مَنْ هو أسوأ مجرم؟
منذ نحو ستِّ سنوات كُلِّف ضابطُ مباحث، يعمل لدى شرطة سكوتلاند يارد، في وستمنستر، بتعقُّب مجرمٍ صغير السِّن، زوَّر توقيعَ سيده، كما قيل، وهو تاجرٌ في حي ساوثوارك.
لم يكن البحث صعبًا للغاية. فقد ظنَّ الجاني، في رأيي، الذي احتال على شخصٍ وأخذَ منه ٥٠ جنيهًا من خلال تلك العملية، أنه قد حصل على ثروةٍ لا تنضب؛ أو ينبغي أن أقول على وجه الدقة إنه تصرَّف كما لو كان يعتقد ذلك.
يُقال إنَّ اللصوص (أعني اللصوص المحترفين للغاية)، الذين وُلِدوا وترعرعوا على حِرفة السرقة، أو الذين تدرَّبوا عليها على نحو غيرِ منتظِم، ينظرون بتروٍّ إلى مخاطر كل عملية واحتمالاتها، ويقدِّرون الربح أو الخسارة، ويحرصون على عدم إثقال مِقياس الاحتمالات المعاكس بالاندفاع أو الطيش. هذا هو الحال، حسبما أعتقد، مع اللصوص المعتادين. لكن الأمر يختلفُ مع أولئك الذين تورَّطوا بسبب دافعٍ أو ضرورةٍ في ارتكاب جريمة واحدة. فاللصوص العَرضيون (الكتَبة، والبائعون، وما شابه)، عندما يختلسون من خزنة النقود، يسرقون ما يُعادل بضعة جنيهاتٍ من البضائع، أو حتى يرتكبون عملية تزوير، ويتصرَّفون بأكثر الطرق التي يمكن تخيُّلُها حماقةً. وفي معظم الحالات، يُساعدون في مهمة اكتشافهم، إذا لم يُفصِحوا تمامًا عن سرِّ جريمتهم.
تُسلِّط القضية التي سأرويها الضوءَ على نصف نظريتي، وتُظهِر حقيقة القول المأثور القديم التي تؤكِّد أن المال غيرَ المشروع لا يُفيد مَن يسرقه.
لقد حصَلَ المجرمُ على وسائل الاحتيال أو التزوير بعد ظُهر يوم الإثنين. واستخدمها في صباح يوم الثلاثاء. ولم يظهر في ذلك اليوم في محلِّ عمله، ولوحِظَ غيابُه على الفور. ومِن ثَمَّ أُرسِلَ مَن يسأل عنه، بناءً على توجيهات سيده، في مسكنه، وتأكَّد أنه لم ينَم هناك منذ ليلة الإثنين. كانت صاحبة المنزل قلقة عليه مثل سيده؛ وربما أكثر. لقد راحت تستفسر عنه، بينما هم يستفسرون منها حول الموضوع نفسِه. كانت المرأة الطيبة، وهي أرملة، وأمٌّ لعائلة (كلهم كبروا وأصبحوا رجالًا ونساءً، ويعيشون بعيدًا عنها)، تخشى أن يكون قد أصابَ مستأجرَها بعضُ الأذى. لم تأخذ هواجسُ الشر هذه شكلًا محدَّدًا، أو بعبارة أخرى، أخذت مئاتَ الأشكال المختلفة من الخطر، والحوادث المؤسفة، والمعاناة التي تزاحمَت بسرعةٍ كبيرة في عقل المرأة الطيبة، لدرجة أن اختلطَت جميعُها وتشوَّشَت، لكن شكوكها لم تقترب من الحقيقة ولا أي شيء من الواقع. كان صاحبُ عمل ذلك الشاب، على عكس صاحبة المنزل، غيرَ منزعج من العديد من الأفكار حول كاتِبه. ويمكن وضعُ كلِّ ما قاله السيدُ أو فكَّر فيه بخصوص الشاب في بضع جمل قصيرة. حيث قال إنه كان حقيرًا، وإنه لم يكن أهلًا لأن يعمل لديه؛ إذ مِن المخزي أن يتركَه في هذا الوضع الحَرِج، دون أدنى إخطار، كما قال إنه يجب أن يُعاقَب (مثل الحِرفيين في مناطق التصنيع) لإهماله عملَه، وخَرْقِ عقد خدمته. ومع ذلك، جادلَ صاحبُ العمل قائلًا: «توجد الكثير من الأسماك في البحر بالجودةِ نفسِها، ويمكن صيدُها مثلما هي الحال دائمًا. وفي رأيي أنه يُمكنني الحصولُ على كاتبٍ آخَر، في نهاية الأمر، وفي أي يوم، مقابل أجر ١٥ شلنًا في الأسبوع، وبنفس كفاءة هذا الرجل. وعندما يعود السيد ثينشانكس باكيًا لي لتوظيفه، سيجد أنني لن أفعلَ ذلك، هذا كلُّ ما في الأمر. كلا، ليس كلَّ شيء أيضًا. سأخبره قليلًا عما يدور في ذهني كذلك. سأطرده من مكتب المحاسبة لديَّ، وأقول له أن يذهب إلى …» حسنًا، لا يهم إلى أين، أيها القراء؛ ليس إلى بوتاني باي، ولا وولويتش، ولا بورتسموث، ولا ميلبانك، ولا بينتونفيل؛ لم يكن أيٌّ من هذه الأماكن التي حدَّدَتها الاستعارةُ أو العبارة البذيئة وِجهتَه. ربما سيُعفيني خيالُك، أيها القارئ، من تلويث صفحاتي بذِكْر المكان، الذي قالت بعضُ العقول الحصيفة إنه لا يصلح للذِّكر أو الكتابة كي لا يؤذيَ الأذن أو العين.
وفي صباح يوم الأربعاء ظهرَ إعلانٌ في صحيفة «تايمز» الشهيرة، يُخطر قرَّاءها أنَّ السيد كراب يُعلن عن رغبته في تعيين كاتِب، شابٍّ عازب، ذي تعليمٍ جيد، سريعٍ في الحسابات، يُجيد الكتابةَ بسرعة، رصين، أمين، علاوةً على مهارة أخرى أو مهارتَين ثانويَّتَين. ويجب أن يُؤكِّد تلك السِّماتِ أشخاصٌ مرجعيُّون. عرضَ السيدُ كراب ١٥ شلنًا في الأسبوع كراتبٍ لهذه الوظيفة. ومِن ثَمَّ أرسلَ ٣٠٠ من المتقدمين إلى السيد كراب، عبر مكتب البريد المجاور لمقرِّ عمله، خلال يوم الأربعاء. وفي صباح يوم الخميس، اختار صاحبُ العمل من بين كومة الرسائل ستةَ مرشحين، وقابلَ العددَ نفسَه من الشباب في ذلك المساء. وفي يوم الجمعة، حصل المتقدِّم الذي اجتاز الاختبار الصارم والتمحيص الشديد — بفضل خبرته الطويلة وسُمعته الطيبة — على المقعد الذي شَرُف السيد ثينشانكس بالجلوس عليه لمدَّة طويلة.
