المفاجآت تتوالى!
كان «بل موري» يجلس وحده إلى منضدة مُزدحِمة بالكثير من المأكولات، وكأنه قد دعا مجموعة للعشاء، ورغم أنَّ برنامج المَلهى كان حافلًا بالأغاني، والاستعراضات إلا أنَّ الشياطين، كانت مُتعتهم الحقيقية هي مُشاهدة «بل موري».
إنَّ هذا الرَّجل، يُمثل بالنِّسبة لهم مغامرتهم كلها، وها هو لا يَبعد عنهم كثيرًا، إلا أنَّ أحدًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا، في نفس الوقت كانوا يُراقبون «ريما» وهي تنتقل من مكان إلى مكان تُلبي طلبات الزَّبائن، وكأنَّها تعمل في الملهى منذ وقتٍ طويل …
قال «قيس»: لولا أنني أعرف «ريما» جيدًا، لقلتُ إنها عاملة في الملهى! …
ابتسم الشياطين … لكن فجأة، علت الدهشة وجوههم؛ لقد كانت «ريما» تقف عند منْضدة «بل موري» فقال «باسم»: يبدو أنَّ رؤية «أحمد» سوف تتحقَّق، وسوف تكون «ريما» هي الطريق إلى «بل موري»!
كانت أعينهم تتركز عليه، وهو لا يدري، وكانت «ريما» لا تزال واقفة هناك، تَضحك، فَكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال «أحمد»: إنها يمكن أن ترتكب خطأً قاتلًا!
نظر له الشياطين في استفهام، فقال: ينبغي ألا تقف طويلًا عنده، فزبائن المحل، كلُّهم يحتاجونها، صحيح أنها مُخصَّصة للقسم الذي يجلس فيه، لكن هذا لا ينفي أنها يجب أن ترى الآخرين، خصوصًا وأنَّ أكثر من واحد يُشير إليها!
في سُرعة ترك «أحمد» مكانه واختفى، بعد دقائق، كان أحد موظفي الملهى، يقترب منها ويهمس لها بكلمات ثم يَنصرِف، ابتسمت «ريما» ﻟ «بل موري»، ثم انحنت انحناءة سريعة، وتبعت الموظف.
كان الشياطين يراقبون ذلك، وقال «خالد»: لا بدَّ أنَّ «أحمد» قد تصرَّف تصرفًا ما …
بعد دقائق، عاد «أحمد» وكان يبدو مُبتسمًا، انضمَّ إلى الشياطين، الذين تابعوه باهتمام وهو يقول: الآن سوف يكون كل شيء على ما يراه! …
شرح لهم ما فعله، فقد غادَر الملهى، ومن أقرب تليفون طلب «الآنسة جولي»، ثم تحدَّث إليها، ليلفت نظرها إلى ما حدث، ابتسم الشياطين لهذا التصرف الذكي، في النِّهاية قال: لقد قالت إنَّ «بل موري» قد عرض عليها عرضًا! …
قال «باسم» بسرعة: وما هو هذا العرض؟ …
أجاب «أحمد»: لم تذكر، فليس كل شيء يُمكن أن يُقال في التليفون! …
كان الوقتُ يمرُّ بسُرعة، وسط هذا المكان الصاخب، فجأة، رأى الشياطين «بل موري» يَنصرِف، غير أنَّ شيئًا لفَت نظر الشياطين، لقد كان هناك رجلان يَسيران خلفَه.
عندئذ همَس «أحمد»: يبدو أنهما حرسُه الخاص …
اختفى «بل موري»، وخلفه الحارسان، فقال «قيس» ينبغي أن يُسرع أحدنا خلفه …
قال أحمد: سوف أتبعه!
وعندما بدأ يتحرَّك، كانت «ريما» قد اقتربت بسُرعة وهمست: لا داعي لمُتابعته، إنَّ الأمور تسير في صالحنا … وتركتْهم وانصرفت.
كان الشياطين يُفكرون في كلماتها، وفي انصراف «بل موري» دون أن يتبعه أحد منهم، غير أنهم ظلوا يتابعون «ريما» في تحرُّكاتها.
ثمَّ نظر «أحمد» في ساعته، وعلت الدَّهشة وجهه؛ فقد كانت تقترب من الرَّابعة صباحًا، ومن بعيد أشارت «ريما» لهم، فبدءوا يتحرَّكون، ثم أخذوا طريقهم إلى الخارج.
