طبيبُ ملجأ الفقراء
من بين جميع الأوغاد في المجتمع، لا يوجد مَن هم أسوأُ من المحامين السيِّئي السمعة أو غير الشرفاء، سوى الأطبَّاء العديمي المبادئ. وأعتقد أن رمز التفوق في الخسة، إذا كان هناك شيءٌ من هذا القبيل، قد يستحقه عددٌ قليل من الفئة الأخيرة في أيِّ منافسة مع الأولى. إذ لا حدَّ للأذى، ولا مقياسَ لعمق الجريمة التي قد يرتكبُها الجرَّاح. إنَّ قلةً من الرجال، ربما، لديهم أيضًا مثل هذه الفرص الوافرة لتفادي انكشافِ أمرهم. ومن الإنصاف القولُ إنني أعتقد أن جريمة الاحتيال أو خيانة أخلاقيات المهنة نادرةٌ في مهنة الطِّب والجراحة التي تُعَد من أشرفِ المهن؛ لكن الاستثناءات فظيعة، وإن كانت قليلة.
قالت امرأةٌ عجوز: «يا سيدي الطبيب، لقد كنتَ طيبًا معي، وقد أسأتُ إليك، وآمُل أن تسامحني، وتظلَّ محسنًا معي؛ لأنني امرأة عجوز فقيرة وحيدة، ليس لديَّ صديق في العالَم غيرك أيها الطبيب.»
ابتسم الطبيب بفتورٍ تجاه الإطراء المقدَّم له.
كانت هذه المرأة العجوز مريضةً فقيرة. زارها الطبيبُ بتكليفٍ من مسئول الإغاثة في نقابة … ويكفي أن يعرف القارئُ أنَّ مقر تلك النقابة يقع في جنوب العاصمة.
كان الطبيبُ جراحَ أبرشية الكنيسة لسنوات عديدة؛ وكان في هذا الوقت أيضًا الطبيبَ المُعيَّن في ملجأ الفقراء التابعِ للنقابة. وكان يُعدُّ رجلًا ناجحًا. ويمارس عمله على نطاقٍ واسع، لكن مكاسبه لم تكن متناسبة مع حجم عمله؛ وبسبب عائلةٍ كبيرة إلى حدٍّ ما، مع عاداتٍ مكلِّفة خاصة به وبزوجته، لم يستطع أن يصنعَ ثروة. أعتقدُ أنَّ من الممكن وصفَه بأنه طبيبٌ فقير، على الرغم من أنه يعيش في منزلٍ كبير ويُنفق بسَخاء. أجل؛ يُمكنني وصفُه بأنه فقير. كانت هناك علاماتٌ لا التباسَ فيها، على الرغم من أنها سلبيَّة، على الفقر بالنسبة إلى وضعِه الاجتماعي. فهو لا يمتلكُ عرَبة، وكان عليه أن يتنقَّل سيرًا على الأقدام من بداية جولاته اليومية إلى نهايتها. ونادرًا ما كان يستمتع برفاهية ركوب عرَبة أجرة، وهذا، من وجهة نظري، يُظهِر إمَّا حِرصًا شديدًا، لا يتوافق مع بعض العادات الأخرى التي ذكَرتُها، أو ظروفًا تُشير إلى الفقر.
«أجل، يا جودي، أتمنى أن أكون قد أحسنتُ إليكِ، وسأحرصُ على ذلك دومًا، فالطبيبُ يجب أن يكون كذلك مع جميع مَرْضاه، ولكن بشكلٍ خاص مع جميع الفقراء وكبار السن.»
كان يجب أن أذكر، بالمناسبة، أنَّ الطبيب قد حَظِي بسمعةِ أنه لطيفٌ مع جميع الناس، وأنه يُحسِن بصفة خاصة إلى الفقراء.
صاحت المريضة: «يا سيدي الطبيب، آه، إن لديَّ أمرًا يَشغَل بالي. أعتقد أنني قد أسأتُ التصرفَ في حقك. فهل ستُسامحني؟»
وبينما كانت تنطق هذه الكلماتِ الأخيرةَ، كشفَت ملامحُها الشمطاء البائسة فظاعةً أخافَت الجرَّاحَ، واستطاع، بصعوبةٍ، وبعد عدةِ لحظات، أن يردَّ عليها.
«سوف تُسامحني أيها الطبيب، أليس كذلك؟»
«أسامحكِ يا جودي! على ماذا يجب أن أسامحكِ؟»
«أوه، كان من الخطأ أن أخدعَك.»
«ولكن كيف خدَعتِني؟»
«أوه، لقد كان تصرفًا خبيثًا للغاية.»
«عجبًا! ما الخَطْب؟ ماذا تقصدين بذلك؟»
وبينما كان الطبيبُ ينطق هذا السُّؤالَ الأخير، بلهجةٍ مطمئِنة، سحَبَ كرسيًّا بالقرب من المرأة العجوز، وبلُطفٍ شديد، أو برغبة تُشبه رغبةَ قسِّ اعترافٍ في تخفيف العبءِ الذي يُثقِل كاهِل ضميرها، وأثناء سحبِ كرسيِّه إلى جانبها، أمسكَ بيدِها النحيلة والذابلة في يده.
