٧

جاءني صوتها عبر التليفون. أعرفه: النبرة الرائقة، وإن سرى فيها ما يشبه مغالبة النوم.

كنت قد اتخذت قراري — في اللحظة نفسها — أن أرفع سماعة التليفون، وأكلمها. هي تعرف ماذا حدث، وكيف احتل أحمد أنيس مقعدي، تعرف كل شيء. لماذا لا أقفز على الملابسات وأكلمها؟ لا أريد استمرار ما كان، فهو لم يبدأ، ولا بد أن ينتهي بإرادة أحمد أنيس. مجرد التصور أني قد أعرف منها ما لا أعرفه، الأوراق التي ربما حرص أحمد أنيس على إخفائها.

– أنا شهبون.

– واضح.

– فهم أم سخرية؟

دنوت بالسماعة من فمي، وقاومت الارتباك: هل تأتين إلى شقة الدقي؟

هي ما نصح به أحمد أنيس: إذا امتلكنا شقة، فلن تعاني الحرج في لقاءاتكما.

غاظتني الجدية في نبرتها: أخشى من أفكارك الخبيثة؟

علا صوتي: لست غريبة عن الشقة.

– الظروف الآن تختلف.

أهملت المشاعر المتناقضة في داخلي: هل نلتقي في جروبي أو في لوبي شيراتون الجزيرة؟

أتت الكلمات متثاقلة: خمس دقائق فقط. مشاغلي كثيرة.

داخلني غيظ — ولعله غضب — من لهجتها الآمرة، كأن أحمد أنيس قد أحسن تعليمها. تخلصت منه، لم يعد في حياتي.

هل أتخلص منها؟

في المرة التالية، ظل رنين التليفون، ثم توقف. تكرر الأمر، فعرَفت أنها ترفض استقبال مكالماتي، يظهر الرقم، فلا تحاول رفع السماعة حتى ينقطع الاتصال.

أغلقت السماعة، وشعور يتملكني أني لن ألتقيها ثانية.

•••

جذب أحمد أنيس حنان من ساعدها، فأوقفها عن الرقص: أنت ترقصين بخصرك، الرقص بالجسد كله.

تصورت أن ملامسة ساقها (حنان) لساقي مصادفة، لكنني أدركت المعنى الذي لم أفهمه بمداعبة إصبع قدمها. تسللت نظرتي أسفل الطاولة، تبينت أنها نزعت الحذاء بما يحدد المعنى. ظللت ساكنًا في جلستي، أعاني الارتباك، والخوف من أن يلحظ أحد ما يجري تحت الطاولة: المداعبة، والجرأة، والاقتحام.

لاحظت أنها تحرص على إغوائي في كل كلمة وتصرف وإيماءة، حتى الثياب تختار ما يلفت انتباهي، تتأمل — بنظراتها المتسائلة — تأثيرات ما تفعل على ملامحي. يطل من عينيها غُنج، أشعر بنشوة لملامسة ساقي ساقها المدملجة، مداعبة قدمها لقدمي، لكنني تظاهرت بالهدوء، وواصلت الكلام.

خايلت عيني، شغلت تفكيري في أثناء العمل، لا أستطيع التركيز في أي تقارير أو مذكرات، أتركها لأحمد أنيس، يقرؤها جيدًا، ثم يبدي رأيه.

هل أحببتها؟ هل تحولت العَلاقة — التي تصورت أنها طارئة — إلى حب، يشغلني إن كان سيتاح له الاستمرار، أم أن نهايته في انعطافة الطريق؟

•••

قال أحمد أنيس: أي المنشطات تتعاطاها؟

أربكني السؤال. قلت: لا أتعاطى مكيفات من أي نوع!

– تريد أن توهمني بفتوتك …

ومد يده في راحتي بحبة صغيرة: إذا شعرت بفائدتها، فسأهبك جرعات كاملة.

غمز بعينه، وأردف: الفياجرا ألغت تقدم السن، ابن الأربعين يضيف خبرته إلى عافية ابن العشرين.

