زلة حلَّاق وطني
قبل بضع سنوات، عُيِّنتُ لمراقبة «المعسكر الآخر» في صراع انتخابي حامي الوطيس. لقد كانت أول مهمة لي من هذا النوع، وقد شحذتُ تفكيري حتى أحصل على أتعابي بشكلٍ عادل، وقد يَسعد القارئُ عندما يعرف أنها كانت أتعابًا سخيَّة. وربما يسعد أيضًا إذا عرَفَ أنني رجلٌ محايد. صحيحٌ أنه في المرة التي أتحدَّث عنها الآن، كنت قد عُيِّنتُ من قِبَل وكيل المرشح الليبرالي؛ لكني، في مرات أخرى لاحقة، قدَّمتُ خدماتٍ، وأعتقد أنها كانت خدماتٍ جيدة، إلى مرشحين محافظين يحملون الآن لقبَ أعضاءٍ في البرلمان. وخلال هذه الانتخابات التي أتحدَّث عنها، وقع العديد من الأحداث الصغيرة المثيرة للاهتمام، على غرار ما يحدث دائمًا في الانتخابات، وأودُّ أن أحكيَ أحدَ تلك الأحداث. وبالمناسبة، لا شيء يُنشِّط البراعة البشرية مثل النضال الانتخابي القوي. فالذكاءُ، والفُكاهة، والمزاح العمَلي اليائس، والحِيَل البارعة، تجتمع كلها في مثلِ هذا الحدث المثير، بحيث تتوارى أحيانًا قواعدُ اللياقة الأخلاقية الصارمة أو يصعب على أعيُن الأطراف المعنيَّة تمييزُها. وأعتقدُ أحيانًا أنني لم أتصرف بشكلٍ لائق تجاه الحلَّاق الذي أُوشكُ على التحدث عنه. بينما في أحيانٍ أخرى أعتقد أنه قد نال ما يستحق. وعلى القارئ أن يقرر أي الاعتقادين يراه صحيحًا في هذا الشأن.
كان جون شافلبوثام يعيش في البلدة «دبليو» وهو حلَّاق يكسب قوتَ يومه؛ وهذا يعني أنه يكسب أو يحصل على المال لشراء طعامٍ شحيح، وملابسَ زهيدة، والكثير من الجعة، وكميات وفيرة من المشروبات الكحولية لاستهلاكها هو والسيدة شافلبوثام؛ وذلك من خلال ممارسة حِرفته، أو «مهنته» كما كان يصفُها، وكان هذا هو مصدرَ رزقِه الوحيد. اشتهر هذا الحلَّاق بأنه يحلق لزبائنه بقدرِ ما يرغبون في الحصول على شعرٍ قصير مقابلَ بنس واحد — وكان يُؤدِّي المهمة بنصفِ السعر للزبائن المنتظمين — ولقص أيِّ شعر خشن وعنيد لكل منهم، وكانت التعريفة المعلَّقة على عمود بابه، مكتوب عليها ثلاثة بنسات كأجرٍ ثابت للحلاقة. ومع ذلك، لم تكن هذه الصفة الوحيدة التي تمتع بها جون شافلبوثام. فقد كان رجلًا محترمًا صاحبَ مبدأ؛ ويكره الفسادَ للغاية. ولم يُساور أحدًا أيُّ شك في أمانته السياسية على الرغم من الأجواء المضطرِبة التي كانت سائدةً في البلدة «دبليو» في أحلك الأوقات وأصعبها؛ ولنقُل بعد تسوية الحسابات بين «الناخبين الأحرار المستقلِّين» والمرشحين. وقد قيل لي إنَّ جون شافلبوثام لن يطلب رعاية من أحد. وهو لم يأخذ رِشوة قط، ومن يُحاول منحه رشوة فإنه يلقى منه توبيخًا مخزيًا. كان الحلَّاق رجلًا قويَّ البِنية، وعلى الرغم من أن الويسكي أو البيرة ربما قد أضعف قوة تفكيره بعضَ الشيء، وجعل عضلاته مترهِّلةً نوعًا ما، فإنه كانت لديه قوة في حجته تكفي لأن يسيطر على أعنت الرجال بقوة إقناع رهيبة.