«هيا، أخبريني كلَّ شيء عن الأمر، يا جودي. بأي طريقة خدَعتِني؟ وفي أي شيء؟ وما هو التصرف الذي ينبغي ألا تفعله امرأةٌ فقيرة؟»
تلعثمَت، وهي ترد على هذا الاستفسار الودود وقالت: «حسنًا، أيها الطبيب، في واقع الأمر أنا أمتلك ثروة.»
انتفضَ الطبيبُ من الدهشة.
«أرجو ألا تكشفَ سري. سأموتُ إذا انكشفت. اقتلني أيها الطبيب، إن لم تكن ستسامحني.»
«ثروة! وأنت تعيشين على الإعانات منذ مدة طويلة، وتحصلين على الإغاثة والرعاية الطبِّية من النقابة! أوه، إن هذا تصرفٌ شرير بالفعل!»
في هذه اللحظة طرأَت على ذهن الطبيب فكرةٌ أكثرُ خبثًا من أي أفكار أو أفعال من جانب المريضة الفقيرة. إذ كان في تلك الفترة يسير في شوارع لندن، ويعتني بمَرْضاه، ويكسب رزقَه ورزق عائلته وهو مَدينٌ لمُرابٍ مسيحي، قد حصلَ على أحكام ضدَّه بسبب إيصالِ أمانة، والذي يتقاضى، كثمنٍ لما يُسميه الصبر، فائدةً ضخمة وأتعابًا لمحامٍ سيِّئ السمعة، الذي (دعني أقُلها بكلِّ ثقة) لديَّ سبب للاعتقاد بأنه يتقاسمُها مع موكِّله. كان ما يُعانيه الرجلُ من فقرٍ شديد هو سبب غوايته.
ومِن ثَمَّ سألَ نفسه: «هل يُمكنني الاستيلاء على ممتلكات هذه المرأة؟»
كان جواب ضميره: «كلا!»
«ستكون نعمةً عظيمة بالنسبة إليَّ إذا تمكَّنتُ من الحصول على القليل من المال في الحال، وسداد دَين ذلك الملعون تومبكينز، الذي يُهدِّدني وينغص حياتي على مدى الأربع والعشرين ساعةً كل يوم؛ والذي جعل شبحَ إلقاء القبض عليَّ يُطارد خطواتي من اللحظة التي أغادر فيها بابي في الصباح حتى لحظة عودتي في الليل، والذي يزعج راحتي في المنزل، ويقض الخوفُ منه مضجعي. إذا كان بإمكاني الحصولُ على المال، فسأُسدِّد له دَيني. إنَّ الاحتيال على هذه الفقيرة البائسة هو جريمةٌ أنا عاجزٌ عن ارتكابها؛ ولكن الاستفادة من أموال تلك البائسة العجوز لمدَّةٍ من الوقت، وإعادتها إليها مرةً أخرى، لن يَضير أي شخص. سأحاول وأرى إذا ما كان بإمكاني الحصولُ على ما أريد.»
كان هذا هو تسلسلَ التفكير والسؤال والجواب والقرار، الذي دار في ذهن الطبيب بسرعةٍ أكبرَ من سرعة مطالعة القارئ له.
«يا سيدتي الطيبة، مثلما قلت، لقد تصرفتِ على نحو سيئ للغاية، ليس فقط نحوي وحدي؛ لكنك، في هذا الصدد، تعاملتِ معي بطريقة غيرِ عادلة. فكيف لي أن أعيشَ وأعيل عائلتي إلا من خلال ممارسة مهنتي؟ إذا كان بمقدورك دفعُ مقابل أتعابي، فكان يتوجَّب عليكِ فعلُ ذلك. كنت سأحضر لرعايتك عن طيبِ خاطر طَوال حياتك، دون مقابل، إذا كنتِ غيرَ قادرة بالفعل؛ ولكن بما أنه كان بمقدورك الدفع، أعتقد أنه كان لِزامًا عليكِ أن تفعلي.»
«يا سيدي الطبيب، ليس لديَّ سوى القليلِ من المال، وكنت دائمًا أخشى إنفاقَه أو إنقاصه. إنه فقط مبلغ ٥٠٠ جنيه الذي أملكه؛ وإذا فقدتُه فسأفقد كلَّ ما لديَّ في الحياة. كيف أعرفُ أنني لن أحتاج كلَّ مليم منه؟ وعندي ابنٌ احتفظتُ له بالمبلغ لمدة ١٠ سنوات. وأنا لا أعرف أين هو الآن. لقد غادر إنجلترا في سفينة إلى الهند الشرقية. لقد هربَ من منزله خلالَ حياة والده، وأعتقد أنه تسبَّب في كسر قلب زوجي. لكنه اعتادَ أن يكتب لي رسائلَ طويلة، ولطيفة. وكان يقول لي إنه سيعود إلى الوطن يومًا ما. لقد مرَّ وقتٌ طويل منذ أن سمعتُ بأخباره، وربما يكون قد غرقَ. لكنني لا أعتقد ذلك. وأحيانًا أحلم به، وأثناء نومي أعتقد أنني أسمع صوتًا يخبرني أنني سأراه مرة أخرى. وعندما يعود إلى المنزل، سأعطيه كلَّ ما أملك، وأنا متأكدة من أنه سيكون لطيفًا مع والدته العجوز، وسيُبقيني سعيدة ومرتاحة طوال حياتي.»
