المصادر
(١) السير المعاصرة
يعتمد كثير من السير المعاصرة لكليوباترا السابعة على النصوص الرومانية كمصدر أساسي لها. هذا ويدرك كثير من المؤرخين المعاصرين بوضوح أن مثل هذه النصوص تتسم بالتحيز السياسي أو الثقافي، لكن يبدو أنهم يستخدمونها دون تفكير كثير كما لو أنهم لا يملكون بديلًا آخر. وهكذا يُنظر إلى كليوباترا بوصفها ملكة أوروبية في حين أنها كانت في الحقيقة حاكمة لمصر.
تضم السير التقليدية سيرة مايكل جرانت (التي نُشرت لأول مرة عام ١٩٧٢)، وتظل أكثر رواية شاملة عنها قائمة على مصادر تاريخية. بالمثل توجد سيرة برادفورد (١٩٧١) المقسَّمة زمنيًّا وإلى حد ما وفقًا للموضوعات الرئيسية. ومؤخرًا ظهرت كتب تتناول موضوعات أوسع نطاقًا مثل كليوباترا وحكم البطالمة في مصر (شوفو ٢٠٠٠، وترجمته الإنجليزية عام ٢٠٠٢). وفي عام ١٩٩٧ نُشر كتاب تاريخي عن كليوباترا ومصر في عهدها مصاحبًا لبرنامج تليفزيوني صدر بعنوان تايم واتش (فوس ١٩٩٧). تحدَّث كتابان شاملان عن أسطورة كليوباترا من تأليف هيوز هالت (١٩٩٠) وهامر (١٩٩٣)، ومؤخرًا نشرت رويستر (٢٠٠٣) كتابًا عن كليوباترا في الأدب والإعلام المعاصرَين. بدأ الباحثون في العصر الحالي في دراسة جوانب معينة من حكم كليوباترا، ومثال على هذا كتاب كلاينر (٢٠٠٥) بعنوان «كليوباترا وروما»، لكنه حادَ قليلًا عن العنوان وضم أجزاءً عن مصر مأخوذة في الأساس من كتالوج معرض المتحف البريطاني لعام ٢٠٠١. وفي عام ٢٠٠٣ نُشرت وقائع أحد المؤتمرات الذي عُقد في المتحف البريطاني مصاحبًا للمعرض (ووكر وأشتون)، وشكل ملخصًا للأفكار التي عُرضت فيها أساسًا لكتاب أصغر حجمًا صدر في وقت قريب من تأليف نفس المؤلفتين (٢٠٠٦). قدَّم جونز (٢٠٠٦) مرجعًا مفيدًا، لكنه غير شامل، في الترجمة وسيُشار إليه على مدار الكتاب، بالإضافة إلى ترجمات أكثر تخصصًا للمصادر الرومانية. إن هذا ليس سردًا كاملًا للكتابات المتاحة بالإنجليزية عن هذا الموضوع، ولكنه يقدِّم للقارئ فكرة عن حجم الإصدارات الموجودة في هذا الموضوع. لا يحظى إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الأخرى بمثل هذا الاهتمام. من غير السهل انتزاع كليوباترا من السياق التاريخي الروماني؛ ولذلك من السهل أن نرى السبب وراء فشل كثير من الكُتَّاب في تحقيق هذا في سِيرهم. لن نُغفل في هذا الكتاب الحديث عن الرومان وتأثيرهم الكبير على الإطار العام لحياة كليوباترا، وإنما سنحاول رؤية هذه الملكة داخل سياق حياتها المصرية.
