كليوباترا: الحاكمة، الفرعون، الوصية على العرش
(١) نماذج نسائية
كان ملوك مصر (الذين لُقب بعضهم بلقب فرعون) دومًا من الرجال. ومن بين الاستثناءات القليلة لهذه القاعدة كانت حتشبسوت، التي حصلت — رغم كونها امرأة — على لقب ملوك مصر الذكور وارتدت زيهم الرسمي (دورمان ٢٠٠٥: ٨٧–٩٠، تحرير رويهريج ٢٠٠٥: ١٦٤–١٧٣، رقم ٨٨–١٧١). كانت حتشبسوت ابنة الملك تحتمس الأول والأخت غير الشقيقة وزوجة خليفته تحتمس الثاني. يمكن تتبُّع وصولها لتصبح شريكة في الحكم بداية من دورها «كزوجة للإله»، ثم دورها كوصية على ابنه تحتمس الثالث، وأخيرًا وصولها لتصبح شريكة في حكم مصر. ظلت في الحكم منذ نحو عام ١٤٧٣ قبل الميلاد حتى ١٤٥٨ قبل الميلاد. كان وضعها يشبه وضع بعض ملكات البطالمة، مثل كليوباترا الثالثة وكليوباترا السابعة، اللاتي حكمن مع أبنائهن وكن هن المسيطرات على الحكم. أصبحت حتشبسوت فرعون مصر عن طريق دورها السياسي كزوجة للإله وأمٍّ للملك (دورمان ٢٠٠٥: ٨٧). في أثناء السنوات الأولى من وصايتها على العرش كانت حتشبسوت تظهر على أنها سيدة من الأسرة الحاكمة؛ فقد كانت ترتدي دومًا التاج ذا الريش الذي ترتديه زوجة الإله آمون (دورمان ٢٠٠٥: ٨٧-٨٨، الأشكال ٣٧-٣٨). وبعد سبع سنوات من وصايتها على تحتمس الثالث أعلنت حتشبسوت أنها ابنة الملك الأولى (دورمان ٢٠٠٥: ٨٨)، وحولت مظهرها إلى مظهر الفراعنة الذكور (هايز ١٩٥٧: ٧٩–٨١). في ذلك الوقت قدمت حتشبسوت أسلوبًا جديدًا ومباشرًا من أجل إضفاء الشرعية على حكمها.
إن وجود سيدات ذوات شأن على جدران معبد حتشبسوت الجنائزي أمر مثير للدهشة؛ فقد ظهرت والدة الحاكم في النقوش البارزة في المعبد (تحرير رويهريج ٢٠٠٥: ١٥٣، رقم ٨٠). وتوجد صورة أخرى لحاكمة أخرى لدولة أجنبية تُعرف باسم بنط؛ فتظهر بتشوه مبالغ فيه في جسدها، ويُقال إن هذا الرسم ربما يُعتبر رسمًا كاريكاتوريًّا لها أكثر من كونه تعبيرًا عن شكلها الحقيقي (أشتون وسبانل ٢٠٠٠). يؤكد معبد حتشبسوت الجنائزي، في الدير البحري على الضفة الغربية من نهر النيل في طيبة، على الجوانب النسائية لدورها، خاصة في مقصورة حتحور (باتش ٢٠٠٥: ١٧٣–١٧٥). فتظهر في النقوش البارزة الموجودة في هذه المقصورة الحاكمة وهي جالسة تُطعم هذه الإلهة التي تظهر في صورة بقرة بدلًا من صورتها البشرية المعتادة. يوجد أيضًا تصوير للحاكمة وهي حامل في مقصورة تحتمس (أرنولد ٢٠٠٥: ١٣٥–١٤٠). كانت حتشبسوت تحرص أيضًا على تدعيم مكانة ابنتها؛ فقد أصبحت نفرو «زوجة الإله» مثلما فعلت والدتها من قبل. تظهر حتشبسوت، كما رأينا، في تماثيلها وفي النقوش البارزة الموجودة في المعابد وهي ترتدي زي ملوك مصر الذكور. ومع ذلك، تظهر ملامحها النسائية في وجود ثديين وثوب ترتديه تحت تنورتها يغطي جذعها، وفقًا للتقاليد الفنية المصرية المعتادة. استخدمت الحاكمة أيضًا شكلها الأنثوي في ألقابها (دورمان ٢٠٠٥: ٨٨).
لاحقًا أثناء حكم الأسرة الثامنة عشرة ظهرت سيدتان بارزتان في وقت واحد؛ هما تي زوجة أمنحوتب الثالث ووالدة الملك أمنحوتب الرابع/إخناتون، وزوجة ابنها نفرتيتي. تشبه هاتان السيدتان كثيرًا ملكات أسرة البطالمة الحاكمة (أشتون ٢٠٠٣أ: ٦–١٠) فيما يتعلق بالأدوار التي لعبتاها والصور التي اتخذتاها من أجل تمييزهما عن نساء الأسرة الحاكمة الأخريات. اكتسبت تي مكانةً عندما حكمت بصفتها زوجة الملك. يفوق عدد التماثيل الموجودة لها وحدها أو مع زوجها كثيرًا عدد تماثيل الزوجات في الأسر الحاكمة في الفترات السابقة. وبعد وفاة أمنحوتب الثالث يبدو أن تي استمرت في لعب دور مهيمن بصفتها أم الملك؛ مما سمح لنفرتيتي بالاضطلاع بدور الزوجة الملكية. يشبه وضعهما وضع ملكات البطالمة الأوليات، خاصة أرسينوي الثانية، التي اعتمدت مكانتها الإلهية وأهميتها على ارتباطها بأخيها بطليموس الثاني. أما ملكات البطالمة اللاتي ظهرن في وقت لاحق؛ فقد تجاوزن مرحلة التبعية هذه وحكمن بأنفسهن، وأحيانًا كن يحظين بتفضيل الرعية مقارنة بنظرائهن المعاصرين من الرجال في الأسرة الحاكمة.
تعرضت السيدات الأخريات اللاتي حاولن الاستيلاء على السلطة إلى القمع على يد رجال الحاشية. أحد هذه الأمثلة كانت الزوجة الرئيسية في الأسرة التاسعة عشرة للملك سيتي الثاني (أشتون ٢٠٠٣: ١٣)، فمثل كثير من النساء الأخريات اللاتي كان طموحهن يفوق مكانتهن، عُزلت الملكة توسرت ليحل محلها طفل صغير يكون التأثير عليه أسهل. تُظهر هذه الواقعة حذرًا فعليًّا شديدًا من جانب أعضاء البلاط الملكي، فربما كان للمرأة مكانتها في المجتمع المصري، لكن يبدو أنها كانت تمثِّل تهديدًا حقيقيًّا أكثر من كونها بديلًا يسهل التحكم فيه للملك الذكر.
كان حكام الأسرة الخامسة والعشرين من الأجانب من مملكة كوش، ويُطلق عليهم عادةً الكوشيون. تقع مملكة كوش في النوبة وطالما كانت تُعتبر عدوة لمصر؛ لذلك يظهر في مشاهد الضرب عادةً ملك مصر وهو يسحق أعداء الدولة، ويكون أحدهم أفريقيًّا أسمر اللون يمثِّل أهل النوبة (وهي ثقافة تمتاز بلغتها المشتركة المختلفة عن لغة المنطقة، وتتمثَّل حاليًّا في جنوب مصر والسودان). حكم الكوشيون بصفتهم فراعنة أجانب نحو ٤٠٠ عام قبل البطالمة. ويبدو أن الكوشيين كان لديهم، مثل الحكام البطالمة، اهتمام حقيقي بالثقافة المصرية وبالترويج لأنفسهم على أنهم ملوك لمصر بالأسلوب التقليدي.
(٢) صور البطالمة
ظهر رأسَا الأفعى في صور لنساء الأسرة الحاكمة منذ عهد الأسرة الثامنة عشرة؛ إذ ترتدي الكوبرا الأولى تاج مصر العليا وترتدي الأخرى تاج مصر السفلى؛ ومن ثم تعبِّران معًا عن وحدتهما (جريفيثس ١٩٦١: ٥٠-٥١، روسمان ١٩٧٤: ٣٩، روبنز ١٩٩٦: ٢٤). وفي حالة أرسينوي الثانية، كان رأس الأفعى يُكمل قرنَي النماء والوفرة وكلاهما كان له المعنى نفسه. ويمكن أن يرتبط أحد استخدامات رأسَي الأفعى بلقب سيدة الدولتين (أشتون ٢٠٠٥أ: ٤). ينطبق هذا على أرسينوي الثانية وزوجة أمنحوتب الثالث في الأسرة الثامنة عشرة ووالدة أخناتون الملكة تي.
