ثورة سارديس
ما إن غزا الفرس ليديا حتى أرسل الأغارقة الأيونيون والأيوليون سفراءهم إلى كوروس في سارديس يتوسلون إليه في أن يكونوا تابعين له بنفس الشروط التي حصلوا عليها من كرويسوس، فأصغى كوروس بانتباه إلى مقترحاتهم ورد عليهم بأسطورة، فقال: «يُحكى أن زامرًا كان يسير ذات يوم على شاطئ البحر فأبصر بعض الأسماك، فطفق يعزف لها على زمارته، ظنًّا منه أنها ستخرج إليه فوق الأرض، ولما رأى أخيرًا أن لا جدوى مما يؤمِّله أحضر شبكة وأحاط بها كمية كبيرة من السمك، وسحبها إلى الشاطئ. عندئذٍ أخذت الأسماك تقفز وترقص، ولكنه قال لها: «دعي عنك الرقص الآن؛ إذ رفضت الرقص عندما عزفت لك على المزمار.»» رد كوروس هكذا على الأيونيين والأيوليين؛ لأنه عندما بعث إليه الرسل يحثهم على الثورة ضد كرويسوس رفضوا طلبه. وما إن تم له الاستيلاء على سارديس حتى جاءوا يعرضون عليه الطاعة. إذن فقد رد عليهم بهذا الرد وهو غاضب، فلما سمع الأيونيون إجابته شرعوا في الحال يحصنون مدنهم، وعقدوا اجتماعات في البانيونيوم، كان يحضرها جميع الأيونيين ما عدا الميليسيين الذين عقد معهم كوروس تحالفًا منفصلًا، ومنحهم بموجبه نفس الشروط التي حصلوا عليها من كرويسوس، فقرر الأيونيون الآخرون أن يرسلوا السفراء إلى إسبرطة يطلبون مساعدتها.
عندما وصل سفراء الأيونيين والأيوليين الذين ذهبوا إلى إسبرطة بأقصى سرعة إلى تلك المدينة، اختاروا من بينهم رجلًا فينيقيًّا يدعى بوثيرموس لينوب عنهم في الكلام، ولكي يجذب إليه أكبر عدد من المُستمعين ارتدى ثوبًا من الأرجوان، ثم وقف يتكلم، فألقى خطابًا طويلًا توسل فيه إلى الإسبرطيين أن يهبُّوا لمساعدة مواطنيه، غير أنهم لم يكونوا على استعداد لقَبول التوسل، فأعطَوا أصواتهم ضد إرسال أية نجدة. وعلى هذا عاد السفراء أدراجهم، بَيْد أن اللاكيدايمونيين — بالرغم من رفضهم توسُّلِ أولئك الأقوام — أرسلوا سفينة ذات خمسين مجدافًا تحمل بعض الرجال الإسبرطيين إلى ساحل آسيا، وكان غرضهم من ذلك على ما أظن هو مراقبة كوروس وأيونيا، فلما بلغ هؤلاء الرجال فوكيا أرسلوا إلى سارديس أعظم رجل بينهم واسمه لاكرينيس؛ ليحذِّر كوروس باسم اللاكيدايمونيين من التعرض لأية مدينة إغريقية؛ لأنهم لن يسمحوا له بهذا.
يُقال إن كوروس عندما سَمِع كلام ذلك الرسول، سأل بعض الأغارقة الذين كانوا واقفين قريبًا منه: «من يكون أولئك اللاكيدايمونيين؟ وما عددهم حتى يرسلوا إليه مثل ذلك الإعلان؟» ولما سَمِع إجابتهم التفت إلى الرسول الإسبرطي وقال له: «لم يحدث حتى الآن أن خِفتُ أي رجال لديهم ميدان وسط مدينتهم حيث يجتمعون معًا، ويخدع كل منهم الآخر، ويحنثون في أيمانهم. إذا قُدِّر لي أن أعيش فسيكون لدى الإسبرطيين مشاكل تشغلهم بالتحدث فيها بدلًا من الاهتمام بأمور الأيونيين.» قصد كوروس بهذا الكلام زجر جميع الإغريق؛ لأن لهم أسواقًا للبيع والشراء، في حين لا يعرف هذه العادة الفرس الذين لا يشترون من أسواقٍ مكشوفةٍ. والحقيقة أنه لا يوجد في بلادهم، ولا سوق واحدة.
