الفصل السادس
كليوباترا الإلهة
(١) تطور السياسات الدينية في عهد ملكات البطالمة
في سياق هذا الكتاب يبدو من الملائم أكثر استعراض التطورات الدينية التي حدثت في
عهد
سيدات الأسرة الحاكمة (لمزيد من المعلومات انظر أشتون ٢٠٠٣أ: ١١٥–١٤٢). عقب وفاة
بطليموس الأول وبرنيكي الأولى أعطاهما ابنهما بطليموس الثاني صفة الآلهة. وتأسست
عقيدتهما؛ عقيدة الآلهة المخلِّصة (سيوي سوتيريس) في الإسكندرية، لكنها كانت منفصلة عن
عقيدة الإسكندر. في الواقع لم ترتبط عقيدة الآلهة المخلِّصة بعقيدة الإسكندر التي كانت
العقيدة الرئيسية للأسرة الحاكمة إلا في عهد الإصلاحات التي أدخلها بطليموس الرابع
(هولبل ٢٠٠١: ١٦٩-١٧٠؛ فريزر ١٩٧٢: المجلد الأول، ٢١٨)، عندما بُني قبر جديد للإسكندر
وبُني هرم فوقه (لوكان
vii، ٦٩٢–٦٩٩؛ فريزر ١٩٧٢:
المجلد الأول، ١٦؛ المجلد الثاني ٣٥ رقم ٨٣)، وكانت هذه العقيدة ذات طابع إغريقي. فكان
كاهن الإسكندر والبطالمة فيما بعد، مع كاهنات الملكات المختلفات يُستخدمون في جميع صيغ
التأريخ الرسمية والقانونية. أما عقيدة الأسرة المصرية الحاكمة، التي تظهر في المعابد
المصرية والسياقات الأخرى، فكانت ذات كيان مختلف تمامًا. يوضح نقش بارز في معبد حورس
في
إدفو تسلسل عقيدة أسرة البطالمة الحاكمة جيدًا (شكل
٦-١).
كانت أرسينوي الثانية أول سيدة بارزة في هذه الأسرة، فكانت أخت بطليموس الثاني وزوجته
الثانية وحكمت مع أخيها منذ نحو عام ٢٧٥ حتى ٢٧٠ قبل الميلاد. وقد ظهرت عقيدة ثانية
للحاكمين بطليموس الثاني وأرسينوي الثانية وهي الآلهة الإخوة (ثيوي أدلفوي) وارتبطت،
على عكس عقيدة والديهما، بعقيدة الإسكندر الملكية السكندرية. أسس بطليموس الثاني عقب
وفاة أخته عبادة خاصة بأرسينوي الثانية تمثِّلها كاهنة خاصة تدعى كانيفوروس وتحمل سلة،
وقد انضمت إلى عقيدة الإسكندر الملكية. افتُتحت معابد جديدة لأرسينوي في الإسكندرية
والفيوم وأماكن أخرى في مصر. كذلك بُنيت معابد أخرى لها في ممتلكات البطالمة خارج
البلاد؛ فعلى سبيل المثال، خصص بطليموس الثاني معبدًا مستديرًا لأخته في جزيرة ساموثريس
في اليونان. تظهر أرسينوي في الزخارف البارزة في معبد الإلهة المصرية إيزيس في فيلة
(شكل
٦-٢) بصفتها عضوًا مكتملًا في أسرة الآلهة العظماء
المصريين. تظهر واقفة خلف إيزيس وتتسلم القرابين من أخيها وزوجها بطليموس الثاني،
وترتدي تاجها المميز وكُتب اسمها باللغة الهيروغليفية داخل خرطوشة. تُظهر الإشارات
النصية أن معابد الملكة في الفيوم كانت مميزة عن معابد الآلهة الإخوة (كواجبر ١٩٨٨:
٤٣-٤٤؛ فريزر ١٩٧٢: المجلد الأول ٢٢٨). وبالإضافة إلى المعابد الخاصة بهذه الآلهة
الجديدة، شاركت تلك الآلهة في معابد الآلهة الأخرى. كان الإله المشارك في المعابد يظهر
داخل المعابد المخصصة للآلهة الرئيسية الأخرى. كانت هذه وسيلة موفرة لتأسيس عقيدة جديدة
بدلًا من بناء معابد جديدة. هذا ويُخصص كاهن لهذه العقيدة أو يُشرف عليها الكهنة
الموجودون بالفعل بدلًا من بناء معابد جديدة على شرف الإله الجديد. كذلك كانت تُسمى قرًى
على اسم هذه الآلهة الجديدة.
في صيغ التأريخ يشير بطليموس الثالث دومًا إلى الآلهة الإخوة على أنهما والداه، رغم
أن أرسينوي الأولى كانت والدته؛ فيمكننا رؤية تقبُّله السريع لهذه الملكة واستعداده
للارتباط بها واضحًا على البوابة الموجودة أمام معبد خونسو في الكرنك (شكل
٦-٣)، التي يظهر عليها بطليموس الثالث وهو يقدِّم القرابين إلى والده
بطليموس الثاني وعمته وزوجة أبيه أرسينوي الثانية. في القرن الثاني قبل الميلاد، عقب
وفاة بطليموس السادس استمرت كليوباترا الثانية في الحكم مع بطليموس الثامن لكن الملك
اتخذ زوجة ثانية، وهي كليوباترا الثالثة ابنة أخته كليوباترا الثانية. في عام ١٣٢ / ١٣١
قبل الميلاد نظمت كليوباترا الثانية ثورة ضد أخيها ونصبت نفسها ملكة على مصر العليا،
ومنحت نفسها ألقاب الملكة كليوباترا، الإلهة المحبة لوالدتها (فيلوميتور)، والمخلِّصة
(سوتريا)؛ ومن ثم أعادت إحياء اللقب الذي استخدمته مع بطليموس السادس (وايتهورن ١٩٩٤:
١١٨).