انتقلت الصورة التي اتخذتها تي بوصفها زوجة رئيسية، خاصةً استخدامها رأسَي أفعى بدلًا من رأسٍ واحد فقط، إلى خليفتها نفرتيتي. يمكن رؤية هذا في أحد تمثاليها الذي كان يحمل رأسين للكوبرا لكنه عُدِّل ليصبح به رأس كوبرا واحد، على الأرجح بسبب مكانتها الجديدة كوالدة الملك لا زوجته (أرنولد ١٩٩٦: ٣٠–٣٥). حتى في أثناء الجزء الأول من فترة حكمها الأولى، لا تظهر تي على أنها زوجة ملكية فحسب، وإنما إلهة أيضًا. تظهر الملكة تي في كثير من تماثيلها التي ترجع إلى عهد أمنحوتب الثالث وهي ترتدي رأسَي أفعى (تميزها) ويوجد نسر في الوسط (يشير إلى قدسيتها). تظهر نفرتيتي بالمثل في تماثيلها الأولى والنقوش البارزة في المعابد مرتديةً رأسَي أفعى (أشتون ٢٠٠٥أ: ١-٢). يدعم كل رأس لأفعى الكوبرا أحد تاجي مصر العليا ومصر السفلى، ووجودهما يمثِّل الدولتين (أشتون ٢٠٠٥أ: ٥). قيل أيضًا إن رأس أفعى الكوبرا المزدوج كان يستخدم في الاحتفال بذكرى حدث معين في أثناء فترة حكم سيدات الأسرة الحاكمة. في حالة الملكة تي تمثَّل هذا في عيد «حب سد»، وهو عيد للتجديد، كان يُحتفل به عادةً بعد مرور ٣٠ عامًا على حكم الملك. لم يكن كل الملوك ينتظرون ٣٠ عامًا؛ فقد أقام أخناتون هذا العيد بعد مرور ثلاث سنوات على حكمه. على الرغم من ارتداء نفرتيتي لرأسَي الأفعى في أوائل حكمها، فإن ظهورها على هذا النحو كان على فترات متقطعة إذا كنا سنقبل بالتأريخ الحالي للأمثلة (أشتون ٢٠٠٥أ: ٦). لا يظهر رأسا أفعى الكوبرا الموجودان في النقوش البارزة وتماثيل نفرتيتي ليدعما تاجي مصر العليا والسفلى، وإنما يدعمان قرنَي البقرة وقرص الشمس. ويوجد هذا الشكل تحديدًا أيضًا على التماثيل التي يعود تاريخها إلى الأسرة الخامسة والعشرين، ويُقال إن فكرة هذا الشكل ترتبط بالإلهة حتحور وارتباطها بنساء الأسرة الحاكمة (أشتون ٢٠٠٥أ: ٦). وكما أشرنا من قبلُ، لعب كثير من هؤلاء النساء دور زوجة الإله، وكانت تحصل عادةً على الألقاب المقدسة ابنة آمون أو ابنة رع أو ابنة جب. وتجدر الإشارة إلى أن حتحور نفسها لا ترتبط برأسي الكوبرا.
ما إن بدأ استخدام شكل رأسَي الأفعى حتى تبنَّته الغالبية العظمى من نساء الأسرة الحاكمة. وكان الاستثناء لهذه القاعدة، كما أشرنا للتوِّ، نفرتيتي، التي عادت إلى شكل رأس الأفعى الواحدة في مرحلة متقدِّمة في فترة حكمها. تزامنت عودة نفرتيتي إلى رأس الأفعى الواحدة مع ترقِّيها إلى الوسيط الذي يمكن عبادة آتون (قرص الشمس) من خلاله كجزء من التطورات الدينية التي حدثت خلال تلك الفترة القصيرة. في ذلك الوقت سيطرت عبادة آتون لكنها لم تكن العبادة الوحيدة. من الواضح أنه كان لكلٍّ من تي ونفرتيتي دور سياسي مهم داخل البلاط وكانت الأخيرة عنصرًا مهمًّا في عبادة الإله الجديد، حيث إن عبادة آتون كانت تتم من خلال أخناتون ونفرتيتي. وأشار بعض الباحثين إلى أن هؤلاء السيدات ذوات النفوذ كان لهن دور فعال فيما حدث من تطورات في حقبة العمارنة.
أشار مقال يرجع تاريخه إلى عام ٢٠٠٣ في تعميم مبسط إلى حد ما، قدمه باحث متخصص في التاريخ الكلاسيكي، إلى أن رأسَيْ أفعى الكوبرا وقرنَي النماء والوفرة التي كانت ترتديها أرسينوي الثانية تعبِّر عن حكمها مع أخيها (مالر ٢٠٠٣). تتمثَّل مشكلة هذا الافتراض في أنه يفتقر إلى أدلة داعمة مقبولة؛ فتشير عودة ظهور رأسَي الأفعى في عصر البطالمة إلى أن الكهنة كانوا يعلمون ويفهمون استخداماتها السابقة. ومن سوء الحظ أن المثال الذي استُخدم من أجل تدعيم هذه النظرية؛ تمثالَي أرسينوي الثانية وبطليموس الثاني الموجودان حاليًّا في متاحف الفاتيكان (أشتون ٢٠٠١أ: ٨٤ دليل الصور ٦، و١٠٠ دليل الصور ٣٦)، هما في الواقع جزء من مجموعة ثلاثية (أشتون ٢٠٠٧أ). وفي المقابل خلصت رسالة دكتوراه نُشرت عام ٢٠٠٢ إلى أن هذين الرأسين يمكن ربطهما بلقب سيدة الدولتين، كما أشرنا سابقًا (أشتون ٢٠٠٥أ، قُدمت في ٢٠٠١، ألبيرسماير ٢٠٠٢: ٤٤–٥٢). وبينما تفسر هذه الفرضية رأسَيِ الكوبرا اللتين ترتدي كلٌّ منهما تاجًا، وأيضًا هؤلاء السيدات اللاتي ارتبطن بهذا اللقب؛ فإنها لا تفسر كل الأمثلة على هذه الظاهرة؛ فيبدو أن النساء اللاتي ارتدين أكثر من رأس كوبرا واحد هن اللاتي كن بحاجة إلى تمييز أنفسهن على نحو ما. وتُعتبر هذه الفكرة منطقية نظرًا لعدد الزوجات اللاتي كان يتخذهن ملك مصر، ويبدو أن الفكرة كانت تتمثَّل في استخدامها في أوقات مهمة في أثناء فترة حكمهن. واستنتاجي أن رأسَي الأفعى كانا يُستخدمان من أجل تحديد الزوجة الرئيسية أو ابنة الملك وتمييزها عن غيرها (أشتون ٢٠٠٥أ: ٦–٨)؛ فقد كانت أرسينوي الثانية بحاجة إلى تمييز نفسها عن أرسينوي الأولى؛ لذا لا بد أن رأسي الأفعى كانا هما الحل البديهي لدى مستشاري الأسرة الحاكمة. ويوجد احتمال كبير أن تكون هذه الفكرة قد استُخدمت لخدمة أغراض مختلفة في أوقات مختلفة. وبالتأكيد لا توجد علاقة بين الألقاب واستخدامها.
كان التاج المعتاد الذي ترتديه ملكات البطالمة يتكون من ريشتين مع قرص الشمس وقرنَي البقرة، تعبيرًا عن سمات الإلهة حتحور لدى الملكة مثلما فعلت نساء الأسرة الحاكمة الأوليات (روبنز ١٩٩٦: ٢٤). كان بعض الملكات يرتدين تاجًا عليه نسر من أجل الإشارة إلى قدسيتهن، خاصةً الملكة تي، والزوجات الكوتشيات للإله آمون في فترة حياتهن، وأرسينوي الثانية في التماثيل الدينية التي صُنعت لها بعد وفاتها. في النقوش الموجودة على الجدران تظهر أرسينوي الثانية وهي ترتدي غطاءً للرأس عليه نسر أيضًا عند استلامها لقرابين مقدسة. تظهر الملكات عادةً وهن يقدِّمن قرابين لأحد الآلهة وعليه يرتدين رأس أفعى كوبرا ملكية واحدة على جبهتهن.
(٣) كليوباترا الحاكمة
تحدَّثنا في الفصل الثالث عن السنوات الأولى في حكم كليوباترا مع والدها ثم مع إخوتها، وسنتحدث في الجزء المتبقي من هذا الفصل عن تطور دورها كحاكمة لمصر عقب وفاة يوليوس قيصر عام ٤٤ قبل الميلاد. وسنتحدث عن علاقة كليوباترا بمارك أنطونيو فيما بعد في الفصل السابع. على الرغم من أن والدَيْ أطفالها كانا من الرومان، يُقال إن الرومان لم يكن لهم أي مكان داخل التقليد الملكي المصري (مالر ١٩٨٣). هذا لا يعني أنها لم تكن تشغل بالها بهذين الرجلين؛ فيشير معبد يوليوس قيصر المؤلَّه في الإسكندرية إلى أن قيصر لعب دورًا سياسيًّا وعاطفيًّا في تطور الجزء الثاني من فترة حكمها. وأُشيرَ أيضًا مؤخرًا إلى أن الملكة كانت تستهدف آلهة محددة من أجل مضاهاة وضعها غير التقليدي (راي ٢٠٠٣: ٩–١١).
ضمِن لكليوباترا حكمُها مع والدها مكانتها كحاكمة لمصر. وكان القرار الذي اتخذه بترك البلد تحت الحكم المشترك لابنته وابنه الأكبر قرارًا ذكيًّا من الناحية السياسية؛ فإذا ترك الدولة تحت حكم كليوباترا وحدها كان رجال الحاشية على الأرجح سينتهزون الفرصة باسم بطليموس الثالث عشر ويستولون على حكم الدولة. وحتى مع ضمان حقها في حكم الدولة، نُفيت كليوباترا عنوة عندما نفَّذ مؤيدو زوجها الصغير بالضبط ما كان يخشاه والدها. قدَّمت الحرب الأهلية التي تلت ذلك فرصة سانحة للرومان لمزيد من التدخل في شئون الدولة وضمان وجود دور رسمي لهم في إدارتها. وكما أشرنا من قبلُ، لم يكن لدى المصريين أية مشكلة في تولي امرأة الحكم عليهم، وقد تقبَّل أهالي الإسكندرية من قبلُ حكم ملكات البطالمة الأوليات، مثل كليوباترا الثانية، وفضَّلوهن على منافسيهن من الرجال (انظر الفصل الثالث). ورغم هذا، بدا أن الرومان هم الذين كانوا أكثر انزعاجًا من فكرة وجود حاكمة للبلاد.
