المراجع

ومراجعنا «أصول» تخلفت عن رجال عصر أوغوسطوس، عن عقولهم وعن أيديهم، ومصنفات قديمة ومؤلفات حديثة. وليس لنا في هذا التمهيد الوجيز أن نذكر المؤلفات التي صُنفت في المائة السنة الأخيرة في تاريخ أوغوسطوس وعصره، فهي تعد بالألوف لا بالمئات، وقد أشرنا إلى أهمها في الهامش، فلتُرَاجع في محلات ورودها.

أما الأصول، فإنها إما كتابات نُقشت نقشًا في ذلك العهد البعيد، وإما نقود سُكت سكًّا، وإما نصوص تاريخية، والنقوش الكتابية: إما عبارات «تذكارية tituli»، وإما قرارات أو نصوص «عمومية acta». والعبارات التذكارية: إما نقوش على أضرحة الأموات تنبئ باسم المتوفى وعمره وشهرته، وتشمل في بعض الأحيان عبارات مدح وثناء، وإما نقوش نذرية نُقرت لمناسبات دينية معينة، وهنالك طائفة من النقوش التذكارية على قاعدات التماثيل وأعتاب الهياكل وقناطر جر المياه وأعمدة المسافات إلى جوانب الطرق العمومية، والقرارات «العمومية acta» المحفورة على الحجارة أو صفائح المعدن تشمل المعاهدات والقوانين وقرارات مجلس الشيوخ وبعض البيانات. وأشهر هذه، البيان الذي أعده أوغوسطس نفسه بأعماله وخدماته، ووُجد محفورًا باللاتينية واليونانية على ما تبقى من جدران هيكل رومة وأوغوسطوس في أنقرة. ومن هنا تسميته Monumentum Ancyranum، وهو يُدعى أيضًا Res Gestae divi Augusti، ومن هذه القرارات والبيانات العمومية: الصفيحة البرونزية التي وُجدت في ليون، تحمل خطبة كلوديوس لمناسبة السماح للمواطنين الرومانيين الغاليين بالقيام بوظائف الدولة.
وهنالك كتابات حُفرت على الموازين والمكاييل وعلى بطاقات معدنية لغايات مختلفة، كالسماح بكمية معينة من الحبوب، أو منح حق الدخول إلى المآدب العمومية، أو الإشعار بأن مجالدًا من المجالدين قد أُعفي من المجادلة، ومن هذا النوع أيضًا، شارات الأرقاء وعليها اسم سيد الرقيق و«شهادات العسكريين diplomata militaria»، التي تذكر مدة الخدمة التي خدموها ونوع المكافأة التي نالوها، وقد نجِدُ على الأسلحة والفئُوس أسماء حامليها، والفرق التي انتموا إليها. وقد نقرأ على سراج من المعدن العبارة: «لا تلمسني إني لِمُرقس، لا لك.» وقد نجد على قطعة من الحلي اسم صاحبتها، وهلم جرًّا.
وقد عُني رجال الاختصاص بهذه النقوش الكتابية، فأحصوها ووصفوها وأثبتوا نصوصها. وأفضل ما ظهر من ثمار أعمالهم «مجموعة النقوش اللاتينية Corpus Inscriptionum Latinarum» في أكثر من أربعين مجلدًا، منذ السنة ١٨٦٣م، ومنتخبات «ديسو Dessau» (١٨٩٢–١٩١٦م)، وفيها ٩٥٢٢ نقشًا Inscriptiones Latinae Selectae، وتسجل «المجلة الإبيغرافية L’Année Epigraphique» جميع ما يُكتشف من هذه النقوش، وهنالك «مجموعة النقوش اليونانية Corpus Inscriptionum Graecarum»، التي ظهرت بين السنة ١٨٢٥م والسنة ١٨٧٧م، والمجموعة Inscriptiones Graecae للنقوش الأوروبية. وقد ساهمت بيروت مساهمة فعَّالة في هذه الأعمال العلمية العظيمة، فعُنِي الأبوان اليسوعيان جلابير وموترد بمجموعة لنقوش سورية «الجغرافية» Inscriptions Grecques et Latines de la Syrie منذ السنة ١٩٢٩م، ولا يزال علامة بيروت وشيخ مؤرخيها الأب رينيه موترد يتابع العمل في هذا الحقل المفيد، وأفضل ما يُرجع إليه في مسكوكات هذا العصر مصنفات برنهارت وكوهن وماتينغلي وسيدينهام،1 وليس أفضل من مصنف فروك الألماني في مسكوكات سورية.2