وقد اكتسبَ هذا الحلَّاقُ درجةً من التأثير في العمَّال الممتازين الأُمناء بفضلِ ما اشتَهَر عنه من مناهضته للفساد، ولم يكن ليتمتَّع بهذا التأثير لولا تلك السمعةُ الطيبة؛ ولذا أصبح من المهمِّ الحصولُ على دعمه نيابةً عن مرشحنا.
في بداية الحملة الانتخابية كان يُعتقَد أنَّ جون شافلبوثام، بطبيعة الحال، سوف يُصوِّت لمرشحنا؛ لكن هذا كان سوءَ تقدير. إذ يبدو أن شيئًا ما قد قلب تيَّار ميله السياسي. لقد كان مكتوبًا في سجل الاقتراع السابق أنه صوَّت لصالح الليبراليِّين، ولذا كان من المتوقَّع أنه سيُصوِّت لهم مرةً أخرى، ويُحضر معه في اجتماعات الحملة الانتخابية نحوَ ٢٠ من الرفقاء الصادقين الذين يثقون فيه.
لكن على العكس من ذلك، سرعان ما ألمحَ إلى أنه أصبح يعتقد أنَّ الليبراليين كانوا أسوأَ قليلًا من المحافظين. وهو لا يعتقد أنهم يهتمُّون، ولا واحد منهم، بالعمَّال الفقراء مثلِه أو أيٍّ من زبائنه، لكنهم (الليبراليون والمحافظون) كلَّهم لصوص. إذا توجَّب عليه أن يُصوِّت، فسوف فسوف يتأرجح رأيه في الإدلاء بصوته لأي منهما مرةً بعد أخرى. وربما ينبغي أن يميلَ إلى منح صوته هذه المرة لحزب المحافظين؛ لكنه لم يكن يعرف. لم يكن متأكدًا على الإطلاق من كلا الخيارين.
أثارَ عدول هذا الرجل عن قضيتنا بعضَ القلق. وقد وجدنا، بعد التقصي، أن الرأي الذي بدا أنه نصيرٌ له كان أيضًا أوسع نطاقًا عمَّا تصوَّرناه في البداية. لقد تعدَّى الأمرُ دائرةَ التأثير المفترَض للحلَّاق؛ وما زاد الطين بلة أن الحلَّاق، كما قال، اضطُرَّ إلى الجدَلِ في تبريره الخاصِّ لموقفه، عندما هاجمه أحدُ الزبائن واتهَمه بتغيير انتمائه السياسي، وحثَّه على التمسُّك بانتمائه القديم، وقد جذبَ ذلك الجدلُ زبائنَ آخَرين إلى دكانه، الذي أصبحَ ساحةً للمناظرة. ومِن ثَمَّ اكتسبَ جون شافلبوثام شهرة في الخطابة، بالإضافة إلى صفاته الأخرى.
لم تكن استمالة المؤيدين أو الأنصار من صميم عملي. بل كانت مهمتي تنصب في الاهتمامِ بأمر الخصوم، بيد أنني عُهدَ إليَّ سرًّا الاهتمام بموضوع جون شافلبوثام. استشهدَ الوكيل الرئيسي للمرشح بملاحظةٍ لأحد رجالات الدولة المخضرمين الذين رحلوا عن عالمنا يقول فيها إنَّ لكل رجل ثمنًا يُشترى به، وقد اتفقتُ معه على معرفة ثمن تصويت جون شافلبوثام وتأثيره. حيث توصَّل وكيلنا إلى هذا الرأي قبل يومٍ واحد فقط من الاقتراع، ثم رُفِض من قِبَل شخص أو شخصَين من المطَّلعين على أسرار غرفة اللجنة الرئيسية للحملة الانتخابية، مِمَّن لهم سلطة التحكم في مجريات العملية الانتخابية ومراقبتها.