(٤) المقرَّبون من كليوباترا ومستشاروها وكهنتها
على الرغم من عدم وجود أدلة وثائقية كثيرة على حكم كليوباترا السابعة؛ فقد كُتبت النجاة لتماثيل بعض موظفي الملكة (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٨٠–١٨٣). يعبِّر التمثال الأول عن رجل يُدعى «با-أشيم»، الذي كان حاكمًا لدندرة في الفترة بين عامي ٥٠ و٣٠ قبل الميلاد تقريبًا (بيانشي ١٩٨٨: ١٢٧). لم يكن السطح الخارجي للتمثال تامًّا، ومع ذلك، كان النص المكتوب عليه مكتملًا؛ فيبدو أن النحاتين المصريين لم يكونوا ينتهون دومًا من نحت السطح الخارجي للتماثيل، فيتركون عادةً ملامح رئيسية مثل اليدين والقدمين في حالة نعتبرها غير مكتملة. صُنع هذا التمثال على وجه الخصوص بأمر من الموظف نفسه على الأرجح أو بالنيابة عنه. وتشير الألقاب الموجودة على العمود الخلفي (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٨١) إلى أن هذا الحاكم كان يمارس دور الكاهن بصفته: «رسول تماثيل الفرعون» و«حارس كنز حورس في إدفو» و«رسول إيزيس في دندرة وفي فيلة»، إلخ. يُظهر السطر الأخير من النص المكتوب اسم والد با-أشيم ووظيفته، فكان اسمه «با-سرج» وكان قائدًا في الجيش.
أحد الموظفين الآخرين الذين عملوا مع كليوباترا وظهر تمثال لهم رجل يُدعى حور، الذي كان كاهنًا للإله تحوت (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٨٢-١٨٣). عُثر على هذا التمثال في الإسكندرية، ويظهر صاحبه على مشهد من نقش بارز وهو يقدِّم القرابين إلى تحوت الذي كان كاتبًا لدى الآلهة. وفقًا لهذا الدور يظهر حور حليق الرأس كجزء من طقوس النظافة المعتادة قبل المثول أمام أحد الآلهة. ومع ذلك يظهر في التمثال وعلى رأسه جدائل قصيرة. في فترة حياته أعاد حور بناء معبد للإله أوزوريس كان قد انهار وأصبح حطامًا بسبب حفر قناة بالقرب منه. يقول السطر الثالث في النص المكتوب على العمود الخلفي إن حور اهتم بالقرابين المقدسة المقدمة إلى الإله آمون-رع. ويشير هذا إلى أن تمثال حور نُحت بناءً على رغبته، أو أنه ربما غيَّر دوره الكهنوتي في فترة حياته. يُعتبر هذا التمثال تصويرًا جديرًا بالملاحظة لصورة رجل يتراوح عمره على ما يبدو من أواخر الأربعينيات إلى منتصف الخمسينيات، يوجد بعض التجاعيد عند فمه وذقنه وحول عينيه. كان هذا النوع من التصوير غير المثالي معتادًا للموظفين في عصر البطالمة وأوائل عصر الرومان.
(٥) الأدلة الوثائقية على حكم كليوباترا لمصر
للأسف لم ينجُ إلا عدد قليل من الوثائق من فترة حكم كليوباترا، وما نجا من هذه الوثائق أُعيد استخدامه كلفائف للمومياوات في ذلك العصر. يمكن تقسيم الأوامر الملكية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: المراسيم العامة، التي لا تكون موجَّهة إلى فرد معين، والتعليمات الموجهة إلى أحد المسئولين بلقبه، والتعليمات الموجهة إلى أحد المسئولين باسمه فقط (فان مينن ٢٠٠٣: ٣٥). يوجد بعض هذه الوثائق في صورتها الأصلية على ورق البردي، بينما لا يوجد إلا نسخ صخرية فقط من البعض الآخر. يشرح هذا عملية الإدارة حيث كانت التعليمات تُنقل عبر مرسوم ملكي إلى أحد المسئولين، يأمر عندها بصنع نسخة حجرية حتى يراها الجميع. لا يبدو أن النوع الثالث من الأوامر، الذي يوجَّه إلى شخص باسمه، قد ظهر إلا في عصر كليوباترا السابعة، على الأرجح في أثناء حكمها المشترك مع والدها (فان مينن ٢٠٠٣: ٣٥)، وهو تطور جدير بالذكر في أسلوب تواصل الحُكام مع مؤيديهم. لم يظهر اسم الوظيفة التي يشغلها المخاطَب (الرجل المسئول عن الوظيفة المتاحة) إلا أواخر عصر البطالمة، كما يتضح في خطابين أرسلتهما كليوباترا، وقد يشير هذا إلى أنه قد أُدخل من أجل التعامل مع هذا النوع الجديد من الأوامر الملكية (فان مينن ٢٠٠٣: ٣٦).
(٥-١) مراسيم اللجوء إلى المعابد من فترة حكم كليوباترا السابعة
(أ) من ثيون إلى مدينة بطلمية، التحية؛ مرفق نسخة من الإعلان المرسل إلينا مع الأمر الذي جاء ردًّا عليه، حتى تعرفه وتُرفقه في الأرشيف العام بحسب ما تراه مناسبًا. اهتموا بأنفسكم جيدًا، إلى اللقاء. السنة السادسة، ١٢ برمهات. (ب) إلى ثيون: عليك بإبلاغ الأشخاص المعنيين أن معبد إيزيس، الذي بُني بأمر من كاليماخس الحاكم العسكري لجنوب بطلمية، سيُعفى من الضرائب ويُحظر انتهاك حرمته هو والمنازل المبنية حوله حتى جدران المدينة. (ﺟ) ليُنفذ هذا الأمر. السنة السادسة، ٥ برمهات.
نُقش هذا المرسوم على لوح من الجرانيت، يوجد حاليًّا ضمن مجموعة مقتنيات روسية (ريجزبي ١٩٩٦: ٥٦٩). يبلغ طول هذا اللوح نحو ٩٩ سنتيمترًا وعرضه ٥٦ سنتيمترًا؛ ويصل ارتفاع الكلام بين ٢ و٢٫٥ سنتيمترًا. يظهر هذا المرسوم الطريقة التي يُقدَّم بها التماس من أجل الحصول على تصريح وطريقة صدوره. وربما تعكس السرعة التي يُستجاب بها للطلب، في خلال أسبوع، المكانة الخاصة لمدينة بطلمية، رغم أن المعبد كان يقع خارج جدران المدينة (ريجزبي ١٩٩٦: ٥٧٠-٥٧١). وتشير سرعة التنسيق أيضًا إلى أن ثيون كان في الإسكندرية من أجل الحصول على الإذن الملكي الذي يتجلى في عبارة «ليُنفذ هذا الأمر» والتاريخ المذكور.
تشير وثيقة أخرى إلى أحد معابد اليهود، ربما في مدينة ليونتوبوليس في منطقة الدلتا، ويرجع تاريخها إلى الحكم المشترك بين كليوباترا وبطليموس الخامس عشر (ريجزبي ١٩٩٦: ٥٧١-٥٧٢، بعد بينجن ١٩٩٥). يُقال إن هذا اللوح كان مصنوعًا من معدن الكالسيت (ريجزبي ١٩٩٦: ٥٧٢)، رغم أن هذا أمر غير معتاد على الإطلاق. كُتبت الغالبية العظمى من النص باللغة الإغريقية، لكن توجد جملة إضافية باللغة اللاتينية تقول: «أصدرت الملكة والملك أمرًا» (ريجزبي ١٩٩٦: ٥٧٣). يحتوي القسم المكتوب باللغة الإغريقية على نقش غريب يتحدث عن استبدال لوح تأسيسي سابق، أُهدي إلى أحد المعابد اليهودية في أثناء حكم «بطليموس يورجيتيس»، الذي ربما كان بطليموس الثالث أو الثامن. يشير استخدام اللغة اللاتينية إلى أن المسئولين عن كتابة هذا اللوح كانوا من الرومان؛ يقول ريجزبي إنهم ربما كانوا رجالًا من جيش أنطونيو. كذلك فإن حقيقة أن مكان العبادة لم يكن معبدًا يرتبط بمكانة الملكة أو سلطتها، تشير إلى أنها كحاكمة كانت تهتم برعاياها كافة (طومسون ٢٠٠٣: ٣٣).
لم تُحفظ وثائق اللجوء الأخرى التي تعود إلى عهد كليوباترا السابعة بأكملها. توجد الوثيقة الأولى حاليًّا في متحف جامعة روما (ريجزبي ١٩٩٦: ٥٧١). أما الوثيقة الثانية الموجودة على شكل لوح على الطراز المصري فتُظهر مشهدًا تقليديًّا لتقديم الحاكمة القرابين إلى الإله تحوت (ريجزبي ١٩٩٦: ٥٧٣).
كما أشرنا، تمنحنا هذه المراسيم نظرة ثاقبة على طريقة عمل حكومة كليوباترا؛ وهي أنها بدلًا من أن تكتب إلى خمسين مركزًا (عاصمة إدارية) في مصر كلٍّ منها على حدة، يُخاطَب أحد المسئولين الموثوق بهم مباشرةً باسمه وليس بوظيفته، ومن المفترض أنه كان عندها ما يضمن أن يُنشر التشريع بالنيابة عن الحاكم (فان مينن ٢٠٠٣: ٣٤–٣٦). كان الكُتَّاب يُعيَّنون من أجل كتابة مثل هذه الخطابات، لكن اقتُرح مؤخرًا إن الملكة كان لا بد لها من التوقيع على مثل هذه الوثائق بنفسها وأن المتلقي كان يعرف توقيع حاكمته (فان مينن ٢٠٠٣: ٣٧–٣٩). ظهر أحد الأمثلة على هذا؛ ورقة بردي كانت جزءًا من غطاء إحدى المومياوات في الجبانة الهلنستية في قرية أبو صير الملق، اكتُشفت في أوائل القرن العشرين لكنها لم تُقرأ وتُنشر إلا مؤخرًا (فان منينن ٢٠٠٠: ٢٩–٣٤). زعم فان منينن إن أمر «ليُنفذ هذا» كتبته كليوباترا بنفسها، لكن كثيرًا من علماء البرديات يعارضون هذا الزعم، رغم تكرار ذكر فان منينن لأدلته عام ٢٠٠٣ مرة أخرى على كون هذا توقيع الملكة. سواء كانت ورقة البردي هذه، التي يرجع تاريخها إلى عام ٣٣ قبل الميلاد، قد وقعتها كليوباترا أم لا، فإن قيمتها الفعلية ضئيلة للغاية بخلاف كونها مثالًا لخط الملكة.