وبينما أخذت العجوز الشمطاء تُثرثر وتروي سرَّ ادِّخارها البائس، كان الطبيبُ يحيك مخططًا خبيثًا.
ومِن ثَمَّ قال: «حسنًا، يا سيدتي الطيبة، ليس من شأني أن أُبلغ عنكِ. ولن أجلب لكِ الخزي. ولن ألومَكِ. ومن جهتي أنا على الأقل، لن تُعاني أيَّ متاعب.»
«شكرًا لك، أيها الطبيب العزيز، المحسِن، الطيب!»
فسألها الطبيب: «ألن تدفعي لي شيئًا على حسابي؟»
«أوه، أجل، أيها الطبيب.»
وبينما كانت تتحدَّث نهضَت من مقعدها وذهبت إلى الخِزانة، وأخذت منها صندوقًا صغيرًا وفتحَته. كان يحتوي على دفترين من بنك الادخار. كم كانت هذه السيدة العجوز ماكرةً للغاية! لقد فهمَت جيدًا، بالنسبة إلى شخص في وضعها، وفي سنها، تلك القاعدةَ الصعبة لاستثمار الأموال بحِكْمة! ووضعَت الدفترين أمام الطبيب، وتوسلت إليه مرة أخرى ألا يُخبر أيَّ شخص عن كَنزها.
وقالت: «سأعطيك ١٠ جنيهات، أيها الطبيب، بمجرد أن أتمكَّن من سحبها من بنك الادخار.»
قال الجراح في خنوع: «أنا ممتنٌّ لكِ كثيرًا.»
تأثرت المرأة العجوز، وربما شعرَت بالإطراء، من التواضع النسبي الذي تقبَّل به الطبيبُ المالَ المقدَّم. هذا التقبُّل صنَع تقاربًا بينه وبين مستوى مريضته. وأصبحت الثقةُ في هذه اللحظة هي ثقةَ الأصدقاء؛ وعندما تجاوزا عقَبة التحفُّظ والتقاليد الاجتماعية، تحدَّث الاثنان عن قرب.
فأوضحَ الطبيبُ للسيدة العجوز المخاطرَ التي قد تتعرَّض لها، من حريق، أو سطو، أو أي حادثٍ آخر، مما يتسبَّب في إتلاف دفترَيها وطمسِ دليل استثمارها أو استثمارِها نفسِه. واستمعت إلى هذا الشرح بجشع وقلق. وتفهَّمت قوة الاقتراح، ناهيك عن المصداقية أو الحيادية. وأشار لها إلى الرِّبحية النسبية لنمط الاستثمار الذي اختارته. وأخبرها أنَّ المال قد يُحقق، في ظل إدارةٍ حَذِرة وحكيمة، ضِعفًا، أو ثلاثةَ أضعافٍ، أو أربعةَ أضعافٍ، أو حتى ١٠ أضعافِ الفائدة التي كانت تتلقَّاها مقابل وضعه في بنك الادخار.
أثار حديثُه جشعَ المرأة العجوز. فليس هناك ما يُغري الشخصَ الشديدَ الحرصِ والفقيرَ أو البخيلَ أكثرَ من تقديم فائدة كبيرة. إنَّ هذه هي نقطة ضعفٍ يتشاركونها مع المرابي المعتاد، الذي نجده في مناحي المجتمع العادية. أعتقدُ أنه من الممكن خداعُ أحد المرابين اليهود المعتادين، أو أكثر المرابين المسيحيِّين ذَكاءً وحِدَّة، من خلال إغراء تقديم فائدة كبيرة، والتلاعب قليلًا بغريزة الجشع السائدة لديهم.
وقبل أن تنتهيَ هذه المقابلة، ناشدَت المريضة الفقيرة طبيبَها الطيب المحسِن أن يمنحها الاستفادة من حَصافته العمَلية الكبيرة، وخبرته الحياتية الضخمة، وحُسن تقديره، في استثمار الأموال التي ادَّخرَتها. وبعد قليل من التردُّد وافقَ على الاستجابة لطلبها.
في غضون أسبوعَين، سحبت الأموال من بنكَي الادخار التي كانت موزَّعة فيهما، وذلك للتهرُّب من تلك القوانين التي تمنع استثمارَ أكثرَ من مبلغ معيَّن في أي وقتٍ في بنك واحد. وبعد سحب النقود من كلا البنكَيْن، وُضِعت في يد الجرَّاح، ليُقرِضها أو يُوظِّفها وفقَ ما يراه مناسبًا، وبموجب الضَّمانات التي من شأنها أن تُدِرَّ عائدًا أكبر.
استخدم الطبيبُ المالَ الذي وُضِع في عهدته لتسديد المطالبات الملحَّة، ولتقليل أزماته المالية. وسدَّد للسيدة العجوز، أو على وجه الدقة حوَّل لحسابها فائدةً نسبتها ١٠ في المائة سنويًّا بأكبرِ قدرٍ من الانتظام؛ وكان ضميرُه مرضيًّا لاعتقاده بأنه يمنحها منفعةً أساسية، من خلال تمكينها من الحصول على حقِّ الانتفاع السخيِّ هذا بدلًا من الفائدة الضئيلة التي كانت تتلقَّاها. كان يُرضي شكوكها، أو على وجه الدقة يمنعها من عدم الثقة به، من وقتٍ لآخَر، بأن يعرض عليها إيصالاتِ أمانة، أو وثائق، أو أوراقًا، سمَّاها سنداتِ البيع، وقسائمَ ورقية كان يُسميها بالسندات، وأسهُمَ السكك الحديدية، وما إلى ذلك، وكلها، كما أوضحَ لها، كانت تجلب الفائدة بمعدَّل يزيدُ عن أربعة أضعافِ ما كانت تحصل عليه في السابق.