وفي اليوم التالي بدأ الاقتراع. لقد كان يومًا مليئًا بالإثارة البالغة. حيث وُزِّعت الجعة والمشروبات الروحية والأطعمة على كلِّ مَن يريد من السكان عبر طرَفَي المنافسة. كان السُّكْر هو السِّمةَ العامة الوحيدة للحضارة في تلك البلدة البرلمانية بحُلول الساعة الثانية عشرة ظهرًا في اليوم المحدد لانتخاب أحد خيرة العقول في البلاد لتمثيل تلك البلدة في الهيئة التشريعية لبريطانيا العظمى. كما أُنفِقَت الأموال بغزارةٍ على الرشاوى؛ جرى حشدُ عددٍ كبير من الناخبين، في حانات وفنادق حتى ثَمِلوا. لم يكن بمقدورنا إقناعُ مثل هؤلاء بالتصويت لصالح مرشحنا، أو الذين لم يَجرُءوا على التصويت لسببٍ أو آخَر، لكنهم أذعَنوا طواعيةً لهذه العملية باعتبارِها شِبهَ خدمةٍ لنا. وتعرَّض بعضُ الناخبين لما يُشبه التخدير، وأُعيقوا عن الانصياع لما يُمليه الشعورُ السياسي. ونُقِل بعضُ الرجال إلى خارج المدينة في عربات. حيث توارت كل أشكال الاحترام. وانتشرت كل أشكال الهمجية والرذيلة أيضًا.
لم يكن جون شافلبوثام قد أدلى بصوتِه بعد، وكذلك العديد من أصدقائه. وقد أشادَ به حزبُ المحافظين باعتباره «رجلًا رائعًا وأمينًا وجديرًا ومحترمًا»؛ كما «يتمتع بحكمةٍ سياسيَّة كبيرة، جعلته ينصت إلى صوت العقل»، علاوةً على «كونه شخصًا قد نأى بنفسه عن أخطاء الحياة السياسية، وقررَ أنْ يؤكِّد بنفسه الحقوق التي يمليها عليه ضميره الحي الناضج.»
لقد تزلَّفوا إليه، وتملَّقوه ونافقوه؛ إذ وضعوا نصبَ عينيه كلَّ نوع من الحوافز المستقبَلية والمزايا المؤجَّلة، لكن لم يستطيعوا إقناعَ جون شافلبوثام بأن يُعطيَ صوته، أو حتى يتعهَّد بالتصويت، للمحافظين. وهو لم يُبدِ أيَّ إشارة مميزة أو واضحةٍ على الخضوع لنا، ومع ذلك لوحِظَ أنه لم يكن مسرفًا في انتقاده مرشَّحَنا خلال اليوم السابق، أو خلال يوم الانتخابات، كما كان من قبل.
لقد كنا مستعدِّين لمواجهة عدائه، لكننا لم نكن نعرف ماذا نفعل تجاه حياده. كنا نتوقع أن نجده يتزعم مجموعةً من الناخبين إلى منابر الحملات الانتخابية للمحافظين. وبِناءً على ذلك، تلقَّى جيم سماش، رئيسُ أفضل عصابة من الملاكمين وهي تابعةٌ لنا، تعليماتٍ بأن يتعامل أتباعُه بكياسة مع الحلَّاق وأصدقائه.
كان بعضُ التُّجار الليبراليين في البلدة يشعرون بالبهجة برؤيتهم الحلَّاقَ «مشتَّت الرأي»، وبالمعاملة السيئة التي يَلْقاها عددٌ من مؤيِّديه. وقد كانوا حُرِموا هذه الفرصة للتشفي حتى تلك اللحظة؛ وبعد الكثيرِ من المداولات حول هذا الموضوع، وجَدوا أنه من غير الآمنِ شنُّ هجوم على المسكن المتواضع للمتمرد الموقَّر. وكان من الممكن لهذه الخطوة أن تجلب الخزيَ لبعضٍ من كبار المسئولين لدينا، مثلما قال المحامي الذي وُكِّل على الرغم من أتعابه الباهظة لتقديم المشورة لمرشَّحنا وأصدقائه من وقتٍ لآخرَ عن مقدار التجاوزات التي يمكنهم ارتكابها دون تعريض أنفسهم وأموالهم للخطر. مثلُ هذا الإجراء، الذي أُملي أو طُرِحَ في غرفة اللجنة، قد يتسبب في عواقب وخيمة لمقترحيه، ويورِّط الكثير من المحترمين وكذلك الأشرار المعنيين بالأمر في عقوبة مشتركة.
