مغامرة تماثيل نابليون الستة
جلس المفتش لستراد من شرطة سكوتلاند يارد هادئًا. كان كثيرًا ما يزورنا أنا وشيرلوك هولمز عندما كنا نتشارك الغرف في شارع بيكر. وكان هولمز تواقًا دائمًا إلى معرفة ما كان يحدث في مقر قيادة الشرطة، كما كان المفتش يرحب بأية مساعدة يمكن لهولمز تقديمها.
سأل هولمز: «هل تعمل على أي شيء مثير للاهتمام، أيها المفتش؟»
أجاب لستراد: «لا، لا شيء يُذكر. حسنًا، ربما هناك شيء ما، لكنه قد يثير اهتمام دكتور واطسون أكثر منك. أقول ذلك لأنه يبدو أنني أتعامل مع إحدى صور الجنون. فهل من سبب آخر قد يدفع أحدًا لتكبد عناء تدمير تماثيل الإمبراطور الفرنسي نابليون؟»
قال هولمز، محبطًا: «آه، حقًّا.» واسترخى في جلسته على الكرسي.
سأل لستراد: «هل من تفسير آخر لذلك؟»
– «هذا الرجل يقتحم المنازل، ولا يسرق أي شيء، ثم يحطم تماثيل نابليون التي يجدها هناك.»
قال هولمز، وقد اعتدل ثانيةً في جلسته: «أكمل، رجاءً.»
أكمل لستراد حديثه قائلًا: «بدأ كل شيء منذ أربعة أيام. كان أول بلاغ من رجل يُدعى مورس هدسون. يمتلك السيد هدسون متجرًا صغيرًا في طريق كينينجتون حيث يبيع اللوحات والتماثيل الصغيرة. يبدو أنه ومساعده كانا في الجزء الخلفي من المتجر عندما سمعا صوتًا عاليًا لتحطم شيء ما. اندفعا إلى الجزء الأمامي من المتجر لمعرفة ما حدث، وعثرا على تمثال صغير من الجبس لنابليون على الأرض، وقد تهشم. لكن لم يكن هناك أحد في المتجر.»
سأل هولمز: «هل كان تمثالًا كاملًا أم تمثالًا نصفيًّا مكونًا من رأس وكتفين؟»
أجاب المفتش: «كان تمثالًا نصفيًّا. خرج السيد هدسون بعد ذلك، ورأى شهود العيان شخصًا يجري من المحل، لكنه كان قد ابتعد. لا تقدر القطعة بالكثير على الإطلاق، لذلك لم يلحق أي ضرر حقيقي بأحد.»
تابع لستراد قائلًا: «لكن الليلة الماضية، كان هناك بلاغ آخر. يعيش دكتور بارنيكوت بالقرب من متجر السيد هدسون، ويمتلك مجموعة كبيرة من الكتب واللوحات وقطع أخرى متعلقة بالإمبراطور الفرنسي. لقد اشترى — في الواقع — تمثالين نصفيين لنابليون من متجر السيد هدسون، ووضع واحدًا في منزله، والآخر في مكتبه في لوير بريكستون.
وقد اقتحم أحدهم هذا الصباح منزل دكتور بارنيكوت. الغريب في الأمر أنه لم يسرق شيئًا فيما عدا تمثال نابليون النصفي. لقد أخذه إلى الفناء وحطمه.»
ازداد اهتمام هولمز، وقال: «تابع حديثك، أيها المفتش.»
قال لستراد: «يزداد الأمر غرابة يا سادة. فبعد ظهر هذا اليوم، اكتشف دكتور بارنيكوت أن شخصًا اقتحم مكتبه، وحطم تمثال نابليون الآخر.»
قال هولمز: «أخبرني أيها المفتش، هل كان تمثالا نابليون، اللذان يمتلكهما دكتور بارنيكوت، مماثلين لتمثال السيد هدسون؟»
أجاب هدسون: «نعم يا سيد هولمز.»
قال هولمز: «إذن، فالرجل الذي تبحث عنه ليس مدفوعًا بكرهه لنابليون. ففي النهاية، هناك الآلاف من تماثيل هذا الإمبراطور الفرنسي في لندن. يبدو أن هذا الرجل يسعى وراء تماثيل متطابقة لنابليون.»