في ذلك اليوم تلقَّى الكاتِب الجديد عددًا كبيرًا من الأوامر. كان قد طُلِبَ منه أن يُعلن رسميًّا أمام السيد كراب أنه لا يخشى العمل، واختبرتُ حقيقة هذا التعهُّد، بقدر الإمكان، في يوم واحد؛ وكان تحديدًا يوم الجمعة.
من بين التوجيهات العديدة التي أعطاها السيدُ كراب إلى كاتِبه الجديد، كانت هناك تعليماتٌ بإرسال رسالة إلى السادة كلوكورك وريجيد، ليسأل بأدبٍ عن سبب عدم إقرارهم باستلام شيك بمبلغ ٥٠ جنيهًا و٤ شلنات و١٫٥ قرش، كان قد أُرسِلَ إليهما في موعد الاستحقاق بعد ظهر يوم الإثنين الماضي.
كانت هذه الشركة تُمارسُ نشاطها في حي شورديتش. ولم يستغرق الأمرُ وقتًا طويلًا من خليفة السيد ثينشانكس كي يكتب هذه الرسالة وذلك مع دستة من الرسائل الأخرى بالإيجاز نفسه، وأرسلت، مع الرسائل الأخرى، بحلول الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الجمعة.
اندهشَ السادة كلوكورك وريجيد. فهم لم يتلقوا أي شيك من هذا القبيل، على الرغم من أنهم كانوا يتوقعون الحصول على هذا المبلغ من السيد كراب. وهم يؤكدون أيضًا أنه لا يمكن أن يكونوا قد تسلموا الشيك، ثم فُقِد أو وُضِع في غير مكانه، في مؤسستهم. إنَّ الانتظام الشديد في جميع إجراءاتهم، ونظام الفحص الدقيق والفحص المضادِّ الذي ابتكرَته عبقريتهم منذ سنواتٍ عديدة وشرعت في تنفيذه، مكَّنهم من التأكيد على الفور أن السهو أو الصدفة أو عدم الدقة، من أيِّ نوعٍ كان، هي أمور غير واردة داخل الشركة. وفيما يتعدَّى ذلك لم يهتموا بالاستفسار. فالخَسارة، إذا كانت هناك خَسارة، ليست خَسارتَهما. ومن باب الإنصاف وحُسن النية بين التجَّار، اعتقدَ السادة كلوكورك وشركائهم أن من واجبهم إبلاغ السيد كراب بأسرعِ ما يمكن بأن شيكه لم يصل أبدًا إلى الشركة في شورديتش. ومِن ثَمَّ كُتِبَتْ رسالة على الفور وأُرسِلَتْ إلى السيد كراب، لإبلاغه بهذه الحقيقة المزعجة.
رأى السيد كراب على الفور، كما قد يفعل أيُّ أحمق، أن هناك صلةً بين عدم استلام الشيك من قِبَل السادة كلوكورك وريجيد واختفاء السيد ثينشانكس. فالأموال التي كان يجب أن تُحوَّل من بنكه إلى بنك مُراسليه هي تلك الصِّلة. لقد سُرق منه مبلغ ٥٠ جنيهًا و٤ شلنات و١٫٥ قرش من قِبَل ذلك الشرير ثينشانكس! ذلك الوضيع، الوغد، ناكِر الجميل، بعد الطريقة اللطيفة التي كان يُعامل بها ذلك الحقير! وقال إنه يستحقُّ الشنق، في إشارة إلى عدم استحقاقه للعطف والمعاملة الحسنة التي أشار إليها لتوِّه.
صرَفَ السيد كراب مرسال السادة كلوكورك مع تعبيرٍ رسمي عن الشكر، كان من الصعبِ استخلاصُه في خضمِّ حالة الغضب التي عصَفَت بذهنه آنذاك.
لقد قرَّر — على الرغم من أن الأمر، على حدِّ وصفه، كان مهمةً مؤلمة — مقاضاةَ ذلك الوغد بأقصى درجات الصرامة في القانون. ومِن ثَمَّ ارتدى قبعته، وتحريًّا للدقة، يمكن وصفه بأنه هُرِع إلى مكتب محاميه. كان الرجل قد غادر المكتب باكرًا. فقد توجه من المكتب الكئيب إلى منزله المبهج قبل موعد مغادرته المعتاد. لقد وقعَت الحوادث التي وصفتُها خلال ذلك الجزء من العام الذي يعتبر بغيضًا جدًّا للمدَّعين ومبهجًا للمدعَى عليهم (دائمًا باستثناء المَدينين بإيصالات الأمانة، الذين يقعون تحت اختصاص قانونٍ حدَّده أحد الأشخاص الكئيبين كقانون الموت المفاجئ)، وهو الإجازة الطويلة. ومِن ثَمَّ فإن القضية التي أراد الموكِل المشورةَ والتوجيه بشأنها من محاميه لا تُبرر الذَّهاب إلى منزل هذا الأخير؛ لذلك يجب عليه بالضرورة الانتظارُ حتى الغد.
وبينما نحن في انتظار المقابلة التي ستحدث بين السيد كراب والسيد كروك (المحامي)، هل يسأل القارئُ نفسه، هل سرق الكاتِب من سيده مبلغ ٥٠ جنيهًا و٤ شلنات و١٫٥ قرش بالفعل؟
ربما يكون لدى القارئ عقلية قضائية. وأتمنى أن يكون لديه بالفعل. ففي يوم من الأيام قد يُضطَر إلى الجلوس في هيئة محلَّفين، ولا شك أنه قد فعل ذلك بالفعل. هذا الإطار الذهني قد مكَّنه وسيُمكِّنه من أداء واجباته المهمة تجاه المجتمع بصفته محلَّفًا بطريقة حكيمة. حسنًا، إذن، إنَّ القارئ، صاحبَ العقلية القضائية، لا يستطيع أن يُقرر على وجه التحديد. فالأدلة غير كافية. ولذا، سينتظر ويستمع إلى الحقائق الأخرى التي يجب أن أُفصِح عنها، قبل أن يتخذ قراره بشأن القضية التي أثَرتُها. وهذا تحفُّظ حكيم.