وهكذا اعتبرَت جودي الطبيبَ، الذي هو الوحيد المؤتمَن على سرِّها وبمثابة قسِّ الاعتراف الخاصِّ بها، صديقها المقرَّب والمخلص. وكانت تُكافئه أحيانًا، كما تظن، من خلال شراء هدايا صغيرة لأطفاله، أو بعض الجوارب أو القفازات له.
وبعد عامَين أو ما يقرُب من ذلك، أصبحَت جودي، التي ازداد جسدها ضعفًا، وتشوَّهَ إدراكها الذهني أكثرَ فأكثر، وازدادت حِدَّة بُخلها، غيرَ راضيةٍ عن الوضع غيرِ المنتظم الذي تحصل فيه على الإعانة التي تعيش عليها، بينما في خيالها رأت استثمارَها يزداد.
وفي أحد الأيام ذهبَ إليها الطبيبُ، ليُوضح لها أنَّ الفائدة على سند السكك الحديدية ستُستحَقُّ غدًا، وهكذا ستحصل على مبلغ أربعة جنيهات و١٥ شلنًا، وهو ما كان مستعدًّا إما لتسليمه إليها أو الاحتفاظ به كي يستثمرَه لها. فأخبرته أنها تُفضل أن يحتفظ بالمبلغ كلِّه باستثناء شلن واحد، تحتاج إليه لغرضٍ ما، وقد أعطاها إياه. ووعَدَ باستثمار هذا المبلغ الإضافي، كما فعلَ ببقيةِ مالها، كي تزداد قيمته.
ثم واصلَت حديثَها قائلةً: «في الواقع، كنتُ أفكِّر في أنني أشعر بالوحدة الشديدة وعدم الارتياح الشديد هنا بمفردي، وأودُّ أن أدخل إلى ملجأ الفقراء.»
«ماذا! ملجأ الفقراء التابع للنقابة؟»
«أجل، أيها الطبيب.»
«أنا آسف، لا يمكن فعل ذلك.»
«أوه، يؤسفني ذلك جدًّا. أتمنى لو أمكن ذلك. ألا يُمكنك تحقيقُ ذلك من أجلي أيها الطبيب؟»
«حسنًا، اسمعي، يا جودي، قد يكتشفُ شخصٌ ما أنَّ لديكِ نقودًا، وقد أتعرَّض لمشكلاتٍ إذا تبيَّن أنني قد ساعدتُكِ، أو حتى سمحتُ لكِ أن تصبحي نزيلةً في ملجأ الفقراء، وتعيشي على حساب أموال دافعي الضرائب.»
شعرت المرأة العجوزُ بالحزن. فقد تحطَّمت الفكرةُ التي رعَتْها لعدة أشهر. وتدمَّرَت آمالُها.
وتابعَ الطبيب: «يؤسفني أن أخبركِ بأن هذه الفكرة غيرُ صائبة على الإطلاق يا جودي.»
«لا أحدَ يستطيع أن يعرف أن لديَّ نقودًا، أيها الطبيب، إلا إذا أخبرتَهم أنت بذلك.»
«لا أفكر، بالطبع، في الكشف عن ذلك، وربما، في نهاية الأمر، لن تُعتبر جريمةً بالنسبة إليَّ أن أترككِ تُحددين مساركِ الخاص. فقط، ضعي في اعتباركِ، أنني لن أُساعدكِ. لن يسمح لي ضميري بفعل ذلك. سوف يُسبِّب لي ذلك مشاكل، إذا انكشفَ الأمر. كلا، يا جودي. إذا تمكنتِ من دخول الملجأ، فلن أفشيَ سرَّكِ؛ ولكن عليكِ أن تدخلي دون مساعدةٍ مني.»
في ذلك الوقت، بدأ الطبيبُ يرتجف، خشيةَ أن تُطالب المرأة العجوز في أي لحظةٍ بالحصول على سنداتها المالية، وعندئذٍ ستكتشف أنه قد أنفقَ الجزءَ الأكبر من مالها. كان يعلم أنه لا يُمكنه استردادُه أو تعويضه. كان في كثير من الأحيان يستنفد كلَّ طاقته في التفكير كي يُحدد ما يجب عليه فعلُه في مثلِ هذه الحالة الطارئة. ومِن ثَمَّ راقت له فكرةُ دخول هذه المرأة العجوز إلى ملجأ الفقراء، وهو يعلم أنها يمكن أن تحصل على مكان هناك؛ لأن الكذب والخداع الإضافيَّين الناتجين من ادِّعائها الفقرَ سيُصبحان بمثابة ضمانٍ إضافي لصمتِها. وأثناء وجودها هناك، لن تجرؤ على مطالبته بالمال أو الوثائق. كما سيُصبح من السهل عليه الحفاظُ على سرِّ احتياله عليها أكثرَ مما هو عليه حتى الآن.