ونظرًا إلى أننا لم نتمكَّن من الانتقام من الحلَّاق شافلبوثام بسبب عناده أو تغيير قناعاته أو أيِّ شيء كان، فقد عقَدْنا العزمَ على معرفة إذا ما كان غيرَ قابل لأن يُغرى أو تُشترَى ذمتُه. اجتمعتُ أنا والمحامي والوكيل الرئيسي، الذي لم يكن محاميًا، في غرفةٍ صغيرة لمناقشة هذا الأمر، وقرَّرنا في النهاية أنني يجب أن أُقابل الحلَّاق أولًا. وقد فعلت ذلك؛ ولأنني لا أريد أن يتَّهِمني القارئ بالبذاءة، فإنني سأتغافل عن شرحَ ما حدثَ خلال زيارتي. دعنا نقُل ببساطةٍ إنني وجدتُ الحلَّاق يفتقر إلى الكثير من الخصال على نحو يجعله عرضة للانتقاد، وذلك من وجهة نظري كسياسي محنك. وتأكَّدتُ من أن له ثمنًا. ولم يكن الثمن، في نهاية الأمر، باهظًا جدًّا، بالمقارنة مع مدى التأثير الذي كان عليه أن يُحدِثه، وكذلك تصويته. كان الثمن هو ١٠٠ جنيه. ومِن ثَمَّ أُبرِمَت الصفقة معه، مع تحفُّظٍ آمُل أن يُغفَر، بالإضافة إلى الحيلة التي فكَّرت فيها ونفذتُها أيضًا.
واشترطَ الحلَّاقُ شرطًا واحدًا. إذ يجب الحفاظُ على مظهره العامِّ بطريقةٍ ما، واقترحَ عليَّ (ذلك الفتى الماكِر) السبيلَ إلى فعل ذلك. كانت هناك نقطتان في البرنامج السياسي للمرشح، أكد جون شافلبوثام وأصدقاؤه أن الرجل النبيل الجدير بأصواتهم يجب أن يكون مستعدًّا لدعمهما؛ إحدى هاتين النقطتين كانت حقَّ الاقتراع العام، وكانت الأخرى التصويت عن طريق الاقتراع. قال الحلَّاقُ إنه يجب إخبار رجاله بأن المرشح سيتَّفق معهم على حلٍّ وسط يُرضي جميعَ الأطراف. فإذا جرى الترتيبُ لذلك، ودُفِع له مبلغ ١٠٠ جنيه، فإنه سيُوصي أصدقاءَه بمنحِ أصواتهم معه لليبراليين. فوافقتُ، ليس على أن يُقرَّ المرشح بالنقطتين بنفسِه، ولكن يجب على شخصٍ ما نيابةً عنه تقديمُ هذا الشرح إلى شافلبوثام وأتباعه.
عدتُ إلى غرفة اللجنة، وشرحتُ للمحامي والوكيل كيف تصرَّفتُ مع الحلَّاق. فضَحِكوا جميعًا بقدرِ ما أسعفهم الوقتُ للضَّحِك، والذي لم يكن وقتًا طويلًا؛ إذ كانت الدقائقُ ثمينة؛ لأن المخطَّط الذي وضعتُه يتطلب ساعةً ونصف الساعة، أو ربما ساعتين، لتنفيذِه. وعُدتُ إلى الحلَّاق، وطلبتُ منه أن يستقلَّ عربةَ أجرة ويطوفَ المدينة، التي لم تكن كبيرة، ويجمع رفاقه معًا في بيج آند ويسل في شارع باك ستيرز، لمقابلة المرشح الليبرالي.
نظرتُ إلى ساعتي. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف. وكان من المقرر أن يُغلق بابُ الاقتراع في تمام الرابعة. كان هناك قطارٌ من البلدة «دبليو» إلى البلدة «بي» يبدأ التحرُّكَ في الساعة ١٢:٤٥. ولن يستغرق الأمرُ وقتًا طويلًا لقطعِ تلك المسافة بالقطار. وهناك قطارٌ عائد من البلدة «بي» إلى البلدة «دبليو» في تمام الساعة الثانية بعد الظهر. وسيَفي هذا بالغرض. لقد رتَّبت أيضًا أن المتحدثَ الذي استعنَّا به لمخاطبة الفِكر السياسي للناخبين الأحرار والمستقلين في البلدة «دبليو»، سيحضر إلى حانة بيج آند ويسل نيابةً عن مرشحنا، ويلقي إحدى خُطبه السلسة المتدفِّقة الوجيزة البليغة.