وهكذا عادَ السيد كراب أدراجَه مرةً أخرى بعد زيارته غير المثمرة لمكتب المحامي.
وكان ينظر بعين النقد والرِّيبة إلى كاتِبه الجديد، ليرى ما إذا كان يبدو كأنه لصٌّ أو لا، وقد فعل الكثيرَ من الأشياء الأخرى، التي لا يحتاج القارئ أن يطلب مني سردها؛ لأنها لا تَمسُّ القضية التي أُثيرت للتو، أو تلك التي أثارها السؤالُ الذي عُنوِنَت به هذه القصة.
ويُمكننا القول، مع ذلك، إنَّ السيد كراب لم يكن صَبورًا في عملية القبض على اللص. لقد فكَّر كثيرًا وتناقش مع نفسه في هذا الموضوع وتوصَّل إلى استنتاجٍ مفاده أنه إذا أرجأَ التصرُّف في الأمر حتى الصباح، فربما يكون قد أهمل واجبه تجاه المجتمع ككل. إذ قد يهرب الجاني خلال تلك الليلة بالذات إلى أمريكا، أو إلى معقل آخرَ يأوي الجريمة. لقد مُنِحَ له الكثيرُ من الوقت بالفعل، الذي يمكنه خلالَه أن يُفلت من يد العدالة البريطانية. يجب إبلاغ الشرطة في الحال. أجل، سيذهب إلى أقربِ مركز شرطة ويُبلغهم بالأمر. ومِن ثَمَّ فعل ذلك. حيث قَدَّمه المفتشُ المناوب إلى السيد الرقيب داوني، فأخذَ خبير القبض على اللصوص وكاشف الغموض هذا من السيد كراب سردًا كاملًا وحقيقيًّا ودقيقًا للقضية؛ بقدر ما يمكن للمدَّعي أن يسرد.
لم يكن لدى الرقيب داوني شكٌّ كبير في القبض على الجاني. كان الشاب محظوظًا أو سيِّئ الحظ لامتلاك وجهٍ وطريقةِ مشي مميزَين وخاصَّين به. كانت الجريمة، على الأرجح، جريمتَه الأولى. ولم يعتقد الضابط أن اللصَّ قد غادر البلاد؛ وهو لم يفعل، كما ستُظهر الأحداث القادمة.
في تلك الليلة وقعَ شجارٌ في واحد من أماكن الترفيه والرذيلة في غرب العاصمة. وارتُكِبت عمليةُ سرقة لشابٍّ من الريف في أحد الملاهي الليلية في هايماركت، خلال مشاجرة بين بعض الحثالة المجتمعية والنشَّالين الذين تجمَّعوا هناك. وبعد استدعاء الشرطة، اعتقلت رجلَين للاشتباه في ارتكابهما الجريمة. وقد أطلقَ القاضي سراحَ أحدهما صباحَ اليوم التالي. حيث قدَّمت بطاقةُ هويته، وحافظة البطاقات خاصته، وتفسيراته الخاصة، إقرارًا بأنه رجل فاضل وبريءٌ من السرقة. أما الآخر، وهو شاب، لم يكن محظوظًا جدًّا. ونظرًا إلى تخوفه من المراسِل والصحف، حسب قوله؛ ولكونه غيرَ راغب، حسبما أضافَ، في شعور أصدقائه المحترمين بالخزي؛ ولكونه متأكدًا أنه سيخسر وضعه الاجتماعي إذا اتضحَ أنه قضى أمسية في مثل هذا المجتمع السيئ السُّمعة، رفض ذِكر اسمِه وعنوانه. ولم يتمكَّن ضحية الشِّجار من التعرُّف على الشخص المتحفِّظ على أنه اللِّص، وكان على استعدادٍ للاعتراف بمعقولية عذره من أجل السرِّية؛ لكنَّ القاضيَ اعتقد أنه يتعين على الشرطة أن تُجرِيَ المزيد من التحرِّيات عنه قبل إطلاق سراحه. قال الرجل الخبير: «كان من الغريب جدًّا أن يحمل الشابُّ معه، في مثل هذا المكان، من الأوراق النقدية والذهب، نحوَ ٢٣ جنيهًا.» رغم مناشداته واعتراضاته، ورغم مظهر البراءة الجريحة الذي اتخَذه، ورغم أن الشرطة لم يكن لديها أيُّ شيء ضده إلا وجودَه في مكان السرقة وحيازته هذه الأموال، فقد وُضِعَ في الحبس الاحتياطي، من أجل إجراء مزيد من التحرِّيات عنه.
وقد زار الرقيب داوني مقر الاحتجاز، وسُمِحَ له برؤية السجين المتحفِّظ. وسأله الرقيبُ إذا كان اسمه ثينشانكس؟ فقال السجين: «كلا، ليس اسمي.» هزَّ الضابط رأسه دلالةً على الشكِّ في مصداقية هذا النفي وابتسمَ بسُخرية. ثم ذهبَ مباشرةً من مقر الاحتجاز إلى منزل السيد كراب. وبعد ذلك زار كِلاهما السجنَ المؤقَّت. وهناك تعرَّف التاجر على الفور على هُويةَ ذلك الشابِّ السجين الذي يبدو كلامه منطقيًّا، وأكدَّ أنه كاتِبُه الهارب. ومِن ثَمَّ تعرض السيد ثينشانكس، على الرغم من أنه متجهِّم ومتحفِّظ كما كان دائمًا، للإذلال والسَّحق عبر نظرة رهيبة من صاحِب عمله السابق.