ومِن ثَمَّ يكفي أن نذكر أنَّ السيدة العجوز قدمَت طلبًا للدخول إلى ملجأ الفقراء التابع للنقابة، وأنَّ مسئول الإغاثة قد حقَّق في حالتها؛ وأن تقريرًا قد عُرِض على مجلس الأوصياء؛ وأنها، دون صعوبةٍ كبيرة، قد حصلت على أمرِ قَبولٍ لدخولها الملجأ. وهكذا وقعَ الاحتيالُ على دافعي الضرائب واستمرَّ؛ كما استمرَّ إخفاءُ جريمة الطبيب.
اعتادت العجوزُ الفقيرة على الملجأ، وكانت تخرج عندما يُسمَح لها بالذَّهاب إلى ما وراء جدرانه، لتُثني على طبيبها الطيِّب، الذي كان يسأل عنها في زياراته للمكان، ويجدها في الغالب مريضة، وكثيرًا ما يُوصي لها بكماليات، لا يحصل عليها الفقراءُ الآخرون الذين لا يحظَوْن بالقدر نفسِه من الاهتمام.
وهكذا مرت ثلاثُ سنوات، وخلال هذه الفترة أصبحت الفقيرةُ أكثرَ ثراءً وثراءً (كما كانت تظن) من حقِّ الانتفاع بمدَّخَراتها. كما استمر الطبيبُ طوال الوقت بيقينٍ متزايد في اعتبار الأموال الذي استخدمها لمصلحته الشخصية أموالًا لن يُطلَب منه أبدًا ردُّها. كان عليه فقط أن يستمر في الخداع لمدةٍ أطولَ قليلًا، وستنتقل المالِكة الحقيقية لهذه الأموال إلى قبرِها مجهولةً دون أن يلتفت إليها أحدٌ أو يكتشف سرَّها.
وفي أحد الأيام، حصلت المرأة العجوز على إجازتها المعتادة، وابتعدت عن المسار الذي اعتادته في زياراتها عندما تخرج من الملجأ. فذهبت أولًا لزيارة الطبيب، وحصلت منه على مبلغ صغير من المال — بضعة شلنات — وبعد ذلك كان من بين الأماكن التي زارتها منزلٌ بائس لأحد معارفها القُدامى. حيث تناولت العشاءَ والشاي، وبعد الشاي أخرجَت المال، الذي قالت إنها حصَلَت عليه كهِبَةٍ من صديقها العزيز المحسِن طبيب أبرشية الكنيسة، وأصرَّت على منح ثمن الوجبة لرفيقتها.
وعند نحوِ الساعة التاسعة مساءً دارت محادثة بين المرأتين.
قالت صديقتُها: «يا جودي، أنتِ تعلمين أنني لا أريد أن أجعلَكِ تتعجَّلين. وأنني سعيدة جدًّا لوجودكِ هنا. فأنا أحبكِ للغاية؛ لكن الوقت يتأخر، وإذا لم تُسرعي بالعودة، فلن تستطيعي دخول الملجأ قبل موعد الإغلاق.»
كانت المتحدثة ممن يُطلق عليهم أنهم شَرِهون للخمر، فشربت جودي معها وأصبحت مخمورةً بعضَ الشيء.
وقالت بعصبية إنها لا يُهِمها البوَّاب، أو مسئول الإغاثة، أو مجلس الأوصياء، أو المشرفون، أو حرَّاس الكنيسة، أو أيُّ شخص. وإنها لو تأخرت، فلا يُهم، ولن تتحمل أيَّ هُراء منهم. إذا تأخرت، يسألونها لماذا تأخرتِ. وإذا لم تستطع دخول الملجأ، فيتعيَّن عليها البقاءُ في الخارج، وقالت إن لم يهتمُّوا بالاعتناء بها، فبمقدورها الاعتناءُ بنفسها.
«يا له من هُراءٍ ذلك الذي تقولين! ماذا ستفعلين، فيما بقي من حياتك، كي تتمكَّني من الاعتناء بنفسكِ؟ بالقطع، إذا استبعَدوكِ من الملجأ، فستتضوَّرين جوعًا. أنتِ غير قادرة على العمل، وليس لديكِ أيُّ مال تُنفقين منه على ضروريات الحياة.»
صاحت المرأة العجوز بكلام مفكَّك غير واضح: «أوه، تقولين، ليس لديَّ!» وتابعَت قائلةً: «هذا كلُّ ما تعرفينه عن الأمر. أنا لا يُهمني أحدٌ منهم جميعًا. إنَّ أموالي عند الدكتور جالايب. وهو يعتني بها من أجلي. بالقطع، لديَّ ثروة؛ وهي عنده كي يستثمرها لي. لقد حصلتُ على أكثرَ من ١٠٠٠ جنيه. أليست هذه ثروة؟ ألا ترغبين في الحصول على مثلها أيتها العجوز؟ في رأيي إنَّ رئيس مجلس الإدارة يرغب في الحصول على مثلها، لكنه لن يتمكَّن. كلا، ليس بإمكانه ذلك. وأنا لن أعود إلى الملجأ. سأقفُ هنا. هيا، اذهبي وأحضِري رُبع قنِّينة أخرى من مشروب النبيذ.»