وقد حفظ رمل مصر وجفافها عددًا كبيرًا من الوثائق الرسمية وغير الرسمية باللغتين اليونانية واللاتينية مكتوبة على ورق البردي. ولا تزال مجموعات شوبارت أكمل من غيرها للبرديات اليونانية،3 ولا يستغني المؤرخ عن الرجوع إلى تعليقات متايس وفيلكن على النصوص اليونانية التاريخية البردية،4 ويجدر بالباحث ألا يهمل مقدمة كلدريني ومصنفات شتاين وجوغه في البرديات اللاتينية.5
وعلى الرغم من كثرة النقوش الكتابية المعاصرة، وتنوع الوثائق البردية الباقية، وتعدد المسكوكات المتنوعة، تظل النصوص التاريخية القديمة أغنى المراجع لعصر أوغوسطوس وخلفائه. وقد عُني ملكوفاتي بجمع النصوص التي تعود إلى أوغوسطوس نفسه،6 وعُني غيره مرارًا برسائل شيشرون وخطبه،7 وشيشرون أشهر من أن يُعرَّف. وقد عاصر الحوادث المروية في هذا الكتاب، حتى سنة وفاته ٤٣ قبل الميلاد.

(١) النصوص الضائعة

وتصدى لبحث حوادث هذا العصر الذي ندرس وتدوينها عدد من أعيانه، منهم «أسينيوس بوليو Asenius Pollio» رجل الدولة ونصير العلم والفن والأدب والقائد العسكري المدرب. فإنه دوَّن تاريخًا متسلسلًا ضمَّنه حوادث السنوات ٦٠–٤٢ق.م.، وتوفي في السنة ٤ بعد الميلاد. وقد ضاع مصنفه، ولم يبقَ منه سوى ما نقله عنه «أبيانوس Appianos». وقد ضاع أيضًا الشيء الكثير من مصنف «لبيوس Titus Livius»، الذي أبصر النور في السنة ٥٩ قبل الميلاد، وتوفي في السنة ١٧ بعد الميلاد، ودوَّن مائة وأربعين فصلًا في تاريخ رومة، لم يبقَ منها سوى خمسة وثلاثين،8 ولا سبيل إلى معرفة موقفِه من حوادث السنوات ٤٤–٩ق.م. إلا بما نقله عنه «ديو كاسيوس Dio Cassius»، وقل الأمر نفسه عن أوفيديوس باسوس، الذي عاش حتى أيام نيرون، ودوَّن تاريخ حروب رومة في ألمانية، كما صنف تاريخًا لعصره، فإننا لا نعلم شيئًا عن كتابه الأول، ونميل إلى الاعتقاد أنه وصل في تاريخ عصره حتى السنة ٣١ أو ٤٧ بعد الميلاد، كما يُستدل من كلام نسيبه بلينيوس عنه،9 وألف «سرفيليوس نونيانوس Servilius Nonianus» الخطيب المعاصر تاريخًا شاع وانتشر في عهد كلوديوس أو أوائل عهد نيرون، ولكنه فُقد فيما بعد،10 ومن هذه المصنفات الضائعة؛ تاريخ الشيخ «كريموتيوس كورديوس Cremutius Cordius»، الذي انتحر في السنة ٢٥ب.م.؛ لميوله الجمهورية. ويلوح لنا أن تاريخه شمل الحروب الأهلية وعصر أوغوسطوس، وأنه كان جمهوريًّا معتدلًا. وقد استعان بتاريخه كل من بلينيوس الأكبر وسنكه،11 ومنها أيضًا تاريخ «كلويوس روفوس Cluvius Rufus»، الذي أبصر النور في أوائل التاريخ المسيحي، ونال عطفَ نيرون، واشترك في الحرب الأهلية في السنتين ٦٨–٧٠ب.م.، وكتب تاريخه بعد وصول وسباسيانوس إلى منصة الحكم. وقد استعان بتاريخه كل من تكيتوس وسوتونيوس وديو كاسيوس، وقد يكون مرجعًا أساسيًّا ليوسيفوس المؤرخ اليهودي، كما ارتأى العلامة الكبير تيودور مومسن الألماني،12 ومن هذه التواريخ الرومانية الضائعة كتاب رجل سنكه الخطيب «فابيوس روستيكوس Fabius Rusticus»، الذي انتقد نيرون وأيد سنكه، ولعل مصنفه تضمن أخبار رومة والرومانيين ما بين أكتيوم وسقوط نيرون، وظهر وانتشر بين السنة ٧٤ والسنة ٨٣ب.م.