نصحَ محامي السيد كراب موكِله، عندما استشاره لأول مرة، بعدم التفكير في الملاحقة القضائية. وقال إن هذه الخطوة غير مُرضية. وإذا أُلقي القبض على اللص، فإن القضية ستُكلِّف المدعيَ مبلغًا كبيرًا من المال، بالإضافة إلى خَسارته الحاليَّة، علاوة على كمٍّ كبير من المتاعب. ولا يمكن تركُ الادعاء في أيدي الشرطة. إذا كان الأمر كذلك، فإن الوغد سوف يُفلت على الأرجح، ومَن يدري؛ فقد ينقلب على السيد الطيب الذي سرَقه، ويرفع دعوى ضده بسبب السجن الظلم؟ ومن ناحيةٍ أخرى، إذا أجرى السيد كروك الملاحقةَ القضائية بقوةٍ ومهارة مناسبتَين، من أجل ضمان الإدانة، كما يستحقُّ الوغد، فسيتعيَّن على السيد كراب سداد فاتورة التكاليف؛ كما سيُضطرُّ إلى الذَّهاب لعدة أيام إلى محاكمِ مقاطعة ساري (التي كانت أجواؤها مضرة بالصحة)، وسوف يُعاني من عدم الراحة، ويفقد أعصابه، كما سيَفسُد هضمُه، أو ربما تسوء صحته، بالإضافة إلى فقدانه ماله. وقد انتقد السيد كراب قواعدَ الفقه الجنائي البريطاني وممارساته؛ لأنه لم يتحمَّل كلَّ تكاليف الملاحقات القضائية، والدفعَ للشهود بسخاءٍ مقابل وقتهم ومتاعبهم، ومنحَ مكافآت للرجال المخلِصين لسعيهم النشطِ من أجل تحقيق العدالة. ولكنه قال، بأيِّ ثمنٍ ضروري، وأي مضايقة أو إزعاج غير ضروري، هو مستعدٌّ للقيام بواجبه من خلال مطاردةِ هذا المزوِّر وصولًا إلى حبل المشنقة، حيث يجب أن يكون ذلك العقابُ مصيرَ هذا الجاني.
وعندما أُبلِغَ السيد كروك بأنَّ المجرم قد قُبِضَ عليه، ووجدَ معه ما يقرب من نصف قيمة الشيك، لم تَعُد اعتراضاتُ رجل المحاماة على الملاحقة واضحةً وحاسمة كما كانت. لكنه فقط قال لموكِله إنه يجب الآن محاكمة الجاني لضمان إدانته؛ وكان يعتقد، رغم أنه لم يَقُل ذلك، أن المبلغ الذي لم يُبدِّده السيد ثينشانكس سيكفي، بالإضافة إلى البدلات الضئيلة لوزارة الداخلية، لسداد تكلفة إدانته القضائية. ومن ناحيةٍ أخرى توسَّل السيدُ كراب، الذي تظاهَرَ بعميق الأسى تجاه خسة هذا الشابِّ الأحمق وحقارته، إلى السيد كروك كي يستخدم كلَّ مهاراته الشهيرة؛ من أجل العدالة الغاضبة، وفي الوقت نفسِه تمنَّى أن يكون مفهومًا أنه يرغب عند انتهاء المحاكمة أن يُبلِغ محامي المدعي كلًّا من القاضي وهيئةِ المحلِّفين والحاضرين والمراسِلين وقرَّاء الصحف والعالَم الخارجي بأَّن السيد كراب، طيبَ القلب وصاحِب عمل السجين، قد أوصاه بالرحمة.
وهكذا عُرِضَ جيمس ثينشانكس وَفْقًا للإجراءات المتبَعة أمام أحد قضاة ساوثوارك بشأن الاتهام الذي لم يُقبَض عليه بسببه، وأُسقطت التهمة التي قُبضَ عليه بسببها.
في الجلسة الأولى للسجين، كان السيد كراب ممثَّلًا بمحامٍ مبتدئ، مختص في القانون الجنائي لبلده. ولن يهتمَّ القارئ بالحصول على تقرير عن خطابه عندما أُخبرُه أنه لا يستحق الذِّكر. ويكفي عن هذا المشهد وأحداثه أن نقول إنَّ السيد سنيك المحامي المختص (الذي كان مبتدئًا في ذلك الوقت ولكنه أصبح خبيرًا الآن) لم يُكلِّف نفسه عَناء فحص لائحة الاتهام، واتخذ الاتهامَ مثلما وُصِفَ من قِبَل الشرطة، دون الاستفسار عن دقته. ومع ذلك، كان الدليلُ ضعيفًا للغاية، وغيرَ مكتملٍ على نحو صارخ. لم يكن الشيك في المحكمة؛ والعديد من العناصر الأساسية الأخرى للقضية لم تكن موجودة، ومِن ثَمَّ كان على السيد سنيك أن يطلب من المحكمة فقط وضعَ السجين في الحبس الاحتياطي. وبعد ذلك قُدِّمت حقيقة أو اثنتان غيرُ ذات أهمية كدليل، ووُضِعَ السجين، الذي لم يعترض، لمدة سبعة أيام في الحبس الاحتياطي. كان سيرضخ إلى الحبس الاحتياطي لمدَّة طويلة للغاية. وبقدر ما كان اللصُّ الغبي والوضيع يكره مقرَّ الاحتجاز، ونظامه الغذائي، وضوابطه، فإنَّه كان يخشى أكثرَ مما يُسمَّى «المحاكمة»، مع خاتمتها التي لا مفرَّ منها؛ وهي الإدانة. لقد جسَّدَ نوعًا أو درجةً من الراحة من فلسفة هاملت. كان يُفضل كثيرًا أن يتحمل المصاعب التي يعاني منها، بدلًا من الهروب إلى أخرى مُفزِّعة بسبب عدم اليقين الشديد منها. لم يكن قد وصلَ بعدُ إلى تلك المرحلة الأخرى من الفلسفة الإجرامية (التي وجدها الشرير المهذب ويليام روبيل، كما يُقال، في إسبانيا) التي تستمد عزاءها الوحيد من معرفة الأسوأ.
بعد الجلسة الأولى للسجين، ألمحَ السيد سنيك إلى السيد كروك عن اعتقاده بأنه من المستصوب جدًّا عقدُ جلسة تشاوُرٍ في أقرب وقت ممكن. لقد فهمَ السيدُ كروك، أو — لكي لا نمنحه مجاملة غير مستحَقة — رأى أنَّ هناك شيئًا ما وراء هذا الاقتراح. لذلك وافقَ على تلميح المحامي المختص بتلك الكلمة القوية «تشاور»، ومنحه شيئًا أكثرَ قوةً وهو مبلغ جنيهين.
ومِن ثَمَّ عُقِد اجتماع بين المحامي والمستشار القانوني في عصر ذلك اليوم في مكتب السيد سنيك. وحضره السيد كروك بنفسِه، ولم يكن هناك أيُّ شخص آخر. كان اجتماعًا سريًّا. لكني سآخذ حريتي في كشف النقاب، والسماح للقارئ بالدخول في هذه المشاورة. وسأطلب منه أن يُصغي، حتى لا يفوته أيُّ شيء من الحديث، ويُعيرني انتباهه الكامل، حتى يفهم ما يسمعه.
«سيد كروك.»
«نعم سيدي.»
«تفضَّل بالجلوس.»
«شكرًا لك يا سيدي.»