قاومت الغضب: لم أبلغ بعدُ مرحلة الاحتياج إلى اختراعاتك.

ورمقته بنظرة مستنكرة: أنا لا أفكر في تعاطي الفياجرا.

ساءتني اللهفة التي قدم بها عرضه، مثلما ساءني العرض نفسه.

لم يكن يأذن لنفسه أن يجاوز حياتي داخل المكتب وما حوله، البيت، إجلال وحازم، حياتي الشخصية التي لا يقترب منها. ما حدث هذه المرة هو اقتحامٌ صعِد بالسخونة إلى أذني.

عرَف الكثير من أسراري الشخصية، لكنني حرصت أن أبعده عن أسرار أسرتي. ربما كان لإجلال دورها في أن تنتهي خطواته عند باب الفيلَّا، لم تكن تخفي كراهيتها له، وكان يدرك هذه الكراهية.

لماذا يتصور أني أعاني ارتباكًا في حياتي الجنسية؟

لم تكن العَلاقات الجنسية — في أوضاع أتصورها — تترك ذهني معظم الأوقات. إذا تحدثت إلى فتاة، أو امرأة، حلا لي أن أجردها — بخيالي — من ثيابها. ربما أطلت التفكير في عَلاقة ما، مع فتاة أرسم ملامحها من ممثلة، أو راقصة، أو امرأة رأيتها في الشارع. أعتز بقدرتي على الانتصاب، حتى بعد أن تتحقق الرجفة.

لاحظت أني أعاني احتدام الرغبة وقت الظهيرة، عقب تناول الغداء. يرافق ميلي إلى استرخاء القيلولة ميل مماثل إلى العناق الجنسي. تعرف إجلال الموعد، تشي كلماتها وتصرفاتها بالموافقة.

لم أحاول مناقشة الأمر، ولا الصلة بين همود الجسد وفورانه.

تجولت عيناي بين وجهها وصدرها وبطنها، استقرتا بين ساقيها. ما أراه يصدني عن التفكير في لمسها.

كيف أضاجعها؟

لم تزايل الابتسامة الداعية شفتيها.

– ألن تخلعي؟

وأشرت إلى بلوزتها.

عقدت ما بين حاجبيها: ما تريده تحت الجوبة.

قلت في صوت ذاهل: لسنا حيوانين، هناك أشياء أخرى.

وهي ترفع يديها كالمستسلمة: افعل ما تحبه.

مررت بيدين تعانيان الارتباك، تعبِّران عما أعانيه في داخلي، على ما لامسته من جسدها، عنقها، صدرها، بطنها، رِدفيها. احتويت كعب قدمها براحة مترفقة، ملت على الأصابع، قبلتها إصبعًا إصبعًا وأنا مغمض العينين. ضمت ساقيها، فتوقفت. ضربت صدري بقبضة يد متخاذلة.

زاد هياجي بما لم أتصوره في نفسي، اجتذبتها بعنف، أحطتها بذراعين أرعشهما الانفعال. أخطأت شفتاي المشتعلتان شفتيها، جاستا في الجبهة والعينين والأنف والفم، حتى الأذنين امتصصتهما بنهم.

لا أعرف كيف ألقيت نفسي فوقها، كأني استكنت لما عجزت عن مقاومته، حاولت — بركبتي — أن أباعد ما بين ساقيها، تملصت لتدفعني عنها، خمشتني بأظافر يديها، دفعتني بقدميها الحافيتين. دفعتها على السرير، وارتميت فوقها. تملصت من ذراعي. قاومت بما لم أكن أتصوره.

لم أواجه عمري هذه المهانة، عمَّق من تأثيرها أنها صدرت عن أحمد أنيس، هو الذي دبر توريطي في هذا الموقف.

طالت أوقات تعبير أحمد أنيس عن هذه المشاعر، فظلت في داخلي، وإن أخفقت في التعبير عنها، ذوت، تفتتت، تلاشت. داهمني إحساس بالبواخ، وأن ما أفعله مجرد تمثيلية سخيفة، طرفها الثاني يرفض المشاركة.

