقضي ساعات طويلة في غرفته المظلمة الموجودة بقبو المحل.
هناك فتاة صغيرة أيضًا في المحل تتولى أعمال الطهي والتنظيف. ولست متزوجًا أو لدي عائلة. فلا يوجد هناك سوى ثلاثتنا، نعيش معًا في هدوء.»
وأكمل قائلًا: «لكن منذ شهرين، أراني سبولدنج الإعلان الذي قرأته لتوك. وقال إنه كان يود أن يكون ذا شعر أحمر لأنه سمع أن الوظيفة سهلة وراتبها جيد. وأنه سمع أيضًا أن هزكيا هوبكنز مليونير أمريكي. ويبدو أن هوبكنز كان ذا شعر أحمر، وغريب الأطوار؛ فأراد أن تذهب ثروته إلى أشخاص ذوي شعر أحمر، لذلك عندما مات، ترك أمواله لتصل إليهم بهذه الطريقة الغريبة.
وأوضح سبولدنج أن هوبكنز عاش في لندن منذ سنوات. ويبدو أنه أحب المكان، لذلك ترك أمواله للرجال ذوي الشعر الأحمر من هذه المدينة. وقال مساعدي إن العرض بدا مثاليًّا لي.»
أكمل السيد ويلسون: «فأغلقنا المحل، وذهبنا إلى مكتب الرابطة. وعندما وصلنا يا سيد هولمز، وجدنا الشوارع مكتظة برجال ذوي شعر أحمر. لم أكن أعلم أبدًا أن عددنا كبير هكذا. وكان جميع هؤلاء الرجال يسعون إلى الفوز بالوظيفة.
لم أعتقد أن أمامي أية فرصة للفوز بالوظيفة، لكن سبولدنج أخبرني أن الوظيفة لن تُمنح إلا لشخص ذي شعر أحمر متوهج اللون مثل شعري. فتدافعنا عبر الحشد وصولًا إلى باب المكتب، وانتظرنا. ولم يمر وقت طويل حتى وصلنا إلى الداخل.
وفي المكتب كان هناك رجل يجلس على مائدة وشعره يشبه شعري في درجة اللون الأحمر. تحدث مع كل رجل، واحدًا تلو الآخر. وطرح عليهم جميع الأسئلة، ثم أخبرهم أنهم غير ملائمين للوظيفة.
وأخيرًا جاء دوري. بدا الاهتمام الشديد بي على الرجل من اللحظة الأولى، حتى إنه طلب من الجميع الرحيل، وأشاد بشعري. وليتأكد من أنني الشخص المناسب للوظيفة، أمسك بشعري بكلتا يديه وشدَّه! وعندما صحت من الألم، شرح لي أن عليه توخي الحذر. فكثير من الرجال ارتدوا شعرًا مستعارًا أو صبغوا شعرهم.
صافحني بعد ذلك، وأخبرني أنني قد حصلت على الوظيفة، وسار ناحية نافذة المكتب، وفتحها، وصاح في الحشد قائلًا إن الوظيفة قد شُغلت.»
قال ويلسون: «كان اسمه دانكان روس. وأخبرني أنني سأعمل من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثانية بعد الظهر. وأوضحت له أن لدي محلًّا أديره، لكن سبولدنج قال إنه سيسعده الاهتمام بالمحل نيابة عني.
أخبرني كذلك أن مهمتي ستتمثل في نسخ الموسوعة البريطانية، على أن أبدأ العمل في اليوم التالي مباشرةً.»
لم تعد هناك رابطة لذوي الشعر الأحمر. ٩ أكتوبر/تشرين الأول ١٨٩٠.
قال هولمز: «يا سيد ويلسون، إن قضيتك شديدة الغرابة. رجاءً أكمل، ماذا فعلت بعد ذلك؟»
أجاب ويلسون: «سألت مالك العقار عما إذا كان يعلم أين ذهب السيد روس، فأجاب إنه لا يعرف أحدًا بهذا الاسم. لكنه قال إن الرجل ذا الشعر الأحمر، الذي استأجر المكتب، قد انتقل إلى مكتب جديد في ١٧ شارع كينج إدوارد.