بالإضافة إلى الدراسات المتخصصة توجد أيضًا كتالوجات المعارض، مثل كتالوج المعرض الذي نظمه المتحف البريطاني وأُقيم في بالاتسو روسبولي في روما (٢٠٠٠) وفي المتحف الميداني في شيكاجو (٢٠٠٢). لم تكن هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها الولايات المتحدة الأمريكية معرضًا يدور موضوعه حول كليوباترا؛ ففي عام ١٩٨٨ أقام متحف بروكلين معرضًا تحت عنوان «عهد حكم كليوباترا البطلمي في مصر» (عمل من تحرير بيانشي ١٩٨٨). ضم كتالوج المعرض مقالات لباحثين بارزين، أصبحت أبحاثًا رئيسية حول عدد من جوانب تصوير هذه الشخصية الملكية البطلمية. اعتمدت المعروضات على مجال أوسع بكثير من كليوباترا نفسها وضمت آثارًا من حكم سابقيها ولاحقيها أيضًا.
يُعتبر مثل هذه البدائل للسجل التاريخي المكتوب مهمًّا لأنه يتيح لنا وسيلةً لتقييم الطريقة التي كانت كليوباترا تتمنى أن تظهر بها ولا يجعلنا نراها مجرد شخصية ضمن تاريخ شخص آخر. عُرض كثير من هذه المصادر في معرض خاص ٢٠٠٠–٢٠٠٢ تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة» وعُرض على نحو مناسب في الكتالوج (ووكر وهيجز (تحرير) ٢٠٠١). هذا ومن غير الممكن، أو في الواقع من غير المناسب دراسة كافة التفسيرات الممكنة لمثل هذه المعروضات في كتالوج كُتِب في الأساس لعامة الناس. لقد ألقى هذا المعرض والكتالوج المصاحب له الضوء على نقص الأبحاث العلمية الشاملة عن كثير من جوانب حياة هذه الملكة، خاصةً صورتها كحاكمة مصرية. وفي وقت تأليفي لهذا الكتاب كان المجتمع العلمي قد قضى وقتًا في إمعان التفكير في الأعمال التي عُرضت في المعرض وأصبح من الممكن حاليًّا إعادة التفكير في طريقة تفسيرنا لشخصية كليوباترا السابعة.
على عكس كثير من السِّيَر السابقة للملكة، سيركز هذا الكتاب على طريقة شرح الأدلة التي لا تزال باقية والتفكير في تقييمات بديلة. تتمثَّل إحدى أكبر المشكلات التي تظهر عند التعامل مع حكم البطالمة في مصر في طبيعة هذا الموضوع متعدد التخصصات؛ فيبدو أن الدارسين المتخصصين في جانب واحد محدد من ثقافة البطالمة يواجهون صعوبات في فهم التفسير المقبول وغير المقبول للسمات الأساسية لهذه الثقافة، وينطبق هذا على وجه الخصوص على الأدلة المصرية. سنتحدث عن تلك المشكلات بالتفصيل في الفصول القادمة.
(٢) كُتَّاب السيرة والمؤرخون الرومان التقليديون
تقدِّم الروايات التاريخية التقليدية وسيلة لدراسة رؤية الآخرين لكليوباترا، والأهم من هذا، أنها كانت وسيلة لفهم المزيد عن المجتمع الذي كُتبت فيه. لمزيد من الإيضاح لا بد لنا من معرفة هوية هؤلاء المؤلفين القدماء والمناخ السياسي الذي كتبوا مؤلفاتهم فيه. سنجد أن أسماء كثير من هؤلاء الكُتَّاب مألوفة لنا، ومع ذلك، من المهم أن نأخذ في الاعتبار خلفياتهم وانتماءاتهم السياسية من أجل تحديد مدى دقة «رواياتهم التاريخية». يوجد فيما يلي قائمة انتقائية لمؤلفين ذكروا كليوباترا مباشرةً. هذا وسنقتبس أجزاءً من أعمالهم على مدار الكتاب وسنقارنها بالأدلة الأثرية والأدلة التي ظهرت في الأعمال التاريخية الفنية عن حكم هذه الملكة. وعندما نتحدث عن المصادر الرومانية من المهم أن نتذكر أنه على الرغم من كتابة الأعمال في أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية، فإن كثيرًا من المؤلفين والمؤرخين كانوا إغريقًا ويكتبون بالإغريقية. وسنذكر، قدر المستطاع، مسقط رأس كل مؤلف وهويته الثقافية باختصار تحت اسمه.