رفعت كليوباترا الثالثة مكانتها الإلهية لمكانة أعلى من تلك التي كان مسموحًا بها
للملكات الأخريات من قبلها (أشتون ٢٠٠٣أ: ١٢٦، ١٣٨–١٤٢). تشير صيغ التأريخ المذكورة على
أوراق البردي إلى أنها كانت تعتقد نفسها تجسيدًا لإيزيس. تولت كذلك أدوارًا كهنوتية،
فنصبت نفسها كاهنًا لعقيدة الإسكندر، وهو دور كان يؤديه عادةً الحاكم الذكر. خصصت
الملكة خمسة كهنة سكندريين من أصل تسعة لعقيدتها الشخصية (هولبل ٢٠٠١: ٢٨٠، ٢٨٥). كذلك
تعكس صورتها تعبيرًا طموحًا عن سلطتها الفردية؛ إذ تحتل مركز السيادة في المشاهد
الموجودة على النقوش البارزة، وهي تقف أمام ابنها بطليموس التاسع، في مشهد لتقديم
القرابين في معبد الكرنك (كواجبر ١٩٨٨: ٥١، رقم ٦٠) وفي بيت الولادة في دير المدينة
(شكل
٤-٨). عبَّرت كذلك عن سلطتها من خلال المنحوتات، التي تظهر
فيها بملامح ذات طابع ذكوري أكبر. تنطبق هذه الملحوظة على تماثيلها على الطراز الإغريقي
والمصري (تحرير ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٥٩-٦٠). ومع ذلك، ليس من الواضح هل كان هذا مجرد
محاكاة لملامح وجه شركائها الذكور في الحكم أم أنه كان تعبيرًا عن سلطتها الشخصية وأحد
أساليب تصويرها على نحو ذكوري مناسب أكثر (أشتون ٢٠٠١أ: ٤٤؛ ٢٠٠٣أ: ١٤٠-١٤١). لا يبدو
أن ملكات البطالمة شعرن بوجه عام بالاضطرار إلى الظهور بمظهر فرعون ذكر من أجل تعزيز
سطلتهن؛ فقد كانت رفعة المكانة تتحقق من خلال تحويل الألقاب الذكورية إلى أنثوية، على
سبيل المثال لقب «أنثى حورس»، الذي استخدمته برنيكي الثانية، وهي ملكة من الواضح أنها
لم تتمتع بقوة سياسية أو دينية إلا عقب وفاتها (أشتون ٢٠٠٣أ: ٧٩–٨١، ١١٢-١١٣).
(٢) كليوباترا السابعة في مصر
ظهرت عدة طرق لتأليه حُكام البطالمة؛ في البداية كانوا يرتبطون بأحد الآلهة المعروفة،
وكانت هذه أبسط الطرق لرفع المكانة الملكية. وكان هذا الإجراء الاحترازي ضروريًّا في
العالم الإغريقي، حيث لم تكن فكرة وجود آلهة على قيد الحياة تحظى بقبول على نطاق واسع.
وبالطبع كان الإسكندر الأكبر الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، رغم أنه من غير المعروف
يقينًا إن كان هذا الحاكم قد صور نفسه على أنه إله بين الإغريق في أثناء حياته أم لا
(سميث ١٩٨٨: ٣٩، ٤٠، ١١٠). منذ عهد بطليموس الثاني حدث ترابط وثيق بين الحاكم الحالي
ووالديه المتوفين من خلال إنشاء عبادة خاصة بهما بعد موتهما. تقبَّل الناس المكانة
المقدسة للبطالمة وساد تبجيلهم في عقيدة ملكية كانت تشمل الزوجين الحاكمين وأسلافهما.
بالمثل في حالة السيدات، كانت الحاكمة تُمنح عقيدة خاصة بها، وكان هذا يحدث بعد الوفاة
في القرن الثالث قبل الميلاد. ومع ذلك، بدايةً من حكم كليوباترا الأولى، أصبح الحُكام
يُعترف بهم كآلهة وهم لا يزالون على قيد الحياة، ولم تكن هذه الحاكمة فحسب أول مَن يطلق
عليها اسم كليوباترا، وإنما كانت أيضًا أول سيدة من الأسرة الحاكمة تشغل بنجاح منصب
الوصاية على العرش وتُقدَّس على أنها أحد الآلهة في فترة حياتها (أشتون ٢٠٠٣أ:
١٢٩).
أدت كليوباترا السابعة بوصفها حاكمة مصرية دورها المقدس وكانت وسيطًا بين الآلهة
المصرية التقليدية والشعب. اشتملت هذه الوظيفة على عدد من المسئوليات المهمة وتطلبت
إدارة جيدة للكهنة المصريين. ويبدو أن كليوباترا كانت تأخذ منصبها هذا على محمل الجد
ومارست بحماس دورها كحاكمة وإلهة مقدسة في الوقت نفسه.
ظهرت الملكة في صورة شخصية مقدسة منذ بداية حكمها؛ ففي لوح يرجع إلى العام الأول من
حكمها الفردي (بيانشي ١٩٨٨: ١٨٨-١٨٩، رقم ٧٨؛ تحرير ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٥٦-١٥٧) تلقب ﺑ
«ثيا» ما يعني باليونانية الإلهة. أُهدي هذا اللوح باسم كليوباترا وكُتب عليه: «باسم
الملكة كليوباترا، الإلهة، المحبة لأبيها، إلى مكان الارتباط (المقدس) بسنونياتياك
(إيزيس)، التي يكون رئيسها هو الكاهن الرئيسي (ليسونيس) أونوفريس. السنة الأولى، ١ أبيب
(٢ يوليو، ٥١ قبل الميلاد)» (رولاندسون (تحرير) ١٩٩٨: ٣٧-٣٨). كما أشرنا، انصبَّ الاهتمام
على الصورة الموجودة في أعلى هذا النقش البارز؛ وهي لفرعون ذكر يقدِّم القرابين إلى
إيزيس
وحورس. في السابق كانت سيدات الأسرة الحاكمة، مثل زوجات الإله آمون (انظر الفصل الثالث)
يظهرن وهن يرتدين غطاء الرأس الملكي على شكل نسر. لا يبدو أن الأمر ينطبق طوال الوقت
على كليوباترا السابعة؛ إذ تشير ألقابها إلى عدم وجود شك فيما يتعلق بمكانتها المقدسة؛
ومع ذلك تظهر الملكة في معظم تماثيلها وصورها في صورة حاكمة وليست إلهة. وسنتحدث عن
استثناءات هذه القاعدة بمزيد من التفصيل فيما يلي.
(٣) ألقاب كليوباترا المقدسة
عبَّرت ألقاب كليوباترا الإغريقية عن مكانتها المقدسة؛ فقد كانت الألقاب الإغريقية
أكثر
مرونة من نظيرتها المصرية، رغم تمكُّن الكهنة المصريين من كتابة الألقاب الإغريقية مثل
«المحبة لأبيها» بالحروف الهيروغليفية، تمامًا مثلما كتبوا اسم «قيصر» فيما بعد، فلا
يبدو أنهم استخدموا لقب «إيزيس الجديدة» وفضلوا استخدام الألقاب المتعارف عليها بالفعل
(الفصل الرابع). كذلك لم يكن من الضروري إطلاق لقب الإلهة على كليوباترا؛ فقد كانت
مكانتها كحاكمة لمصر تشير إلى أنها كانت شخصية مقدسة وفقًا للديانة المصرية التي صوَّرتها
على أنها أنثى حورس. كذلك كانت الآلهة التي ارتبطت بها أسماء كليوباترا طوال الوقت هي
الآلهة التي ارتبطت بها أرسينوي الثانية من قبلُ. أتاحت لنا هذه العلاقات، بالإضافة إلى
برنامجها في بناء المعابد، إدراكًا عميقًا نسبيًّا لانتماءات كليوباترا الدينية.