ودوَّن «بلينيوس الأكبر Gaius Plinius Secundus» ٢٤–٧٩ب.م.، صاحب «تاريخ الطبيعة Historia Naturalis» تاريخين، الأول في «الحروب الألمانية Bellorum Germaniae»، والثاني في «إكمال تاريخ باسوس a fine Aufidii Bassi». ويُستدل مما تبقى من هذين التاريخين، ومما جاء في تاريخ الطبيعة أن بلينيوس الأكبر كان واقعيًّا معتدلًا راضيًا عن أوغوسطوس وكلوديوس ووسباسيانوس، وأنه اعتبر طيباريوس كئيبًا، وغايوس مبذِّرًا، ونيرون «ثمالة الجنس البشري وعدوه Faex generis humani et hostis». مارس المحاماة وخدم العلم الروماني، فرافق طيطس، ولعله كان بين كبار ضباطه في أثناء الحملة على اليهود في السنة ٧٠، وتولى محصليات غالية وأفريقية وإسبانية، ثم قيادة الأسطول في السنة ٧٩ في مياه نابولي، وهُرع إلى الشاطئ في أثناء فوران فيزوفيوس في السنة ٧٩، فاختنق بغازاته السامة.13
وأشهر الهلينيين أو المتهلنين الذين دوَّنوا حوادث هذا العصر نقولاوس الدمشقي و«تيماغينس Timagenes» الإسكندري، و«فليغون Phlegon» الترلي. وُلد نقولاووس في دمشق في الأرجح في حوالي السنة ٦٤ق.م.، ونال نصيبًا وافرًا من العلم فأصبح مستشار هيرودوس الكبير قبل السنة ٢٠ق.م.، ورافقه مرتين إلى رومة بين السنة ١٤ والسنة ٤ق.م. وبعد وفاة هيرودوس عاد إلى حياة عادية، ثم مثل هيرودوس أرخيلاووس مرة واحدة في رومة. تعاطى الأدب الروائي والفلسفة والعلوم الطبيعية، ودوَّن تاريخ حياته، وكتب في حداثة أوغوسطوس مقرِّظًا، وصنَّف تاريخًا عامًّا في مائة وأربعة وأربعين فصلًا منذ أقدم العصور حتى وفاة هيرودوس الكبير، وأخذ عنه يوسيفوس أشياء وأشياء،14 وفي حوالي السنة ٥٠ق.م. أُسر الخطيب المعلم تيماغينس، ونُقل إلى رومة واستقرَّ فيها، وكتب في أعمال أوغوسطوس، ثم تسرع فتهجم على أوغوسطوس ولبية. وكان بذيئًا فغضب عليه الإمبراطور وأهمله، فلجأ إلى صديقه أسينيوس بوليو وأحرق ما كتب. ولا نعلم شيئًا عن مؤلفاته التاريخية الأخرى، ولكننا لا نستبعد أن تكون مصدر الفضائح والثرثرات التي نقرأ في مصنَّف سوتوينوس وغيره،15 وكان فليغون الترلي أحد عتقاء الإمبراطور أدريانوس، فصنَّف في مواضيع مختلفة، منها: الأوليمبيات، والعجائب والغرائب. وهو الذي يفيدنا عن تماثيل طيباريوس، التي أقيمت في مدن آسية. وهو الذي يذكر أيضًا الظلمة التي أطبقت على الأرض عندما صاح يسوع صيحته العظيمة على الصليب.16

(٢) النصوص الباقية

وأول هذه بعد مصنفات شيشرون وبيان أوغوسطوس عن أعماله، تاريخ «ويليوس بتركلوس Velleius Paterculus» الذي وُضع خصيصًا لمناسبة قنصلية سيده «وينيكيوس Vinicius» في السنة ٣٠ب.م.، وقد خصص سبعين فصلًا من فصوله للحوادث التي جرت بعد السنة ٤٤ق.م. وُلد ويليوس في السنة ١٩ق.م.، وتوفي في السنة ٣١ب.م.، رافق غايوس إلى الشرق في السنة الأولى بعد الميلاد، وتولى التربنة في تراقية ومقدونية، وقاتل في ألمانيا، وتقاعد بعد ذلك فكتب مشيدًا بمناقب طيباريوس العسكرية ومواهبه الإدارية والسياسية،17 وكرَّس «واليريوس مكسيموس Valerius Maximus» مجلداته التسعة في مُثُل الفضيلة وأنواع الرذيلة18 لعناية طيباريوس السماوية، وهي لا تخلو من بعض المعلومات عن رجالات العصر وعن مصادرات السنة ٤٣-٤٢.19 وعاصر سنكه الأصغر طيباريوس وغايوس وكلوديوس ونيرون. ومع أنه لم يصنف تاريخيًّا بالمعنى المضبوط، فإن رسائله تتضمن معلومات تاريخية هامة في بعض الأحيان، ولكنه كان يعطي لكل ظرفٍ حقه، فتتطور أحكامه من المديح والثناء إلى النقد اللاذع والتحقير، كما يُستدل من معالجته لعهد الإمبراطور كلوديوس.20
