العادات المصرية
سأتناول موضوع مصر في شيء من التفصيل؛ إذ لا توجد مملكة تعادلها في كثرة عجائبها، ولا في ذلك العدد الهائل من الأعمال التي تتحدى كل وصف. لا تختلف مصر في طقسها فحسبُ عن سائر بلاد الدنيا، ولا في أنهارها، ولكن سكانها يختلفون كذلك عن بقية سكان العالم. إن معظم أخلاقهم وعاداتهم مناقِض تمامًا لأخلاق وعادات غيرهم من البشر، فتؤم نساؤهم الأسواق ويتاجرن بينما يمكث الرجال في البيوت أمام الأنوال. وبينما يتبع بقية العالم في النسيج أن تكون اللُّحمة فوق السداة، فإن المصريين يجعلونها أسفلها. كما أن النساء يحملن الأثقال فوق أكتافهن، بينما يحملها الرجال على رءوسهم. ويتناول المصريون طعامهم في الطرقات خارج بيوتهم، ويأوون إلى بيوتهم للأغراض الخاصة، وحجتهم في ذلك أن العمل غير اللائق، والضروري في وقت واحد، يجب أن يتم سرًّا. أما الأمور الخالية من أي شيء غير لائق فيجب أن تحدث في الطريق علنًا، ومحظور على المرأة الاشتغال بأعمال الكهنة سواء للآلهة أو للربات، في حين يقوم الرجال بوظيفة الكهنة لكليهما. ولا يلتزم الأبناء بكفالة والدَيهم إلا باختيارهم، أما البنات فمُلزمات بذلك سواء أكان هذا برضاهن أو على كره منهن.
يتمسك المصريون بدينهم إلى درجة بالغة أكثر من أي شعبٍ آخر، ويتبعون هذه المراسيم: يشربون في أقداح نحاسية يغسلونها ويجلونها كل يوم ولا يشذُّ عن هذه العادة أحدٌ قط. ويلبسون ثيابًا من التيل يحافظون دائمًا على أن تكون مغسولة حديثًا. ويزاولون الختان بقصد النظافة مفضِّلين إياها على حُسن المظهر. ويحلق الكهنة جميع جسمهم كل يومين؛ حتى لا يَعلق به القمل والأقذار الأخرى وهم يقومون بخدمة الآلهة. وثيابهم كلها من التيل، وأحذيتهم من نبات البردي. ولا يصح لهم أن يرتدُوا ثيابًا أو أحذية من مادةٍ أخرى غير هاتين. ويستحمون مرتين يوميًّا بالماء البارد ومرتين في كل ليلة. وعلاوة على هذه العادات، لهم آلاف من العادات الأخرى.