أشرنا من قبلُ إلى الألقاب المصرية التي اتخذتها كليوباترا عند حديثنا عن دورها
كحاكمة. كان معظم هذه الألقاب يتعلق بدورها كحاكمة وسيدة بارزة في الأسرة الحاكمة، ومع
ذلك يصفها أحد الألقاب بابنة جب (تروي ١٩٨٦: أ١ / ٧)، وهو لقب استخدمته أرسينوي الثانية،
التي ارتدت تاجًا على شكل الإله جب. تظهر كليوباترا السابعة مرتدية التاج نفسه على لوح
موجود في متحف تورينو (أشتون ٢٠٠١أ: ٤٨)، وعلى نقش بارز واحد على الجدران الداخلية
لمعبد حتحور في دندرة (شكل
٤-١٤).
كما أشرنا، عند الحديث عن ألقاب كليوباترا الإغريقية كان يُطلق عليها «ثيا نيوتيرا»
(الإلهة الأحدث). وقد اتخذت الملكة لقبًا أطول وهو «ثيا نيوتيرا فيلوباتور كيا
فيلوباتريس» (الإلهة الأحدث، المحبة لأبيها وبلدها) في العام السابع عشر من حكمها
(بينجن ٢٠٠٧: ٧٦). ويُعتقد أن استخدام لقب الإلهة الأحدث ارتبط بكليوباترا.
(٤) تماثيل كليوباترا المقدسة
استمرت عقيدة كليوباترا الشخصية حتى عام ٣٧٣ ميلاديًّا، لما يقرب من ٣٥٠ عامًا بعد
وفاتها، كما تشير العبارة المنقوشة بالديموطيقية التي تقول: «لقد غطيتُ تمثال كليوباترا
بالذهب» (كواجبر ١٩٨٨: ٤١). كان هذا التمثال الديني تمثالًا خشبيًّا صغيرًا وكان يُعتبر
إلهًا لا مجرد تجسيد للملكة. وكحال كثير من أسلافها كانت كليوباترا السابعة إلهة تشارك
الآلهة الآخرين معابدهم. يوجد تمثالان خشبيان صغيران لشخصية دينية تحمل خرطوشة كُتب
عليها اسم كليوباترا باللغة الهيروغليفية (أشتون ٢٠٠١أ: ٦٥، ٢. ٣ و١٠٢-١٠٣، دليل الصور
٤١؛ بيانشي ٢٠٠٣: ١٦-١٧، الصور ٢-٣). التمثال الأول، الذي يوجد حاليًّا في متحف سياتل
للفنون، هو تمثال مكتمل ملون يبلغ طوله ٣٠ سنتيمترًا في شكل سيدة جالسة ترتدي رداءً
مربوطًا أسفل الصدر، يُظهر حلمتي الثدي بطريقة غير مسبوقة. ترتدي الإلهة في هذا التمثال
شعرًا مستعارًا وتاج حتحور/إيزيس في شكل قرص الشمس وقرنَي البقرة، وتوجد بقايا رأس
الكوبرا على جبهته.
أما التمثال الثاني، الذي كان في السابق ضمن مجموعة ستافورد، فهو أكبر حجمًا ويصل
طوله إلى ٢٣ سنتيمترًا ويتكون من رأس وكتفين فقط. ويتضمن زخارف منحوتة ولا توجد عليه
آثار لأية أصباغ على السطح. يرتدي التمثال ياقة وشعرًا مستعارًا مصففًا وقاعدة تاج في
شكل دائرة من رءوس الكوبرا. يوجد على جبهة التمثال رأسان للكوبرا يرتدي أحدهما تاج مصر
العليا والآخر تاج مصر السفلى وفي المنتصف يوجد رأس نسر مصنوع من سبيكة النحاس. صُنعت
العينان من الكالسيت ومما قيل إنه حجر اللازورد، ولكنه قد يكون زجاجًا أزرق. يوجد شك
في
محله حول أصالة الكتابات المنقوشة وكذلك التماثيل نفسها، لكن ربما يقدِّم هذان الشكلان
الخشبيان فكرة عن الشكل الذي كان عليه تمثال فيلة الديني الذي ذُكر في الكتابة
الديموطيقية الموجودة على الجدران عن كليوباترا السابعة.
توجد مجموعة من التماثيل الحجرية التي ربما تعبِّر عن كليوباترا السابعة بصفتها واحدة
من الآلهة. تتميز هذه المجموعة عن التماثيل المذكورة في الفصل الرابع بأنها تحمل ملامح
على الطراز الإغريقي، فتوجد بها واحدة أو أكثر من السمات الآتية: الشعر المستعار
المجعد، قرن الوفرة، الرداء الفضفاض ذي الطيات. ترتدي هذه التماثيل أيضًا رداءً من نوع
فريد، يتكون من جزأين ويُربط إما فوق الصدر أو في منتصفه. إن هذا الشكل من الملابس مصري
الطراز (بيانشي ١٩٨٠)، لكنه يظهر أحيانًا بشكل من الطيات التي يشيع وجودها أكثر في
التماثيل المصنوعة على الطراز الإغريقي. استُخدم هذا النوع من التماثيل في العصر
الروماني للإشارة إلى الإلهة إيزيس (أشتون ٢٠٠٤أ: ٤٩-٥٠). إن السبب الذي يدفعنا إلى
اعتقاد كون هذه التماثيل تصويرًا دينيًّا وليس ملكيًّا هو وجود تماثيل منقوشة أقدم
تتخذ هذا الشكل، ويرد فيها لقب «الإلهة» بعد اسم الملكة مثل التمثال سابق الذكر
لأرسينوي الثانية الموجود حاليًّا في متحف ميتروبوليتان في نيويورك (شكل
٤-٣)؛ (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٦٦-١٦٧، رقم ١٦٦؛ انظر أشتون ٢٠٠١أ: ٤٥–٥٣،
للاطلاع على مناقشة لهذه المجموعة من التماثيل).