وأفضل النصوص الباقية تواريخ تكيتوس وحولياته. وُلد «كرنيليوس تكيتوس Cornelius Tacitus» في حوالي السنة ٥٥ بعد الميلاد، وتزوج في السنة ٧٧ من بنت «كليغيولا Caligula» القائد القنصل الشهير. وتدرج في سُلَّم الوظائف، وأصبح «مقدمًا Practor» في السنة ٨٨، ثم أُنفذ حاكمًا على إحدى الولايات أربع سنوات متتالية، وفي السنة ٩٧ وصل إلى كرسي القنصلية مع «نروة Nerva» الإمبراطور فيما بعد. ثم عُين واليًا على آسية في حوالي السنة ١١٢، وتوفي في أوائل عهد أدريانوس أو آخر عهد تريانوس سنة ١١٧ب.م.، وكان قد تعلم البيان ومارس الخطابة، فأضاف إلى ذلك خبرة شخصية في الحكم، وصنف كتاب التواريخ، فضمَّنَه حوادث السنوات ٦٩–٩٦، ثم كتاب الحوليات، فعالج فيه حوادث السنوات ١٤–٤٨. وجاء كتاب التواريخ في اثنتي عشرة رسالة، لم يبقَ منها سوى الرسائل الأربع الأولى وبعض الخامسة،21 أما حولياته، فإنها جاءت في ثماني عشرة رسالة، وليس لدينا منها سوى الرسائل الأربع الأولى وبعض الخامسة والسادسة ونصف الحادية عشرة، وجميع الثانية عشرة حتى الخامسة عشرة وبعض السادسة عشرة،22 ومن آثار «تكيتوس المحاورة Dialogus de oratoribus»: وفيها أسباب انحطاط الخطابة في العهد الإمبراطوري. ومن مخلفاته أيضًا «سيرة حميه أغريكولا de vita Julii Agricalae».
واستعان تكيتوس في تدوين أخباره بمصنفات باسوس وروفوس وروستيكوس ومسلَّة، وأضاف إلى ذلك ما وعاه هو في صدره. وقد ينقل مقتطفات متناقضة،23 فيبدي رأيه في ذلك متعمقًا مدققًا،24 ولا قيمة لافتراض «فابية Fabia» أن تكيتوس تقيد بالنقل عن غيره، وأنه وقف عند هذا الحد، ولكن لا يختلف اثنان في أن تكيتوس تأثر بنزعاته الشخصية في رواية الماضي، فهو يأسف كل الأسف لضياع الحرية التي تمتعت بها رومة في عهد الجمهورية،25 ويرى أن ظل الرجل الفرد المتربع في دست الحكم أفاد الولايات، ولكنه قلَّل شعور الحاكم الفرد بالمسئُوليات المعنوية، ودفع بالرومانيين إلى التملُّق والانصياع، ويرى أيضًا قِدر الآلهة تجيش على الرومانيين وتفور، ويرى عمله التاريخي شاقًّا مظلمًا؛ إذ ليس له إلَّا أن يدوِّن ظنون طيباريوس، وانقياد كلوديوس لنسائه وعُتقائه، وغرور نيرون ورذائله.26
ولم يكن «سوتونيوس ترانكويلوس Suetonius Tranquillus» من أكفاء تكيتوس أو أشباهه، ولكنه حفظ لنا أشياء مفيدة؛ دخل في حلقة بلينيوس الأصغر، والتحق مدة وجيزة بمعية الإمبراطور أدريانوس، وحرر له (١١٩–١٢١). ثم انصرف للبحث والتنقيب والتدوين، وأهم ما تبقى من مصنفاته «سير القياصرة الاثني عشر De Vita Caesarum»،27 وقد أحاط بأخبار القياصرة وجمعها، ولكنه آثر في غالب الأحيان الأقوال الرسمية وشبه الرسمية، وأضاف أقاويل وإشاعات بدون نقد أو تمحيص،28 وُلد في رومة في حوالي السنة ٦٩ب.م.، وتوفي في السنة ١٤١.