ومِن ثَمَّ أعطتها شلنًا فذهبَت وأحضرت رُبع قنِّينة أخرى من النبيذ، فشربت السيدة العجوز كميةً أخرى، وازدادت سوءًا، وسرعان ما تحوَّلت إلى حالة من السُّكْر المفرط واليائس والعاجِز.
بعد أن وصلَتا إلى هذه الحالة من الثُّمالة، غادرت المخلوقتان البائستان المنزلَ وحاولتا السيرَ في اتجاه الملجأ وهما تترنَّحان. ولم تكونا قد ابتعدتا كثيرًا، عندما قابلهما صبيَّان مشاغبان، عائدان من عملهما إلى منزلهما، وشاهداهما تترنَّحان، فأخذا يسخران منهما. فحاولت المرأة الفقيرة، تحت وطأةِ الإهانة الصِّبيانية الوقحة، أن تندفع إلى الأمام وتقبض على أحد الوقِحَين، ولكن بدلًا من القبض عليه، سقطت على وجهها. فحاولت رفيقتُها حملَها، لكنها وقعت؛ وبينما كانت المرأة المتعاطفة تَهْذي، وهي مخمورة، بكلمات العَزاء للفقيرة المتخفِّية، جاءَ شرطيٌّ، وبالنظر إلى حالتهما، اقتادهما إلى قسم الشرطة.
وفي صباح اليوم التالي، عند مثولهما أمام مأمور القسم، أخبرتاه بقصة متقنة، تقبَّلَها الرجل الموقَّر على أنها حقيقية، عن لقائهما بصديقة قديمة، دعَتهما إلى تناول نصف قنِّينة من النبيذ (كانتا متأكدتَين من أن الكمية لم تزد عن ذلك) فأثَّرَت عليهما. ومِن ثَمَّ أطلقَ سراحَهما مع تحذير، فتوجهتا إلى الملجأ، وافترقتا عند البوابة، فسارت إحداهما نحو منزلها، كامرأةٍ مستقلَّة؛ بينما تسللت الأخرى إلى حجرتها، وتحمَّلت استهزاءَ رفيقاتها بقدر ما تستطيع.
مرَّت مدة طويلة قبل أن تلتقي المرأتان مرةً أخرى. وعندما التقتا، تحدَّثتا عن الثروة، من بين أمورٍ أخرى. وودَّت جودي الفقيرة أنها لم تقل شيئًا عن الأمر، لكن رفيقتها لم تكن لتدعَ الأمر يمر مرور الكرام. كان لديها مبدأٌ دفعَها إلى القول بأنَّ ما يقوله الناس حول أكواب الخمر وهم ثَمِلون يمكن اعتبارُه أخلصَ عقائدهم، وأنَّ الكلمات التي تُلفَظ في حالة سُكرٍ لها حقيقة لا ترتبط دائمًا بكلمات الوعي واليقظة. فأصرَّت على استفساراتها، وكانت النتيجة أنَّ جودي الفقيرة وضعت ثقتها في صديقتها.
ومِن ثَمَّ قالت لها: «بالقطع، كما ترين، لا أحدَ يعرف ما قد تأتي به الأيام. لقد كنتُ امرأةً وحيدة طوال هذه السنوات العديدة. وأنجبتُ ابنًا، على الأقلِّ أعتقد أن لديَّ ابنًا، وقد يعود يومًا ما. وأنا أحب ذلك الفتى، وقد ادَّخرتُ واستثمرت من أجله، وفي حالة حدوث أيِّ شيء لي، فلماذا أرغبُ في وجود القليل من المال بجانبي؛ لذلك ادَّخرتُ ووضعتُ أموالي في بنكِ ادخار. لكن، ذات يوم، أخبرتُ الطبيبَ عن أموالي، فنصحني ألا أدعَها هناك. فطلبتُ منه إذا كان الأمر كذلك، أن يتكرَّم ويعتنيَ بها من أجلي، فوافقَ، وفعلَ ذلك. ولذلك أعطيتُه المال، فاستثمرَه، وحقَّقَ لي أفضلَ فائدة على أموالي، وأنا أستثمرُ هذه الفائدة مع المال، مما يزيد من قيمة المال، كما ترَين، كلَّ عام. لقد فعلتُ ذلك لسنوات عديدة، والآن ليس لديَّ أدنى شكٍّ في أنني أملكُ ما يزيد على ١٠٠٠ جنيه.»
«يا إلهي! أنتِ حقًّا تمزحين أليس كذلك؟»
«كلا، بشرفي، هذا هو ما حدث بالفعل.»
«حسنًا، كم أتمنَّى لو أنني حصلتُ على ١٠٠ جنيه، هذا أقصى ما أتمنى.»
قالت جودي، التي كانت أفكارها أكثرَ ميلًا إلى الاسترسال بشأن النظريات المالية: «١٠٠ جنيه ليس مبلغًا كبيرًا.»
وهكذا تجاذبت المرأتان أطرافَ الحديث، حتى أصبحت صديقة جودي على دراية بمسألة الاستثمار مثل جودي نفسِها، وأصبحت العلاقة الائتمانية للطبيب معروفةً جيدًا لامرأتين مثلما كانت معروفة من قبل لواحدة.