كانت هذه هي التحيةَ الشديدةَ الرسميةِ بين محامي الجنايات المفوَّه والمحامي المبتدئ الذي كان يسعى إلى الاستفادة على جميع الأصعدة. وقد قيل لي إنَّ هذا التعاليَ من جهة، والتواضع من جهة أخرى، هو الأسلوب شبهُ الثابت للتواصل بين الرُّتَب العليا والدنيا فنيًّا في مهنة المحاماة. يقال إنَّ الكثير من قوة المحامي يعتمد على الحفاظ على وضعٍ نسبي في مجال المحاماة.
بعد لحظة أو اثنتين من فُتور التعامُل، أضاعَ وعيُ السيد سنيك بالمعاملة اللائقة للمحامي ذلك الفتور، لذلك أصبح مهذبًا وأكثرَ توقيرًا تجاه أخيه الأقلِّ مكانة الذي يدفع له أتعابه.
قال سنيك ذو المكانة الأعلى: «كما ترى يا كروك، من المهم جدًّا تأطيرُ هذه التهمة ضد السجين بدقة، وأود أن أعرف الوقائع الفعلية للقضية — مثل تلك التي يُمكن إثباتها بالأدلة بالضبط — وهو ما لم يحدث بعد. هل سرَقَ السجينُ شيكًا مكتوبًا بالمبلغ، وكان بتوقيع سيده وبخط يد سيده، أم سرقَ الرجلُ شيكًا فارغًا، وحرَّره، ووقَّعَ عليه باسم سيده؟ إنَّ الفارق مهم للسجين نفسِه؛ لأن الحقائق المختلفة تُثبت جرائمَ مختلفة؛ لكن المدعي مشتبهٌ به، كما يبدو لي، في هذا الجزء من القضية أكثر من المتهم.»
تجرأ المحامي على القول: «عُذرًا يا سيدي، إذا قلتُ إنني لا أرى ذلك.»
أجابَ السيد سنيك: «أوه، من الواضح أنه إذا كان الشيك قد سُحِبَ من قِبَل المدعي — أي إذا كان عليه توقيعه لجعل مبلغ ٥٠ جنيهًا و٤ شلنات و١٫٥ قرش مستحقَّ الدفع إلى السادة كلوكورك وريجيد أو لحامله — وإذا كان شيكًا كاملًا وأصليًّا، فمن الواضح أن الخَسارة يجب أن يتحمَّلَها السيدُ كراب. فهو عمل من أعمال اختلاس شيك أو عائداته من قِبَل كاتِبه. لنفترض، من ناحية أخرى، أنَّ السجين قد سرقَ شيكًا فارغًا، ووقَّعه باسم سيده، فإن ذلك يُعَد تزويرًا؛ وعلى البنك أن يتحمل الخَسارة؛ لأنه ليس لديهم حقٌّ أو سلطةُ سداد قيمة شيكات مزورة.»
برقَت فكرةٌ في رأس المحامي كروك. لقد كان محاميًا خبيرًا بما يكفي ليرى النقطة القانونية عندما تشحذ رؤيته الثاقبة، وعندما تُعرَض النقطة أمامه. لقد أخبرَ السيد سنيك أنه لا يستطيع أن يقول بوضوح — حيث لم يتحقَّق تمامًا عن طريق الاستعانة بالمدعي — ما إذا كان الشيك قد سُرق وهو فارغ، أو بعد تحريره وتوقيعه. وسيتحرى الأمر في هذا الصدد، ثم يُبلغ السيد سنيك.
بعد ذلك أجرى المحامي كروك لقاءً مع موكِله، حاول فيه أن يشرح للمدعي الجانبَ القانوني للقضية قبل أن يتحرى حقيقة الأمر. لا أعرف ما قد يُفكر فيه القارئ بشأن هذا الترتيب للإجراءات. إذ يبدو لي أنه لم يكن منطقيًّا تمامًا، أو صحيحًا من الناحية الأخلاقية. كان الأمر أشبهَ بإعطاء السيد كراب تلميحًا حول كيفية تشكيل الوقائع على نحو معين، وإلقاء العبء أو الخسارة عن كتفَيه وتحميله للبنك. وإلى أن تُصبح نتيجة الإثبات القانوني هذه واضحةً بالفعل للمدعي، لا يمكن إقناعُه بإرهاق ذاكرته بشأن الحقائق.
قال السيدُ كروك: «كما ترى، إذا كنت بالفعل قد حرَّرتَ الشيك ووقَّعتَ عليه، وحدَث أنك تركته موضوعًا على مكتبك وخرجت لمدة ساعة أو ساعتين؛ أو افترِض، أنك بعد تحريره والتوقيع عليه، سلَّمتَه إلى ثينشانكس لإرساله إلى شركة كلوكوركس، هل نفترض أنه سرَقه أو صرفه دون إذن، واستولى على عائد الشيك لاستخدامه الخاص؟»
أجابَ السيد كراب: «حسنًا، افترض أنه فعل ذلك. إنَّ هذا هو ما قد فعله حقًّا، في رأيي.»
فأجابَ المحامي: «آمُل ألا يكون قد فعل ذلك.»
«تأمُل ألَّا يكون قد فعل ذلك! ما فائدة أمَلِك أنه لم يفعل؟ إن ذلك الحقير سيئٌ بما يكفي ليفعل أيَّ شيء.»
«لا شك أنه كذلك؛ لكن، كما ترى، إذا سرقَ شيكًا بعد توقيعك عليه، فلا يُمكننا القول إنه زوَّر توقيعَك، أليس كذلك؟»
«بلى، لن يمكننا ذلك؛ لكن ما الذي يُهم في ذلك؟ أليست سرقة شيك موقَّعٍ أمرًا سيئًا وغيرَ أخلاقي مثلما لو كان شيكًا غيرَ موقَّع؟ وإذا لم تكن تزويرًا، فهي سرقة، جناية، أليس كذلك؟»
«بلى، بلي، يا عزيزي السيد كراب. لكن يجب أن أتحدث بشكل أوضح، حسبما أرى. أريد أن أعرف مَن الذي سيتحمَّل خسارة المال؛ مبلغ ٥٠ جنيهًا.»
«عجبًا، أظن أنني مَن خسر المبلغ؛ بالطبع، أليس كذلك؟»
«لا أعرف. دعنا نرَ ما تشير إليه الحقائقُ وينصُّ عليه القانون. وآمُل أن أتمكَّنَ من إثبات أنه ليس موكِلي، ولكن البنك، هو مَن يجب أن يتحمل خَسارة المال.»