يمكن ربط المثال الأول من التماثيل الخشبية سابقة الذكر بكليوباترا بسبب وجود خرطوشة
كُتب عليها اسمها بالهيروغليفية. لا يوجد مصدر معروف للتمثال (شكل
٦-٤) وهو موجود حاليًّا في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك (ووكر
وهيجز ٢٠٠١: ١٦٥، رقم ١٦٤؛ أشتون ٢٠٠١أ: ٤١-٤٢، ١١٦-١١٧، رقم ٦٥، دليل الصور رقم ٦٤؛
ستانويك ٢٠٠٢: ٨٠، ١٢٥، إي١٤). إن حجم هذا التمثال أصغر بقليل من التماثيل الأخرى على
الطراز المصري المنسوبة للملكة، التي تظهرها في صورة حاكمة/ملكة. صُنع هذا التمثال من
رخام جزيرة مرمرة، وهو نوع شاع استخدامه في الإسكندرية في عهد الرومان (أشتون ٢٠٠١أ:
٤٩
رقم ٢٦٦). مثل التماثيل الأخرى، يحتوي هذا التمثال على عمود خلفي طويل كان يدعم تاجًا
في الأصل. تمسك يد التمثال اليسرى بقرن وفرة واحد واليد اليمنى تتدلى بكف مفتوحة على
غير
المعتاد على جانب الجسم بدلًا من الإمساك بما يُعرف باسم العمود الغامض حسب الأسلوب
المصري المعتاد. ومثلما حدث مع التمثالين الخشبيين أثيرت شكوك حول أصالة هذه الخرطوشة
(بيانشي ٢٠٠٣: ١٧-١٨) بناءً على اتجاه العلامات وشكل العلامة الرابعة، التي كان يجب أن
تظهر في شكل وهق (حبل لصيد الحيوانات) ولكنها ظهرت فعليًّا في صورة ثعبان؛ ومن ثم ربما
تكون الخرطوشة إضافة حديثة كُتبت في وقت لاحق. يظهر الشبه بالملكة في هذا التمثال أكثر
من القطعة المكسورة الموجودة حاليًّا في متحف بروكلين للفنون (شكل
٦-٥؛ ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٦٤، رقم ١٦٣؛ أشتون ٢٠٠١أ: ٤٩-٥٠، ١١٦-١١٧،
رقم ٦٤؛ ستانويك ٢٠٠٢: ٨٠، ١٢٤-١٢٥، إي١٤). صُفف الشعر على نحو مماثل في كلا
التمثالين؛ فهو مجموعة من الخصلات المجعدة تضم صفًّا من الشعر المجعد على شكل حلزون
تشكِّل غرة، مع وجود ثلاثة رءوس للأفعى على إكليل بسيط الشكل. تشبه التجاعيد وشكل الإكليل
رءوس كليوباترا الرخامية المصنوعة على الطراز الروماني (هيجز ٢٠٠١: ٢٠٣–٢٠٧)، وصورة
الملكة على العملات. كانت العينان في تمثال بروكلين مركَّبتين في الأصل وكان الشكل العام
يعبِّر عن سيدة شابَّة، ذات وجنتين مستديرتين، وشفتين ممتلئتين مقوستين إلى الأسفل، وأنف
صغير. إن أسلوب نحت هذا التمثال وطرازه مصريان بالكامل. كذلك كان العمود الخلفي يدعم
تاجًا في وقت من الأوقات. يختلف أسلوب نحت تمثال متحف متروبوليتان إلى حد ما من حيث
ملامحه ذات الزوايا الأكثر حدة والمنحوتة بدقة أقل. تختلف عينا الملكة الموجودة في متحف
متروبوليتان من حيث إنهما منحوتتان وليستا مركبتين، لكنهما تظلان كبيرتي الحجم على نحو
مناسب.
كذلك نجد أن فم تمثال متحف متروبوليتان مقوس إلى الأسفل مثل كثير من التماثيل في هذه
المجموعة، لكن الشفتين لهما مظهر مشدود أكثر. يشبه استخدام رءوس الكوبرا الثلاثة النظام
السائد في مجموعة التماثيل التي تحدثنا عن انتمائها إلى كليوباترا السابعة في الفصل
الرابع.
من بين مجموعة التماثيل الدينية المقترحة، تجدر الإشارة إلى تمثال آخر له شكل مشابه،
بخصلات الشعر المجعدة والرداء المعقود ويرتدي إكليلًا. يرجع تاريخ هذا التمثال إلى
القرن الأول قبل الميلاد على أساس طرازه وبسبب شكل عموده الخلفي الطويل، الذي يوجد شكل
مشابه له في كثير من التماثيل التي تتضمن ثلاثة رءوس أفعى (أشتون ٢٠٠١أ: ١١٤-١١٥، دليل
الصور رقم ٦٢). توجد هذه القطعة حاليًّا في حديقة المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية
وهي إحدى القطع القليلة ذات الأصل المعروف؛ فقد عُثر عليها في كانوبس (أبو قير حاليًّا)
شرق الإسكندرية، وهي منطقة ارتبطت بالعاصمة في عهد كليوباترا السابعة. إنه تمثال ضخم
الحجم تبلغ المسافة من ركبتيه حتى رأسه نحو ٢٫٣٥ متر، ونُحت من الجرانيت. تعرَّض
الذراعان والصدر إلى ضرر بالغ، ويبدو أن الوجه قد خُلع عمدًا من الرأس. يوجد وجه من
تمثال مشابه حاليًّا ضمن مجموعة خاصة. توجد أكثر من خصلة مجعدة محفوظة على هذا الوجه
مما ينفي إمكانية انتمائه إلى التمثال الموجود بالإسكندرية، لكن حجم هذه القطعة وطرازها
يشيران إلى انتمائها إلى تمثال مشابه، بل ربما أنتج في الورشة نفسها. يبدو الرأس بمظهر
شاب وتظهر ملامحه على نحو طبيعي أكثر من التماثيل الأخرى المصنوعة على الطراز المصري.
يشبه هذا التمثال التماثيل الرومانية لكليوباترا السابعة التي ذكرناها من قبلُ، خاصةً
الرءوس الموجودة حاليًّا في الفاتيكان وبرلين (الشكلان
٣-١٤ و
٣-١٥).
ثمة تمثال أكثر التزامًا بالطراز المصري التقليدي يوجد حاليًّا في المتحف المصري
في
تورينو ويُنسب أيضًا إلى كليوباترا السابعة (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٦٨، رقم ١٦٧؛ أشتون
٢٠٠١أ: ٣٩، ١٠٠-١٠١، رقم ٣٨؛ ستانويك ٢٠٠٢: ٨٠، ١٢٧، إف٥، هو على الأرجح لكليوباترا
السابعة). يختلف شكل هذا التمثال عن الأمثلة التي ذُكرت من قبلُ في هذا الفصل، لكنه يُظهر
الملكة بملامح شابَّة تشبه ملامح التمثال الموجود في متحف بروكلين؛ فالفم مقوس إلى الأسفل
والذقن ناتئ والوجه عريض والوجنتان مستديرتان (شكل
٦-٦). يرتدي
التمثال فستانًا ضيقًا كما يتضح من خط الياقة الرفيعة الموجودة حول الرقبة، وله شعر
مستعار مصفف ينسدل على الظهر والكتفين، وفي أعلاه يوجد جناحا نسر (غطاء الرأس المقدس).