ذهبت إلى ذلك العنوان يا سيد هولمز، لكنه كان مصنعًا وليس مكتبًا. فعدت إلى المنزل. ورأى سبولدنج أنه ربما تصلني أخبار من الرابطة، لكنني قررت المجيء إلى هنا، لعلك تستطيع مساعدتي.»
قال هولمز: «لقد كنت محقًّا في المجيء إلى هنا يا سيد ويلسون، فهذه قضية فريدة من نوعها. وقد تكون أخطر مما تتخيل. أخبرني ما المدة التي كان مساعدك سبولدنج قد قضاها في العمل لديك عندما عرض عليك الإعلان؟»
فأجاب ويلسون: «حوالي شهر.»
– «وكيف عيَّنته لديك؟»
قال ويلسون: «نشرت إعلانًا في الجريدة، وتقدم الكثير من الناس، لكنني منحت الوظيفة لسبولدنج لأنه كان لديه الاستعداد للعمل بنصف الأجر.»
سأل هولمز: «هل يمكنك أن تصفه لي؟»
– «إنه صغير الحجم، لكنه قوي البنية، حليق الذقن والشارب، وهناك علامة بيضاء على جبينه نتيجة لحمض تعرض له في حادث.»
اعتدل هولمز في جلسته على الكرسي، وقال: «وأذناه؟ هل هما مثقوبتان لتعلق بهما أقراط؟»
– «في الواقع يا سيد هولمز إنهما مثقوبتان بالفعل.»
قال صديقي: «لقد سمعت ما يكفي يا سيد ويلسون. اليوم هو السبت، آمل أن أتوصل إلى إجابة لما حدث بحلول يوم الاثنين.»
بعد أن غادر جابيز ويلسون، جلس هولمز على كرسيه، وقال لي: «واطسون، إنني مضطر أن أطلب منك عدم التحدث إلي مدة خمسين دقيقة.» وبذلك أغلق عينيه، وجلس دون حركة حتى ظننت أن رفيقي قد غلبه النوم، ثم فجأة هب من على كرسيه وسألني: «هل يمكن لمرضاك الاستغناء عنك بضع ساعات يا واطسون؟»
فأجبته: «نعم، بالطبع.»
قال لي: «حسنًا، فلتأتِ معي»، وخرجنا من الباب.
لم يمر وقت طويل حتى كنت أنا وشيرلوك هولمز واقفين أمام محل ويلسون. سار صديقي في الشارع الهادئ جيئة وذهابًا، متفحصًا بعناية جميع المنازل. وتوقف ثانيةً أمام المحل. ونقر بعصاه على الرصيف بصوت عالٍ. وأخيرًا ذهب إلى باب المحل ونقر عليه. فأجابه رجل صغير السن حليق الذقن والشارب.
قال هولمز: «آسف على الإزعاج، لكن هل يمكنك إخباري بكيفية الذهاب إلى ستراند من هنا؟»
وصف الرجل لهولمز الاتجاهات، ثم أغلق الباب. استدار صديقي إلي وقال: «إنني أعرف هذا الرجل يا واطسون. لا يضاهيه الكثيرون في الذكاء والجرأة؛ هل لاحظت ركبتي سرواله؟»
فأجبته: «لا، ماذا لاحظت؟»
رد هولمز: «ما توقعت رؤيته بالضبط.»
أشرت إلى الأرض وسألته: «لكن لماذا نقرت على الرصيف؟»
«قبل أن أجيب عن أي أسئلة أخرى، يجب علينا استكشاف المزيد.» اتبعت هولمز وهو ينتقل عبر الزاوية إلى الشارع الموجود خلف محل السيد ويلسون. كان طريقًا مزدحمًا ومختنقًا مروريًّا.