قال لستراد مقترحًا: «أو ربما يعيش بالجوار، وانتابته نوبات الجنون التي يعاني منها، وتصادف عثوره على هذه التماثيل الثلاثة أولًا. ما رأيك يا دكتور واطسون؟»
أجبته: «من المحتمل. وربما يكون هو أو أحد أفراد عائلته قد أصيب أو لحقه أذى في الحرب الضارية. ويمكن أن يكون يلقي باللوم على نابليون على نحو غريب.»
قاطعني هولمز قائلًا: «لكن ما يثير اهتمامي هو أن الرجل أخذ تمثال نابليون الخاص بدكتور بارنيكوت إلى الخارج. من المجنون الذي قد يفكر في كسر تمثال نصفي في مكان لا يسبب فيه إزعاجًا للأسرة؟ ثم في مكتب الدكتور، كسره في الداخل لأنه كان يعلم أنه ما من أحد في الجوار يمكن إزعاجه. لا، نحن لا نتعامل مع حالة جنون يا سادة.»
قال هولمز مقطبًا جبينه: «وأنا أحذركما من أن هذه الأحداث قد تبدو غير مؤذية وتافهة، لكن لا يمكن القول إن توافه الأمور لا أهمية لها. أتذكر يا واطسون قضية عائلة أبرينتي المثيرة؟ بدأ كل شيء عندما لاحظت العمق الذي غاص إليه البقدونس في الزبد في يوم حار. لا، ليس هناك شيء لا يحمل معنى. وسوف أقدر صنيعك أيها المفتش إذا أبقيتني على اطلاع بما يستجد من أمور.»
لم يمر وقت طويل حتى اتصل بنا لستراد ثانية، فقد وصلتنا رسالة منه في الصباح التالي مباشرة، يطلب منا الذهاب إلى منزل رقم ١٣١ شارع بيت. فهرعت أنا وهولمز إلى هناك بأقصى سرعة، ورأينا حشدًا متجمعًا أمام المنزل. وأثناء مرورنا بين المتفرجين، كان من الواضح أن اللغز بات أكثر خطورة.
كان لستراد بالداخل، وقال: «حسنًا يا سيد هولمز. لقد تحول الأمر إلى جريمة قتل. هذا السيد هوراس هاركر، مالك هذا المنزل، ويعمل كذلك مراسلًا صحفيًّا في إحدى الجرائد. سيوضح لكما ما يعرفه.»
كان هاركر يجلس مرتديًا ملابس المنزل، وتبدو على وجهه علامات الانزعاج الشديد. قال هاركر: «اعتدت طوال حياتي نقل أخبار أشخاص آخرين، أما الآن، فأغرب قصة شهدتها في حياتي تحدث في منزلي.
بحكم أنني صحفي، أقوم بكتاباتي ليلًا في أحيان كثيرة يا سيد هولمز. ولذا فإنني كنت أعمل الساعة الثالثة صباح اليوم في مكتبي بالطابق العلوي. وحينها سمعت صوت شخص ما بالدور السفلي. أنصت جيدًا، لكن ساد الصمت ثانية المنزل. بعد ذلك بخمس دقائق، سمعت صرخة مرعبة، فأسرعت إلى الدور السفلي، ووجدت النافذة مفتوحة. لاحظت اختفاء تمثال نابليون النصفي من على الرف الموجود فوق المدفأة. ليست لدي فكرة لماذا يمكن أن يأخذ لص هذه القطعة. لقد اشتريتها منذ أربعة أشهر من هاردينج برزرز بشارع هاي ستريت. إنه مصنوع من الجبس، ولا يساوى الكثير.»
أخذ هاركر نفسًا عميقًا وأكمل قائلًا: «ذهبت إلى الباب الأمامي، وفتحته. وهناك عثرت على الرجل المقتول ممدًا على درجات السلم الأمامية. اتصلت بالشرطة التي وصلت في الحال.»
سأل هولمز: «والرجل المقتول؟ من هو؟»
أجاب لستراد: «لا نعلم. لقد أُبعدت الجثة، لكن يمكنني أن أقول لك إنه طويل القامة، ذو بشرة سمراء، وقوي للغاية، سيئ الملبس، ويبلغ من العمر حوالي ثلاثين عامًا. وكان هناك سكين بالقرب من الجثة، وعثرنا على هذه الصورة الفوتوغرافية في جيبه.»
كانت الصورة لرجل يبدو صارمًا، وله حاجبان سميكان، وذقن كبير.