(٢-١) الكُتَّاب الرومان المعاصرون
توجد أهمية خاصة لهذه المجموعة من الكُتَّاب لأنها تسمح لنا بمعرفة وجهة نظر روما في كليوباترا في أثناء حياتها. لم يلعب يوليوس قيصر دورًا مهمًّا في حياة كليوباترا فحسب، بصفته والد أول أبنائها ووريثها المختار، وإنما كتب أيضًا عن وصوله إلى مصر وإقامته فيها في عملين: «حرب الإسكندرية» و«الحروب الأهلية» (المجلد الثالث). لم يكن الكتابان سردًا ذاتيًّا على الإطلاق، وإنما كُتبا بضمير الغائب، وهو ما قد يشير إلى أن هذا العمل قد ألفه أولوس هيرتس أحد قادة جيشه. ذُكرت كليوباترا في سياق وفاة القائد الروماني بومبي والوضع السياسي في مصر وقت وصول يوليوس قيصر («الحروب الأهلية» المجلد ٣، الصفحات ١٠٣ و١٠٧ و١٠٨).
على العكس من أسلوب يوليوس قيصر في السرد التاريخي وانتمائه السياسي، كان الخطيب ورجل السياسة ماركوس توليوس شيشرون ناقدًا شديدًا لكليوباترا، وقد عاش تقريبًا من عامي ١٠٦ إلى ٤٣ قبل الميلاد (جونز ٢٠٠٦: ٨٥–٨٧). وتُظهر خطابات شيشرون إلى أتيكاس أن الملكة كانت موضوعًا للإشاعات خلال فترة إقامتها لمدة عامين في روما، بين عامي ٤٦ و٤٤ قبل الميلاد، في فيلا يوليوس قيصر. تُعتبر هذه النصوص مهمة لأنها تؤرخ للفترة التي سبقت معركة أكتيوم، وتقدِّم تقريرًا عن حياة الملكة في وقت كان يُنظر إليها فيه على أنها تمثِّل تهديدًا محتملًا لروما منذ بداية اتصالها بإيطاليا.
كذلك لم يكن شيشرون في النهاية مؤيدًا ليوليوس قيصر؛ إذ كان يفضل الانحياز سياسيًّا إلى القائد بومبي، الذي اشتبك مع يوليوس قيصر في الحرب الأهلية الرومانية. بعد ذلك، أيد شيشرون أوكتافيان وحاول في عامي ٤٤ و٤٢ قبل الميلاد إقناع مجلس الشيوخ بضرورة إعلان مارك أنطونيو عدوًّا للشعب، لكنه فشل في ذلك. ولدواعي المفارقة كان ولاء شيشرون لأوكتافيان سببًا في دماره؛ إذ فقد شعبيته وقُتل في السابع من ديسمبر عام ٤٣ قبل الميلاد بعدما أصبح هو نفسه عدوًّا للدولة.
(٢-٢) الكُتَّاب الرومان في عصر أغسطس، بعد وفاة كليوباترا
كان الشاعر هوراس أحد المعلقين المعاصرين لأغسطس الذين ظهروا بعد معركة أكتيوم مباشرةً، وقد عاش في الفترة بين عامي ٦٥ و٨ قبل الميلاد (جونز ٢٠٠٦: ١٦٥–١٦٩). كان هوراس عضوًا في دائرة أدبية يرعاها أغسطس. ويذكر كليوباترا في كتابه الأول من مجموعة «الأناشيد» (١. ٣٧)، الذي نُشر عام ٢٣ قبل الميلاد تقريبًا، بعد سبع سنوات من وفاة الملكة، والذي يحتفل فيه بوفاتها بالسطر الشهير: «والآن دعونا نشرب.»