إن محتويات الوثيقة سابقة الذكر في غاية الأهمية فيما يتعلق بمعرفتنا بنظام الإدارة في تلك الفترة؛ ففيها تمنح كليوباترا امتيازات ضريبية كبيرة لأحد قادة الجيش الرومان اسمه بوبليوس كانيديوس، الذي كان أحد حلفاء مارك أنطونيو المقرَّبين؛ فقد سُمح لكانيديوس بتصدير ١٠ آلاف شوال قمح من مصر وحصل على رخصة باستيراد ٥ آلاف قارورة من الخمر الكريتي إلى داخل البلاد دون دفع ضريبة (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٨٠). كان هذا المواطن الروماني معفًى أيضًا من دفع ضريبة على الأرض التي يملكها في مصر وامتد هذا الإعفاء إلى مستأجري الأرض منه؛ فمن الواضح أن كليوباترا كانت تحاول الحصول على دعم وولاء هذه الشخصية الرومانية المؤثرة.
في الجزء الذي أسهمت به طومسون عام ٢٠٠٣ في مجلد «إعادة تقييم كليوباترا»، عُرضت الألقاب التي أُعطيت لكليوباترا في عقد إغريقي يرجع تاريخه إلى عامها السابع عشر ويُطلق عليها فيه «كليوباترا ثيا نيوتيرا، فيلوباتور، فيلوباتريس» (طومسون ٢٠٠٣: ٣١–٣٤). وترجمة هذه الألقاب هي «كليوباترا الإلهة الجديدة، المحبة لأبيها، المحبة لبلدها». قال بعض العلماء إن هذه البلد هي مصر، بينما قال آخرون إن «بلد» كليوباترا كانت اليونان المقدونية (طومسون ٢٠٠٣: ٣١، وبينجن ٢٠٠٧: ٥٨–٦٢). تستنتج طومسون من الأدلة الوثائقية القليلة الباقية أن كليوباترا كانت تَعتبر مصر وطنها وأنها كافحت في أثناء حكمها من أجل حماية تلك الدولة واستعادة قوتها. بالطبع كانت تقدِّم امتيازات مثل التي منحتها لكانيديوس، لكنها كانت تُفسَّر على أنها محاولات من أجل الحصول على دعم لرؤيتها. وبالتأكيد تدعم الأدلة الأثرية فكرة أن كليوباترا كانت تَعتبر نفسها مصرية وكانت تظهر على هذه الهيئة بالكامل عند ذهابها إلى وطنها الأم. وعلى الرغم من علاقتها بالقيصر وعلى وجه الخصوص مارك أنطونيو، كانت كليوباترا تتمسك بمنصب ابنها كشريك لها في الحكم ووريثها.
(٦) كليوباترا فرعون مصر
كان منصب ملك مصر يعبِّر في مفهومه عن وسيط مقدس بين البشر الفانين والآلهة. وبالإضافة إلى هذا المفهوم الراسخ، أنشأ حكام البطالمة وأزواجهم المزيد من الأدوار المقدسة لهم من أجل تعزيز وضعهم بين الإغريق والمصريين (انظر الفصل السادس).
تُظهر صورة من نقش بارز مهداة باسم «الملكة كليوباترا الإلهة المحبة لأبيها» فرعونًا ذكرًا وهو يقدِّم القرابين إلى إيزيس وحورس فوق النص المكتوب (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٥٦، رقم ١٥٤). فُسِّر هذا اللوح في الأصل على أنه مثال على ارتداء كليوباترا لزي الفراعنة الرجال، إلا أن الحالة السيئة للنص وإعادة تقطيع الحجر الواضحة حول النص المنقوش قيل إنها دليل على أن هذا اللوح قد أُعيد تقطيعه؛ ومن ثم أعيد استخدامه. قُدِّم هذا اللوح باسم كليوباترا ولم يكن يعبِّر عن مرسوم ملكي رسمي. ومن غير المؤكد على ما يبدو إذا كانت الملكة سمحت باستخدام مثل هذه الصورة على نحو رسمي أم لا. يبدو أن صورة كليوباترا كانت تخضع لمراقبة دقيقة (أشتون ٢٠٠٣د: ٢٥–٣٠)، فإذا كانت كليوباترا تُصوَّر في صورة فرعون ذكر، فإن اللوح المكتوب بالديموطيقية الموجود في المتحف البريطاني، الذي توجد عليه صورتان لفرعون ذكر ومعه خرطوشة فارغة، قد يكون تصويرًا للملكة وليس ابنها بطليموس قيصر. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن كليوباترا تظهر على النقوش البارزة في المعابد مع ابنها في زي ملكة وليس زي فرعون ذكر. فقد يكون التشبُّه بالذكور، مثلما فعلت كليوباترا الثالثة بظهورها بمظهر ذكوري في الصور، لا يتلاءم إلى حد ما مع ملكة قدَّمت نفسها على أنها وصية على ابنها وربطت نفسها بالإلهة إيزيس والدة حورس (الذي يرتبط به عادةً الملك الحاكم). في مصر، عقب والدة ابنها، استمرت كليوباترا في التأكيد على دورها كأم الملك (أشتون ٢٠٠٣د: ٢٦–٢٩).
(٧) الأسماء والألقاب
أشار بعض الدارسين المعاصرين إلى أن ألقاب كليوباترا المصرية لم تكن أكثر من مجرد تعبير عن انتمائها إلى الكهنوت المصري (انظر شوفو ٢٠٠٠: ٤٦، تيت ٢٠٠٣ للتعليقات على ذلك). ورغم ذلك، لم تكن النساء المصريات في الأسرة الحاكمة، باستثناء المنتميات إلى أسرة العمارنة، يحصلن عادةً إلا على اسم واحد فقط (الاسم الذي يحصلن عليه عند الولادة)، الذي يظهر على خرطوشة واحدة (تيت ٢٠٠٣د: ٣–٨). أضاف بعض ملكات أسرة البطالمة، ومن بينهن كليوباترا السابعة، اسم حورس إلى أسمائهن، وكان حورس هو أول اسم من بين خمسة أسماء يطلقها الملك الذكر الحاكم على نفسه. وعليه كان استخدام سيدة حاكمة لهذا التقليد المتأصل أمرًا جديرًا بالملاحظة ويشير، كما يستنتج تيت، إلى اتِّباع الكهنة المصريين أسلوبًا مبتكرًا لتصوير حكامهم الجدد.
لم يكن قرار كليوباترا باحتفاظها بلقب فيلوباتور (المحبة لأبيها) الذي حصلت عليه منذ حكمها المشترك الأول مع والدها تقليدًا معتادًا في أسرة البطالمة؛ فعادةً كان الحكام يغيِّرون أسماءهم على أساس شريك حياتهم الجديد؛ ففي حالة كليوباترا الثانية، كانت قد بدأت حكمها بلقب فيلوميتور (المحبة لوالدتها)، نسبة لاسم زوجها الأول وأخيها بطليموس السادس، ثم أصبحت يورجيتيس (المحسنة) عندما تزوجت أخاها الأصغر بطليموس الثامن. ثم عادت مرةً أخرى إلى لقبها السابق عندما سيطرت على العرش، ولم تعد إلى استخدام لقب يورجيتيس إلا عندما عادت إلى الحكم مع بطليموس الثامن وابنتها؛ ومن ثم كانت الألقاب الدينية وسيلة لإظهار المكانة الدينية، وكانت أيضًا وسيلة لتأكيد مكانة المرء السياسية. وباحتفاظ كليوباترا بالإشارة إلى والدها، التي تجسدت مصادفةً في لقب المحبة لأبيها، تمكنت من التأكيد على حقها في الحكم.
-
«أنثى حورس» (تروي ١٩٨٦: د٢ / ١٨، ١٣٩–١٤٤). كان حورس الإله الذي يرتبط به الملك الحي والذي يُصور الملك على أنه التجسيد الأرضي له. ارتبطت النسخة النسائية من حورس بدور الوصي على العرش (تروي ١٩٨٦: ١١٥–١٤٤)، واتخذتها ملكات البطالمة الأوليات (أشتون ٢٠٠٣أ: ١١٢-١١٣). كذلك كانت ألقاب ḫkrt بمعنى «حاكمة» (تروي ١٩٨٦: د٢ / ١٠) وḫkrt nt3 بمعنى «حاكمة الدولة» (تروي ١٩٨٦: د٢ / ١١) أشكالًا أنثوية من صيغ لألقاب ذكورية.
-
«السيدة النبيلة» (تروي ١٩٨٦: د٢ / ١، ١٣٣-١٣٤). هذه ليست ترجمة دقيقة ولا تعبِّر فعليًّا عن أهمية اللقب أو قوته، الذي توجد منه أيضًا صيغة ذكورية كانت تُستخدم ككُنْيَة لإله الأرض جب، عندما كان يؤدي دور الوسيط بين ست وحورس (تروي ١٩٨٦: ١٣٣). وقيل إن الصيغة الأنثوية من هذا اللقب لا بد أنها كانت مرتبطة بمنصب كاهنة الإله جب ودور وصاية نساء الأسرة الحاكمة على العرش. ولا تصعب ملاحظة سبب ارتباط لقب rt-p’t بكليوباترا السابعة، التي استخدمت أيضًا كُنية «ابنة جب» (الفصل السادس) وكانت بالطبع وصية على العرش وحاكمة مشتركة مع ابنها بطليموس الخامس عشر.