سأل هولمز: «وأين التمثال النصفي؟»
أجاب لستراد: «في الحديقة الأمامية لمنزل قريب. يمكننا الذهاب إلى هناك الآن إذا أردتما ذلك.»
تركنا السيد هاركر، الذي قال إنه لا يزال ينبغي له أداء مهام وظيفته، وتقديم تقرير عن حادث القتل إلى الجريدة التي يعمل بها. سرنا في الشارع، ووجدنا التمثال النصفي محطمًا على الحشائش. التقط هولمز عددًا من قطع الجبس، وفحصها بعناية.
قال هولمز: «حسنًا، نحن نعلم الآن أن الرجل الذي نبحث عنه قد أحضر التمثال النصفي إلى هذا الفناء لسبب ما. فهذا منزل خالٍ، ومن ثم فهو يعلم أنه لن يزعجه أحد فيه. لكن هناك مبنى آخر خالٍ أقرب إلى منزل السيد هاركر. لا بد أن الرجل المقصود قد حمل تمثال نابليون إلى هنا بسبب هذا المصباح الذي يضيء الشارع. كان يرغب في الخصوصية، لكنه أراد أيضًا أن يرى ما كان يفعله.»
قال لستراد: «عند التفكير في الأمر، نجد أن تمثالي السيد بارنيكوت قد حُطم كلاهما في مكان به إضاءة. لكن ما الذي يعنيه ذلك يا سيد هولمز؟»
أجاب صديقي: «لست متأكدًا أيها المفتش. هذا ما يجب علينا اكتشافه.»
قال لستراد: «يبدو ليّ أننا سنتوصل إلى إجابة عندما نعرف اسم الرجل المقتول.»
قال هولمز: «إذن، سأدعك تتبع هذا الخيط. وفي هذه الأثناء سأبحث عن أجوبة في مكان آخر. بالمناسبة أيها المفتش، عندما تتحدث مع السيد هاركر، رجاءً أخبره أنني أعتقد أننا نتعامل مع شخص مجنون مدفوع في جرائمه بغضبه من نابليون. سيساعده ذلك في كتابة مقاله.»
سأل لستراد: «لكنك في الحقيقة لست مقتنعًا بذلك يا سيد هولمز، أليس كذلك؟»
قال هولمز: «ربما، لكن قراء جريدة السيد هاركر سيجدون الأمر مثيرًا. والآن لدينا عمل يجب أن نؤديه. أود الاحتفاظ بالصورة الفوتوغرافية التي عُثر عليها في جيب القتيل أيها المفتش. وإذا تمكنت من مقابلتي أنا وواطسون في شارع بيكر الساعة السادسة الليلة، يمكننا استكمال التحقيقات معًا.»
تركت أنا وهولمز شارع بيت، وتوجهنا إلى متجر السيد هدسون في طريق كينينجتون حيث حُطم أول تمثال لنابليون.
قال صاحب المتجر ردًّا على أحد أسئلتنا: «نعم، لقد بعت لدكتور بارنيكوت تمثالين نصفيين لنابليون. وقد اشتريت التماثيل الثلاثة من مصنع جيلدر وشركائه الكائن بشارع تشرش حيث يصنعون التماثيل وغيرها من الأعمال الحجرية.»
قال هولمز: «إذن، فقد انتقلت تماثيل نابليون من مصنع جيلدر وشركائه إلى هذا المتجر، ثم إلى منزل دكتور بارنيكوت.» ثم أظهر لهدسون الصورة الفوتوغرافية، وقال له: «هل تعرف هذا الرجل؟»
أجاب صاحب المتجر: «لماذا؟ نعم، اسمه بيبو. كان يساعدني في المتجر فترة قصيرة، لكنه ترك العمل الأسبوع الماضي، ولم أره منذ ذلك الحين.»
شكرنا السيد هدسون، وغادرنا المتجر. كانت نقطة توقفنا التالية هي مصنع جيلدر وشركائه. عندما وصلنا، رأينا فناء مليئًا بالتماثيل وقطع الأحجار. وبداخل المصنع كان هناك نحو خمسين رجلًا يكدون في العمل.
وجدت أنا وهولمز المدير، وسألناه عن تماثيل نابليون، فأخبرنا أن التماثيل النصفية الثلاثة قد بيعت للسيد هدسون، وكانت ضمن مجموعة مكونة من ست قطع. والقطع الثلاث الأخرى قد بيعت لهاردنج برزرز في شارع هاي.