أحد الشعراء الآخرين من دائرة المقربين من أغسطس كان سيكستوس أوريليوس بروبيرتيوس الذي ولد بين عامي ٥٤ و٤٧ قبل الميلاد وتُوفي في عام ١٦ قبل الميلاد. يذكر الشاعر كليوباترا في قصائده العاطفية (جونز ٢٠٠٦: ١٦٩–١٧٦)، وقد كان دائم الإشارة إلى انحرافات كليوباترا الجنسية المزعومة وفسقها؛ مما يُظهر لنا أن هذا الجزء من أسطورة كليوباترا ظهر في وقت مبكر.
كذلك عقب وفاة كليوباترا مباشرةً زار المؤرخ وعالم الجغرافيا سترابو مصر في الفترة بين عامي ٢٥ و١٩ قبل الميلاد ويذكر كليوباترا في أجزاء عديدة من موسوعته «جغرافيا». ولا يتحدث عن كليوباترا بالتفصيل إلا في الكتاب ١٧. ١. ١٠ ويدور الحديث عن الافتراضات المحيطة بوفاتها (جونز ٢٠٠٦: ٧ و٢٩-٣٠).
(٢-٣) الكُتَّاب الرومان في عصر تيبيريوس
ظهر عدد كبير من الكُتَّاب الذين ذكروا كليوباترا السابعة في أثناء حكم تيبيريوس، خليفة أغسطس. بطبيعة الحال كان هؤلاء الكُتَّاب حريصين على مدح والد الإمبراطور الحالي. ويبدو أن تيبيريوس نفسه كان لا يشعر بانجذاب كبير تجاه العقائد المصرية في روما؛ إذ أغلق معبد إيزيس الرئيسي في روما بعد حدوث فضيحة هناك. كذلك أُطلق اسمه على بعض المنشآت التي أُهديت إلى مصر، لكن معظم هذه المشروعات كانت استكمالًا لتلك التي بدأت بموجب برنامج والده الموسع للبناء والتشييد (أرنولد ١٩٩٩: ٢٤٨–٢٥٠).
كان فيليوس باتركولوس مؤرخًا نادرًا ما يتخذه الكُتَّاب القدماء اللاحقون مصدرًا لهم. عاش في الفترة من سنة ١٩ قبل الميلاد تقريبًا حتى بعد عام ٣٠ ميلاديًّا، عندما نُشرت أعماله. كان باتركولوس مؤيدًا لتيبيريوس وحكومته، واستخدم كليوباترا — التي ظهرت في المجلد الثاني من عمل بعنوان «الأحداث التاريخية» — من أجل توضيح ضعف شخصية مارك أنطونيو، على الرغم من وجود تساؤلات كثيرة ونقد لأفعال مارك أنطونيو بعيدًا عن الملكة في الأجزاء التي تسبق مباشرةً الحديث عن معركة أكتيوم (جونز ٢٠٠٦: ١٥٣-١٥٤، و١٦٤-١٦٥، و١٨٩).
كان فاليريوس ماكسيموس أيضًا أحد مؤرخي عصر تيبيريوس ومؤلف كتاب «مجموعة من الأعمال والأقوال البارزة». توجد إشارة إلى كليوباترا في المجلد الرابع من هذه المجموعة في الصفحة ١ إلى ١٥. ونظرًا لتأثره بشيشرون والأعمال الكاملة التي كانت تهدف إلى مدح تيبيريوس، لا عجب إذن أن نعلم أن فاليريوس لم يكن مؤيدًا للملكة.
عاش لوكان في الفترة من نحو عام ٣٩ إلى ٦٥ ميلاديًّا وكتب قصيدة ملحمية بعنوان «فرساليا» (١٠. ١–١٩٢، ٣٣٢–٥٤٦)، أعاد فيها سرد الحرب بين يوليوس قيصر وبومبي، التي انتهت باحتلال بومبي لجزيرة فاروس في الإسكندرية. وبعد وصول يوليوس قيصر إلى الإسكندرية بوقت قصير قُتل بومبي بأمر من بطليموس الثالث عشر؛ أخي كليوباترا. ظهرت كليوباترا في هذه القصيدة على أنها شخصية مراوغة، وأُشير إليها مباشرةً في عدد من الأبيات (جونز ٢٠٠٦: ٦٣–٧٨).