-
«سيدة الدولتين» (تروي ١٩٨٦: د٢ / ١٤، ١٣٣–١٣٨). يساوي هذا اللقب بين دور الملكة ودور الملك، الذي يحكم دولتين ويحافظ على مفهوم ماعت (أي النظام داخل الكيان المصري). ارتبط هذا اللقب بدور والدة الملك في ترتيلة أُهديت إلى الابنة والزوجة الملكية إياح حتب الأولى في الأسرة السابعة عشرة (تروي ١٩٨٦: ١٣٥). ساد دور والدة الملك في النصف الثاني من حكم كليوباترا السابعة. ويصنَّف لقب «سيدة الجنوب والشمال» (تروي ١٩٨٦: د١ / ٤) على أنه أحد الألقاب ذات الصلة ويُعتبر وسيلة أخرى للتأكيد على سيطرتها على الأراضي المصرية. هذا ويعبِّر لقب «ملكة مصر العليا للأراضي ذات التاج الأبيض، وملكة مصر السفلى للأراضي ذات التاج الأحمر» (تروي ١٩٨٦: د٣ / ١٠) أيضًا عن الشكل الأنثوي من أحد الألقاب الذكورية التقليدية القوية؛ فقد كان توحيد الدوليتين: مصر العليا والسفلى أحد الأدوار المهمة للملك الحاكم.
-
«عظيمة الثناء» wrt ḥswt (ب٤ / ١١) يرتبط بدورها الشعائري كمنشدة. يرتبط أيضًا بدور الكاهنة لقب «العظيمة صاحبة صولجان هيتس ḥts» (تروي ١٩٨٦: ب٣ / ٦، ٨٣–٨٥). ويُقال أيضًا إن هذا الصولجان، الذي ظهر كلقب في المملكة الوسطى واستمر طوال المملكة الحديثة وحتى العصر الفرعوني المتأخر، ارتبط بدور حتحور وحق النساء في الحكم (تروي ١٩٨٦: ٨٣). كان شكل هذا الصولجان أصغر من كثير من الصولجانات الموجودة على النقوش البارزة بالمعابد. ويظهر في صور نساء الأسرة الحاكمة من الأسرة الثامنة عشرة بجانب رأس الأفعى والتاج والضفيرة الجانبية (تروي ١٩٨٦: ٨٤ الشكل ٥٥). لم يكن الصولجان حكرًا على نساء الأسرة الحاكمة؛ بل على العكس؛ فقد ارتبطت مراسم هيتس بالملك. وارتبط كذلك لقب «سيدة بهو القصر الجميلة» (تروي ١٩٨٦: أ٤ / ١٠) بدور الكاهنة (تروي ١٩٨٦: ٩٦).
(٨) كليوباترا الكاهنة
بالإضافة إلى الألقاب الكهنوتية التي استخدمتها كليوباترا السابعة يوجد عدد كبير من الصور في النقوش البارزة في المعابد تُظهر الملكة وهي تؤدي دور مقدمة القرابين؛ فتظهر كليوباترا في النقوش البارزة في المعابد، تمامًا مثل نساء الأسرة الحاكمة السابقات في عصر البطالمة، وهي تقف خلف شريكها في الحكم الذي كان ابنها. كان هذا التغير المناقض لاستقلالها السابق بلا شك نتيجة انتهاء النزاع على السلطة؛ فقد كانت كليوباترا الحاكمة الشرعية وكان ابنها هو شريكها الذي كانت وصية عليه. نرى كليوباترا في النقوش البارزة في المعابد على أنها الكاهنة والخادمة الرسمية للآلهة. كانت تيجانها تتخذ الشكل المعتاد الذي كانت ملكات البطالمة السابقات يلبسنه؛ إذ تتكون من قرص الشمس وريشتين وقرنَي بقرة. ومع ذلك تظهر كليوباترا في الجدران العلوية للضريح الداخلي في دندرة وهي ترتدي تاج أرسينوي الثانية. تتقاسم سلطة الحكم مع ابنها بطليموس الخامس عشر، الذي عادةً ما يظهر وحده.
(٩) تماثيل لكليوباترا السابعة على الطراز المصري
من خلال التحليل الأسلوبي والتصويري اتضح أن عددًا من التماثيل يمثِّل كليوباترا السابعة. لا يتفق جميع الباحثين على نسبة هذه التماثيل إلى كليوباترا ويفضل البعض تقديم بديل واحد أو أكثر لهوية تماثيل فردية. تشير حقيقة التشكيك في هوية التماثيل في حد ذاتها إلى مدى الارتباط الوثيق بين صور ملكات البطالمة. أما الهويتان البديلتان المقترحتان للتماثيل فهما كليوباترا الثالثة وأرسينوي الثانية، وقد كانت الملكتان كلتاهما مثالًا يُحتذى به لدى كليوباترا السابعة (أشتون ٢٠٠١أ: ١٤٨–١٥٣). لن نتحدث هنا إلا عن تماثيل كليوباترا التي تظهر فيها كحاكمة، ولمعرفة المزيد عن تماثيلها كإلهة انظر الفصل السادس.
(١٠) المعابد
بالإضافة إلى دراسة تماثيل كليوباترا السابعة من المهم فحص المعابد التي ارتبطت بهذه الملكة. يُعتبر هذا النوع من الأدلة على وجه الخصوص مهمًّا في أي تقييم كامل لكليوباترا ودورها، ومع ذلك فإن أية مناقشات مفصلة حول البقايا المادية عادةً ما ينقصها شيء. أجرى المعهد الفرنسي للآثار الشرقية دراسات كاملة عن كثير من هذه المعابد، ورغم ذلك فإن مظهرها المصري بالكامل جعل كُتَّاب سيرة كليوباترا يتجاهلون عادةً هذا النوع من الأدلة لا سيما الحائط الجنوبي لمعبد حتحور في دندرة. سنتحدث عن المنشآت التي أهدتها كليوباترا في خلال النصف الثاني من فترة حكمها في الفقرات التالية التي تحمل أسماء المعابد.
(١٠-١) أرمنت
ظهرت محاولات لإعادة بناء هذا المبنى رقميًّا (أرنولد ١٩٩٩: ٢٢٢-٢٢٣، الأشكال ١٧٩ و١٨٠). ويبدو واضحًا أن البناء الرئيسي كان محاطًا برواق مُعَمَّد وكان المعبد يحتوي على ثلاث غرف. اقترح أرنولد أن البناء ربما بُني على ثلاث مراحل منفصلة: المعبد الرئيسي أولًا، ثم كشك له مدخل عالٍ به أربعة أعمدة على جانبيه وستة أعمدة في الواجهة، أُضيف إلى واجهة المبنى الأساسي، ثم كشك آخر أمام هذا البناء. يوجد بهذه المرحلة الأخيرة عمودان على الجانبين وأربعة أعمدة في الواجهة ويبلغ ارتفاعها ١٦٫٥٥ أمتار. كانت طبليات تاج العمود (وهي الجزء الموجود فوق رأس العمود) أكثر عمقًا من المعتاد، ويقول أرنولد إنه كان من المفترض إضافة أشكال منحوتة للإله بس. يمكن تكوين فكرة عن الشكل الذي كان من المفترض أن يبدو عليه هذا البناء من خلال مقارنته ببيت الولادة الموجود في إدفو.
سجَّل ليبسيوس داخل المحراب بعضًا من أروع الزخارف البارزة التي تُظهر ولادة حورس الابن (ليبسيوس ١٨٤٩–١٨٥٩، المجلد رقم ٤: الصورة ٦٠أ). على جهة اليمين يقف الإلهان آمون ونخبيت، وخلفهما تقف كليوباترا السابعة وهي ترفع يديها بالدعاء. ترتدي كليوباترا تاجها المعتاد المكون من قرص الشمس وقرنَي البقرة وترتدي غطاء الرأس على شكل الكوبرا الملكية بدلًا من النسر المقدس. طُبع اسمها داخل خرطوشة واحدة. تظهر عادةً في بيوت الولادة إيزيس وهي تُرضع الطفل حورس، لكن المشهد الموجود في أرمنت يُظهر في الواقع ولادة الطفل. تُمسك الممرضات بالأم بينما تجذب أخريات الطفل منها؛ بعد ذلك تُمرر أخرى الطفل حديث الولادة إلى إحدى الممرضات التي تظهر ممسكةً به وهي تجلس على ركبتيها. يظهر التشابه واضحًا بين هذا الرسم وبين كليوباترا وابنها، ويظهر فوق الطفل، وهو يُجذب من رحم أمه، جعران مجنح، يرتبط بابن آمون الذي يظهر هنا. وفي أماكن أخرى تظهر رسومات مجسمة لممرضات لهن رأس ثور يشبهن امرأة تُرضع الطفل إشارةً إلى ثور بوخيس الذي عاش في أرمنت. وفي أسفل المشهد يشرب حورس مباشرةً من ضروع بقرة. يصاحب مشهد الممرضات المقدسات مشهدٌ آخر أكثر تقليدية، وهو مشهد إرضاع إيزيس لابنها المعبود (ليبسيوس ١٨٤٩–١٨٥٩، المجلد ٤: الصورة ٥٩ج).
(١٠-٢) دندرة
تظهر الصورة نفسها على اليمين. وتقف بين كليوباترا وابنها شخصية أصغر حجمًا تمسك مفتاح الحياة وعصا؛ تُظهر لنا علامة كا في صورة اليدين المرفوعتين أنه روح بطليموس قيصر (كا). يقف أمام هذين الحاكمين الإلهين إحي ووالدته حتحور ويحاكيان وقفة كليوباترا وابنها. وكما أشار راي (٢٠٠٣: ٩)، كانت حتحور النظير الإلهي المثالي لكليوباترا؛ لأن رفيقها، حورس، الذي يظهر على النقش البارز خلف حتحور وابن كليوباترا، لم يعش داخل المعبد نفسه وإنما كان يبعد عنه بعديد من الأميال في إدفو. قال راي إن كليوباترا كانت تنجذب بطبيعتها إلى مثل هذا التشبيه الإلهي (٢٠٠٣: ٩–١١). أما الشخصيات الأخرى فهي من ثالوث إيزيس وأوزوريس وحورس ويقفون جميعًا في صف أمام الحاكمَيْن. وعلى اليسار يقف الحاكمان أمام الآلهة التي تتمثَّل في إيزيس وابنها حورس وأوزوريس (راي ٢٠٠٣: ١٠).