إلا أن «أحمد» همس: سوف أتبعكم بعد أن أشكر السيد «داني».
استمرَّ الشياطين في طريقهم، بينما اتجه «أحمد» إلى مكتب «داني».
فجأةً ابتسم الرجل وقال: أرجو أن أراكم غدًا؛ فالآنسة «جولي» سوف تعمل معنا وقتًا آخر! …
برغم أنَّ «أحمد» ملأتْه الدَّهشة، إلا أنَّه ابتسم وهو يُكرِّر شُكرَه مرَّة أخرى، ثم انصرف. أسرع إلى الخارج وهو يَستعيد كلمات «داني»: الآنسة «جولي» سوف تعمل معنا وقتًا آخر! … قال لنفسه: لا بد أنَّ هناك شيئًا جديدًا! …
غادر الملهى، وألقى نظرةً على الشارع، يبحث عن سيارة الشياطين، وكانت السيَّارة تقف في ركن من الشارع.
أخذ طريقه إليها، وهو يتحقَّق عمَّن بداخلها، كان يُريد أن يعرف قبل أن يصل إلى هناك إن كانت «ريما» معهم أم لا، لكن الظلام كان يلف السيارة، خَطا بسرعة أكبر لكنَّه فجأة سمع صوت حذاء يدقُّ على الأرض، أسقط شيئًا كان في يده حتى يُعطي لنفسه الفُرصة ليرى، وبسرعة ألقى نظرة سريعة، فرأى «ريما» تُسرع في اتجاهه. التقط الشيء الذي أسقطه ووقف، وكانت قد وصلت إليه …
قال مُبتسمًا: أهلًا بالآنسة «جوليا»!
إلا أنَّ «ريما» لم تردَّ، واستمرت في طريقها بعد أن ألقت ورقة صغيرة بجواره، أسرع يلتقط الورقة، وقد علتِ الدَّهشة وجهه، وكان يُفكر: ماذا حدث …؟
لم يفتح الورقة مُباشرة؛ فقد فهم أنَّ هناك من يتبع «ريما». في نفس الوقت، كانت عيناه ترقب باب الملهى ورأى المفاجأة، كان «بل موري» يخرج من الباب، وخلفه الحارسان، أيقن أن في الأمر شيئًا … أخذ طريقه إلى السيَّارة، لكنه رأى «ريما» لا تزال تمشي في الشارع، ثم تقف على الرصيف الآخر، لحظة، ثم أشارت إلى تاكسي فتوقَّف لها، ركبته، فانطلق.
وصل إلى حيث تقف سيارة الشياطين، في نفس الوقت الذي مرقَت بجواره سيارة مرسيدس سوداء، استطاع أن يرى بداخلها «بل موري»، وخلف السيارة كانت سيارة شيفروليه بيضاء تنطلق خلفها وبداخلها الحارسان. فكر بسرعة هل يتبع «بل موري» … التاكسي الذي ركبته «ريما»؟
أسرع إلى السيَّارة فقفز داخلها بسرعة وهو يقول: اتبع سيارة «بل موري»! …
انطلق «خالد» ﺑ «الكاديلاك» البُنية اللون. لم يكن الشياطين يفهمون شيئًا. فتح «أحمد» الورقة وقرأ بسرعة: انتظروا رسالة منِّي!
كانت السيارة الشيفروليه البيضاء تظهر أمامهم من بعيد، فظلَّ «خالد» مُحافظًا على المسافة بين السيَّارتين حتى لا يلفت النظر.
عندئذ قال «قيس» بعد أنْ عرف مضمون الرِّسالة: لا بُدَّ أنَّ شيئًا هامًّا قد حدث.
أضاف «باسم»: أظن أنَّ «ريما» لا تُريد أن يعرف «بل موري» أنها معنا …
قال «خالد»: هذا صحيح …
مرت دقائق صامتة، ثم قال «أحمد»: أعتقد أن «ريما» قد بدأت خطة جيدة …
كانت الشَّوارع خالية تمامًا، حتى إنَّ السيارات كانت تنطلق بسرعة، غير أنَّ شيئًا لفت أنظار الشياطين، إنهم كانوا يتَّجهون إلى فندق «جورج واشنطن».
ولذلك تساءل «باسم»: هل ينزل «بل موري» في نفس الفندق، أو أنه يتابع «ريما»؟ …
قال «قيس»: إنَّ التاكسي الذي ركبته «ريما» قد اختفى، ولا يظهر أمامنا سوى سيارة الحارسين، وأمامهما سيارة «بل موري»!