وأفضل النصوص اليونانية الباقية جغرافية سترابون، وأعمال فيلون، وتواريخ يوسيفوسس، وسير بلوتارخوس، وتواريخ أبيانوس وديو كاسيوس. وُلد «سترابون Strabon» في «أماسية Amasia» من أعمال البونط في آسية في السنة ٦٤ق.م.، فنشأ رواقيًّا متجولًا، وصنف جغرافية باليونانية في سبع عشرة رسالة، وصف فيها بلدان العالم الروماني، وأوضح تطورها التاريخي والاقتصادي، وبيَّن عجائبها ونوادرها. وعلى الرغم من قلة تدقيقه في بعض الأحيان، فإنه حفظ للمتأخرين معلومات مفيدة، وألَّف ثلاثًا وأربعين رسالة أسماها الأبحاث التاريخية، ولكنها ضاعت. وتوفي في السنة ١٩ بعد الميلاد.29
وفيلون Philo Judacus يهودي إسكندري، وُلد في الإسكندرية في حوالي السنة ٣٠ق.م. وتوفي فيها في السنة ٤٥ب.م.، وكان فيلسوفًا بحاثة، لجأ إلى تأويل النصوص العبرية المقدسة؛ ليظهر أسبقيتها في حقل الفلسفة اليونانية، ولا سيما نتاج أفلاطون وأرسطو. ويتضمن كتابه «أعمال الله العجيبة» رسالتين in Flaccum وLegatio ad Caium، وصف فيهما وصفًا دقيقًا الكارثة التي حلَّت باليهود في الإسكندرية في السنة ٣٨ب.م. والرحلة التي قام بها وفد اليهود برئاسة فيلون إلى رومة، وأطنب فيلون في مدح طيباريوس؛ ليعارض بذلك مفاسد غايوس وشروره.30
أما «يوسيفوس Josephus»، فإنه أبصر النور في فلسطين في حوالي السنة ٣٧ب.م.، وانتمى إلى أسرة اشتهرت بخدمة الكهنوت، ودرس الناموس، وزهد ثلاث سنوات في البرية متتلمذًا «لبنوس Bannos»، متخرجًا فريسيًّا من الفريسيين، وأَمَّ رومة في السنة ٦٤ب.م.، راجيًا إطلاق سراح بعض زعماء اليهود، فنال عطف بوبيه زوجة نيرون. وفي السنة ٦٦ اشترك في الحرب ضد رومة، ولكنه وقع أسيرًا بعد سنة في يد القائد الروماني وسباسيانوس، فنال عطفه بأن تنبأ أن هذا القائد سيصبح إمبراطورًا في مدة قريبة، فلما وصل وسباسيانوس إلى سدة الحكم في السنة ٦٩ أطلق سراح يوسيفوس، فأخذ هذا لنفسه الاسم «فلافيوس Falavius». وفي أثناء حصار أورشليم في السنة ٧٠ ترجم يوسيفوس «لطيطس Titus» القائد، ورافقه إلى رومة، واستقر فيها مكرمًا معززًا، وأصبح مواطنًا رومانيًّا، وتلقى من خزينة الدولة معاشًا مكَّنه من الانصراف إلى التأليف، فصنف في السنة ٧٧-٧٨ كتابه في حرب اليهود، مبتدئًا من ثورة المكابيين. ولعله وُضع بالآرامية أولًا ثم نُقل إلى اليونانية. وفي السنة ٩٤ ظهر كتابه في تاريخ اليهود القديم في عشرين رسالة، ابتدأت بأخبار الخليقة، وانتهت بانتهاء الثورة.31
ولا نعرف الشيء الكثير عن «بلوتارخوس Plautarchos» الفيلسوف المؤرخ (٤٦–١٢٠ب.م.)، ولكننا نعلم أنه زار رومة مرتين محاضرًا فيها في الفلسفة الأدبية، وأنه رحل إلى الإسكندرية، وتجوَّل في إيطالية وبلاد اليونان، وأنه انتمى إلى طغمة الكهنة في دلفي، وأنه تولى منصبًا إداريًّا في آخر حياته في «خيرونية Chaeronia» مسقط رأسه. وتحاشى فيما كتب واعتدل وزوَّق وشوَّق، فراجت مصنفاته رواجًا كبيرًا، وأقبل عليها القراء من جميع الأوساط.