ساد أسلوبان للزخرفة في معبد دندرة (بيانشي ٢٠٠٣: ١٤-١٥). الأسلوب الذي يُعرف باسم الأسلوب الاحتفالي ويتمثَّل في المشهد الضخم المنقوش على الحائط الخلفي للمعبد. ونجد في هذا المشهد اهتمامًا بالتفاصيل لا نجده في داخل المعبد (بيانشي ٢٠٠٣: ١٤). أما الأسلوب الثاني فيوجد داخل المعبد ويفتقر إلى التفاصيل، كما نرى في الخراطيش الكثيرة الفارغة وأيضًا في أسلوب النحت. وتكون عادةً أبعاد ملامح جسم الشخصيات الموجودة على الجدران وفي السراديب الداخلية، مثل الذراعين واليدين، غير صحيحة (انظر بيانشي ٢٠٠٣: الصورة ١ب). كذلك يوجد اهتمام أقل بملء المساحات الموجودة حول الشخصيات أو ربما، على وجه التحديد، في حالة نحت الشخصيات بعد الانتهاء من النص (بيانشي ٢٠٠٣: ١٥)، يصبح نحت الزخارف التصويرية موحدًا بدلًا من كونه وصفيًّا.
يتضح من استعراض للزخارف البارزة داخل المعبد أن جميع الخراطيش البطلمية تقريبًا فارغة. تسود صورة الملك الوحيد وأحيانًا تنضم إليه مرافقة. ولا يظهر اسم هذه المرافقة أيضًا، لكن يُشار إليها بلقب «حاكمة وسيدة الدولتين». عادةً ما توجد خرطوشة واحدة فارغة، لكن أحيانًا توجد خرطوشتان. ونادرًا ما تظهر هذه المرافقة وحدها ودائمًا ما يكون موضعًا ثانويًّا فتسمح لشريكها في الحكم بالوقوف مباشرةً أمام الآلهة. عادةً ما تسمك برمز مفتاح الحياة في إحدى يديها وترفع يدها الأخرى للدعاء. وفي بعض الأحيان تقدِّم القرابين. نشرت كوفيل هذه الزخارف البارزة والنقوش المرتبطة بها (١٩٩٨، ١٩٩٩، ٢٠٠٠أ، ٢٠٠٠ب، ٢٠٠١، و٢٠٠٤أ، و٢٠٠٤ب). فيما يلي سنشير إلى صور لكليوباترا السابعة من داخل المعبد. وأزعم أن صور السيدة الملكية التي لم يُذكر اسمها والتي ترافق الملك، الذي يقف أمامها في جميع مشاهد تقديم القرابين، هي صور لكليوباترا السابعة وابنها بطليموس الخامس عشر. تظهر هذه الصور داخل المعبد الرئيسي، على الجدران الداخلية والخارجية للمقصورات. كان من الممكن تنفيذ هذه المرحلة من الزخارف تحديدًا تنفيذًا جيدًا ضمن برنامج العمل؛ فقد زُينت السراديب، ضمن المرحلة الأولى، بصور لكليوباترا السابعة (بيانشي ٢٠٠٣). لم يعش بطليموس الثاني عشر إلا ثلاث سنوات أخرى بعدما أهدى هذا الجزء إلى معبد دندرة، ويبدو أن ابنته استكملت المشروع. عقب وفاة كليوباترا سارع أغسطس في ترك بصمته في ذلك المكان. ولحسن حظنا كباحثين نكتب عن المعابد التي أهدتها كليوباترا؛ فقد ترك عُمال الإمبراطور أعمالها داخل المعبد وخارجه.
في الحجرة د، في الجدار الغربي، الشريط السفلي (كوفيل ٢٠٠٠: المجلد الأول، الصورة ١٤، والمجلد الثاني، الصورة ١٥ لأعلى و٢٧)، تظهر كليوباترا خلف شريكها وهو يرتدي تاج مصر العليا والسفلى ويقدِّم عقدًا إلى حتحور. تقف كليوباترا رافعةً إحدى ذراعيها للدعاء والأخرى بجوارها وتمسك بمفتاح الحياة. ترتدي كليوباترا تاجًا من النوع المعتاد الذي ترتديه ملكات البطالمة، تمامًا مثل صورتها على الجدار الخلفي للمعبد، ويتكون التاج من قرص الشمس وقرنَي بقرة وريشتين. توجد خرطوشة واحدة فارغة عليها لقب «حاكمة، سيدة الدولتين» فوق صورتها، وتوجد عند الحاكم خرطوشتان فارغتان. في الزاوية الجنوبية للغرفة ﻫ تظهر كليوباترا مرة أخرى (كوفيل ٢٠٠٠: المجلد الأول، ٦٢، والمجلد الثاني الصورة ٤٠ السفلى) بالشكل نفسه وبالألقاب نفسها. في الشريط السفلي الموجود على الجدار الشرقي تمسك الملكة بطاولة قرابين تقليدًا لشريكها في الحكم (كوفيل ٢٠٠٠: المجلد الثاني، الصورة ٤٥)، وتظهر في الشريط السفلي على الجدار الشمالي مع لقب «سيدة الدولتين» (كوفيل ٢٠٠٠: المجلد الأول، ٧١). وفي الجدار الغربي للحجرة فتقدِّم كليوباترا في الشكل السفلي إناءين من الخمر (كوفيل ٢٠٠٠: المجلد الثاني، الصورة ٩٧).
نُسبت أيضًا مقصورات سطح المعبد إلى كليوباترا (كوفيل ١٩٩٧: ٧٦-٧٧). فقد صُممت هذه المقصورات من أجل الكسوف الذي حدث في ٧ مارس عام ٥١ قبل الميلاد، وافتُتحت في ٢٨ ديسمبر عام ٤٧ قبل الميلاد؛ مما يوضح العلاقة الوثيقة بين تصميمات بطليموس الثاني عشر واستكمال ابنته لمشروعاته.
(١٠-٣) كلابشة
لفت بيانشي الانتباه في مقاله الصادر عام ٢٠٠٣ ضمن مجلد «إعادة تقييم كليوباترا»، إلى نقشين بارزين آخرين يعتقد أنهما يصوران كليوباترا السابعة. يشير النقش الأول إلى الملكة على نحو خفي إذ يسجل النص المكتوب إهداءً من كليوباترا بينما يعرض الإفريز الرمزي والألقاب صورة الإمبراطور أغسطس وأسماءه. يظهر هذا النص على إحدى بوابات المعبد الموجود في كلابشة (بيانشي ٢٠٠٣: ١٥) ويوجد حاليًّا في المتحف المصري في برلين. يوجد مكان على النقش البارز لشخصين لكن لا يظهر إلا شخص واحد يتمثَّل في صورة أغسطس التي تملأ المساحة بأكملها. تشير هذه المساحة إلى أن هذه النقوش قد نُحتت في أثناء عصر البطالمة، ويؤكد الكلام المنقوش الذي يشير إلى كليوباترا هوية الحاكمين الأصليين وهما كليوباترا وشركاؤها الذكور في الحكم (بيانشي ٢٠٠٣: ١٥). إذا كان أُعيد نحت هذا النقش وأُضيفت إليه صورة أغسطس كما تشير الأدلة، فإن هذا الفعل يختلف عن سياسته المعتادة في وضع صورته بالقرب من صورة الملكة كما حدث في دندرة وقفط.
(١٠-٤) أجزاء أخرى من النقوش البارزة
يوجد حاليًّا جزء من أحد النقوش ضمن مجموعة خاصة يحتوي على كتابة تشير إلى أن الشخصية الملكية الثانية المفقودة كانت أنثى (بيانشي ٢٠٠٣: ١٥). تنتمي هذه الخرطوشة إلى النوع الذي يوجد في سراديب معبد أرمنت، ويرجع تاريخها إلى حكم بطليموس الثاني عشر. تقول الكتابة الموجودة عليها «البيت الكبير» (وهو الاسم الذي يُستخدم للإشارة إلى الفرعون). كانت كليوباترا السابعة الملكة البطلمية الوحيدة التي تظهر وحدها في الصور الموجودة على نقوش المعابد، وكما وضحنا في هذا العرض المختصر، فإن ظهورها عقب خلافة ابنها بطليموس الخامس عشر قيصر لها، قد زاد في النقوش مع شريكها في الحكم.
(١١) كليوباترا ملكة هلنستية
لا توجد أدلة كثيرة على أن كليوباترا كانت ترغب في أن تظهر على أنها حاكمة هلنستية في مصر. والاستثناء الوحيد لهذه الملاحظة هو صورتها على العملات وعلى عدد قليل من قطع الرخام، والتماثيل ذات الطابع الإغريقي التي تتخذ شكل صور شخصية ونُسبت إليها. ونظرًا لأن العملات لم تكن تُستخدم عادةً في مصر، أفترضُ أن هذه الوسيلة كانت موجهة إلى جمهور عالمي أو ربما إلى الجيوش التي كانت تحمي الملكة ودولتها. إن استمرار كليوباترا في استخدام اللقب الديني «المحبة لأبيها» يُعتبر أحد الأمثلة على الطابع غير المصري، إلا أن الشعائر الدينية لهذه الحاكمة قد اعتنقها بحماس الكهنة والمعابد المصرية في أثناء فترة حكم بطليموس الثاني؛ ومن ثم أصبحت جزءًا من الشعائر الدينية القومية لأكثر من ٢٠٠ عام. ومع ذلك نجد في هذا السياق استمرارًا لأحد المفاهيم الإغريقية الأساسية؛ فعلى الرغم من وجود الكثير من الجدل حول أصول الشعائر الدينية الملكية لأسرة البطالمة الحاكمة، فإن حقيقة اشتراك الحكام الهلنستيين المعاصرين مع نظائرهم البطالمة في الألقاب نفسها يشير إلى أن الفكرة كانت موروثة من البلاط المقدوني أو مستوحاة من الإسكندر.