قلت، مدفوعًا بجرأة لم أعهدها في نفسي: هل تثقين أنك امرأة؟

وهي تمضغ ما لم أتبينه في فمها: مثلما تثق أنك رجل!

أبعدتها عني بيد غاضبة. ناديت على أحمد أنيس. أعرف أنه يقف خارج الحجرة، لا يترك موضعه، حتى ينفتح الباب.

تبدل الحال في زيارتها التالية.

ترتدي بنطلونًا من الجينز. شغلني السؤال وأنا أتأمله على ردفيها: كيف استطاعت ارتداءه؟

نترت الحذاء من قدميها. رقصت بكل جسدها، تأوَّدَت، تثنَّت، تمايلت، طارت في الهواء، ملأت الحجرة بذراعيها، وساقيها، وصدرها، ورقصاتها المجنونة، وما أسعفها به ذهنها من الأغنيات.

تأملتها وهي تخلع ثيابها، قطعة قطعة، وتدور أمامي. أكتفي بتأملها، بالتحديق فيها، ملاحظة أصابعها وهي تنزع ملابسها، لم يعد إلا قميص نوم من الساتان الأسود، يشف عن جسدها.

قلبت حقيبتها: بطاقة شخصية، زجاجة عطر، علبة كريم مستديرة، قلم شفاه، مفكرة صغيرة، قلم حبر جاف رخيص. أخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها، تأملت وجهها فيها لحظات، وزمت شفتيها، ثم أعادت المرآة إلى داخل الحقيبة.

أطفأت مفتاح النور بيد، واجتذبتها باليد الثانية. احتضنتها بساعدي، وملت بها على السرير. تضع عطرًا يستفزني لعناقها.

قلت مدفوعًا بجرأتي الطارئة: أتمنى أن ترقص فخذاي بين ساقيك!

أثارني تلويها على السرير، مثل السمكة في المِشَنة.

لاحظت السهولة التي جرت بها العَلاقة، كأن المرأة عرَفت ما هو المطلوب منها تمامًا. أزالت، بتصرفات محسوبة — وإن وسمتها بالعفوية — ما قد أعانيه من حرج أو توتر.

ما المعنى الذي أقنعها به أحمد أنيس قبل أن تغلق باب الحجرة؟

تبينت أنها امرأة ذات خبرة، تتظاهر بالاستجابة، وإن شردت في أشياء تشغلها. فطنت إلى قلة خبرتي، جهلي بالكثير مما ينبغي فعله، تعلمت — فيما بعد — ضرورة التهيئة النفسية، قبل أن أبدأ المضاجعة.

قالت وهي تعدل ملابسها: هل يظل الفندق مكانًا للقائنا؟

– ليست مشكلة؟!

وهي تدس قدمها في الحذاء: من هم في مكانتك لهم أكثر من شقة!

لم أصارح أحمد أنيس بما أريده، اكتفيت بالتلميح، فجاءني بعقد الشقة — ثالث يوم — لأوقعه.

•••

ألفت سخونة جسدها، وأن أفسح لها الطريق إلى داخل الشقة، أدير المفتاح في الباب، أتراجع بصدري كي تدخل، تماهيها رائحة عطر لا تبدله.

معظم شاغلي البناية من الأطباء والمهندسين والمحاسبين والمحامين وشركات التجارة الصغيرة.

نصيحة أحمد أنيس أن أبدو في هيئة المنطوي على نفسه، امتثلت لتحذيره بألا أقيم عَلاقة صداقة مع أحد من سكان العمارة. حتى التحية بالكلمات، أو بالمصافحة، أو بالإيماءة، استبدلت بها النظرة المتجهة إلى الأمام، أو الشاردة، رد الفعل أتوقعه، أتمثله، يعقب التحية بطاقة تعارف، دعوة إلى زيارة. ثمة من يعتبر الجيرة هي الصداقة، أسوأ ما فيها الزيارات التي ربما لا يسبقها موعد.