«أوه، لقد فهمتُ المعنى الضِّمني لكلامك؛ ولكن كيف نفعل ذلك؟»
«لنفترض أنك تركتَ دُرج مكتبك مفتوحًا — فقط افترض، كما تعلم، أنَّ هذا حدث — وأنك تركت دفتر الشيكات في متناول موظفك.» (هنا تنفَّس المحامي بعمق، ونظرَ بعين فاحصة إلى موكِله.) تابعَ المحامي: «لنفترض أنه أخذَ شيكًا فارغًا من الدفتر، وحرَّره، وقلَّد توقيعك تحت أمر الدفع، سيصبح هذا تزويرًا، كما تعلم.»
«أجل، أعلمُ ذلك.»
«عندئذٍ لن تُضطرَّ إلى تحمل خسارة المال. سيتحمَّلها البنك.»
«حقًّا؟»
«أجل؛ لأنه إذا صرفَ البنكُ شيكًا مزورًا، فإنه هو مَن يتحمَّل العواقب وليس أنت.»
أثارت هذه المعلومةُ الجديدة على السيد كراب دهشته.
«آه! فهمت. أجل. أتساءَل كيف حدث الأمر؟ في الواقع، يا سيد كروك، لا أستطيع أن أتذكَّر في هذه اللحظة كيف حدث ذلك. سوف أعصرُ ذاكرتي لأستحضر ما حدث. وأبلغكَ غدًا.»
أنهى الموكلُ والمحامي اجتماعَهما. وأرسلَ السيدُ كراب، عند عودته إلى المنزل، على الفور دفتر حسابه إلى البنك، كي يُراجعَ حساباته. وقد سُجِّلت الشيكات التي صُرِفت منذ آخر ترصيد لحسابه في دفتر الحساب، ومن بينها الشيك الذي صُرِفَ إلى «كلوكورك أو حامله»، ولم يُشطَب.
أيًّا كان الشخصُ الذي زوَّر توقيع السيد «جون كراب»، ليس هناك شكٌّ في أن التاريخ والمبلغ (بالكلمات والأرقام) قد كتبهما ثينشانكس. ومع ذلك، كان هذا أمرًا عاديًّا. إذ إن الكاتِب عادةً ما يكتب بيانات الشيكات كي يُوقِّعها صاحبُ عمله.
فكَّر السيدُ كراب طويلًا وبقلقٍ في هذا الشيك. وقارنَ التوقيع الموجود باسمه «جون كراب» مع التوقيع نفسِه على الشيكات الأخرى. هل راوده شكٌّ فيمَنْ كتبَ اسمه في أسفل هذا الشيك؟ كلا. هو يعرف أنه توقيعه. كان يفحصه فقط ليرى ما إذا كان بإمكانه إيجادُ عُذرٍ كافٍ ليقول إنه ليس توقيعَه. لكن الغريب أن التوقيع «جون كراب» على هذا الشيك لم يكن مطابقًا تمامًا للتوقيع على الشيكات الأخرى. كان هذا التوقيع ممتدًّا أو متراميَ الأطراف أكثر قليلًا من توقيعه المعتاد. كيف حدث ذلك؟ لقد تذكَّر جيدًا. هذا الشيك وُقِّع على عجَلٍ شديد. كان قد وعَدَ في اليوم الذي وقَّعه فيه — في فترة ما بعد الظهر — أن يصطحبَ زوجته العزيزة، السيدة كراب، إلى المسرح. وكان يُحاول إنهاءَ عمله بسرعة شديدة بعد ظهر ذلك اليوم. كان من الغريب أيضًا أنه نسي تظهير الشيك. حدث هذا الإهمال للسبب نفسِه. هل سيجرؤ على القول، عندما يؤدي اليمين، مع معرفته بكل عواقب الحِنْث باليمين، إنه لم يكتب «جون كراب» على ذلك الشيك؟ لِمَ لا؟ مَن سيُعارضه؟ مَن يستطيع فعل ذلك؟ فقط ثينشانكس. هل يمكنه فعل ذلك؟ أجل، يمكن أن يُعارضه من قفص الاتهام، لكن شهادته لا يُعتدُّ بها؛ كما أنَّ عدم تشابه التوقيع يُعد ضمانًا إضافيًّا ضد الضرر الذي يلحق بالمدعي من هذا الإنكار. كان (السيد كراب) رجلًا محترمًا. هل يمكن أن يُقسم على الكذب والافتراء دون خجل؟ إنَّه لم يكن خائفًا. أجل، يمكنه؛ وسيفعل. فهو لا يستطع تحمل خَسارة ٥٠ جنيهًا. إنها خسارة كبيرة له. لكن الأمر لن يُؤثر كثيرًا في بنك أندرتيلز. فهم أغنياء للغاية. ومِن ثَمَّ، كانت لديه الجرأة لكي يقول بأن التوقيع ليس توقيعَه، ويُخاطر باكتشاف أمره. لا أحدَ يستطيع تقديم دليلٍ قانوني على عكس ذلك؛ إن هذا أمر مؤكَّد للغاية.
في جلسة المحاكمة التالية، فتحَ السيدُ سنيك القضية كواحدةٍ من قضايا التزوير. وجادلَ المحامي المختصُ بأن السجين الماثِل في قفص الاتهام قد اغتنم الفرصة، في غفلةٍ مِن صاحب عمله، لأخذِ شيكٍ فارغ من دفتر الشيكات، وكتبَ الحاشية؛ وكتب بيانات الشيك (وهو أمر معتاد)، لكنه وقَّع أيضًا باسم سيده تحتَه؛ وهو تصرف لم يسمح به السيد كراب مطلقًا، ولم يفعله هذا الشابُّ من قبل، ولم يكن لديه أيُّ إذنٍ لفعله. وبالطبع لم يُظهِّر الشيك، مما يُظهِر تعمُّدَه في إساءة استخدام عائِد الشيك، حتى يتمكَّنَ من تبديد ذلك العائد في وكر الرذيلة الذي قُبِض عليه فيه. لقد كان (تابعَ السيد سنيك القول) عملًا بارعًا، وقد نجح على نحو جيد جدًّا، لدرجة أن صاحبَ عمله قد ظنَّ، مسترشدًا بحاشية الشيك، ودون تروٍّ، أنه قد وقَّع الشيك بيده؛ ولكن عندما نظر بعنايةٍ إلى التوقيع، أدركَ على الفور أنه على الرغم من التقليد البارع لتوقيعه، فإنه لم يكتب أبدًا اسم «جون كراب» عند توقيعِه. وبمقدور السيد سنيك أن يفهم جيدًا كيف يمكنُ حتى لموظَّف البنك، دون التوقف لمقارنةِ التوقيعات، قَبولُ صرف شيك مزوَّر؛ لكنَّ القاضيَ الموقَّر، أو أي شخص آخر، عند إجراء المقارنة بين الشيكات العديدة التي قدَّمها الآن للمقارنة مع الشيك المستحَق السداد إلى السادة كلوكورك، سيُلاحِظ أنه لا يحمل توقيعًا مشابهًا للتوقيع على الشيكات الأخرى. كما أنَّ موكِله المحترم للغاية سيُقسم على أنَّ التوقيع مزوَّر، وليس هناك شكٌّ في ذلك. لقد اكتملت القضية الآن، أو ستصبح مكتملة عندما يُقدم الأدلة التي لديه أمام عدالة المحكمة؛ وعليه أن يطلب إحالة السجين إلى الجلسات التالية لمحاكمته على التهمة التي ذكرها.