وكتب بلوتارخوس في «السير المتوازية Bioi paralleloi»، فوصف حياة رجل دولة يوناني أو عسكري، ثم أردف حياة روماني بارز مبينًا وجوه التشابه، منتهيًا بمقابلة أو مقارنة بين الاثنين، فجاءت سيره المتوازية ثلاثة وعشرين زوجًا، ولما كان بلوتارخوس فيلسوفًا فإنه عُني بأخلاق الرجال أكثر من أعمالهم السياسية، وكتب أيضًا في «الأخلاق Moralia» كتابًا منفردًا، عالج فيه الحياة الزوجية والدين والخرافات وما شاكل ذلك. وكان أفلاطونيًّا فعارض الرواقيين والأبيقوريين.32
ووُلد «أبيانوس Appianos» في الإسكندرية في أواخر القرن الأول بعد الميلاد، فتسنى له اختبار ثورة اليهود في السنة ١١٦، واستوظف في الإسكندرية. وبعد أن نال حقوق المواطن الروماني انتقل إلى رومة، وأصبح فارسًا و«مارس المحاماة advocatus fisci»، وعُني بحروب رومة منذ أوائل عهدها حتى أيام وسباسيانوس، فدوَّن أربعًا وعشرين رسالة فيما أسماه Romaika، والرسائل العشر الباقية تبحث في حروب قرطاجة، والحرب الأهلية من ماريوس حتى سولة. فالسنة ٣٤ق.م. وقد أخذ كثيرًا عن أسينيوس يوليو، فعارض شيشرون وموناتيوس بلانكوس، ولعله نقل أيضًا عن مسالة «كوروينوس Corvinus» وعن أوغوسطوس نفسه في سرد أخبار حروبه.33 توفي في السنة ١٦٠ب.م.
وكتب كاسيوس Dio Cassius Cocceianus باليونانية أيضًا. وُلد في نيقية من أعمال بيثينية في منتصف القرن الثاني بعد الميلاد، وتولى القنصلية في رومة في السنة ٢١١ وفي السنة ٢٢٩، وأدار شئون أفريقية ودلماتية، وتوفي في السنة ٢٣٥. عُني بتاريخ رومة منذ أقدم العصور حتى السنة ٢٢٩، فجاء في ثمانين رسالة، لم يبقَ منها سوى السادسة والثلاثين حتى الستين، والتاسعة والسبعين. وتضمنت الرسائل الأربع عشرة الأولى هذه أخبار السنوات ٦٨ق.م.، حتى ٥٤ب.م. وأحاط كاسيوس بما كُتب قبله ونظر فيه، ولكنه لم يدقق تدقيق تكيتوس.34

هوامش

(1) Bernhardt, M., Hardbuch zur Munzkunde des romischen Kaiserzeit, (1926); Cohen, H. Description hist, des monnaies fropples sous l’Empire romain, (1880–1892); MATTINGLY, H., and E.A. SYDENHAM, The Roman Imperial Coinage, I, (Augustus to Vitellius), 1923.
(2) Wauck, W., Die syrische Provinzialpragung von Augustus bis Trajan., (1931).
(3) SCHUBART, W., Einfuhrug in die Papyruskunde, 1917.
(4) MITTRIS, L., und WILCKEN, U., Gryndzuge und Chrestomathie der Papyruskunde, 4 vols., 1912.