يُمكن لهذا الرجل أن يتحدَّثَ لفترةٍ طويلة من الزمن. وكان عليه أن يتكلَّم حتى تأتيَه «إشارة» ليُنهي خُطبته السلسة الواضحة.
وقد أدَّى المتحدث مهمتَه على أكملِ وجه. ومن منطلق ما أتذكره من تلك الخطبة، أتعجبُ لأنه هجر عمله كمحامٍ، وتخلَّى عن طموح الحصول على لقب عضو البرلمان الذي يُمكن أن يُضاف إلى اسمه في تاريخٍ ما مستقبلًا، ليستقر به الحال — مثلما حدث — للعمل سكرتيرَ إحدى الجمعيات التي يقع مقرُّها شرقَ البورصة الملكية.
خاطبَ المحامي الذي استعنَّا به صحبةَ شافلبوثام بصفتهم رجالًا صادقين ونبلاء، يُمثل التزامهم بالمبدأ أحدَ أبرز نماذج الإصرار السياسي التي صادفها في حياته. وأشادَ بشافلبوثام باعتباره رجلًا اكتسبَ القدرة على التأثير في رفاقه، ذلك التأثير الذي لطالما حلمَ به طاغيةٌ لكن لم يستطع نيلَه، من خلال مسيرة صارمة وغير مرنة من بِناء دعائم الصدق والثقة عبر فترة طويلة. فاحمرَّ وجه شافلبوثام هنا قليلًا؛ ورأى البعضُ في ذلك تواضعًا منه، واعتبروا ذلك اللون القرمزيَّ دليلًا على الخجل. ولا شك أنه كان خَجِلًا، ولكن سواءٌ كان ذلك بدافع التواضع أو بدافع الخزي، فليس هناك ما يدعوني إلى التوضيح بتعليقي على الأمر.
بعد أنْ تحدَّثَ الخطيبُ لبعض الوقت، عادَ مساعدي، وتلقيتُ تنبيهًا بهذه الحقيقة. حصَل الخطيبُ أيضًا على إيماءةٍ وغمزة طفيفة جدًّا مني، عندما ذكر أنه طُلب منه تقديمُ توضيح لهم، لكنه شعر بالإرهاق إلى حد ما مما قدَّمه حتى الآن، ولذلك طلب الإذن منهم بتركِ مهمة التوضيح تلك لصديقه السيد يلولي الذي كان جالسًا إلى جانبه؛ ومِن ثَمَّ، بعد اختتام خطبته، التي تحدَّث فيها كثيرًا عن القمر، والنجوم، ورياح السماء الأربع، والأسد البريطاني، والعلم الذي تحدَّى لألفِ عام، وبناء الصدق والثقة، جلسَ وسط هذا التصفيق الذي لم أسمعه إلا في بيج آند ويسل وفي التجمُّعات الغفيرة.
نهضَ، المحامي، السيد يلولي؛ وقال إنه يؤسِفه أنه ليس لديه بلاغةُ صديقِه الخبير؛ وأيضًا، نظرًا إلى أنه رجلُ أعمالٍ عادي، فإنه سيطرح التوضيح الذي عليه أن يُقدمه بكلماتٍ مقتضبة للغاية. وكانت الحقيقة التي عُهِدَ إليه بالإعلان عنها، وكان يأمل ألَّا يتحدث عنها على الملأ أن مرشحنا على الرغم من أنه لم يستطع الوصول إلى حد الاقتراع العام، فإنَّ ذلك الرجل النبيل الموقَّر والمستنير سيقطع شوطًا طويلًا في هذا الصدد، يفوق بكثير حدود ما يعتزم أن يقطعه ويرى أن من الحكمة أن يصرِّح به على منابر الحملات الانتخابية؛ خشيةَ أن يُثير تحيزات الطبقات الوسطى، ويتسبَّب، بصراحته غير الحكيمة أو غير المدروسة، في عودة خَصمِهم من حزب المحافظين. وقال السيد يلولي ردًّا على أحد الاستفسارات إنه لا يستطيع تحديد المدى الذي سيذهبُ إليه المرشح في تمديد حق الاقتراع العام، ولكن لا شك أنه سيذهب إلى أبعدِ مدى يريده — ولنقُل في نطاقِ ما يتسق مع الدستور البريطاني، المادة ٢، الفقرة ١٠. أما بالنسبة إلى التصويت بالاقتراع — ذلك المبدأ السياسي الأكثر أهمية — فإن المرشح الليبرالي سيُصوت لصالح هذه الدِّرع التي تحمي الناخبَ الفقير النزيه.