شرح المدير كذلك كيفية صنع هذه التماثيل. فقال إن الجبس يُصب في قالب فارغ كما يُصب الطمي في دلو. وما إن يجف الجبس حتى يُنزع القالب ليظهر التمثال النصفي النهائي. أخبرنا المدير أن التماثيل النصفية التي نحقق بشأنها قد صُنعت في الغرفة التي كنا بداخلها، ثم وُضعت في غرفة أخرى لتجف.
عندما أظهر هولمز الصورة الفوتوغرافية للمدير، غضب المدير بشدة، وصاح قائلًا: «إنه هو! نعم، أعرفه. اسمه بيبو. لقد كان يعمل هنا منذ سنة، لكنه تورط في مشكلات مع الشرطة في أحد الأيام، وطاردوه هنا حيث قبضوا عليه واعتقلوه. أُلقي به في السجن لكنني لست متأكدًا هل خرج الآن أم لا. أعتقد أن ابن عمه يعمل هنا، يمكننا أن نسأله.»
صاح هولمز: «لا، لا، لا تخبر ابن عمه بأي شيء. من المهم إبقاء الأمر سرًّا. لكن أيمكنك أن تخبرني متى بعت هذه التماثيل النصفية الستة، ومتى ألقت الشرطة القبض على هذا الرجل، بيبو؟»
نظر المدير في السجل، وأخبرنا أن تماثيل نابليون الستة قد بيعت في الثالث من يونيو/حزيران العام الماضي. وقال إن الشرطة قد ألقت القبض على بيبو قبل ذلك مباشرة، أي في نهاية مايو/أيار تقريبًا.
ازدادت المطاردة إثارة. فنحن نعلم الآن أن الشرطة قد ألقت القبض على بيبو منذ أكثر من عام. وبعد ذلك بفترة قصيرة، بيعت ثلاثة تماثيل للسيد هدسون، ووصل اثنان منها إلى دكتور بارنيكوت. أما الثلاثة الأخرى، فقد بيعت لمتجر آخر، وهو هاردنج برزرز في شارع هاي ستريت. ووصل أحدهم إلى هوارس هاركر. ونعلم كذلك أن بيبو قد أُطلق سراحه مؤخرًا، وذهب للعمل في متجر السيد هدسون. كان من الواضح أن بيبو هو من يسعى وراء تماثيل نابليون.
بعد زيارتنا لمصنع جيلدر وشركائه، تابعنا تعقب آثار تماثيل نابليون. وقادنا التحقيق الذي أجريناه إلى متجر هاردنج برزرز.
قال السيد هاردنج: «نعم، لقد حصلنا على التماثيل النصفية من مصنع جيلدر وشركائه. وبيع أحدها للسيد هوراس هاركر، بينما بيع الاثنان الآخران للسيد جوسيا براون والسيد ساندفورد.»
قال هولمز: «حسنًا، وهل سبق لك رؤية هذا الرجل؟» وأعطى للسيد هاردنج الصورة الفوتوغرافية.
رد هاردنج قائلًا: «كلا، لا يمكنني القول إنني قد رأيته من قبل.»
قال هولمز: «سؤال أخير: هل يمكن لأحد الاطلاع على سجلاتك ومعرفة إلى من بيعت التماثيل النصفية؟»
أجاب هاردنج: «أعتقد ذلك، فأنا لا أحتفظ بسجلاتي في مكان مغلق بمفاتيح أو أقفال.»
حصلت أنا وهولمز على أجوبة لأسئلتنا، وتوجهنا إلى المنزل لمقابلة لستراد. وفي طريقنا إلى المنزل، اشترينا إحدى الصحف، وكان العنوان الرئيسي بها: «جريمة قتل على يد مجنون». كان مقالًا لهوراس هاركر. وداخل المقال كتب السيد هاركر أن الشرطة وشيرلوك هولمز يعتقدان أن هناك تفسيرًا واحدًا لجريمة القتل، وهو أن شخصًا مجنونًا قد ارتكبها.
كان المفتش في شارع بيكر بالفعل عندما وصلنا، وكان يومه مثمرًا مثل يومنا.
قال لستراد: «هذا صحيح يا سادة. فأنا أعرف اسم القتيل، إذ يعرفه أحد الضباط بمقر الشرطة. اسمه بيترو فينوتشي، وكان عضوًا بإحدى العصابات الخطيرة الشهيرة. أعتقد أن العصابة كانت تبحث عن الرجل الموجود في الصورة لسبب ما، وكان فينوتشي يحمل صورته لكي يعثر عليه ويقتله.»