(5) CALDERINI, A., Manuale di Papirologia, (1938); STEIN, A., Untersuchengen zur Gesch. Und Venvaltung Argyphtens unter rom. Herschaft, (1915); JOUOURT, P., Les Papyrus Latins d’Egypte, Rev. Etud. Lat., 1925.
(6) MALCOVATI, H., Caesaris Augusti Imperatoris operum fragmenta iteratis curis collegit, (1928).
(7) PURSER, L.C., Cicero Epist. Ad Atticum, ad M. Brutum, ad Familiares; TYRELL and PURSER, Corresp. of M. Tullius Cicero (1915–1933); CLARK, A.C., Cicero, Philippicae, (1926).
(8) Periochae, 116–134; Orosius, 6: 18–20, 7: 6; Florus, 2: 14–21, 26; Eutropius, 7: 1–8; Incerti, de uiri illustribus, 79–85.
(9) PETER, H., Hist. Rom. Reliq., II, 1906; FABIA, Ph., Les Seurces de Tocite, 185, 355.
(10) PETER, H., op. cit., II, 1906.
(11) Ibid.
(12) FABIA, Ph., op. cit., 171, 376.
(13) WEATHERED, H.N., The Mind of the Ancient World: A Consideration of Pliny’s Natural History, (1937).
(14) WITTE, W. De Nicolai Dam. frag. rom. fontibus, (1900); Jacoby, F., Fragmente der griechischen Historiker, II, 324.
(15) MULLER, C., Fragmente Historicorum Graccoram, III, 317–323; Jacoby, F., op. cit., II, 88.
(16) MULLER, C., op. cit., 257.
(17) Text: SHIPLEY, F.W., Vellieus Paterculus, (Loeb Class. Lib.); Life and Work., WIGHT DUFF, J., Lit. Hist. of Rome, Silver Age, 83 ff; SUMMERS, W.C., Silver Age of Latin Lit. 139 ff.
(18) Factorum ac dictorum memorabilium libri IX.
(19) Text: KEMPF, C., (1854); Translation: SPEED, W..
(20) Apocolocyntosis divi Claudii.
(21) Text: HALM and ANDERSON, (1916); Translation: FYFFE, (1912), MOORE, (Loeb, 1925–1931).
(22) KOSTERMANN, (1932–1934); Trans.: JACKSON, (Loeb, 1931).
(23) Hist. 3:28; Ann. 13:20, 14:2.
(24) PLIN., Epist., 7:33.
(25) “liberatum et consulatum”, Ann. 1:1, 4:63.
(26) BOISSIER, G., Tacite, (1923); MARCHESI, C., Tocito, (1924); SCHWABE, L., Real-Encyc., IV, 1566; DUFF, Lit. Hist. of Rome, Silver Age, 559–598.
(27) Text: TRUBNER (Roth Ihm); Text and Transl.: ROLFE, J.C., (Loeb, 1914).
(28) MOMMSEN, Th., Hermes, III, 43 ff.; MACE, A., Essai sur Sultone, (1900); STUART, D.R., Epochs of Greco-Rom. Biography, (1928).
(29) JONES, H.L., The Geogrphy of Strabo, (Loeb).
(30) Text: COHN, Wendland, Reiter, 7 vols., (1896–1930); Box, H., In Flaccum, (1939); GOODENOUGH, R.E., The Politics of Phile Judacus, (1938); DANIELOU, J., Philon d’Alexandrie (1957).
(31) Text: NIESSE, B., Berlin, 1887–1895; Text and Trans,: THACKERAY, H.J., (Loeb, 1926–1931); LAQUZUR, R., Der judische Historiker Flavius Josephus, (1920); THACKERAY, H.J., Josephus the Man and the Historian, (1929); ZEITLIN, S., Josephus on Jesus, (1931).
(32) Text: Vitae: TEUBNER, (Lindskog-Zeigler, 1914–1935); Trans.: PERRIN, B., (Loeb, 1914–1926); WEIZSACKER, A., Untersuch. u. P.’s biog. Technik, (1931).
(33) Text: MENDELSSOHN, L., (1879–1881); WHITE, H.E., (Loeb, 1912-1913); CARCOPINO, J., Autour des Cracques, (1928); KLOTZ, A., Appians Darstellung des zueiten Punischen Krieges, (1936).
(34) MELBER, J., (Teubner, 1890–1928); CARRY, E.W., (Loeb, 1914–1927); SCHWARTZ, E., Real-Encye., III, 1684.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