ومِن ثَمَّ لعب شافلبوثام دورَه جيدًا؛ ذلك الوغد! حيث أعلن تشكُّكَه قليلًا ما لم يُقدم التوضيح علنًا. فناشدَ السيد يلولي، بشدة، الحسَّ السليم وحُسن التمييز لدى مستمِعيه بعدم تعريض الانتخابات للخطر في هذه اللحظة (حيث يتقدَّم المحافظون بأربعة أصوات على الليبراليين) من خلال طلبٍ غيرِ حصيف. واعتقدَ رجلٌ بسيط القلب أنَّ شافلبوثام كان متشددًا ومُريبًا بعضَ الشيء. وهو يعتقد أنَّ السيد المحترم، السيد يلولي، على حق. فقال شافلبوثام إنه لا يريد أن يُصبح ديكتاتورًا. وهو راضٍ إذا كان الآخرون كذلك. في تلك اللحظة، اقترحتُ أنه من الأفضل لهم ألَّا يستغرقوا وقتًا طويلًا كي يتخذوا قرارهم؛ لأن الساعة الثالثة والرُّبع الآن، وسيُغلَق الاقتراع عند الرابعة. ومِن ثَمَّ اتفَقوا بسرعة على أن شافلبوثام ورجاله، كمجموعة، يجب أن يذهبوا ويُصوتوا لصالح المرشح الليبرالي.
وطلبَ كبيرُ وكلائنا هنا خمسَ دقائق؛ قائلًا إنه يرى ضرورةَ إحضار فرقة موسيقيَّة. كما قرَّر سرًّا أن يُزين الانقلابَ النهائي بمظاهرة تعزف فيها ثلاثُ فِرق. وقرَّر بشكلٍ خاص إحضارَ جيم سماش، وجميع مُلاكميه، وجميع الأشرار المستأجرين الآخَرين، لحراسة فريقنا الجديد، في حالةِ إذا ما كان العدوُّ يشتبه في وجود خدعة، وقرَّر أن يضع قواتِه في معركةٍ ضد مواطنينا غير المحميِّين. فقد نخسر الانتخاباتِ إذا حدَث تأخيرٌ حتى ولو قصير بسبب هجومٍ علينا. كما يعتقد شافلبوثام أنه يُمكن أن تصحَبَهم أيضًا بعضُ الموسيقى.
لم أشعر بأيِّ أسًى على الإطلاق أنه قد جرى الترتيب لذلك. وأردتُ أن أتحدثَ بضع كلماتٍ مع شافلبوثام بمفرده، وأن أتركه يتذوَّق براعتي وذكائي، أو ربما ينبغي أن أقول، يُثير شهيَّته لهذا المذاق.
فخرَجتُ مع الحلَّاق إلى خارج ساحة حانة بيج آند ويسل، وخاطبَني مستفسِرًا: «أظن أن المال بحوزتك بالفعل؟»
أجبته: «أوه، أجل.»
«هل ستُعطينا إياه إذن؟»
فقلت: «كلا؛ لا يُمكنني فعلُ ذلك حتى تُصوت أنت ورجالك، كما تعلم.»
«كيف لي أن أتأكد أنك ستُعطيني إياه بعد ذلك؟ لا داعي لممارسة حِيَل ماكرة، وإلا أقسم بسيدك (يعني المرشح) سوف يُعاني جراءَ ذلك، وأنا متأكدٌ من ذلك مثلما أنا متأكدٌ أن اسمي هو جون شافلبوثام.»