يُقال إنَّ المرأة لا تستطيع كتمانَ سر. أعتقدُ أنَّ هذه العقيدة لا يمكن قَبولها أو اعتبارها قاعدةً دون استثناءات. لكن من المؤكَّد أن صديقة جودي كانت تُثرثر وتثرثر طويلًا وبإلحاح، وإن كان بسرية مهيبة، لمجموعة متنوِّعة من الناس. وأخيرًا، أصبحَت حقيقة أو خيال ثروة الفقيرة معروفةً للسيد دو، وهو خبَّاز شهير، ورئيسُ مجلس الأوصياء في النقابة التي كانت لها شرفُ رعاية الفقيرة الثرية من أموالها العامة.
كان السيد دو رجلًا ذا استقلاليةٍ في التفكير. وقد كسَب طريقه المتميز، كما كان كثيرًا ما يقول، ليُصبح عضوَ مجلس الكنيسة ورئيس مجلس الأوصياء، بسبب مواهبه (يقول أحيانًا إنه عبقري)، وطاقته التي لا تعرف الكلل، ونزاهته التي لا هوادةَ فيها. ولم يكن من النوع الذي يتغاضى عن أيِّ إساءة. لقد كان آخِرَ رجلٍ في العالم يمكن أن يسمح بحدوث احتيال من غير ملاحظةٍ أو عقاب. وعندما سمعَ عن حالة هذه المرأة الفقيرة ذات الثروة، قرَّر أن يستقصيَ بشأنها حتى النهاية. فروى القصة كما وصلته لزملائه أو أعضاء مجلس الأوصياء التابعين له؛ وانبثقت لجنةٌ فرعية للتحقيق في الأمر. وصدَر توجيهٌ لكاتِب المجلس أن يكتب رسالة إلى الطبيب ليطلب منه تفسيرًا. بِناءً على ذلك أمهلَ المجلسُ الموضوعَ لمدة أسبوعين، من أجل أن يحصل كلُّ طرفٍ — كما قال السيد دو — على فرصة كافية للدفاع المناسبِ ضد التهَم الخطيرة التي يُوجِّهها إليه.
وفي هذه الأثناء كان الطبيبُ لا يزال محتفظًا بوظيفته كمستشار طبي ومقدِّم خدمةٍ في ملجأ الفقراء.
بينما كانت المرأة الفقيرة مريضةً للأسف، وفي الوقت الذي أُثيرت فيه هذه القضية كانت نزيلةً في المستوصف أو عنبر المرضى. وكان الطبيبُ هو مَنْ يعالجها.
وعندما تلقَّى الجراحُ الرسالة، كان مندهشًا بطبيعة الحال. حيث قاده النجاح في الأمر والإخفاءُ المستمرُّ له منذ مدَّة طويلة إلى الاعتقاد بثقةٍ أنَّ لا أحدَ غيره يعلم بوجود المال في حوزته. ولم يستطع التكهُّن أو التخمين بكيفية انكشاف السر. ولم تُساعد محادثةٌ، لم يجد صعوبةً في إجرائها مع المريضة، في حلِّ اللغز؛ لأنها، كمذنِبة عجوز، أنكرَت أن تكون قد باحت بالسرِّ إلى أي مخلوق. لقد تظاهرت بأنها تجهل مثله تمامًا كيف وصلت هذه المعلومةُ إلى المجلس. بينما لم تتصنَّع الانزعاج؛ لأنها في الحقيقة كانت منزعجةً للغاية، من انكشافِ السر. زادَ الطبيبُ من حدَّة هذا الانزعاج بإخبارها أنها ستتعرَّض للمقاضاة والعقاب، وستودَع بلا شكٍّ في السجن، أو، ربما، قد تُنفى بسبب الاحتيال على مجلس الأوصياء. كما أخبرها أنَّ المسار الوحيد الذي يجب أن تتمسك به هو إبقاءُ الأمر في طي السرية التامة. فيجب أن تُنكر كلَّ شيء، وتُعلِن أنها لم تقل أبدًا إن لديها مالًا؛ وتُنكر تمامًا أنه قد تلقَّى منها أيَّ أموال لأي غرض، وإذا فعلَت ذلك، فإنه سيدعم أقوالها بإعلانِ أنه ليس لديه أيُّ أموال تخصُّها تحت تصرفه. أدركَت البائسة المخدوعة أنها تضع نفسَها بالكامل في يد طبيبها، وأنه قد ينقلب عليها، أو على الأقلِّ اعتقدَت ذلك. لكنها مع ذلك، بين السجن والنفي، آثرَت أن تخوض المخاطرة المحتمَلة باحتيال الطبيب عليها.
ومِن ثَمَّ عُقِدَ اجتماعُ مجلس الإدارة. وردَّ الطبيب، على الخطاب الذي أُرسل إليه، فكتبَ إجابةً قصيرة بليغة، موضحًا أنَّ التصريح الذي يمَسُّه هو والمرأة الفقيرة المريضة هو افتراءٌ واهٍ، وأكَّد أنه لن يتدنَّى كي يُجيب بالتفصيل. لقد قدَّم نفيَه المطلق، وينبغي ألَّا يفعل أكثرَ من ذلك. أما الدخول في دفاعٍ ضدَّ مثل هذه الاتهامات، فإنَّ الجميع، قطعًا، يشهد له بحُسن السمعة، وسيترك للأوصياء مهمةَ تحديد احتمالية أن يكون مثلُ هذا التصريح الذي أدلى به أحدُهم هو فقط من أجل تشويه سمعته. وإذا شعر الأوصياءُ برغبتهم في الحصول على مزيدٍ من المعلومات، فربما يكون مستعدًّا لتقديمها؛ لكنَّ رأيه الحالي، أنه لن يُدْلي بالمزيد.