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى كانت سيارة «بل موري» تقف، ثم ينزلُ منها مُتَّجِهًا إلى الفندق، في نفس الوقت الذي نزل فيه أحد الحارسين، وركب سيارة «بل موري» ثم اتجه بها إلى مكان وقوف السيارات في ساحة الفندق، ومعه كانت سيارة الحراسة أيضًا، وبشكل طبيعي نزل الشياطين، واتجه «خالد» إلى نفس الساحة، حيث أوقف السيارة. دخل الشياطين الفندق، لكنهم لم يروا «بل موري». أسرعوا إلى حجراتهم، وفي حجرة «أحمد» عقدوا اجتماعًا سريعًا.
بدأ «باسم» الكلام، فقال: إننا الآن أمام مسألة غامضة …!
فجأة، دقَّ جهاز الاستقبال، فقال «خالد»: ربما تكون «ريما»! …
أسرع «أحمد» إلى الجهاز، وبدأ يتلقى الرِّسالة، كانت «ريما» هي التي تُرسلها، كانت رسالة شفرية، إلا أنَّ «أحمد» كان يُترجمها مباشرة، كانت تقول: إنني في فندق «ماديسون»، «بل موري» ينزل في «جورج واشنطن»، الغرفة ١٠١٨. موعدنا الواحدة، ميدان الحرية! …
عندما انتهت الرسالة نقلها «أحمد» إلى الشياطين، وبسرعة قال «خالد»: إنه ينزل في الطابق التالي لنا!
مرَّت لحظة سريعة، قال «أحمد» بعدها: بل إنه ينزل في الحجرة التي فوقنا مباشرة.
أخرج سمَّاعة صغيرة من الكاوتشوك، ثم قذف بها بقوة إلى السقف، فالتصقَت به، بعد قليل بدءوا يتسمَّعون إلى كل ما يدور في حجرة «بل موري»، كانت أقدامه في الحجرة تبدو واضحة تمامًا. فجأةً، انبعثت موسيقى وبدأ صوت يغني، كان هو نفسه صوت «بل موري»، مرَّت دقائق، والشياطين يتابعون الأصوات التي تنقلها السماعة الكاوتشوك، دق جرس التليفون، ثم بدأ صوت «بل موري» يتحدث: نعم، لا بأس، عندما أصحو من النوم، هناك موعد في الرابعة بشأن صفقة الماس … لا، قد نظلُّ لعدة أيام أخرى، أذكر، صفقة الفيلَّا في «هونولولو»، نعم، إلى اللقاء! …
وضعت السماعة، وارتفعت الموسيقى من جديد.
همس «باسم»: يبدو أنه وحده في الحجرة …
قال «أحمد»: المهم هو صفقة الماس، إنها يمكن أن تكون ضربتنا القادمة، بل يُمكن أن تكون نهاية المغامرة! …
قال «خالد»: أو «فيلَّا هونولولو»، إنها هي الأخرى، يمكن أن تكون ضربتنا، إنَّ المُهم، هو موعد إتمام الصفقة؛ فهو الذي سيُحدد لنا ضربتنا … صمت الشياطين قليلًا، الآن، قد تحدَّدت الخطوات.
فجأة قال «أحمد»: ينبغي أن نرتاح الليلة؛ فقد سهرنا طويلًا، وغدًا سوف تظهر أشياء عندما نلتقي ﺑ «ريما» في ميدان الحرية.
انصرف الشياطين إلى حجراتهم، ظلَّ «أحمد» مُسْتيقظًا لبعض الوقت، كان لا يزال يُحاول أن يَستمع لحركة «بل موري» في حجرته، لكن بعد دقائق صمت كل شيء، فعرف أنَّ «بل موري» قد نام، حاول ألا يُفكِّر في شيء، واستلقى على السرير، غير أنه كان مُتيقظًا تمامًا … أجرى بعض التمارين النفسية، حتى يدفع نفسه للنوم، ولم تمضِ دقائق إلا وكان قد استغرق فيه تمامًا، غير أنَّه استيقظ على رنين تليفون. مدَّ يده، وكان لا يزال مغمض العينين، ورفع السماعة، وقربها من أذنيه، لكنه لم يسمع منها شيئًا.