قال هولمز: «هل ترى المباني هنا يا واطسون؟ أحاول أن أتذكر شوارع لندن قدر الإمكان. هناك محل مورتيمر للتبغ، ومحل جرائد، ثم مصرف سيتي آند سوبربن، ومطعم، ومحل عربات ماكفارلين. أمر مثير للاهتمام للغاية.»
استدار بعد ذلك ناحيتي، وقال: «ليس هناك شيء آخر نفعله هنا يا صديقي. ماذا عن قضاء فترة ما بعد الظهيرة في الاستمتاع بحفلة موسيقية في قاعة سانت جيمس؟ إنها قريبة وسيكون الأمر تغييرًا جيدًا.» لم يفاجئني اقتراحه، فكنت أعلم أن هولمز يستمتع للغاية بالموسيقى. في واقع الأمر، كان ماهرًا جدًّا في العزف على الكمان، وكان يعزف لي في كثير من الأحيان.
وأثناء مشاهدتي له وهو يستمتع بالحفلة الموسيقية، أخذت أفكر في حالاته المزاجية المختلفة. فعندما يكد في العمل على قضية ما، يكون جادًّا وحازمًا وغير ودود. أما عندما كان يستمع إلى الموسيقى بعد ظهر ذلك اليوم، فكان خاليًا من الهموم وسعيدًا وحالمًا، كما لو لم يكن هناك ما يشغل باله. لكنني أعلم أيضًا أن حالاته المزاجية السعيدة تعني في أحيان كثيرة أنه توصل إلى حل لقضية ما. لو كنتُ مجرمًا، فلست موقنًا أيًّا من حالات هولمز المزاجية يمكن أن أُفضل.
خارج القاعة، وبعد أن استعاد هولمز نشاطه، استدار ناحيتي وقال: «أعتقد يا واطسون أنه قد حان الوقت لمنع جريمة خطيرة. سأحتاج إلى مساعدتك الليلة. هل يمكنك إحضار مسدسك ومقابلتي في شارع بيكر الساعة العاشرة؟ شكرًا لك. والآن لديّ عمل يجب أن أقوم به.»
وأثناء مشاهدتي لهولمز وهو يبتعد مسرعًا، بدأت أفكر في قضية رابطة ذوي الشعر الأحمر. لقد سمعت كل ما سمعه رفيقي، ورأيت كل ما رآه. لكن اكتشف شيرلوك هولمز أن جريمة خطيرة على وشك الحدوث، لكنني لم أكتشفها. إلى أين سنذهب الليلة؟ وماذا سنفعل؟ ما الجريمة التي ستُرتكب؟ يجب أن أنتظر قبل أن أتوصل إلى إجابات عن هذه الأسئلة.
عندما وصلت إلى شارع بيكر تلك الليلة، وجدت عربتين تجرهما الخيول خارج المبنى. وفي الداخل، كان هولمز برفقة ضابط شرطة ورجل آخر.
قال هولمز: «أظن يا واطسون أنك تعرف السيد بيتر جونز من شرطة سكوتلاند يارد.» ثم قال وهو يشير إلى الرجل الآخر: «وهذا السيد ميري ويزر، مدير مصرف سيتي آند سوبربن. سينضم إلينا في المغامرة التي سنخوضها الليلة.»
قال السيد ميري ويزر: «أرجو ألا تكون مغامرتنا مجهودًا لا طائل منه.»
رد جونز: «لا تقلق، فإنني عملت مع السيد هولمز من قبل. وقد ساعد شرطة سكوتلاند يارد مرة أو مرتين في الماضي. ويمكن أن يصبح مخبرًا جيدًا في أحد الأيام.»
قال هولمز مبتسمًا: «أعدكما أن الليلة ستستحق العناء. فستعني مبلغًا كبيرًا من المال لك يا سيد ميري ويزر؛ والقبض على شخص ظللت تطارده كثيرًا من السنوات يا سيد جونز.»