تأتي في موعدها الثابت، الثامنة مساء الثلاثاء كل أسبوع. أتنبه للطَّرَقات الخافتة بأطراف الأظافر، أفتح لها الباب، تهمس: مساء الخير، أتبعها إلى حجرة النوم، هي الثالثة إلى اليسار، تطل من الواجهة على الشارع الرئيس، ومن الجانب على شارع خلفي صغير. على يمين المدخل دولاب كبير بمساحة الجدار، يقابله — لصق الجدار — سرير، غطته ملاءة مزينة بورود، إلى جانبه تسريحة، تعلوها مرآة بيضاوية، تناثر فوقها أباجورة وقوارير عطر وأمشاط وصندوق مناديل ورقية وأجندة صغيرة، وفي الوسط طاولة مستطيلة يتقابل حولها كرسيا فوتيل.

ألحظ نترها للحذاء بمجرد أن تدخل الحجرة، تسير كالمتقافزة — على قدميها الحافيتين — إلى النافذة المطلة على شارع قصر العيني، تتأكد من إغلاق الستارة المخملية جيدًا، وتطفئ النور. تحل الظلمة تمامًا، في أوقات النهار، كما في أوقات الليل. تعود — بظهرها — إلى جوار الطاولة والكرسيين، بحركة سريعة، تنزع ثوبها، تقذف به إلى الكرسي، أو إلى الأرض.

يذهلني تجردها العفوي من ملابسها، كأنها تؤدي عملًا، تفعل ما تؤمر بفعله.

تدير نفسها فتواجهني.

أشعر أن جسدي قد استيقظ تمامًا، فح بالشهوة، جاوز إرادتي، ومحاولة إسكاته، سيطر على مشاعري ما يشبه الجنون. مددت يدي حول وسطها، اجتذبتها ناحيتي، حتى لامس أنفي شعرها، انثنت ركبتاها، احتضنتها بامتداد خصرها، ظلت واقفة، حاولت أن أميل بشفتي على وجهها لأقبلها، اصطدمت الشفتان بعنقها. دلكت راحتي أصابع قدمها، اعتصرتها، انزلقت من باطن القدم إلى ربلة الساق، مسدتها بيد نشوانة، ضغطت على ساقيها، أزحتهما بما يتيح لي بلوغ أسفل البطن.

أطبقت شفتيها لتكتم الألم، لكنهما انفرجتا باللهاث والألم واللذة.

لم نعد نمهد بكلمات، ولا رقصات، ولا أغنيات، إنما نبدأ العناق مباشرة، تتخلل العناق عبارات لا تتصل باستغراق اللحظة، تتداخل الأسئلة والأجوبة والملاحظات والمعلومات والأسرار التي يشغلني التعرف عليها.

الطريقة التي كانت تحرك بها جسدها، أثارتني، كل ما في جسدها يرقص: رأسها، عيناها، صدرها، بطنها، ساقاها، حتى قدميها كانتا تتنقلان على إيقاع الموسيقى. أهمس بكلمات الغزل، تهمس بالاستجابة.

اجتذبني إليها أنها كانت تجوس في الغابة بخطوات فاهمة، تسبقني وألاحقها، تنبهني إلى ما لم أكن أعرفه، أو ما لم أفطن له.

أذنت لها — بإيماءة — أن تفتح محفظتي، تأخذ ما تريد من النقود.

تمنت — في لحظات مؤانسة — أن تسكن في واحدة من المدن الجديدة: فيلَّا من طابقين، أو ثلاثة، تمتد حولها الخضرة، وتطل على حمام سباحة، وتقف أمامها سيارة أحدث طراز.

صحبتها — بإيعاز من أحمد أنيس — إلى الفنادق والكازينوهات والأندية والمطاعم الكبيرة. ركبنا يختي، هو الذي أشرف على بنائه في ورش القزق، في رحلات بحرية إلى خارج البوغاز.

قلت بلهجة متواطئة: في المرة القادمة احرصي على جواز السفر … هل لديك جواز سفر؟

استعدت ما لقنه لي أحمد أنيس: ربما واصلنا السير إلى بيروت.