ودعمت الأدلةُ ما ادَّعاه محامي المدعي. أما السجين، الذي لم يكن مندهشًا ولو بقدر قليل من الخطأ الفادح غيرِ العادي لصاحب عمله، مثلما كان يعتقد، فلم يرَ هدفًا من شرح موقف القضية بالفعل. فإذا كان بإمكانه التخلصُ من إثبات التزوير المزعوم — بخصوص توقيع «جون كراب» — فهو لا يُمكنه أن يأمُلَ في تبرئة ساحته من التهمة الأخرى. ورأى أنه يمكن إثباتُ سرقة الشيك وعائدِه. ولم يكن يعرف هدفَ صاحب عمله من القسَم على أن التوقيع لم يكن بخطِّ يده، ولو كان يعلم الهدف، فلربما أخبرَته السُّلطة نفسُها أنَّ غرضه لن يتحقَّق بشكل فعال من خلال محاولة كشف احتيال صاحب عمله ونذالته.
سيعلم القارئ المسارَ الذي اتخذَته هذه القضية اللافتة للغاية.
نشرت الصحفُ أمر إحالة السجين. وهكذا علمَت عائلته، التي لم يكن قد اتصل بها، بموقفه. ومِن ثَمَّ جاءوا لزيارته. ووكَّلوا له محاميًا سأسميه شارك.
أجرى السيد شارك — وهو رجلٌ مرموق في الجهة الأخرى من العاصمة، كان يشتهر بالمهارة والكفاءة العالية في مِهْنة المحاماة — مقابلاتٍ خاصةً مع الجاني في سجنه المؤقت. وطلبَ السيدُ شارك من موكِله أن يوليَه ثقته؛ وأنه يجب أن يعرف الحقيقة كاملة؛ كي يتمكنَ من مساعدته، وما إلى ذلك.
كان الموكِل التعيس في غاية الصراحة مثلما أراد المحامي. وقد أقرَّ بالذنب في هذا التحقيق؛ ليس بتهمة التزوير، ولكن بالجريمة الأخرى. إذ أصرَّ على أن التوقيع باسم «جون كراب» كان مكتوبًا بخط يد صاحب عمله، على عجَل، كما هو موضَّح، وأن عدم تظهير الشيك تسبَّب في إغراء الكاتِب. لقد رأى أنه من خلال اعتراض مسار الشيك من شركة كراب إلى شركة كلوكورك، وتقديمه إلى بنك أندرتيلز بنفسه، يُمكنه بسهولة الحصولُ على مبلغ ٥٠ جنيهًا و٤ شلنات و١٫٥ قرش. وقرَّر القيامَ بذلك تحت إغراء دافعٍ شرِّير، وكان لديه من الحماقة والإثم ما يكفي للانصياع وراء هذا الدافع والرضوخ له.
وأعلنَ الشابُّ البائس أنه لم يرتكب أيَّ جريمة تمسُّ الشرف من قبل. وأقسمَ بكل إخلاص إنَّ هذه هي جريمته الأولى. لقد نُسِفت مسيرته المهنية بأكملها جراءَ الاستسلام لإغراءٍ واحد. كما سردَ على مسامع مستشاره القانوني اللامبالي قصةَ بؤسه منذ اللحظةِ التي أمسكَ فيها أمواله غيرَ المشروعة. وقال إنه قاسى عذابَ الندم. ولم يشعر براحةٍ قط بعدها بسبب تأنيب الضمير، حتى قُبِضَ عليه، فشعَر ببعض الارتياح. وكان قد قرَّر عدة مرات أن يستجديَ رحمة صاحب عمله السابق؛ لكن القسوة الوحشية التي تتَّسم بها شخصيةُ ذلك الرجل جعلَته يتردَّد كثيرًا في اتخاذ هذا القرار السليم.
أدركَ السيدُ شارك في الحال، وكادَ أن يُعجَب، ببراعةٍ الحيلةَ التي اتبعَها المدعي لإلقاء خَسارة المال على عاتِق البنك. ولم يعتقد أنه من الضروريِّ إطلاعُ موكِله على هذا الأمر، وجعله يظن أن أدلة السيد كراب تنطوي على خطأ عرَضيٍّ في الوقائع. وقال لنفسه إنه ليس من مهامِّه أن يتدخل بين المدعي والبنك الخاصِّ به. كما لم يكن لدى السجين أيُّ شيء يَكسِبُه من إنكار التزوير؛ ومن المؤكَّد أن أحدًا لن يُصدِّقه.
ومِن ثَمَّ رأى هذا المحامي الجنائيُّ المحنك فائدةً واحدة فقط يمكنه جَنيُّها عبر ما أفضى به موكِله. التهديدُ باستبانة وتوضيح من جهة، والوعدُ بالصمت من جهة أخرى، قد يحظَيان بتوصية قوية بالعفو من المدعي.
ومِن ثَمَّ زارَ السيدُ شارك مكتب السيد كروك. ويمكن تخمين ما دار في المقابلة من خلال النتيجة. حيث كرَّر السيدُ سنيك في المحاكمة الكلامَ الذي قدَّمتُ موجزًا له، وأضافَ أن المدعيَ، الذي كان مقتنعًا بأن هذه هي الجريمة الأولى للسجين، مهتمٌّ أيضًا بأن تُتاح له فرصة استعادة أهليته المفقودة؛ ولذا أوعز إلى محاميه بأن يلتمس العفوَ له من عدالة المحكمة.