لقد سارت الأمور على نحو أفضل مما كنتُ أتوقعه، أو مما توقعتُ أن تسيرَ عليه خططي. لقد تأكدتُ الآن أن الحلَّاق الوطني قد خُدِع بالفعل، إذا اخترتُ التراجعَ عن تعهُّدي معه في هذه المرحلة. لقد كان مُلزمًا بالتصويت كما فعل رجاله، أو إذا انسلَّ مبتعدًا فقد جعلهم يُصوتون لنا وانتهى الأمر. وأصبح من المستحيل الآن اختلاقُ عذرٍ آخرَ لأولئك الرجال الشرفاء حقًّا كي يُغيروا قرارهم الجماعي. لكني ما زلت أعتقد أنه سيكون من الأفضل الاستمرارُ مع الحلَّاق حتى النهاية. فقد أردت أن أدعه هو وبعض الناس يرون كيف يمكنني تنفيذ حيلتي بخبث ودهاء.
قلت: «حسنًا، أعتقد أنه يحق لك الوثوقُ بي بقدر ما يجب أن أثق بك، لكني لا أمانع في الوصول معك إلى حلٍّ وسط. وإن كان لا يعنيني إذا ما كنت ستقبل ذلك أم لا. فأنا أثقُ أنَّ هؤلاء الرجال الشرفاءَ سيذهبون ويُصوتون لصالح مرشحنا. فأنت لا يُمكنك منعُ ذلك الآن، أليس كذلك يا سيد شافلبوثام؟ وإذا حاولت إفسادَ لُعبتنا (التي لا أعتقد أنه يُمكنك إفسادُها)، فستصبح صفقتنا مُلغاة، ولا أعتقد أنني مُلزَم بإعطائك أيَّ شيء، سواءٌ نجحت في إفسادها أم لا.»
قد انتهى أمره تقريبًا، على الأقل فيما يخص مسألة ضمان الحصول على المقابل النقدي المتفق عليه، وأن عليه أن يعيرني كامل ثقته؛ لذلك وافقَ على التوصُّل إلى حلٍّ وسط.
قال شافلبوثام: «ماذا تنوي أن تفعل إذن؟» وبينما هو يتكلم علا صوتُ آلات النفخ الموسيقية وسط نسيم الصيف.
كان من الواضح أن الموسيقيِّين قادمون في اتجاه حانة بيج آند ويسل.
كنت خائفًا من تشوُّه اللمسات الأخيرة لخدعتي قليلًا، لذلك قلت على عجَل:
«حسنًا، انظر هنا، هذه ورقة نقدية من فئة ١٠٠ جنيه. سأقسمها إلى نصفَين. وأُعطيك نصفًا الآن.» (توقَّفَ الموسيقيون عن العزف، واضطُرِرت إلى الاستمرار في الحديث لفترةٍ أطولَ قليلًا، حتى تمرَّ اللحظات، وشرَعتُ في القول ببطء): «صباح الغد، في أقرب وقتٍ تُريد، يمكنك القدومُ إلى غرفة اللجنة الرئيسية والسؤال عني، وسأعطيك النصفَ الآخر. ومن الممكن أن نتقابلَ الليلة. الأمر سيَّان، ربما؛ لكن بعض الأشخاص ذَوي العيون الحادة قد يلحَظون الأمر. الآن انتبه، يا شافلبوثام، عليك ألا تُخبر أحدًا عن هذا الاتفاق. فلو كنت مكانك ما أخبرتُ أحدًا على الإطلاق. فهذا سيضرُّك، كما تعلم. عليك أن تكتم الأمر، مثلما نفعل حيال أشد أسرار حياتنا خزيًا. وإياكَ أن تحتسي الخمر الليلة، وإلا فسوف تفشي السر.»
وصلَ الموسيقيون على بُعد أقدام قليلة من باب الحانة. كان الحلَّاق يترقب بقلقٍ بالغ أن أسلمه نصفَ الورقة التي تضمنُ الاتفاق، وأردتُ الآن أن أفعل ذلك دون تأخير. فقسمنا ورقة من فئة ١٠٠ جنيه، إلى نصفين، وكانت جاهزةً لحيلتي. فسلَّمته النصف، الذي وضعه بسرعةٍ في جيب بنطاله، وتركَني كمن يفرُّ من جلاده، وهو يصيح: «هَلموا يا رجال، واستمعوا إلى الموسيقى.»