توجد ثلاثة أشكال على الجبهة؛ رغم أننا نتوقع أن الشكل الموجود في المنتصف هو رأس النسر
لكنه يبدو مثل رأس الكوبرا الحامية. وربما تكون هذه الملكة ترتدي ثلاثة رءوس أفعى. في
تلك الحالة يصبح إضافة عنصر رابع، النسر، أمرًا عبثيًّا، ونجد إشارة إلى هذا في الشعر
المستعار. على قمة الرأس يوجد جزء متبقٍّ من قاعدة تاج. يشبه هذا التمثال على وجه
الخصوص تمثال بطليموس الخامس عشر الموجود في المعبد المخصص ليوليوس قيصر في الإسكندرية؛
فربما توجد صلة متعمدة بين الاثنين. تحدد أن هذا التمثال ينتمي إلى القرن الثالث قبل
الميلاد على أساس ملامح الوجه (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٦٨-١٦٩). لا يضع هذا الاستنتاج في
اعتباره الصور التي تستلهم أساليب التصوير القديمة والتي ظهرت مرة أخرى في عهد
كليوباترا السابعة. يظهر تفرد هذا التمثال أيضًا في عدم وجود أمثلة أخرى لتماثيل ملكات
البطالمة تستخدم النسر التقليدي من أجل التعبير عن أن هذه الصورة تنتمي لأحد الآلهة؛
فلا يظهر غطاء الرأس الذي يحتوي على شكل النسر إلا في النقوش البارزة الموجودة في معبد
الراحلة أرسينوي الثانية (شكل
٦-٢).
(٥) إيزيس
كما أشرنا، فإن جدة كليوباترا السابعة الكبرى، كليوباترا الثالثة، كانت تعتقد أنها
تجسيد حي للإلهة إيزيس (أشتون ٢٠٠٣أ: ١١٨-١١٩). كانت هذه هي المرحلة الثانية في تطور
إضفاء صفة الألوهية على نساء أسرة البطالمة الحاكمة. وكما أشرنا، فقد أدت جدية اعتقاد
كليوباترا الثالثة أنها واحدة من الآلهة إلى تخصيص عدد من الشعائر لعبادتها وحدها. كانت
هذه السيدة ذات نفوذ، حتى إنها كانت تظهر أمام ابنها على جدران بيت الولادة في دير
المدينة (شكل
٤-٨)، وهي سيدة لم تظهر فحسب بملامح ذكورية في
صورها، وإنما كانت تؤدي الأدوار التي كانت حكرًا من قبلُ على الرجال فقط، مثل دور كاهن
عقيدة الإسكندر والبطالمة. ارتبطت نساء الأسرة الحاكمة منذ وقت طويل بصفات حتحور التي
تميز دور الملكة، وارتبطت والدة الملك بطبيعة الحال بالإلهة إيزيس، والدة حورس، الذي
كان الملك الحالي تجسيدًا له على الأرض. وكان تصريح كليوباترا الثالثة بأنها هي إيزيس
مختلفًا قليلًا عن الارتباط السائد، وفي حالة كليوباترا السابعة كانت فكرة «إيزيس
الجديدة» تشير إلى سلطات خاصة وإعادة إحياء إحدى الآلهة التقليدية. استمر مفهوم الإله
«الجديد» (بالإغريقية نيوس أو نيا) طوال فترة الحكم الإمبراطوري الروماني؛ فقد كان
بطليموس الثاني عشر، والد كليوباترا، يرى نفسه ديونيسوس الجديد، وربما كان اعتقاد
كليوباترا في كونها إيزيس متأثرًا بعقيدة والدها.
تكمن المشكلة في تحديد تماثيل كليوباترا التي تجسدها في صورة إيزيس الجديدة في العثور
على أحد الملامح التي تميزها عن التماثيل الكثيرة المعتادة لهذه الإلهة. في وصف
بلوتارخ لعطايا الإسكندرية (حدثٌ له أهمية عالمية تحدَّث عنه أكثر في الصفحات ١٥٨–١٦١)،
يُقال إن كليوباترا كانت ترتدي الثوب المقدس لإيزيس وكانت تحمل لقب إيزيس الجديدة
(«حياة أنطونيو» ٥٤. ٥–٩؛ جونز ٢٠٠٦: ١١٦). لا يوجد شكل معروف لثوب إيزيس، وربما يشير
هذا الوصف إلى تاج معين أو غطاء رأس وليس إلى ثوب؛ ففي تلك الفترة كانت إيزيس
ترتدي عادةً ثوبًا ضيقًا يمكن رؤيته في تماثيل النساء بوجه عام. لم يدخل الشال المربوط
المشار إليه عادةً باسم «عقدة إيزيس» على صور هذه الإلهة إلا في نهاية القرن الأول
الميلادي (بيانشي ١٩٨٠؛ أشتون ٢٠٠٠؛ ٢٠٠٤د: ٥٦). أما ارتداء كليوباترا ملابس تشبه ملابس
إيزيس في هذه المناسبة فيشير إلى أن هذه العطايا كانت احتفالية أكثر من كونها حدثًا
سياسيًّا وحسب.
إنه من حظنا السعيد أن إحدى صور كليوباترا في شكل إيزيس من معبد إيزيس في الإسكندرية
قد ظلت باقية حتى عصرنا الحالي (شكل
٤-٢٠). وهي تمثال تقليدي على
الطراز المصري ضخم الحجم ذو وجه شاب. كان هذا التمثال جزءًا من تمثال مزدوج كان الذكر
فيه هو بطليموس الخامس عشر. يصل ارتفاع الجزء المتبقي من الصدر حتى قاعدة التاج ٣
أمتار. وترتدي الملكة شعرًا مستعارًا مصففًا، وقاعدة مستديرة لتاج من رءوس الكوبرا
وغطاء للرأس على شكل نسر. يبدو أن التمثال كان به رأس نسر واحد في الجزء الأمامي من
غطاء الرأس. ويبدو مميزًا إلى حد كبير، ومن المنصف أن نقول: إن الصور الفوتوغرافية لا
توفيه حقه. يوجد هذا التمثال حاليًّا في متحف ماريمونت الملكي ويُعرض على جدار داخل
الأروقة المصرية على ارتفاع كبير، لكنه ما يزال أقل ارتفاعًا مما كان عليه في الأصل
(بسبب التصميم الهندسي!) من الممكن رؤية هذه القطعة من الأسفل ومن شرفة الدور الأول.