وعندما مثَلَت المرأة الفقيرة أمام الأوصياء لاستجوابها — أو للتحدث على نحو أكثرَ دقة، ذهبَ وفدٌ من أعضاء المجلس، أو لجنته إليها في عنبر المرضى — أنكرَت بشدةٍ كلَّ شيء. وأعلنت بجدية أنها لا تملك أيَّ أموال، وسألَت المستجوِبَ، لو كان لديها مثلُ هذا المال، فهل كانت ستمكث هنا، في هذا المستوصف البائس، على أسرَّتِهم، في حالة فقرٍ بغيض، دون أن تحظى بالرعاية الطبِّية الكافية؟ كان أحدُ أعضاء الوفد مقتنعًا بأنَّ رئيس المجلس قادهم في مطاردة غيرِ مجدية، وأنَّ المرأة لا تمتلك أيَّ ثروةٍ مثلما أُشيع، وأن الأمر برُمَّته ما هو إلا ادِّعاءٌ عابث. وقال عضوٌ آخر؛ ليس لديه رأيٌ على الإطلاق، إنه بصراحة لا يعرف ماذا عليه أن يُقرر بخصوص هذا الأمر. بينما تكوَّنت لدى عضوٍ ثالث فكرةٌ مناقضة تمامًا للعضو الأول، حيث يعتقد أنَّ دافعي الضرائب قد خُدِعوا لمدَّة طويلة؛ وأنَّ رئيس المجلس كان على حقٍّ تمامًا، وأنه يجب النظر في الأمر بمزيد من التدقيق.
وللأسف الشديد، تُوفِّيَت المرأة الفقيرة بعد تحقيق الوفدِ معها. يا لها من مسكينة! لقد انتهت حياتها في ظلِّ معاملة صديقها المتآمِر ضدَّ دافعي الضرائب؛ طبيب ملجأ الفقراء. وكانت تلك الوفاة هديةً له من السماء؛ لأنها أوقفَت فعليًّا كلَّ التحقيقات الإضافية.
وقد أعربَ رئيسُ مجلس الأوصياء، السيد دو، في الاجتماع الذي قدَّم فيه تقرير اللجنة، عن عدم رضاه، وقال إنَّ الشكوك تُساوره؛ حول استيلاء الطبيب على أموال المرأة، وكان على يقينٍ، شبهِ مؤكَّد، أنَّ دافعي الضرائب قد تعرَّضوا للسرقة. وهو يرغب في كشف كلِّ شيء دفعةً واحدة. حيث لم يعجبه ذلك الخطاب المراوغُ من جرَّاحهم، ورغبَ في استدعاء هذا الرجل ليَمثُل أمامهم في الحال، ويطلب منه التوضيح. فإذا جاء، ووضَّح الأمر، فهذه نتيجةٌ جيدة، ولن يعترضَ السيد دو على الاعتذار إذا اقتنعَ بأنه كان مخطئًا. وإلى أن يقتنعَ بذلك، ينبغي أن يتمسَّك برأيه الخاص ويدافع عنه. كانت نتيجةُ التحقيق الكامل لهذا التاجر الموقَّر، والنشيط، والناجح، والمحترم، أن أرسل مرسالًا خاصًّا لاستدعاء الجراح، الذي حضرَ مداولاتهم في اجتماع مجلس الإدارة الذي أشرتُ إليه سالفًا. حيث أظهرَ روحًا ساميةً من الكرامة الزائفة. واحتجَّ على الغضب الذي تعرَّض له بسبب شكوكهم ومطالبهم، وبإحضاره أمامهم كمجرمٍ في محكمة عامَّة. لم يكن يعلم أنه يفعل الصوابَ في دَحضِه لهذه الاتهامات، لكنه اختتمَ بوضع يدِه بشكلٍ ميلودرامي على قلبه، مقدِّمًا العديدَ من عبارات التأنيب، وفي النهاية، بالطريقة الأكثرِ شيوعًا، عرضَ إثباتًا — كما أثبت بالفعل، بما يُرضي الأغلبية، ولا يُرضي الأقلية، في المجلس — أنَّ ثَرْثرة مخبرِ رئيس المجلس لم تكن تَعْدو أوهامًا زائفة، أو تخيُّلاتٍ طائشةً لشخص مجنون.
كانت خاتمةُ هذه الأحداث كلِّها وهذا التحقيق قرارًا صدَرَ بأغلبية أعضاء المجلس، يُعبِّر عن الثقة في طبيبهم، ويُجسد رأيًّا بأنه تعرَّض لتشويه سمعته ظُلمًا وافتراءً، ويُطالبه بمواصلة العطاء للفقراء الذين ترعاهم النقابةُ تحت رقابة مجلس الأوصياء وتقديم خدماته المقدَّرة والرعاية المسيحية الحقة.