تابع لستراد حديثه قائلًا: «أعتقد أن فينوتشي اتبع ضحيته المقصودة، ورآه وهو يدخل منزل هاركر، ثم انتظر خارجه. وعندما خرج منه تعارك الاثنان. لكن من لقى حتفه كان فينوتشي.» ثم قال وضحكة عريضة ترتسم على وجهه: «ما رأيك في ذلك يا سيد هولمز؟»
صاح هولمز: «رائع يا لستراد! لكن ماذا عن التماثيل النصفية المحطمة؟»
سأل لستراد: «هل لا تزال مهتمًّا بالتماثيل النصفية؟ إنني موقن تمامًا يا سيد هولمز، أن كل ما أحتاجه هو استجواب أعضاء عصابة فينوتشي الآخرين، وسوف يقودونني إلى الرجل الموجود في الصورة الفوتوغرافية.»
قال هولمز: «أخالفك الرأي. فبدلًا من مطاردة عصابة فينوتشي، أعتقد أننا سنعثر على الرجل الذي نسعى وراءه في مكان آخر. لا يزال هناك تمثالان نصفيان متبقيين من المجموعة الأصلية المكونة من ستة تماثيل. أحدهما بيع للسيد جوسيا براون، والآخر للسيد ساندفورد. سنعثر على رجلنا في أحد منزلي هذين الرجلين. ونظرًا لقرب منزل السيد براون، فأعتقد أن حظنا هناك سيكون أوفر.»
قال هولمز: «رجاءً، لتبق لتناول العشاء أيها المفتش. وبعد ذلك سنذهب جميعًا لزيارة السيد براون. هل تتكرم يا واطسون باستدعاء أحد سعاة البريد؟ هناك خطاب مهم للغاية يجب أن أرسله …»
غادرنا شارع بيكر في الساعة الحادية عشرة تلك الليلة، ووصلنا سريعًا إلى منزل جوسيا براون. كان المنزل مظلمًا، وكنت سعيدًا بأن هولمز طلب مني إحضار سلاحي معي. بدا أن الجميع قد خلدوا إلى النوم. كان هناك مصباح واحد مضاء على باب جانبي، ويلقي بدائرة من الضوء على ممشى الحديقة. أما باقي الفناء، فكان مظلمًا، وانتظرنا بالخارج تحت ظل السياج.
لم نضطر إلى الانتظار طويلًا. فبينما كنت أنا ورفيقي جاثمين في الظلام، فتح أحدهم البوابة، وأسرع في هدوء على طول طريق الحديقة، ثم اختفى في ظلال المنزل. بعد مضي ما بدا دقائق طويلة، سمعنا صوت صرير منخفضًا. كان صوت نافذة تُفتح، وبعد لحظات، ومض ضوء مصباح داخل المنزل.
لا بد أن الغريب قد عثر على ما كان يبحث عنه، لأنه ظهر ثانية بالخارج على ممشى الحديقة. وفي ظل الضوء الضعيف، تمكنت من رؤية أنه كان يحمل شيئًا تحت ذراعه. جثا الرجل، ووضع الشيء الذي كان يحمله على الأرض. وتبع ذلك صوت جبس يتحطم. في تلك اللحظة أسرع هولمز من بين الظلال، وهاجم الغريب. لحقت به أنا ولستراد، وسرعان ما كان اللص مكبلًا بالأصفاد. أدرنا وجهه ناحية الضوء، ورأينا أنه الرجل الموجود في الصورة.
راقبت أنا والمفتش الرجل الذي ألقينا القبض عليه بعناية. في هذه الأثناء جثا هولمز على ممشى الحديقة. كان يفحص تمثال نابليون النصفي المحطم إلى مئات القطع. أخذ يلتقط قطعة وراء الأخرى، وحمل كلًّا منها في الضوء. في تلك اللحظة، فُتح باب المنزل، وظهر رجل.
نظر هولمز إلى أعلى، وقال: «السيد جوسيا براون، أليس كذلك؟»
أجاب الرجل: «نعم، لا بد أنك شيرلوك هولمز. لقد تلقيت رسالتك التي بعثتها مع ساعي البريد هذا المساء، وفعلت ما طلبته مني بالضبط؛ فأغلقت جميع الأبواب بالأقفال، وأطفأت الأنوار، وتأكدت من وجود أسرتي بالطابق العلوي. يسعدني أنك ألقيت القبض على الرجل الذي كنت تسعى وراءه.»