ثم أُثبِتت الوقائع، وجرى القسَم على شيء أكثر من الوقائع. فوجدت هيئة المحلِّفين أن السجين مُدان. وبعد أن وافقَ القاضي على التوصية الكريمة — على حَدِّ تعبيره — من جانب المدعي، حَكمَ على الجاني بالسجن أربع سنوات مع الأشغال الشاقة.
ومنحَ البنكُ السيدَ كراب مبلغَ الشيك المسروق، الذي أُعلِن عن تزويره بحكم باتٍّ من محكمة جنائية.
•••
أمضى الكاتِبُ غير الأمين ما يُقارب ١٢ شهرًا من أصل أربع سنوات من العقوبة المشدَّدة الموقَّعة عليه في صبرٍ وندم دون شكوى. وقد شهدَ له السجَّانون والمأمور والقسُّ بحُسن السير والسلوك. وقد حظي بمعاملة جيدة داخل السجن بما يتوافق مع النظام المتبَع هناك. وكان من المرجح أن يحصل على عفوٍ عن بقية مدة العقوبة بفضل حُسن سيره وسلوكه.
وفي مساء أحدِ الأيام، وسط الأفكار الهادئة التي تولَّدت عن العُزلة، طرأت على ذهنه فكرة أنه يجب ألا يسمح بأن يمرَّ خطأ السيد كراب بخصوص توقيعه الخاصِّ دون عقاب. إنَّ قول الحقيقة، حسبما يعتقد دائمًا، هو أمرٌ مرغوب فيه؛ إذا لم يكن هناك سببٌ خاص أو غيره، فليكن من أجل الوصول إلى الحقيقة المجردة. ومن أجل صالحه هو شخصيًّا، ألم يكن من المرغوب فيه الكشفُ عن الوقائع الفعلية؟ لماذا يُعاني تحت وطأة جريمة أعمقَ مما هو مذنِبٌ بسببها؟ ولذا، قرَّر التحدُّث إلى القس حول هذا الموضوع. وقد فعل ذلك. ومِن ثَمَّ رأى القس أنه مُحِق في رغبته في تقديم هذه التوضيحات. حيث قال السيد الموقَّر، بطيبةِ قلبه، إنه سيكتب إلى السيد كراب، ومِن ثَمَّ يسعى إلى تخفيف عبء تحامُل هذا الرجل على نفسه، وربما يحصل على توقيعه على مذكرة نيابةً عن كاتِبه السابق. وحكى القسُّ قصةَ هذا الشخص المدان للمأمور. فأدرك المأمورُ على الفور، أو اشتبه، في وجود شيءٍ ما في دليل السيد كراب، على الرغم من أنه لم يستطع تحديده على وجه الدقة. وكان صِهْر المأمور، الذي يعمل محاميًا، في زيارةٍ آنذاك لمنزله مدتها يومان. فكرَّر القس والمأمور على مسامع المحامي القصة كاملةً. فأدركَ في مخيلته عملية الاحتيال الناجحةَ على الفور. وبناءً على ذلك، أُخطِرت السلطات المختصة بتلك الوقائع، فوجَّهَت بإبلاغ الوقائع إلى بنك أندرتيلز.
ومِن ثَمَّ استشارَ رئيسُ البنك الذي تعرَّضَ للاحتيال في مبلغ ٥٠ جنيهًا و٤ شلنات و١٫٥ قرش محامِي البنك، فأبلغوه أنه بموجب قانون الأدلة الجديد، يمكن استخدام شهادة ثينشانكس في مقاضاة السيد كراب، الذي أوصَوا به كعمل من أعمال العدالة البسيطة، ولصالح المجتمع المصرفي. لكن شريك السيد أندرتيلز كان رجلًا كريمًا حقًّا. إذ لم يوافق على تدمير تاجِر محترم، مما أدى إلى تردُّد البنك في اتخاذ القرار. فاستشارَ رئيسُ بنك أندرتيلز المحامينَ مرة أخرى حول هذا الموضوع، فأشاروا بضرورة مقاضاة البنك لهذا الرجل.
كان هناك بعضُ الصعوبات بشأن هذه القضية. فقد لا يُعتدُّ بدليل المُدان. إذ قد يدفع السيدُ سنيك، أو أيًّا كان المحامي الذي سيوكله السيدُ كراب للدفاع عنه، بأنَّ المذنبَ المُدان قد اختلقَ هذه القصة، في عُزلة سجنه، من أجل إرضاء شعور الانتقام من صاحب عمله الذي، على الرغم من أنه حصلَ على حكمٍ ضده بالإدانة تحت ضغطٍ من واجبه، التمسَ له العفوَ من عدالة المحكمة. ومع ذلك كانت هناك بعضُ الحقائق الداعِمة التي يمكن عرضُها على هيئة المحلَّفين. حيث قد يشهد الخبراءُ أنَّ التوقيع لم يكن مزورًا. وقد يحلف المذنبُ المُدان اليمينَ أمام المحكمة على تعجُّل السيد كراب وقتَ توقيعه على الشيك؛ ويمكن إثباتُ زيارته للمسرح، التي تسبَّبت في ذلك. كما يمكن الدفع بوجود دافعٍ وهو رغبته في تحميل الخسارة للبنك.
سارت المناقشاتُ والمداولاتُ في مكتب المحاسبة في لومبارد ستريت في الاتجاه نفسه الذي سارت فيه في مكتب المحامين. ومِن ثَمَّ تقرَّر مقاضاةُ السيد كراب، على أمل إدانته لصالح المجتمع.
في غضون ساعاتٍ قليلة من الاستقرار على هذا الرأي، هربَ السيدُ كراب من منزله، ولم يُسمَع عنه قط بعد ذلك. ولكن عُثِر على جسد رجلٍ يُشبهه بعد ١٠ أيام جرفته المياه إلى الشاطئ في باركينج كريك.
وأظنُ أنَّ شريك السادة أندرتيلز مدفوعًا بكَرمه المفرط قد حذَّر الوغد من الخطر المحدِق به، وأنه هربَ نتيجةً لذلك، وأنه، لخوفه من القبض عليه والعار والعقاب، قد انتحرَ غرقًا.
هل يرغبُ القارئ في أن أُجيب عن السؤال المطروح في مقدمة هذه القصة؟ إنَّه مرحَّب به في رأيي إذا رغبَ، وله الحرية في الاختلاف معي إذا لم تُرضِه الإجابة. أعتقد أنَّ السيد كراب كان أسوأَ من كاتِبه. وأنَّ السيد كروك كان مجرمًا أعتى من أيٍّ منهما؛ لكنني أعتبرُ أن أكثرهم حقارةً كان السيد سنيك.