(٢-٤) الكُتَّاب الرومان في القرن الأول والثاني الميلادي
يذكر بليني (الأكبر، من ٢٣ إلى ٧٩ ميلاديًّا) كليوباترا أيضًا في المجلد التاسع من كتابه «التاريخ الطبيعي» في الفصل ٥٨ (جونز ٢٠٠٦: ١٠٦–١٠٩). يقدِّم ما قاله عنها انطباعًا عن فكرة الرومان عن ثراء وترف البلاط البطلمي ويعيد سرد القصة الشهيرة عن إذابة كليوباترا لؤلؤة في الخمر.
لم تكن كليوباترا السابعة عدوةً لروما فقط؛ فقد وضع الراهب اليهودي والمؤرخ فلافيوس يوسيفوس، الذي وُلد نحو ٣٧ / ٣٨ ميلاديًّا وتُوفي نحو عام ١٠٠ ميلاديًّا، كليوباترا ضمن الشخصيات المعادية للسامية في كتابه بعنوان «ردًّا على أبيون»، وفي كتاب آخر بعنوان «الحرب اليهودية» وأخيرًا في كتاب «آثار اليهود القديمة». تتسم كثير من الحقائق التاريخية التي قدمها بالتحيز؛ ففي إحدى الحالات يتهم الملكة «بتدمير آلهة دولتها وقبور أسلافها».
وُلد بلوتارخ، أحد المصادر الرئيسية للسنوات الأخيرة من حكم كليوباترا، قبل عام ٥٠ ميلاديًّا وتُوفي قبل عام ١٢٥ ميلاديًّا (بلينج ١٩٨٨: ٣). فقد سافر إلى مصر، وعمل كاهنًا طوال آخر ثلاثين عامًا من حياته في معبد دلفي. يُقال في كثير من الأحيان إنه كان مؤيدًا كبيرًا للعلاقة بين اليونان وروما ولذلك كانت له نفس توجهات الإمبراطور هادريان (بلينج ١٩٨٨: ٩). ظهرت كليوباترا مرتين في سِيره عن يوليوس قيصر (جونز ٢٠٠٦: ٥٥–٥٨)، وأنطونيو (جونز ٢٠٠٦: انظر ٣٤٣). وكان كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» أساسًا لكثير من أعمال كُتَّاب لاحقين عن كليوباترا. ظهرت الملكة كفصل في حياة أنطونيو بدلًا من تفرُّدها بسرد تاريخي خاص بها.
عمل سويتونيوس، الذي وُلد نحو عام ٦٩ ميلاديًّا، أيضًا تحت حكم الإمبراطور هادريان. طرده هادريان من العمل ككاتب للبلاط عام ١٢٠ / ١٢١ ميلاديًّا. ونظرًا لعمله ككاتب فقد سجل الأحداث وذكر تعليقات بسيطة بدلًا من تحليل مصادره نقديًّا. ذكر كليوباترا في ثلاثٍ من سِيره؛ عن يوليوس قيصر (الفصلان ٣٥ و٥٢، جونز ٢٠٠٦: ٤٦–٥٢ و٥٤-٥٥ و٧٨-٧٩ و٨٧-٨٨)، وأغسطس (الفصلان ١٧ و٦٩، جونز ٢٠٠٦: ١٢٩–١٣٤ و١٤٤–١٤٦ و٢٠١-٢٠٢)، ونيرو (الفصل الثالث).
عاش جالينوس من عام ١٣٠ حتى ٢٠٠ ميلاديًّا تقريبًا. كان طبيبًا من مدينة بيرجامون درس في الإسكندرية وسجَّل العلاج الذي كانت تستخدمه كليوباترا لتساقط الشعر (رولاندسون ١٩٩٨: ٤١). ربما ارتبط هذا العلاج بالصلع الذي أصاب يوليوس قيصر أو ربما كان رواية تناقلها الباحثون والدارسون في الإسكندرية.