تقدم لستراد للأمام، وقال: «نعم، والآن سآخذه إلى مركز الشرطة. أنا ممتن للغاية لك يا سيد هولمز، لإنهاء هذه القضية.»
قال هولمز: «على العكس تمامًا يا لستراد، فلم تُكتب النهاية بعد. إن تكرمت بزيارتي أنا ودكتور واطسون مساء غد في الساعة السادسة، يمكن أن أوضح لك القصة كاملة.»
عندما التقينا مساء اليوم التالي، أخبرنا لستراد بما عرفه عن اللص. كان يُدعى بيبو بالفعل، وكان نحاتًا ماهرًا في الماضي، لكنه اتجه إلى الجريمة في السنوات الأخيرة. وقد صنع هذا الرجل، الذي قبض عليه، على الأرجح تماثيل نابليون الستة بنفسه أثناء عمله بمصنع جيلدر وشركاه. لكنه لم يوضح السبب وراء تحطيمه لها.
بدا على هولمز الملل ونفاد الصبر أثناء استماعه للمفتش، ثم رن الجرس معلنًا عن وصول زائر. سمحت صاحبة العقار، السيدة هدسون، للزائر بالدخول، وانضم إلينا في الردهة. كان رجلًا عجوزًا يعاني العديد من الحروق بجانب وجهه. وكان يحمل حقيبة كبيرة وضعها على الطاولة.
سأل الرجل: «السيد شيرلوك هولمز؟»
أجاب هولمز: «لا بد أنك السيد ساندفورد.»
قال الزائر: «نعم، لقد تلقيت رسالتك، وأتيت على الفور. لكنني لا أفهم كيف عرفت أنني أملك تمثالًا نصفيًّا لنابليون، ولا أفهم لماذا ترغب في شرائه مني. أنت تعلم بالتأكيد أنني لم أدفع الكثير في مقابله؟»
قال هولمز: «نعم، سيد ساندفورد، إنني أعلم. لكنني أرغب في امتلاكه والدفع في مقابله المبلغ الموضح في رسالتي.»
هز الزائر كتفيه، وفتح الحقيبة. أدخل يديه، وأخرج تمثال نابليون النصفي السادس، ووضعه على الطاولة. وأخيرًا، رأينا التمثال الذي لم يسبق لنا رؤيته سوى محطمًا.
دفع هولمز للسيد ساندفورد المبلغ، وشكره. وعندما غادر زائرنا المتحير، راقبت أنا ولستراد هولمز مندهشين. فقد فرش قطعة قماش كبيرة على المائدة، ووضع التمثال النصفي عليها. أخذ بعد ذلك قضيب تذكية النار المعدني من المدفأة، وضرب التمثال فحطمه. بعثر هولمز كومة القطع المتكسرة، ثم التقط قطعة واحدة منها. أمسك بها إلى أعلى ليراها، وكان هناك جسم صغير دائري داكن اللون يبرز من الجبس الأبيض.
صاح هولمز قائلًا: «أيها السادة، إليكما لؤلؤة آل بورجيا!» حدقنا أنا ولستراد كل منا في الآخر في صمت من شدة الذهول، ثم أخذنا نصفق بقوة وكأننا قد شاهدنا أداءً مسرحيًّا خلابًا. وتوردت وجنتا هولمز تعبيرًا عن شعور نادرًا ما كان يظهر عليه.
أوضح هولمز: «هذه الجوهرة الثمينة ملك لأمير كولونا. سمعت عنها أول مرة منذ أكثر من عام، عندما فُقدت من غرفة الأمير بفندق داكر. ولم يمكنني مساعدة الشرطة في البحث عن اللؤلؤة أو السارق. لكننا اشتبهنا في خادمة الأميرة، وكانت امرأة تُدعى لوكريشيا فينوتشي. وأنا على يقين أن أخاها بيترو هو من قُتل في تلك الليلة، ولن يدهشني الأمر إن عرفت أنها كانت تعرف صديقنا بيبو كذلك.»