إن المميز في هذا التمثال على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حجمه، العينان المنحوتتان بحيث
تنظران مباشرةً إلى المُشاهد بطريقة غير معتادة في المنحوتات المصرية. حُفظت الأيدي
أيضًا في بلجيكا، والغريب في الأمر أن أيدي التمثالين متشابكة، مما يشير إلى المكانة
المتساوية للشخصين. للأسف أصبح الجزء السفلي، الذي رُسمت صورة له في أوائل القرن
العشرين، مفقودًا حاليًّا. ودون وجود تمثال الذَّكر المصاحب لها، الذي يُظهر بطليموس
الخامس عشر (البعض يعتقد أنه بطليموس الثاني عشر) في صورة الحاكم، سيكون من المستحيل
تمييز هذا التمثال عن صور إيزيس. في هذا الموضع تحمي كليوباترا ابنها؛ فتمسك الشخصيتان،
على قدم المساواة، إحداهما بيدَيِ الأخرى (أشتون ٢٠٠٧ب).
في عام ١٨٤١ حدد ويلكنسون أن التماثيل سابقة الذكر لكليوباترا وبطليموس الخامس عشر
تُظهر ملكًا على أنه أوزوريس (شكل
٤-١٩)؛ ومن ثم فهو الملك
الراحل، بينما تظهر ملكته على أنها إيزيس (١٧٢؛ الشكل
٤-٢٠). يجسد
تمثال السيدة صورة مثالية لإيزيس، التي تُعرف بتاجها وبغطاء الرأس على شكل نسر فوق
رأسها. يتمثَّل رداؤها في الثوب الضيق المعتاد الذي ترتديه نساء الأسرة الحاكمة والربات
على حد سواء. كما ذكرنا كانت ملامح وجه الذكر ملامح شابَّة ويرتدي غطاء الرأس التقليدي.
وقد توصل إلى هذا الربط بناءً على شكل اعتُبر مفتاح الحياة، لكنه قد يكون كذلك سوطًا
يمسك به التمثال في يده اليسرى، عبر الكتف الأيسر؛ فنحن نعتمد في هذه المعلومات بالكامل
على صورة رسمها هاريس، القنصل البريطاني، ملحقة بخطاب كتبه جوزيف بونومي إلى السير جون
جاردنر ويلكنسون في ١٨ من أكتوبر عام ١٨٤٢. فُقد حاليًّا جذع الحاكم الذكر من التمثال،
على الرغم من استمرار إمكانية رؤية طرف الصولجان أو المدراس فوق كتف التمثال مباشرةً،
المحفوظ حاليًّا في المتحف اليوناني الروماني. إحدى المشاكل الرئيسية التي تعوقنا عن
تقبُّل كون هذا التمثال تصويرًا للملك في شكل أوزوريس هو غطاء الرأس؛ إذ يرتدي الملوك
عادةً التاج الأبيض ذا الريشتين عندما يُجسدون في صورة أوزوريس (أشتون ٢٠٠٤ب: ٥٤٨-٥٤٩).
تُظهر الصور أيضًا الحاكم في إحدى المرات وهو يرتدي ما يُعرف بتاج هيم هيم. وهو نوع محدد
من غطاء الرأس يرتديه غالبًا الملك الحي وارتبط أيضًا بحورس الطفل (الذي عُرف فيما بعد
بحربوقراط). من ثم يبدو من المنطقي أن يكون هذا الثنائي هما كليوباترا في شكل إيزيس،
ربما حتى مرتدية زي إيزيس الجديدة، مع ابنها الذي يظهر في شكل الطفل حورس. يشير آخرون
إلى أن هذا التمثال ربما يعبِّر عن والدها بطليموس الثاني عشر في صورة أوزوريس (ستانويك
٢٠٠٢: ١٨). ويصل ارتفاع التمثالين في الأصل إلى نحو ٩ أمتار وكانا يعبِّران عن رسالة
ثقافية قوية؛ وهي أن الحاكمين مصريان.
طُمست معالم الموقع المرتبط بمعبد إيزيس بسبب التطورات الحديثة ولم يلقَ اهتمامًا
كبيرًا من الباحثين الذين يدرسون كليوباترا السابعة، ربما نظرًا لكون معظمهم مؤرخين
وليسوا علماء آثار. في عام ٢٠٠٣ (أشتون ٢٠٠١ب: ١٢٠–١٢٢؛ ٢٠٠٣: ١٢٠–١٢٢)، قيل إن الضريح
كان يقع بالقرب من مكان العثور على التمثالين وذلك بناءً على تحديد مكان معبد إيزيس.
هذا وسيُنشر شرح كامل لطبيعة الموقع كجزء من مجلد لفاعليات المؤتمر (أشتون ٢٠٠٧ب)،
وسأذكر ملخصًا له فيما يلي.
يظهر الموقع الذي يُعرف حاليًّا بأنه معبد إيزيس في خرائط القرن التاسع عشر خارج
الجدران الرئيسية للإسكندرية ناحية الشرق وأُطلق عليه العديد من الأسماء المختلفة منها
المعبد، والحُطام والتماثيل وتليستريون (معبد الإلهة الإغريقية ديميتر). تُظهر إحدى
الخرائط الحكومية صورة للمنطقة على ضفاف بحيرة الحضرة، وتحتوي على أعمدة وأشكال لأبي
الهول وأجزاء من تماثيل. يرد في الوصف المعاصر للموقع سمات مشابهة ويشير كثير من
المسافرين إلى الحجم الضخم للأبنية ذات الصلة التي نُحتت في الصخر؛ ويذكرون كذلك
التماثيل الضخمة وأبا الهول، وفي أحد المواضع ذُكر وجود معبد مستدير (أشتون ٢٠٠٧ب). إن
هذه السمة على وجه الخصوص مهمة لأن هذا الشكل من الأبنية كان مرتبطًا على نحو مباشر
بعقائد الأسرة البطلمية، خاصةً تلك التي نُسبت إلى أرسينوي الثانية في جزيرة ساموثريس
والإسكندرية. سجلت صورة رسمها ليبسيوس (١٨٤٢: المجلد ١ و٢)، تمثالًا آخر في شكل فيل من
الجرانيت يوجد حاليًّا في متحف تاريخ الفن في فيينا. يبدو أن المعبد ضم مزيجًا من
العناصر الإغريقية والمصرية وكان ضخم الحجم وبالغ الأهمية. جرت أعمال التنقيب في الموقع
عام ١٨٩٢ عندما سجل بوتي، مدير المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، تماثيل لأبي
الهول تنتمي إلى الأسرة التاسعة عشرة والسادسة والعشرين، ربما تكون تلك التي وصفها
المسافرون القدامى. يشير هذا إلى أن منحوتات أقدم قد نُقلت إلى الموقع، على الأرجح من
أجل تعزيز طابعه المصري، ربما كانت في الأصل من المعبد المهجور في هليوبوليس. كان هذا
أمرًا شائعًا في عصر البطالمة وأصبح أكثر رواجًا فيما بعد في عصر الرومان، الذين نقلوا
الآثار المصرية بحرًا إلى روما (أشتون ٢٠٠٤أ: ٤٨-٤٩ و٢٠٠٧أ).