(٢-٥) الكُتَّاب الرومان في القرنين الثاني والثالث الميلاديين
عاش المؤرخ ديو من عام ١٥٠ حتى ٢٣٥ ميلاديًّا تقريبًا وكان عضوًا في مجلس الشيوخ الروماني تحت حكم الإمبراطور كومودوس. يضم كتابه «التاريخ الروماني» سردًا للحرب بين بومبي ويوليوس قيصر وغزو أوكتافيان، الذي أدى إلى تأسيس الإمبراطورية الرومانية. ذُكرت كليوباترا في عدة أجزاء (جونز ٢٠٠٦: ٣١ وانظر أيضًا ٣٣٦). هذا وقد استخدم كاسيوس ديو كمؤرخ تيتوس ليفيوس مصدرًا له.
عاش فيلوستراتوس، وهو مواطن روماني، في طفولته في الجزء التابع لأثينا من جزيرة ليمنوس؛ فيُعتقد أنه وُلد نحو عام ١٧٠ ميلاديًّا. ذُكرت كليوباترا على أنها مثال على الفساد الأخلاقي والفجور في كتابه الذي يحمل عنوان «حياة السفسطائيين» (رايت ١٩٥٢). إن كتابه هذا مثال جيد على النظرة التي كانت تَعتبر كليوباترا مؤثرًا سلبيًّا على مَن حولها؛ فقد استخدم كثير من الكُتَّاب الرومان قبضتها المُحكمة على الرجال لتفسير سقوط «ضحاياها» الرومان. ذُكرت كليوباترا في مقطع شعري في الفصل الخامس من المجلد الأول، حيث جرى الحديث عنها من منظور علاقتها برجل مصري يُدعى فيلوستراتوس درس الفلسفة مع الملكة، وهو ما يفسر مديحه لها.
(٣) المصريون والأفارقة
لم يكن يوجد بين الكُتاب الذين تحدثنا عنهم حتى الآن صلة أو علاقة شخصية بمصر تتعدى مجرد زيارتهم لها؛ لذلك لا عجب من تبني الكثير منهم وجهة نظر عدائية تجاه كليوباترا. نتحدث في هذا الجزء عن عدد من المؤرخين الذين ينتمون إلى شمال أفريقيا من أجل استكشاف احتمال وجود وجهة نظر أخرى مضادة لوجهة نظر كثير من المؤلفين الرومان. وقد كان الغالبية العظمى من هؤلاء المؤرخين رعايا رومانيين، كما سنرى.
وُلد أبيان في الإسكندرية، تقريبًا في أثناء حكم دوميتيان (جونز ٢٠٠٦: ٣٨–٤١، و٧٩-٨٠، و١٠٣). تولى منصبًا إداريًّا في المدينة لكنه انتقل إلى روما عقب حصوله على الجنسية الرومانية. عند مقارنة روايات كلٍّ من ديو وأبيان تظهر جليًّا الاختلافات بين توجهات كلا الكاتبين (جوينج ١٩٩٢). على الرغم من أن أبيان كان يؤمن بالفكرة الراسخة نفسها التي تزعم أن كليوباترا والإسكندرية كان لهما تأثير سيئ على أنطونيو الذي كان ضعيفًا بالفعل، فإنه لا يلوم خلفية كليوباترا المصرية، ولا يصف المصريين بأنهم شخصيات مثيرة للمشاكل كما يظهر في كثير من أمثلة الأدب الروماني (جوينج ١٩٩٢: ١١٥ و١١٧-١١٨). قيل أيضًا إن أبيان، كمواطن مصري، لم يكن يعتقد بالضرورة أن الغزو الروماني أدى إلى تحسين الحكم في مصر (جوينج ١٩٩٢: ١١٥، رقم ٦٠). ويبدو على الأرجح أنه لم يكن مناسبًا لمؤرخ إسكندري أن يعترف بأن مدينته أسهمت مباشرةً في سقوط أنطونيو (جوينج ١٩٩٢: ١٢٢).