سألته: «لكن إذا كانت الخادمة هي من سرقت اللؤلؤة، فكيف وصلت إلى هذا التمثال؟»
أجاب هولمز: «لنتتبع ما حدث خطوة بخطوة، بدءًا من السرقة التي تمت منذ عام. أخذت الخادمة اللؤلؤة، وأعطتها لأخيها وبيبو للاحتفاظ بها وبيعها. بعد ذلك، ولسبب ما، لاحقت الشرطة بيبو. فأخذ اللؤلؤة معه، وفر إلى مصنع جيلدر وشركائه. ومع اقتراب الشرطة، رأى بيبو تماثيل نابليون الستة التي كانت تجف في المصنع. فأخذ واحدًا منها، وحفر حفرة صغيرة في الجبس اللين، ووضع اللؤلؤة بداخلها، ثم غطى ما فعله بمزيد من الجبس. وألقت الشرطة القبض عليه، واللؤلؤة مخبأة في مكان آمن.
عندما كان بيبو يقضي عامه في السجن، بيعت التماثيل النصفية الستة. فذهبت ثلاثة منها إلى متجر مورس هدسون، فبيع اثنان لدكتور بارنيكوت. أما الثلاثة الأخرى، فوصلت إلى متجر هاردنج برزرز حيث بيعت لهوراس هاركر، وجوسيا براون، والسيد ساندفورد.
أُطلق بعد ذلك سراح صديقنا، وكان ابن عمه لا يزال يعمل في مصنع جيلدر وشركاه، وكان هو من اكتشف الأماكن التي وصلت إليها التماثيل. تمكن بيبو من الحصول على وظيفة في متجر مورس هدسون، وهناك حطم أول تمثال نصفي ليرى هل يحتوي على اللؤلؤة أم لا. ولم تكن بداخله، فعثر على تمثالي دكتور بارنيكوت، وحطمهما أيضًا.
ولم يعثر على اللؤلؤة، فاقتفى أثر تمثالي نابليون الآخرين وصولًا إلى متجر هاردنج برزرز، وبحث في السجلات ليكتشف بيع أحد التمثالين النصفيين إلى هوراس هاركر. والتقى في منزل السيد هاركر بشريكه القديم، فينوتشي.»
سأل المفتش: «لكن لماذا قتل فينوتشي؟ ولماذا كان مع فينوتشي صورة لبيبو؟ فهو يعلم بالفعل شكله.»
قال هولمز: «لست متأكدًا من سبب مقتل فينوتشي؛ ربما سرق بيبو اللؤلؤة من فينوتشي، وربما كانا شريكين، لكن فينوتشي حمل الآخر مسئولية ضياع اللؤلؤة. أما بالنسبة للصورة الفوتوغرافية، فمن المحتمل أن يكون فينوتشي قد استخدمها للبحث عن بيبو. فكان يريها للناس ويسألهم هل رأوا الرجل أم لا.»
تابع هولمز حديثه: «ليس هذا مهمًّا، ما يهم أنني علمت أنه لن يتوقف حتى يعثر على اللؤلؤة. وقد جعلت السيد هاركر ينشر في تقريره الصحفي أننا نتعامل مع شخص مجنون، واعتمدت على أن يقرأ بيبو الجريدة. وبهذه الطريقة، سيعتقد أن بإمكانه السعي وراء التمثالين النصفيين الأخيرين بأمان.
كان منزل السيد براون الأقرب، فبعثت إليه برسالة أخبرته فيها أن يطفئ جميع الأضواء، ويحرص على تأمين الجميع في الطابق العلوي. وعندما توصلنا إلى الرجل الذي كنا نسعى وراءه، ولم نعثر على اللؤلؤة، علمت في الحال أن الكنز لا يمكن أن يوجد إلا في تمثال نابليون الأخير الذي يملكه السيد ساندفورد. فبعثت إليه برسالة طالبًا منه الحضور إلى شارع بيكر. والباقي تعلمانه.»
ختم هولمز حديثه قائلًا: «وهكذا، وصلت اللؤلؤة من فندق داكر إلى يدي.» وحمل اللؤلؤة النفيسة لنتأملها جميعًا بإعجاب.
صاح لستراد متعجبًا: «هذا مذهل يا سيد هولمز، مذهل حقًّا! لقد عملت معك في الكثير من القضايا من قبل، لكنني لا أتذكر منها ما يجعلني فخورًا بك أكثر من هذه المرة.»
قال هولمز: «شكرًا يا لستراد، شكرًا لك. إذا واجهت أية مشكلات بسيطة أخرى، فأرجو أن تحيطني بها علمًا؛ فسيسعدني توجيهك بنصيحة أو أكثر لحلها.»