في نوفمبر عام ٢٠٠٤ أجرى فريق بريطاني بلجيكي، يعمل بمساعدة مركز الدراسات السكندرية،
مسحًا جيوفيزيائيًّا لمنطقة أُشير إليها كموقع محتمل للمعبد، من خلال مقارنة خرائط القرن
التاسع عشر لكلٍّ من سمايث وفلكي (أشتون ٢٠٠٥ب: ٣٠–٣٢). تباينت النتائج، ويرجع هذا بقدر
كبير إلى التشوش الناتج عن المركبات الواقفة، والطريق المحيط بالمنطقة، والسطح المضغوط
ومستويات المياه المالحة في المكان الذي كانت تشغله البحيرة. وعلى الرغم من هذه
المشكلات، عُثر على كثير من الانحرافات في منطقة محددة وضمت ما يحتمل أن يكون زاوية
جدار تبلغ أبعادها نحو ٣٠ مترًا في ٣٠ مترًا. هذا ويتطلب التعرف على السمات الموجودة
تحت سطح الأرض حفر خندق من أجل التأكد من أن هذه المباني قديمة. وفي وقت تأليف هذا
الكتاب قُدِّم طلب بالحفر إلى المجلس المصري الأعلى للآثار لكنه يتطلَّب الحصول على حق
دخول
مناطق أصبحت الآن ملكية خاصة لبعض الأفراد. هذا ومن المقرر إقامة معرض في متحف ماريمونت
الملكي عام ٢٠١٠. ما زال أمامنا الكثير لاكتشافه وإعادة تقييمه وفهمه عن كليوباترا.
والبدء بتناول هذه الملكة ضمن سياقها الصحيح هو نقطة انطلاق جيدة.
(٦) شخصية مقدسة عالمية
ظهرت كليوباترا أيضًا على أنها إلهة في روما. وكان الدليل الأول على هذا، كما أشرنا،
في تمثال يوجد في معبد فينوس جينتريكس، يُقال إنه أُهْديَ من يوليوس قيصر، لكنه للأسف
لم يعد موجودًا. كتب أبيان («الحروب الأهلية» ٢. ١٠٢) ما يلي بشأن هذا التمثال: «أقام
يوليوس قيصر تمثالًا جميلًا لكليوباترا بجوار تمثال الإلهة فينوس؛ ولا يزال موجودًا
هناك حتى الآن [أوائل القرن الثاني الميلادي].» يتوقع بعض الباحثين في العصر الحديث أن
رأس كليوباترا الموجود حاليًّا في متاحف الفاتيكان، الذي يوجد به جزء صخري زائد على
إحدى وجنتيه، صُنع على غرار التمثال الأصلي وهذا الجزء الزائد هو موضع إصبع بطليموس
الخامس عشر وهو يلمس وجنة أمه، على نمط أفروديت وابنها إيروس (انظر هيجز ٢٠٠١: ٢٠٤
للاطلاع على المناقشة).
يوجد تمثال آخر لفينوس ارتبط أيضًا بكليوباترا. هذا التمثال هو نسخة رومانية لتمثال
هلنستي أصلي يوجد حاليًّا في جزء مونت مارتيني الملحق بمتاحف كابيتوليني. قيل إن صنع
هذا التمثال بدأ في أثناء حكم الإمبراطور كلوديوس، الذي كان حفيد مارك أنطونيو (انظر
مورينو ١٩٩٤؛ هيجز ٢٠٠١: ٢٠٨-٢٠٩ للمناقشة). أُقيم مؤخرًا (في ٢٠٠٦) معرض حول هذه
القطعة وقيل إن هذا التمثال هو نسخة مباشرة لصورة كليوباترا الموجودة في معبد فينوس
جينتريكس في روما (أندريا ٢٠٠٦: ١٤–٤٧). يتخذ هذا التمثال، المعروف باسم إيسكويلين
فينوس، شكل سيدة عارية ترتدي تاجًا إغريقيًّا، وشعرها مربوط إلى الخلف في عقدة. يوجد
بجوارها إبريق ماء ملفوف عليه ثعبان من الخارج (ومن ثم جاءت الصلة المقترحة بينه وبين
كليوباترا عبر أداة انتحارها المحتملة)، ووضع رداء هذه السيدة على الإناء. في دليل صور
معرض كليوباترا السابق عام ٢٠٠١ (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢٠٨-٢٠٩) حدث خلاف حول تحديد هوية
التمثال بناءً على ملامح الوجه القاسية. ومع هذا يوجد العديد من السمات المشتركة بينه
وبين التماثيل الشهيرة على الطراز الروماني لكليوباترا الموجودة في متحفي الفاتيكان
وبرلين. أُضيف الثعبان بالتأكيد في مرحلة لاحقة، ربما إلى النسخة التي تلت وفاة الملكة،
ويتفق مع المصادر الرومانية المكتوبة، التي تتحدث عن تمثال كليوباترا الذي حُمل في موكب
أوكتافيان للاحتفال بالنصر؛ ومن ثم ربما يكون هذا التمثال هجينًا من تمثال المعبد ويكون
هو الذي حُمل في موكب النصر.