قال السيد جونز: «هذا صحيح يا سيد ميري ويزر. وفقًا لما أخبرني به السيد هولمز، فإن المساعد الذي يعمل بالمحل، ويطلق على نفسه اسم سبولدنج، ليس سوى جون كلاي الذي تطارده منذ فترة طويلة. إنه قاتل ولص؛ ما من مجرم في لندن أتمنى إلقاءه في السجن مثل هذا الرجل.»
غادرنا نحن الأربعة الشقة، واستقل السيد جونز والسيد ميري ويزر إحدى العربتين، في حين ركبت أنا وهولمز العربة الأخرى. وصلنا سريعًا إلى المصرف الذي رأيناه بعد ظهر ذلك اليوم. أرشدنا السيد ميري ويزر إلى داخل المبنى، واتبعناه عبر مجموعة من الأبواب والأروقة، وهبطنا عددًا من درجات السلم. وأخيرًا دخلنا غرفة كبيرة مليئة بالصناديق.
أبدى هولمز ملاحظة قائلًا: «تبدو هذه الغرفة كمأمن رائع من اللصوص.»
قال السيد ميري ويزر، وهو ينقر بعصا المشي على الأرضية الحجرية: «إنها آمنة للغاية. ما هذا؟ تبدو الأرضية جوفاء!»
أمر هولمز غاضبًا: «رجاءً، الهدوء! وإلا سينفضح أمرنا جميعًا.» أخرج صديقي عدسته المكبرة وجثا على ركبتيه. أخذ يتفحص الأرضية بعناية، ثم وقف واستدار ناحيتي.
قال هولمز: «أظن يا واطسون أنك قد توصلت الآن إلى أننا في قبو مصرف سيتي آند سوبربن. ما لا تعلمه هو أن هذا المصرف قد تلقى شحنة كبيرة من الذهب من مصرف فرنسا. والصناديق الموجودة في هذه الغرفة مليئة بالذهب. وللأسف، لسنا وحدنا الذين نعلم بهذا الأمر. ولذلك نحن هنا الليلة.»
واستطرد قائلًا: «والآن سننتظر. اختبئوا من فضلكم خلف هذه الصناديق. يجب أن نكون متأهبين لأي شيء. هل معك مسدسك يا واطسون؟ رائع. إذا سمعت طلقًا ناريًّا، فلا تتردد في إطلاق النار ردًّا عليه.»
وضع هولمز غطاء المصباح عليه، وساد الظلام الغرفة. انتظرنا في صمت، وبدأت قدماي وذراعي تؤلمني وأنا منحنٍ خلف أحد الصناديق. انتظرنا أكثر من ساعة، لكن بدا الأمر لي أطول من ذلك بكثير.
فجأة، ظهرت شرارة ضوء خافتة تخرج من الأرضية، وصارت تزيد في الحجم حتى تمكنا من ملاحظة أنه ضوء يشع من حفرة في الأرضية. سحبت يد بشرية صخرة كبيرة جانبًا، ثم ظهر وجه رجل. دفع الرجل نفسه إلى الخارج واستدار ليساعد رجلًا آخر ذا رأس مليء بالشعر شديد الحُمرة.
في تلك اللحظة، هب شيرلوك هولمز من مكانه، وأمسك بالرجل الأول. قفز الرجل ذو الشعر الأحمر في الحفرة ثانية، ولم يتمكن جونز من الإمساك به. أخرج الرجل الأول مسدسًا، لكن هولمز أوقعه من يده، فسقط على الأرض محدثًا صوتًا عاليًا.
قال هولمز بهدوء: «لا فائدة يا جون كلاي. لقد أمسكنا بك.»
رد جون كلاي بابتسامة عابسة: «حسنًا، لكن شريكي تمكن من الفرار.»
قال هولمز: «على العكس، فهناك ثلاثة رجال شرطة بالجانب الآخر من هذا النفق الذي حفرته. وأنا متأكد أنهم قد أمسكوا به الآن. هل تتكرم يا سيد جونز، بتكبيل السيد كلاي بالأصفاد؟»
قال كلاي: «عليك أن تناديني ﺑ«يا سيدي»، إذا لم يكن لديك مانع. كما ستقول لي «رجاءً». فمع كل هذا تجري في عروقي دماء ملكية.»
