تمهيد وشكر وتقدير
ظلت رغبتي في تأليف هذا الكتاب متأجِّجة لفترة طويلة؛ فهو كتاب يسعى لتقديم الفلسفة التحليلية إلى أولئك الذين لا يزالون في بداية دراستهم الفلسفية، ولكل المهتمين بمعرفة ما كان يدور في الفلسفة خلال القرن السابق أو نحوه، وما تعنيه «الفلسفة التحليلية» على وجه التحديد. ولكني لم أشعر بأني أصبحتُ على استعداد لتأليفه إلا بعد أن انتهيت من تحرير كتاب «دليل أكسفورد لتاريخ الفلسفة التحليلية»، الذي نُشر في ٢٠١٣. يحتوي الكتاب، السالف الذكر، على ٣٩ فصلًا تغطي تاريخ الفلسفة التحليلية بالكامل منذ نشأتها في القرن التاسع عشر وحتى أحدث مؤلَّفاتها، مع ذكر أكبر عدد من المجالات يمكن إدراجه في مجلدٍ واحد. خلال مراسلاتي عبر البريد الإلكتروني مع المشاركين في هذا المجلد، ومن خلال قراءة الفصول التي كتبوها، كوَّنتُ فكرة أقوى عما تتضمنه الفلسفة التحليلية، وعن نقاط قوتها وضعفها. وقد يختلف البعض، وربما الجميع، مع واحد أو أكثر من الآراء التي أعرضُها هنا، ولكني أودُّ أن أشكرهم جميعًا، وأشكر آخرين كُثرًا ممَّن تناقشتُ معهم عن الفلسفة التحليلية على مدى السنين، على ما أسهموا به في تشكيل آرائي تلك. ولا يتسع المجال هنا لذكر أسمائهم جميعًا نظرًا لطبيعة الكتاب الموجزة، ولكني فعلتُ ذلك في تمهيد كتاب «دليل أكسفورد لتاريخ الفلسفة التحليلية».
ألقيتُ محاضرة عن الفلسفة التحليلية المبكرة في جامعة بكين خلال الفصل الدراسي الشتوي في ٢٠١١، ومنذ ذلك الحين درَّستُ دوراتٍ تدريبيةً أخرى، وألقيتُ خطاباتٍ عن الفلسفة التحليلية في العديد من الجامعات الأخرى في الصين. وذُهلتُ من الاهتمام الشديد بالفلسفة التحليلية الذي يشهد تزايدًا مطردًا في الصين على مدى السنوات الأخيرة، وتعلَّمتُ الكثير، ليس عن الأمور التي استوجبت تفسيرًا من خلال الأسئلة الصعبة التي طُرحَت عليَّ فحسب، بل أيضًا عن طرق التفكير الصينية. ألَّفتُ هذا الكتاب وفي ذهني الجمهورُ الصيني على أمل أن يُسهِم ذلك في تعميق الحوار مع الأفكار الصينية والفلاسفة الصينيين، والفكر غير الغربي بوجه عام؛ الأمر الذي نحتاجه بشدة حاليًّا.
بينما كنت أُعدُّ النسخة النهائية من هذا الكتاب، ألقيتُ محاضرة تمهيدية لدورة تدريبية عن الفلسفة التحليلية في جامعة هومبولت في برلين، كانت متاحة لجميع طلبة الجامعة وللعامة، استندتُ فيها إلى أفكار من هذا الكتاب. كما ساعدني التدريس والعمل في سياقٍ مزدوج اللغة في تقدير جوانب الفلسفة التحليلية التي تحتاج إلى تفسير ودفاع ونقد. أودُّ أن أوجِّه الشكر إلى جميع طلابي، سواءٌ كانوا في برلين أو في جميع الأماكن الأخرى التي درَّستُ فيها على مدى ٣٠ عامًا، لا سيَّما في إنجلترا، على ما منحوه لي من حافز لتقديم محاضراتي وكتاباتي عن الفلسفة التحليلية. في الفصل التمهيدي من كتاب «دليل أكسفورد لتاريخ الفلسفة التحليلية»، استعنتُ باقتباس من ألكسندر بوب، استخدمتُه أيضًا في الفصل الثالث من هذا الكتاب: «إذا كانت الفكرة تستحق التفكير، فإنها تستحق أن تُقال بوضوح؛ وإذا قيلت بوضوح، فستُبلور التفكير لدى الآخرين.» ولطالما شكَّلت المشاعر التي تعبِّر عنها هذه الكلمات محاضراتي وكتاباتي، وسعيتُ جاهدًا لأن أحقق ذلك في هذا الكتاب.
حصلتُ على دعم وتحفيز ممتازَين من طاقم عمل دار نشر جامعة أكسفورد. فقد قرأ أندريا كيجان مسوَّدتَين أُوليَين من الفصول الأولى والعرض الأول للكتاب، وساعدني كثيرًا بمقترحاته عن كيفية تحسين الكتاب. وأبحرت جيني نوجي بالكتاب عبر مراحله النهائية حتى بَر الأمان، ونظَّمت إيريكا مارتن الأشكال التوضيحية المتضمَّنة في الكتاب، ورسمت كلارا سميث الصور التي سَعِدتُ بأن يضمَّها الكتاب. وقرأ قارئان خارجيان مجهولان المقدمة وأول فصلَين في مرحلة العرض، وقرأ أحدُهما الكتابَ كاملًا في المرحلة قبل الأخيرة، وكذلك فعلَ قارئٌ آخر من دار نشر جامعة أكسفورد. أدَّى جوي ميلر عملًا رائعًا كمدقِّق لغوي، وكذلك فعلت دوروثي مكارثي كقارئ نهائي وساراسواتي إتيراجو في الإشراف على إنتاج الكتاب. وأودُّ أن أشكرهم جميعًا على مساهماتهم فيما وصلَ إليه الكتاب في النهاية.
قرأ أيضًا العديدُ من أهلي وأصدقائي مسوَّدات فصول هذا الكتاب في مختلِف المراحل. وأخصُّ بالشكر شارون مكدونالد، وأبناءَنا الثلاثة هارييت وتوماس وتارا، وكذلك بوب كلارك وأنَّا بيلومو على تعليقاتهم. كما أشكر شارون على التقاط الصورة التي تظهر في الفصل السادس، وكايت كاي على السماح لي باستخدام سيارتها. وأهدي هذا الكتاب إلى أحفادي الحاليين والمستقبليين، إلى أيريس؛ الحفيد الجديد الذي يشقُّ طريقه نحو الحياة أثناء كتابتي هذه السطور، وإلى أولئك الأحفاد الذين سيأتون من بعده (مَن يدري؟). يضم هذا الكتابُ خلاصةَ أفكاري على مدى الأربعين عامًا الأخيرة، وجزءًا مني بالطبع، وآمل أن يكون قصيرًا بما يكفي، على أقل تقدير، ليتمكَّنوا من قراءته عندما يُستثار فضولهم الفكري.