عُثر على أحد أبرز تماثيل كليوباترا بالقرب من معبد لإيزيس في روما ويوجد حاليًّا
أيضًا في جزء مونت مارتيني الملحق بمتاحف كابيتوليني (شكل
٥-١)، (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢١٦-٢١٧، رقم ١٩٤). أُعيد استخدام الرأس كحجارة في بناء كنيسة
القديسين بطرس ومارسلينو في شارع فيا لابيكانا. أنشأ هذا المعبد الروماني لإيزيس أعضاء
الحكم الثلاثي مارك أنطونيو وأوكتافيان وليبيدوس، الذين أقاموا تحالفهم عام ٤٣ قبل
الميلاد. صُنع هذا الرأس من الرخام الباروسي المستورد وكان مكانه فوق جسم تمثال مصنوع
على النمط المعتاد للمدرسة السكندرية الهلنستية. تشبه ملامح الوجه كثيرًا التماثيل
الأخرى الكلاسيكية لكليوباترا التي عُثر عليها في روما (انظر الفصل الرابع). إن المظهر
العام للتمثال هو مظهر شاب ومثالي. ورغم ذلك، يشترك في سمات معينة مع التماثيل على
الطراز المصري، خاصةً في تحديد الذقن والشفتين الممتلئتين. تحطم الأنف لكن الشكل العام
لوجه التمثال يوحي بأن حجمه كان كبيرًا، ربما لا يختلف كثيرًا عن تماثيل والد
كليوباترا. صُنع هذا التمثال وفقًا للتقاليد الفنية الكلاسيكية، لكنه يحتوي على سمات
شكلية مصرية تتمثَّل في الشعر المستعار المصفف وغطاء رأس على هيئة نسر منحوت بدقة. لم
يعد
رأس النسر موجودًا في الوقت الحالي لكنه ربما أُضيف في الأصل باستخدام سبيكة من النحاس
(البرونز) أو الذهب أو الفضة، ومع ذلك لا توجد آثار للصدأ أو اللصق في الفتحة. كان يوجد
أيضًا تاج صغير على الطراز المصري فوق الرأس؛ يتخذ على الأرجح شكل التاج المعتاد
لإيزيس، الذي يتكون من قرنَي البقرة وقرص الشمس. إن الفتحة الموجودة في هذا التمثال ليست
عميقة؛ مما يشير إلى أن مقاييس التمثال كانت أصغر من المقاييس التي كان الفنانون
المصريون يتبعونها عادةً. إن هذه السمات الشاذة بالتحديد في الصناعة هي التي تجعل هذا
الجزء من التمثال مثيرًا جدًّا للاهتمام وتجعل من الصعب يقينًا تحديد المدرسة التي كانت
مسئولة عن صناعته: المصرية أم الهلنستية الإغريقية أم الرومانية. إنه أول مثال على
تمثال صُنع وفقًا للمعايير الكلاسيكية التي تدمج أو تحاكي السمات المصرية؛ ومن ثم تمصِّره
(ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢١٦-٢١٧ رقم ١٩٤؛ أشتون ٢٠٠٣أ: ١٢٢). لقد قيل إن التمثال نُحت في مصر
ونُقل إلى روما نظرًا للنحت الماهر للشعر المستعار والنسر، بالإضافة إلى السمة المعتادة
في أفراد أسرة البطالمة المتمثِّلة في الأذن الكبيرة، التي لم توضع على نحو متناسق في
هذا
المثال.
يمكننا رؤية الشكل المكتمل للوجه على خاتم ذهبي صغير (شكل
٦-٧)؛ (ووكر وهيجز ٢٠٠١: ٢١٧، رقم ١٩٥). حتى مع صغر حجم الخاتم (يبلغ طوله نحو ١٫٧
سنتيمتر) يمكننا رؤية الوجنتين الممتلئتين المستديرتين والأنف الحاد والعينين الكبيرتين
لصاحبته؛ مما يشير إلى احتمال انتماء الصورة إلى كليوباترا السابعة. تظهر الملكة في
الصورة مرتدية غطاء الرأس التقليدي على شكل النسر الخاص بالربات، وينسدل شعرها المستعار
على كتفيها وظهرها، وترتدي تاجًا مكونًا من قرص الشمس وقرنَي البقرة. يظهر ثديها الأيمن
في الأمام، ربما في إشارة إلى إيزيس.
ظهرت كليوباترا أيضًا في زي الإلهة أفروديت؛ النظير الإغريقي لإيزيس، على عملة ضُربت
في قبرص، التي كانت ملكًا للبطالمة، من أجل الاحتفال بمولد ابنها من يوليوس قيصر (شكل
٤-٧؛ أيضًا ووكر وهيجز ٢٠٠١: ١٧٨، رقم ١٨٦). أعاد قيصر جزيرة
قبرص إلى كليوباترا كأحد ممتلكات البطالمة. وربما لهذا السبب نجد شكلًا مميزًا لصور
الملكة على العملات التي ضُربت على هذه الجزيرة. عمل
قرنَا النماء أيضًا على ربط كليوباترا بأرسينوي الثانية، جدتها. يظهر على الوجه الآخر
للعملة صورة لوجه كليوباترا وهي ترتدي تاجًا إغريقيًّا (التاج الذي ترتديه الربات).
توجد أمام الملكة بقعة صغيرة، يُعتقد أنها تمثِّل ابنها بطليموس قيصر، ويوجد صولجان
خلفها. وعلى الرغم من الإشارة الرمزية إلى المكانة المقدسة كُتب على ظهر العملة:
«الملكة كليوباترا»، قد يشير هذا إلى قدسية دور الحاكم. وتجدر بنا الإشارة إلى أن
كليوباترا ترتدي في صورها على عملات أخرى الإكليل الملكي، وليس التاج المقدس، عندما
تظهر في صورة حاكمة مصر. إن تاريخ هذه العملة بالتحديد غير مؤكد ويميل الباحثون إلى
تحديد تاريخها على نطاق واسع بين عامي ٥١ و٣٠ قبل الميلاد، وهي فترة تغطي مدة حكمها
بالكامل. وقيل مؤخرًا إن هذا الطفل لم يكن ابن يوليوس قيصر وإنما أحد أطفالها التالين
(كرويزر ٢٠٠٠: ٦، ٢٩-٣٠). جاءت إعادة تحديد هوية الطفل هذه على أساس اقتراح إعادة تأريخ
العملة إلى ما بعد عام ٣٩ قبل الميلاد. هذا وقد شكك البعض في تاريخ إقامة كليوباترا في
روما (كاركوبينو ١٩٣٧: ٤٨).
ضُرب عدد من العملات في قبرص في أثناء حكم كليوباترا السابعة، قيل مؤخرًا إنها كانت
تظهر عليها الملكة أيضًا مرتدية التاج الإغريقي المقدس؛ مما يشير إلى أنها ظهرت كإلهة
على أحد وجهَي العملة وظهر قرنَا النماء على الوجه الآخر (كرويزر ٢٠٠٠: ٤١–٤٥). حتى ذلك
الوقت
كان يُعتقد أن هذه العملات ترجع إلى عهد بطليموس الرابع ويُعتقد أنها تحمل صورة أرسينوي
الثالثة. ومع ذلك، فإن قرنَي النماء يرشحان أرسينوي الثانية أو كليوباترا السابعة أكثر
لتكون إحداهما صاحبة الصورة الموجودة على أحد وجهَي العملة (كرويزر ٢٠٠٠: ٤١). إن ملامح
الوجه
في الأمثلة المذكورة أقرب إلى الشبه بكليوباترا السابعة. ويُقال إن هذه المجموعة من
العملات خاصةً بدأت في الظهور عام ٣٨ قبل الميلاد (كرويزر ٢٠٠٠: ٤١). لم تُنشر هذه
الفرضيات على نطاق واسع؛ ولذا لم تؤدِّ إلى رد فعل أكاديمي من دارسي العملات وجامعيها،
ومع هذا، فإنها جديرة بالذكر وتستحق من الباحثين مزيدًا من الفحص.