قال جونز: «حسنًا، إذن هل تتكرم يا سيدي بالصعود خلفي إلى أعلى. فهناك عربة تنتظر جلالتك لتوصلك إلى مركز الشرطة.»
قال كلاي معتدًا بنفسه: «هذا أفضل.» وانحنى لثلاثتنا وبيتر جونز يأخذه بعيدًا.
بعد العودة إلى شارع بيكر، أمدني هولمز بتفاصيل القضية. «انظر يا واطسون، إن السبب وراء رابطة ذوي الشعر الأحمر كان واضحًا لي منذ البداية. فالرابطة ونسخ الموسوعة ما كانا سوى حُجة لإبعاد السيد ويلسون عن المحل بضع ساعات كل يوم.
أولًا، حرص السيد كلاي على الحصول على وظيفة لدى السيد ويلسون بأن عرض عليه العمل لديه في مقابل نصف الأجر، ثم نشر هو وشريكه ذو الشعر الأحمر إعلانًا في الجريدة. وحرص كذلك السيد كلاي على أن يرى السيد ويلسون الإعلان ويتقدم للوظيفة.»
سألته: «لكن كيف توصلت إلى ما كانا يخططان له؟»
«كنت أعلم أنه ما من شيء ذي قيمة في المحل نفسه. فتذكرت قول السيد ويلسون إن مساعده يقضي فترات طويلة من الوقت في القبو. في الواقع، لقد كان يقضي الكثير من الساعات يوميًّا هناك. فأصبح من الواضح لي أنه يحفر نفقًا إلى مبنى آخر. وعندما خرج السيد كلاي ليفتح لنا الباب، أثبتت لي ركبتا سرواله الممزقتان والمتسختان أنني كنت محقًّا.»
أكمل هولمز حديثه قائلًا: «يقع محل السيد ويلسون في شارع لا يوجد به سوى منازل. وكنت أعي أن كلاي لم يكن يحفر نفقًا إلى أي من هذه المنازل. وعندما نقرت بعصا المشي أمام المحل، كنت أتحقق من وجود نفق. وعندما لم أجده، علمت أن النفق بالخلف.
وأصبح السؤال حينئذٍ هو أين يتجه كلاي في حفره؟ عندما رأيت الشارع الموجود خلف المحل، لاحظت مصرف سيتي آند سوبربن على الفور. كان على الجانب المقابل مباشرة للجزء الخلفي من محل السيد ويلسون. وعلمت أن المصرف هو المستهدف من جهود السيد كلاي.»
سألته: «لكن كيف علمت أنهما سيتحركان الليلة؟»
أوضح هولمز: «أغلق كلاي وشريكه مكتب رابطة ذوي الشعر الأحمر، الأمر الذي أوضح لي أنهما لم يعودا بحاجة لابتعاد السيد ويلسون عن المحل، أي أنهما قد انتهيا من حفر النفق. رجحت بعد ذلك أنهما سينفذان مخططهما في أقرب وقت ممكن. وكنت موقنًا أنهما سيتحركان الليلة، فغدًا الأحد، وبذلك لن يلاحظ أحد السرقة حتى يفتح المصرف أبوابه صباح الثلاثاء. عندئذٍ سيكون السيد كلاي وشريكه والذهب قد اختفوا تمامًا.»
قلت معجبًا بما قاله: «أحسنت صنعًا، لقد كانت سلسلة طويلة من الأحداث بدءًا من إعلان الجريدة وصولًا إلى القبض على المجرمين الليلة. وقد كشفت ببراعة عن كل حلقة تربط كل حدث بالآخر. يجب أن يشعر أهالي لندن بالامتنان لك يا هولمز.»
قال هولمز، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة بسيطة: «عزيزي واطسون، إنني لا أفعل ذلك من أجل الشكر، بل التحدي هو الذي يعنيني.»