من بين الأبحاث التي عُرضت في مؤتمر المتحف البريطاني عام ٢٠٠٣ «إعادة تقييم كليوباترا» (ووكر وأشتون ٢٠٠٣) أُشير إلى عدد من الصور الشخصية المحتملة لكليوباترا على النمط الإغريقي الهلنستي. من المهم التأكيد على أن هذه الصور الشخصية على الأرجح لا تقترب من تصوير الشكل الفعلي لكليوباترا أكثر من صورها على الطراز المصري، فيميل مؤرخو الفن إلى تصنيف هذه الصور على أنها «طبيعانية»، وهذا المصطلح هو أحد المصطلحات المضللة الذي يرتبط بافتراضات داخل الثقافة الأوروبية. تتسم الصورة الأولى على الطراز الإغريقي (ووكر وهيجز ٢٠٠٣: ٧١–٧٤) بأنها أصغر من الصور الأخرى المتعارف عليها من الطراز نفسه؛ فيصل طولها إلى ٢٣ سنتيمترًا ولها عنق طويل واضح؛ مما يشير إلى أنها رُكبت من قبلُ على جسد، وربما صُنع من مادة مختلفة. لا توجد معلومات مؤكدة عن مصدرها المصري؛ فقد كان الرأس في البداية ضمن مجموعة في متحف جيميه وتوجد حاليًّا في متحف اللوفر. تتسم خصلات الشعر المميزة التي تتخذ شكل قوقعة الحلزون وتظهر على جبهة التمثال بأنها أكثر التزامًا بالنسق الإغريقي من تلك الموجودة في التماثيل الإغريقية الأخرى التي اعتُبرت تمثِّل كليوباترا. لوحظت هذه السمة المميزة لأول مرة في شكل أُضفي عليه الطابع القديم لصور كليوباترا الثانية والثالثة ثم تكرر استخدامه في بعض التماثيل على الطراز المصري التي اعتُبرت تمثِّل كليوباترا السابعة (أشتون ٢٠٠١أ: ٤٧). يبدو شعر الرأس الموجود في متحف اللوفر قد صُفف على شكل خصلات عريضة مربوطة للخلف وترتدي الملكة إكليلًا، وهي سمة لا توجد في تماثيل الملكة المصممة على الطراز المصري؛ ففي التماثيل المصرية يكون تصفيف الشعر المتموج مصحوبًا بتموجات منمقة تكوِّن غرة على جبهتها. لا تظهر على الصورة علامات الشباب مثل الأمثلة الموجودة في روما أو غيرها التي تظهر كليوباترا السابعة أو ابنتها كليوباترا سيليني في مدينة شرشال في الجزائر (ووكر وهيجز ٢٠٠٣: ٧٢).
يوجد رأس رخامي آخر ضمن مجموعة خاصة لها الأبعاد المعتادة الأقل من الحجم الطبيعي والتي ارتبطت أيضًا بكليوباترا في شبابها (بيانشي ٢٠٠٣: ٢٠، الصورة ٦). تمامًا مثل الرأس الموجود في متحف اللوفر نرى في ذلك التمثال عنقًا طويلًا ونحيلًا؛ مما يشير إلى التقليد البطلمي الكلاسيكي المعتاد الذي يتمثَّل في تركيب صورة الوجه على جسم مصنوع من مادة أخرى. يبدو أن نحت الشعر لم يكتمل أكثر من كون سطحه قد تآكل، ما يتفق مع الأسلوب السكندري الذي يتمثَّل في إنهاء التماثيل الرخامية بطبقة من الجبس (الجص). يوجد إكليل عريض يمكن رؤيته بسهولة؛ مما يشير إلى أن هذا التمثال لشخصية ملكية. توجد علامات مقنعة على أن هذا التمثال يصور وجه كليوباترا السابعة؛ فالفم عابس والذقن واضح المعالم والشكل العام للوجه مستدير والأنف مستقيم والجبهة صغيرة. قورنت هذه الملامح بالملامح الموجودة على العملات التي ضُربت في دمشق عام ٣٧-٣٦ قبل الميلاد (بيانشي ٢٠٠٣: رقم ١٠٥)، إشارة إلى أن هذه إحدى صورها المبكرة، ويدعم مظهرها الشاب هذه النظرية.
(١٢) سك العملات
تقدِّم العملات السكندرية إشارة أخرى إلى وضع كليوباترا السابعة كملكة هلنستية. تجدر الإشارة إلى أن الملكة تظهر وحدها على العملات التي ضُربت في مصر بدلًا من استخدام هذه العملات كوسيلة للترويج لابنها. تذكِّرنا صورة الملكة بصورة والدها؛ بشكل الذقن الواضح المعالم والفم المقوس إلى الأسفل والعينين الكبيرتين (إشارة إلى هرقل الذي ظهر في مرحلة مبكرة من الأسرة) والأنف الحاد المعقوف قليلًا. لا أريد أن أتحدث في هذا السياق عن مسألة جمال كليوباترا؛ فيبدو أنه لا طائل ولا فائدة من معرفة هل كانت الملكة جذابة بالنسبة للمُشاهد الحديث. أفضِّل وصف صورتها بأنها تعبِّر عن القوة وتتضمن إشارة واضحة إلى صورة والدها، وأؤكد على العلاقة القوية بينهما.
كانت العملات تُصنع فقط من سبائك النحاس والفضة. أما العملات الذهبية التي ظهرت في أوائل عصر البطالمة فكانت صناعتها قد توقفت منذ زمن طويل (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٧٧). كذلك اختُزلت العملات الفضية إلى ٤٠ في المائة فضة مقارنة بنحو ٨٠ إلى ٩٠ في المائة من الفضة في أثناء حكم بطليموس الثاني عشر و٩٨ إلى ٩٩ في المائة فضة في عملات التيترادراخما التي صُنعت في عصر البطالمة الأوائل (هازارد ٢٠٠٠: ٨٩–١٠٧). ضُربت الدراخما الفضية في السنة السادسة والحادية عشرة من حكم كليوباترا؛ ٤٧ / ٤٦ و٤٢ / ٤١ قبل الميلاد على التوالي (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٧٧، رقم ١٧٨). تُظهر الصورة الموجودة على أحد وجهَي العملة الملكة وهي ترتدي إكليلًا ملكيًّا مع وجود تجعيدات الشعر الصغيرة المعتادة على جبهتها وعلى مؤخر رقبتها من الخلف. على الوجه الآخر يوجد النسر البطلمي ويقول الشعار المكتوب «الملكة كليوباترا».
(١٣) كليوباترا: الوصية على العرش
نادرًا ما يُذكر بطليموس الخامس عشر في المصادر الرومانية، فيوجد العديد من الإشارات إلى علاقة كليوباترا بيوليوس قيصر في قصيدة لوكان «فرساليا» (٦٣–١٠٩)، بما في ذلك مولد طفلهما «أخ لجوليا» (٩٠). هذا ويشير كتاب بلوتارخ «يوليوس قيصر» (الفصل ٤٩) إلى أن قيصر ترك كليوباترا على العرش عقب حروب الإسكندرية وذهب إلى سوريا. يقول المؤلف إنه عندما ترك يوليوس قيصر مصر عام ٣٧ قبل الميلاد كانت كليوباترا حاملًا في شهرها السابع (القيصر ٤٩. ١٠)، وأنه «بعد فترة وجيزة أنجبت ابنًا منه أطلق عليه أهالي الإسكندرية اسم قيصرون» (جونز ٢٠٠٦: ٥٨). كذلك يذكر بلوتارخ أن بطليموس الخامس عشر كان ابن القيصر في روايته عن عطايا الإسكندرية («حياة أنطونيو» الفصل ٥٤؛ جونز ٢٠٠٦: ١١٦)، وعند الإشارة إلى مصيره في وقت انتحار كليوباترا (جونز ٢٠٠٦: ١٨٧).
كتب سويتونيوس («يوليوس قيصر المؤلَّه»، الفصل ٥٢) يقول: إن كليوباترا سُمح لها بمناداة ابنها من القيصر باسم قيصر (جونز ٢٠٠٦: ٧٩). يستمر الكاتب معلقًا إن «الكثير من الكُتَّاب الإغريق يقولون إنه كان يشبه يوليوس قيصر في كلٍّ من شكله وتصرفاته.» أكد مارك أنطونيو لمجلس الشيوخ أن قيصر اعترف بالفعل بالطفل، ومع ذلك قيل إن أحد أصدقاء قيصر، جايوس أوبيوس، نشر كتابًا فيما بعد يقول فيه إن بطليموس قيصر ليس ابن القيصر (إدواردز ٢٠٠٠). سنتحدث بمزيد من التفصيل عن مصير بطليموس الخامس عشر في الفصل التاسع.
عقب عودة كليوباترا إلى روما عام ٤٤ قبل الميلاد، لم تضيع الوقت وعزلت أخاها الأصغر وجعلت ابنها بطليموس قيصر هو الحاكم المشترك معها، ومع ذلك لم تظهر أدلة على دور ابنها كحاكم إلا في مرحلة متأخرة من حكمها. يوجد خلاف حول تاريخ مولد بطليموس قيصر؛ فقد ساد الاعتقاد لعدة سنين أن طفل كليوباترا الأول وُلد عام ٤٦ قبل الميلاد عقب زيارة يوليوس قيصر الأولى إلى مصر، وأنها حملته في أثناء الوقت الذي قضاه قيصر في مصر بهدف ضمان سلامة هذه الولاية التابعة لدولته. لكن التاريخ الموثوق في صحته سُجل في رواية على لوح مكتوب باللغة الديموطيقية من معبد السرابيوم في ممفيس ويوجد حاليًّا في متحف اللوفر. يؤرخ هذا اللوح ليوم ميلاد قُرئ على أنه يشير إلى مولد بطليموس قيصر في ٢٣ يونيو عام ٤٧ قبل الميلاد (هولبل ٢٠٠١: ٢٣٨). ومع ذلك أشار مقال مهم نُشر عام ٢٠٠١ إلى أن الاسم المذكور بجوار هذا التاريخ، الذي اعتقد أنه قيصر؛ ومن ثم يشير إلى بطليموس قيصر، لم تكن قراءته صحيحة (ديوفوشيل ٢٠٠١).