ينتمي إلى مصر أيضًا الخطيب والنحوي أثينوس، الذي ألف كتابًا بعنوان «مأدبة العلماء» عام ١٩٢ ميلاديًّا بعد وفاة كومودوس بفترة. وُلد هذا المؤلف في مدينة ناوكراتيس في دلتا مصر، ويشتهر ككاتب بذكائه وروحه الفكاهية أكثر من دقته التاريخية. ومع ذلك، فإن كتابه أصبح مصدرًا مهمًّا لتاريخ المهرجانات البطلمية، ويذكر كليوباترا في المجلد الرابع ويشير إلى بزخ ولائمها (طومسون ٢٠٠٠).
يبدو أن المؤرخ والشاعر الأفريقي فلورس، الذي عاش في أواخر القرن الأول الميلادي وأوائل القرن الثاني، لم يشعر بأي تعاطف نحو الملكة. فقد كانت مصادره لمعرفة التاريخ الروماني هي ليفيوس وسالوست ويوليوس قيصر وسنيكا الأكبر وفيرجيل ولوكان (جونز ٢٠٠٦: ٦٢)، وعلى الرغم من مولده في أفريقيا، فإنه عاش في روما، وأقام لفترة قصيرة في إسبانيا، ثم عاد إلى إيطاليا مرة أخرى في أثناء حكم الإمبراطور هادريان. ذُكرت فكرة أن كليوباترا كانت عاهرة وحسناء لا تُقاوم فتنتها في مؤلفات الحاكم والكاتب الأفريقي أوريليوس فيكتور، الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، في سِيره التي تحمل عنوان «عن أشهر الرجال»، وتغطي الحقبة الجمهورية الرومانية.
(٤) المؤرخون المصريون المسيحيون والمسلمون الأوائل
كانت هناك على الأرجح رواية مصرية بديلة للأحداث التاريخية الرومانية المكتوبة، لم تُسجَّل حتى القرن السابع الميلادي، عندما كتب يوحنا، أسقف مدينة نقيوس في صعيد مصر كتاب «تاريخ مصر» (الدالي ٢٠٠٤: ١٣٢). وقد اقتُرح مؤخرًا أن هذا الكتاب قد كُتب باللغة العربية بدلًا من اليونانية أو القبطية (الدالي ٢٠٠٤: ١٣٢ نقلًا عن عبد الجليل ٢٠٠٠: ٢٦٠–٢٦٢). كتب يوحنا في كتابه «تاريخ مصر» أن كليوباترا كانت «الأكثر شهرةً وذكاءً بين النساء» (ترجمة تشارلز ١٩١٦: ٤٨–٥٠). تكرر ظهور هذا المفهوم على يد الكُتَّاب المسلمين في القرن العاشر، مثل المسعودي الذي وصف كليوباترا على أنها «آخر الحكماء في اليونان» (الدالي ٢٠٠٤: ١٣٣).
كانت شخصية كليوباترا التي ظهرت في النصوص الإسلامية المبكرة مختلفة تمامًا عن تصوير الكُتَّاب والمؤرخين الرومان لها (الدالي ٢٠٠٤: ١٢١-١٢٢ و١٣٠–١٣٧ و١٤٢)؛ فقد ظهرت على أنها طالبة علم وطبيبة وعالمة وفيلسوفة ومعمارية (وإن كان رُبط خطأً بينها وبين مشروعات بناء نفذها أسلافها). يشير فصل «الغرام العربي بكليوباترا» من كتاب الدالي «علم المصريات: الألفية الضائعة» (الدالي ٢٠٠٤: ١٣٥-١٣٦) إلى أن الملكة قد شُبهت بالإسكندر، ما يُعتبر دليلًا على مكانتها كشخصية تاريخية. ويقول الدالي إن كليوباترا المذكورة في كتابه هي سيدة ذكية ذات طموح سياسي كبير، وهي سيدة ظهرت أيضًا في بعض المصادر الرومانية، مثل الفصول الأخيرة من كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو». يُحتمل أن يكون الكُتاب والمؤرخون العرب والمسلمون قد استخدموا بعض المصادر نفسها التي استخدمها الكُتَّاب الرومان التقليديون، لكنهم اختاروا ببساطة تعزيز جانب أكثر إيجابية من شخصية هذه الملكة والاحتفاء بطموحها وقوتها السياسية. إحدى المفارقات الكبرى أنه في ظل المفهوم الغربي واسع الانتشار عن الثقافة الإسلامية المعاصرة، نجد أن التراث الإسلامي تعامل مع كليوباترا مثل أي شخصية تاريخية ذكورية. ومع ذلك، فإن من لديهم معرفة أكبر بصورة كليوباترا في مصر حاليًّا، لن يُفاجئوا عند العثور على سرد تاريخي متأصل في التراث الثقافي الإسلامي المبكر يُثني على الملكة.