مرت لحظة، ثم جاءه صوت: هل تحتاج شيئًا يا سيدي، علتِ الدهشة وجهه، لكنه أدرك بسرعة، أنَّ عامل تليفون الفندق، هو الذي يتحدث، نظر في ساعة يده بسرعة، وكانت تُشير إلى الحادية عشرة، قال «أحمد» هل أطمع في فنجان شاي؟ … بعد لحظة ردَّ صوت على الطرف الآخر: ماذا تطلب يا سيدي؟ …
ردَّ «أحمد»: فجنان شاي! … ووضعت السماعة في الطرف الآخر.
ظلَّ شاردًا لحظة، ثم رفع سَمَّاعة التليفون مرة أخرى، وتحدث إلى «قيس» الذي قال: نحن في الطريق إليك.
وقبل أن يضع السماعة، كان جرس آخر يرن، فعرف أنه عند «بل موري» فأنصت باهتمام، مرَّت لحظة، والتليفون يرنُّ باستمرار، ثم فجأة، جاء صوت «بل موري» الذي كان النوم يملؤه: هاللو، أوه نعم، أعرف أعرف، لا يزال الوقت مبكرًا، بعد نصف ساعة، في «الهوليداي ان» … سوف أنزل حالًا …
ووضعت السماعة.
فكر «أحمد» قليلًا: سوف ينزل «بل موري» الآن رُبَّما يكون موعده هذا هو موعد صفقة الماس، توقف لحظة، ثم قال في نفسه: إنَّ الموعد في الرابعة، وقد يكون هذا موعدًا آخر!
لم ينتظر، قفز بسرعة، ودخل الحمام، في نفس اللحظة التي وصل فيها الشياطين، وما إن أغلقوا الباب، حتى نادى «قيس»: أين أنت؟ …
بعد لحظات دقَّ الباب فأسرع إليه، كان الجرسون يحمل الشاي، أخذه منه، ثم أغلق الباب، ظهر «أحمد» وهو لا يزال يجفِّف وجهه.
رن جرس التليفون، ورفع «باسم» السماعة، ثم قال «ريما» تتحدَّث! …
ظل يستمع إليها، وعندما وضع السماعة، قال: إنَّ «ريما» سوف تتجه الآن، إلى ميدان الحرية!
نظر «خالد» في ساعة يده، ثم قال: لا يزال الوقت مبكرًا.
قال «أحمد»: لا بأس، أقترح أن ينصرف «باسم» و«خالد» لمُقابلة «ريما»، وسوف يبقى «قيس» معي! ثم شرح لهم تلك المُحَادثة التي سَمِعَها من خلال السَّماعة.
فجأة، سكت، كانت خطوات «بل موري» تأتيهم واضحة، لحظة، ثم أغلق الباب.
قال «أحمد» بسُرعة: لا بد أن نتصرَّف الآن!
أسرع «باسم» و«خالد» إلى الخارج، في نفس الوقت الذي كان «أحمد» يرتدي فيه ثيابه، وقبل أن ينصرف، أوصل سلكًا رفيعًا بجهاز تسجيل دقيق بالسماعة في السقف، ثم أغلق الباب، وخرج وخلفه «قيس». وعندما كانا يخرجان من باب الفندق، كانت سيارة «بل موري» تتحرك، وهو يجلس بداخلها، وخلفها سيارة الحراسة الخاصة، أسرعا إلى سيارة الشياطين إلا أنها لم تكن موجودة؛ فقد ركبها «خالد» و«باسم»، وقفا لحظة يرقبان سيارة «بل موري» التي كانت قد اختفت.
قال «قيس»: إلى ميدان «الحرية» إذن.
وبسرعة استقلا تاكسيًا إلى هناك، كان التاكسي، يمشي بسرعة، حتى وصلا إلى الميدان، لكنهما لم يكونا يعرفان أين اللقاء بالضبط، غير أنَّ «قيس» صاح فجأة: سيارة الشياطين، تُوقف التاكسي، فنزلا.
كان هناك مقهًى صغير، على جانب الميدان، توجه إليه، وألقى «أحمد» نظرة سريعة داخله فرأى الشياطين وعندنا همَّ بالدخول، كان «قيس» يجذبه من يده فالتفت إليه، ونظر إلى نفس الاتجاه الذي كان «قيس» يُشير إليه، وكانت المفاجأة، سيَّارة «بل موري» وخلفها سيارة الحراسة.