أما عن أطفالها الآخرين الذين أنجبتهم من مارك أنطونيو، وكانوا ثلاثة؛ التوأمين كليوباترا سيليني والإسكندر هيليوس، ثم بطليموس فيلاديلفوس، فيوجد بعض الإشارات إليهم. في كتاب «أغسطس المؤلَّه» (١٧) يدَّعي سويتونيوس أن مارك أنطونيو أوصى بأن يرثه أبناؤه من كليوباترا؛ ولهذا السبب؛ أي «لتخليه عن عادات المواطن الروماني»، أُعلن عدوًّا للدولة الرومانية. يصف المؤرخ ديو في الفصل السادس من كتابه «التاريخ الروماني» الاستعدادات التي اتخذها كلٌّ من أنطونيو وكليوباترا من أجل تأكيد وضع أطفالهما، ولم يذكر بطليموس قيصر فقط وإنما أيضًا أنتيلوس ابن أنطونيو من فولفيا. يقول ديو إن هذين الحاكمين فَعَلا هذا من أجل «إثارة حماس المصريين، الذين شعروا أخيرًا أنه أصبح لديهم ملكٌ رجل، ومن أجل جعل باقي الشعب يواصلون الصراع تحت قيادة هذين الولدين، في حال حدوث أمر غير متوقع لوالديهم.» يشير هذا المؤرخ إلى أن هذا الفعل أدى إلى سقوط الولدين، اللذين رأى أوكتافيان أنهما يمثِّلان تهديدًا له؛ لذا حكم عليهما بالإعدام بمجرد القبض عليهما.
حصل الأمير الصغير على لقب «الإله المحب لوالدته» و«الإله المحب لأبيه» (بينجن ٢٠٠٧: ٦٤). في أثناء السنة السادسة عشرة لوصاية كليوباترا على العرش؛ السنة اﻟ ٣٧ / ٣٦ قبل الميلاد، بدأت الملكة نظام تأريخ مزدوج، فأطلقت على هذا العام السنة الأولى بالتزامن مع عطايا الإسكندرية (بينجن ٢٠٠٧: ٥٧).
(١٤) تماثيل بطليموس الخامس عشر
توجد مجموعتان من التماثيل التي تُنسب إلى بطليموس الخامس عشر. الأولى على الطراز المصري مع اقتراض ملامح إغريقية حسب التقليد البطلمي المعتاد، وتتضمن تماثيل مدعومة بالعمود الخلفي المعتاد ومنحوتة من صخر صلب. أما المجموعة الثانية فتنتمي إلى التقليد الإغريقي. تُصنع التماثيل في هذه المجموعة من الحجارة المستخدمة في نحت التماثيل المصرية: الجرانيت أو الحجر الصابوني أو الحجر الجيري، لكنها مصنوعة على الطراز الإغريقي بالقاعدة المستطيلة المدببة، ويظهر فيها عادةً عضو التمثال الذكري وملحقات على الكتفين. يُعرف هذا النوع من التماثيل باسم هيرم؛ لأن النماذج الأولى له كانت تحمل عادةً رأس الإله هيرميز في أعلى القاعدة الحجرية وكانت تُستخدم في الأصل من أجل وضع علامة على الطرق. تتسم النماذج المقترحة التي تحمل رأس بطليموس قيصر بملامح وشكل على الطراز الإغريقي.
تحمل التماثيل الموجودة في المجموعتين كلتيهما الملامح الشكلية التي تشير إلى أنها تصور أميرًا شابًّا. فجميعها تشترك في ملامح الوجه التي تشبه ملامح التماثيل التي اعتُبر أنها تمثِّل كليوباترا السابعة (أشتون ٢٠٠٣د: ٢٦–٣٠). تشبه تماثيل بطليموس قيصر النوع الذي يُشار إليه حاليًّا على أنه ثنائي اللغة. يرجع هذا إلى تمتعها بالسمات الضرورية التي تحدد كون هذا التمثال لأحد ملوك مصر وتخاطب المُشاهد المصري، وبالإضافة إلى ذلك، تُظهر سمات الوجه صورة يمكن تمييزها (لكنها ليست واقعية بالضرورة) وفقًا للشكل الإغريقي المتعارف عليه؛ ومن ثم، تقدِّم لنا هذه التماثيل أمثلة على شكل بطليموس الخامس عشر بالنسبة للإغريق؛ فقد عبَّرت صوره عن الثقافتين كلتيهما وقدمت أيضًا رسالة لا شعورية مهمة تتعلق بصلته بمصر، فربما تكون روما قد رفضت الاعتراف به على أنه الوريث الشرعي ليوليوس قيصر، لكن مصر رحبت بهذا الحاكم الشاب مع والدته وبصفته الوريث الشرعي لوالدته.
يوجد ثلاثة تماثيل أخرى قد تكون لبطليموس قيصر، وكلها معروفة الأصل وعلى الطراز المصري (حيث الوقفة بتقديم القدم اليسرى والعمود الخلفي والتنورة القصيرة، وغطاء للرأس يرتديه الحكام الرجال وبعض الآلهة، الذي يدعى «نيميس»). يوجد بعض الشكوك بشأن التمثال الأول؛ فيُقال إنه عُثر عليه في الكرنك ويوجد حاليًّا في المتحف المصري في القاهرة ويصل طوله إلى ٩٦ سنتيمترًا (أشتون ٢٠٠١أ: ٩٨-٩٩، رقم ٣٣؛ ستانويك ٢٠٠٢: ٣٨، ١١٩-١٢٠، د١٤، يؤرخ القطعة إلى عصري بطليموس التاسع والعاشر). تشبه ملامح الوجه الملامح المذكورة سابقًا، لكن أسلوب تصفيف الشعر تحت غطاء الرأس مختلف، وأشار البعض إلى احتمال كون تاريخه يعود إلى أوائل العصر الروماني. توجد سمة أخرى مهمة مفقودة في هذا التمثال المصري في الأساس؛ وهي وجود رأس أفعى على الجبهة. يوجد نموذجان على التماثيل المصرية، التي يرجع تاريخها إلى أوائل العصر الروماني، يفتقران أيضًا إلى الكوبرا الملكية (كيس ١٩٨٤: ١٤٢، الشكل ٧٨ و١٤٧، والأشكال ٩٦-٩٧).
إن التمثال الثالث في هذه المجموعة هو الأحدث اكتشافًا على الإطلاق، ومثل التمثال المزدوج السابق، عُثر عليه في الإسكندرية. عُرض هذا التمثال في البداية على أنه تمثال للإمبراطور أغسطس في صورة فرعون مصر. إلا أنه قيل فيما بعد إن ملامح الوجه تشبه ملامح كليوباترا السابعة وإن صورته الشابَّة هي لابنها بطليموس الخامس عشر (أشتون ٢٠٠٣د: ٢٩-٣٠). يتميز هذا التمثال بسِمة لا توجد في غيره من تماثيل البطالمة، أو بالتأكيد في التماثيل الفرعونية، ألا وهي وجود ثقبين أسفل ثنيات غطاء الرأس نيميس. من الواضح أن هذا العنصر كان يسمح بتركيب عنصر إضافي، ويُقال إن هذا العنصر كان قرنَي آمون وأنه من خلالهما يرتبط بطليموس الخامس عشر بالعصر الذهبي لأسرة البطالمة الحاكمة من خلال ربط نفسه بالإسكندر الأكبر، الذي يُقال إنه ابن الإله.
تُنسب أيضًا مجموعة كبيرة أخرى وعدد كبير من التماثيل في شكل «الهيرم» الإغريقي إلى بطليموس قيصر. توجد هذه التماثيل حاليًّا في المتاحف التالية: المتحف المدني في بولونيا (أشتون ٢٠٠١أ: ٩٨-٩٩، رقم ٣٢)؛ متحف بروكلين (أشتون ٢٠٠١أ: ٦٨، رقم ٣. ١)؛ متحف بتري في لندن (آشتون ٢٠٠١أ: ٦٨، رقم ٣. ٢) متحف فيتزويليام في كامبريدج (أشتون ٢٠٠٤: ٢٠-٢١، رقم ٦)، ومتحف القاهرة (غير معلن عنها). صُفف الشعر في جميع هذه التماثيل على النحو نفسه الموجود في تمثال رأس متحف وارسو وتمثال بروكلين. كذلك تتشابه ملامح الوجه، لكنها ليست متطابقة مما يشير إلى أن هذه التماثيل ليست جزءًا من مجموعة صُنعت في الورشة نفسها. جميع التماثيل بالأبعاد نفسها تقريبًا، حيث يصل عرضها إلى ١٠ سنتيمترات بما في ذلك الكتفان، باستثناء تمثال القاهرة، الذي كان أكبر حجمًا بكثير. يبدو على الأرجح أن هذه التماثيل كان لها هدف ديني، إما داخل المعابد أو الأضرحة الفردية. للأسف، لا يوجد منشأ محدد لأيٍّ من التماثيل. وتتمتع كلها بسمة مميزة ألا وهي الإكليل الملتوي، الذي لا يُعرف المقصود به بالضبط حتى الآن. تُعتبر هذه التماثيل مهمة لأنها تشير إلى وجود إنتاج بالجملة لشكل معين من التماثيل للحاكم الشاب. يشيع وجود هذه الصور في شكل تماثيل لرءوس على الطراز الإغريقي أثناء القرن الثالث قبل الميلاد (أشتون ٢٠٠١أ: ٩)، لكن لم تعد تُنتج بعد ذلك بالأعداد نفسها. هذا وتشير إعادة ظهور الصور الشخصية الملكية لأغراض دينية إلى حدوث نهضة في أواخر عهد البطالمة.