(٥) بدائل للمصادر الأدبية والتاريخية
توجد بدائل للروايات التاريخية الرومانية. وتتنوع هذه المصادر البديلة من صور للملكة (في تماثيل أو عملات أو نقوش المعابد) والمعابد نفسها وصولًا إلى المراسيم التي صدرت في أثناء فترة حكمها. لا تزال هذه الأدلة تتطلب المزيد من التحليل؛ ولذلك يوجد مجال لسوء الفهم، لكنها ذات أهمية كبرى عند دراسة كليوباترا بوصفها إحدى الشخصيات المصرية. قد لا تكون هذه المصادر مفيدة للسرد التاريخي أو كمرجع يشير إلى شخصية هذه الملكة، ولكنها تمثِّل مصدرًا أساسيًّا وليس ثانويًّا للمعلومات وتكون أقل تحيزًا من الروايات المسجلة في الكتب؛ لأنها لا تعبِّر عن رأي شخص آخر.
يوجد عدد من الأمثلة على أدلة نصية مصرية تتناول حكم كليوباترا السابعة، بداية من ألقابها الدينية المسجلة، وانتسابها إلى الآلهة المعروفة، وصولًا إلى المراسيم الملكية وأوراق البردي في مجال الإدارة. تُدعى إحدى قطع البردي المثيرة للجدل «بردية كليوباترا»، وهي وثيقة ملكية مثيرة للجدل يعتقد البعض أنها تُظهر توقيعًا بيد الملكة ومكتوب عليها: «فليحدث هذا»، لكنها تحتوي على خطأ مطبعي في الكتابة اليونانية القديمة (فان مينن ٢٠٠٣). بصرف النظر عن هوية المؤلف، فإن مثل هذه الوثائق تقدِّم أدلة سياسية مهمة على حكم كليوباترا، وسنتحدث عنها بالتفصيل في هذا الكتاب.
تقدِّم المسلات والمعابد معلومات أيضًا عن مصر في عهد كليوباترا. إن المنشآت التي أقامتها الملكة في مدن مثل إدفو وأرمنت وقفط ودندرة، التي تقع جميعها في صعيد مصر، وفي مدينة الإسكندرية في معابد إيزيس ويوليوس قيصر أتاحت للمؤرخين المعاصرين دراسة أنماط دعم الأسرة الملكية للعبادات الدينية، وتوضح أيضًا الشخصيات التي كانت تريد الملكة ربط نفسها بها، سواء من حيث شريك الحياة أو الآلهة. توضح الزخارف البارزة والتماثيل الموجودة في هذه المواقع أيضًا طريقة تصوير كليوباترا، سواء كملكة أو كإلهة. يمكن رؤية النظير اليوناني لهذا في العملات التي كانت تُصَك في الإسكندرية وفي ممتلكات البطالمة خارج البلاد. توجد في روما، خارج مصر وإمبراطورية البطالمة، تماثيل وأضرحة يمكن ربطها بفترة إقامة الملكة في المدينة التي استمرت عامين، بالإضافة بالطبع إلى المصادر الأدبية سالفة الذكر.