تقدَّم الموكبُ وسطَ صيحاتٍ صاخبة تُصِم الآذانَ، وصوتٍ ما يجب أن أُسميه، على سبيل المجاملة، بالموسيقى، وارتباكِ العديد من المشاهدين. وصاحَ شافلبوثام في ابتهاجٍ متكلَّف:
«حسنًا يا رجال؛ إنه رجل متميز. سنمنحه أصواتَنا جميعًا.» وصيحات متنوعة أخرى أكثر تكلفًا.
وهكذا منحَ جون شافلبوثام ورفاقه ٢٣ صوتًا لمرشحنا قبل ١٠ دقائق من غلق صناديقِ الاقتراع عند الساعة الرابعة، دون أيِّ تدخُّل من مُلاكمي المحافظين أو أشرارهم أو أيِّ رجالٍ آخَرين. وقد ثملَ شافلبوثام في تلك الليلة، ولم أرَه ولم أعلم عنه شيئًا إلا في صباح اليوم التالي.
في اليوم التالي، نحو الساعة العاشرة صباحًا، قابلَني جون شافلبوثام في غرفة اللجنة حسَب الترتيب. وفضلتُ حضور المحامي والوكيل معي في هذه المقابلة.
كنت أولَ من تحدَّث، وقلت: «حسنًا يا جون شافلبوثام، أظن أنك قد أتيتَ من أجل النصف الآخر من الورقة النقدية؟»
بدا الحلَّاق الوطني، الذي باع صوتَه ونفوذه، محرجًا ومترددًا بعضَ الشيء.
قلت: «كلُّ شيء على ما يُرام. إنَّ هؤلاء السادة هم المحامون؛ وهم يعرفون كلَّ شيء بخصوص الانتخابات، ويعلمون سِرنا.»
«إنهم يعرفون ما أريد، إذن؟»
فقلت: «أجل، هَا هي.» وسلَّمتُ إليه النصفَ الآخَر من الورقة النقدية الذي طلبه؛ لكن بينما أفعل، قلتُ له: «إنها لن تُفيدك بشيء. إنها ورقة بنك أوف إليجانس، ترويجية وغير حقيقية، كتلك التي يُوزعها رجلٌ آخرُ من مهنتك نفسها في البلدة «بي» في الشارع.»
لا أستطيعُ أن أجزمَ إذا ما كان شافلبوثام قد فحَص النصف الأول من ورقته؛ لكنني تعمدت تقسيمَ الورقة بطريقة معيَّنة (حتى لا أترك الأمر للمصادفة) بحيث يرى عبارة «بنك أوف إليجانس» وليس أكثر من ذلك من عُنوان المؤسسة التي يُزعَم أنها صدَرَت منها، وكان أميًّا جدًّا أو عديم الخبرة في أوراق النقد بحيث إنه لم يكتشف أن الورقة نفسَها لم تكن من النوع الذي صُنِع من أجل بنك أوف إنجلاند.
كان الحلَّاق الوطني مذهولًا. وظل عاجزًا عن الكلام للحظةٍ أو اثنتَين وسط شعور بخيبة الأمل والخزي. وعندما تمالكَ نفسَه جزئيًّا، ضرَبَ الأرض بقدمه، وأقسمَ في جملتين تقريبًا إننا نصابون، وإنه سيرفع دعوى ضدنا بتهمة تداوُلِ نقودٍ مزيَّفة. ووجد محامينا أن هذه مزحةٌ جيدة، ومن النوع الذي يمكن أن يُضحكه؛ ولذلك اعتمادًا على تصوره القانوني، وكردٍّ حاسم، أخبر السيدُ يلولي السيدَ شافلبوثام أنه قد نالَ الجزاء الذي يستحقه، وأنه «من الأفضل أن يُبقي لسانَه في فمه ويصمت»؛ لأنه، في جميع الأحوال، يجب أن يتصرف بأدب في تلك الغرفة، وإلا فسوف يُلقى به في الخارج على يد أحد عمَّالنا الأشداء الموجود بالقرب من هنا، وقد يُقبَض عليه أيضًا بتهمة الرِّشوة.
جزَّ الحلَّاقُ على أسنانه وانصرفَ حانقًا. وأعتقدُ أنه قد منحَ صوته مرتَين لصالح حزب المحافظين بعد ذلك اليوم، بدون أتعابٍ أو مكافأة؛ لكنه فعلَ ذلك بدافع الانتقام من الخوَنة الليبراليين.