بعد هذه المقابلة غادر كوروس سارديس، بعد أن عهد بها إلى تابالوس الفارسي، وعُيِّن باكتياس الليدي ليجمع الأموال الخاصة بكرويسوس وغيره من الليديين ويحضرها إليه. أما كوروس فقد توجه بنفسه إلى أجباتانا ومعه كرويسوس غير عابئ بأن يكون الأيونيون هدفه المباشر. كانت لديه خطط أعظم من هذه؛ كان يعتزم أن يُحارب بنفسه بابل والباكتريانيين والسكوثيين ومصر، وعلى ذلك اعتزم أن يعهد إلى أحد قواده بموضوع غزو أيونيا.
ما إن غادر كوروس سارديس حتى حثَّ باكتياس مواطنيه على الثورة علنًا ضد كوروس وضد وكيله تابالوس، ولما كانت تحت تصرفه أموال ضخمة أبحر بها واستخدمها في استئجار قوات من المرتزقة، وفي الوقت نفسه جعل سكان الشاطئ ينضمون إلى جيشه، وبعد ذلك سار للاستيلاء على سارديس؛ حيثُ حاصر تابالوس الذي حبس نفسه في قلعتها.
بينما كان كوروس في طريقه إلى أجباتانا بلغته هذه الأنباء، فالتفت إلى كرويسوس وقال: «ماذا تظن يا كرويسوس أن تُسفِر عنه هذه الأمور؟ يبدو أن هؤلاء الليديين لن يكفوا عن خَلق المشاكل لأنفسهم ولغيرهم. إني لأُفكر فيما إذا كان من الخير لي أن أبيعهم كلهم عبيدًا. أظن أن ما فعلته الآن هو فعل من «يقتل الأب ويُبقي على حياة طفله». لقد قبضت عليك أنت الذي كنت أكثر من أبٍ لشعبك، وحملتك معي، وعهدت بالمدينة إلى أهلها. ألَا يُدهشني الآن أن أسمع بقيام الفتنة فيها؟» هكذا صرح كوروس بنواياه إلى كرويسوس الذي خشي أن يُخرِّب كوروس سارديس ويهدمها، فأجاب قائلًا: «كلامك معقول يا مولاي، ولكني أرجوك ألا تترك الغضب يتملكك، ولا تحكم بالدمار على مدينة قديمة لا ذنب لها في المشاكل الماضية أو الحاضرة. كنت أنا نفسي سببًا في المشاكل الأولى وها أنا ذا أدفع ثمنها، وقام باكتياس بالمشاكل الأخرى وهو الذي عهِدت إليه بسارديس مدة غيابك عنها. دعه يتحمل جزاء فعلته واعفُ عن بقية الليديين، ولكي تتأكد من عدم تمردهم عليك أو معاكستهم إياك مرة أخرى أرسل إليهم وحَرِّم عليهم الاحتفاظ بأسلحة القتال. مُرهُم بارتداء الجلابيب تحت العباءات، ولبس أحذية في أقدامهم، واجعلهم يُربُّون أولادهم ويُعلمونهم العزف على القيثارة، والآلات الموسيقية الأخرى، والاشتغال بالتجارة، وعندئذٍ … سُرعان ما ترى أنهم صاروا نساءً وليسوا رجالًا، ولن يتطرق الخوف إلى نفسك منهم بعد ذلك.»
اعتقد كرويسوس أن هذا أفضل لشعب ليديا من أن يُباعوا عبيدًا، وعلى ذلك أبدى لكوروس هذه النصيحة؛ إذ عرف أنه إن لم يُشِر عليه بشيء رادع فلن يستطيع أن يُثنيه عن عزمه، كما أنه خشي أن يقوم الليديون بثورة في المستقبل فيجلبوا الخراب على أنفسهم. فسُرَّ كوروس من هذه النصيحة ورضيَ بالتنازل عن غضبه، وأن يَعمَلَ بما أشار به كرويسوس. فاستدعى رجلًا ميديًّا يُسمَّى مازاريس، وعَهِد إليه بإصدار الأمر إلى الليديين تبعًا لنصيحة كرويسوس، كما أمره بأن يبيع — كعبد — كل من انضم إلى الليديين في هجومهم على سارديس، وبأن يجعل أول همه أن يَرجِع إليه باكتياس حيًّا عند عودته. وبعد أن أصدر كوروس هذه الأوامر استأنف رحلته إلى الأراضي الفارسية.