شهقت: بيروت؟!

قلت بصوتي كلمات أحمد أنيس: اليخت يصل إلى أبعد ميناء.

لم أضع تصورات حول ما إذا كانت عَلاقتنا الطارئة ستتحول إلى عَلاقة دائمة.

صار وجودها في حياتي — دون أن أتنبه — أمرًا لا غنى عنه.

•••

نظرت في المرآة الصغيرة، وهي تعتذر أنها تعجلت وضع الماكياج. هزت كتفها، فسقطت حمالة القميص إلى ما تحت الصدر، ظهر الثدي متكورًا، تضيف الحلمة البنية إلى حسنه.

لم تعد تخرج ثيابها الداخلية من حقيبة يدها. تركت في الدولاب ما ترتديه في زياراتها التالية.

– إذا لم يكن من المتاح أن أظل في هذه الشقة، فإني أتمنى شقة قريبة من إمبابة … في الزمالك أو المهندسين.

أضافت في لهجة متصعبة: المواصلات متعبة من إمبابة إلى هنا.

وحمَّلت صوتها رنة سخط: في خدمتك سائق وسيارة … ليس أمامي إلا سيارات المشروع.

وعبَّرت بضم أصابعها: علبة سردين بشرية!

اختلطت مشاعري، لم أستطع تبين ماذا تريد.

وهي تدس قدمها في الحذاء: لماذا لا تدعوني إلى فندق خمس نجوم؟

استطردت في نبرة تحريضية: الفنادق الكبيرة لا تسأل روادها أين يذهبون.

يثيرني أنها تناقشني في ندية، كأنها تملك السؤال والأخذ والرد والاعتراض، لحظات تتلو عناقي لها، غُنجها وتأوهاتها، امتزاج عرق الجسدين، محاولتها إقناعي أنها تسلمني جسدها بدافع الحب وحده.

اكتفيت بالقول: دعينا نفكر.

لم يكن السؤال شغلني بحيث أعددت الإجابة.

قلص أحمد أنيس ملامحه في استياء: بنت الملعونة!

وكتم ضحكة منفعلة: إنها تريد شقة مستقلة.

وانفرجت شفتاه عن ابتسامة سخرية: إذا اشترينا لها هذه الشقة فلن تكون الرجل الوحيد الذي تستقبله.

– ماذا أقول لها؟

– سأفكر في الأمر بما يرضيك … واترك النسيان للزمن.

أزمعت التخلص من هذه العَلاقة التي تصغِّرني، وتذلُّني، عَلاقة لا معنى لها إلا أن تحرجني، وتضايقني، وتثيرني.

– ما رأيكِ في الزواج العرفي؟

التمعت عيناها بنظرة توجس: أفضل الزواج على يد المأذون.

– لي — كما تعلمين — زوجة وابن.

– ولي أسرة يهمها أمري.

– لن يعرفوا أمر الزواج.

استطردتُ في نبرة ملاينة: تصرف مؤقت يثبته المأذون — فيما بعد — بعقد شرعي!

– زواجنا لا يتم بغير العقد الشرعي!

ورفعت عينين حذرتين: إذا وافقت على الزواج منك … هل تقيم معي أو مع ابنك وأمه؟

– حازم كبر، وإجلال لها بيتها وإيرادها الثابت.

– أنا مثل الفريك.

– هل تريدين تطليقها؟

– هذا شأنك!

•••

حين أتأخر في العودة، أفتح الباب برفق، وأترك النور مطفأ حتى لا تصحو إجلال.

قلت لأحمد أنيس: إن احتجت لقضاء الليل بعيدًا عن البيت … ماذا أقول لإجلال؟

وهو يغمز بعينه: متابعة سير العمل في فروع المؤسسة تحتاج إلى قضاء الليل في المدن الأخرى؟

تنحنحت: ربما سافرت هذا الأسبوع خارج القاهرة.

اكتفت إجلال بنظرة متسائلة.

وأنا أتشاغل بدس الأوراق في الحقيبة الجلدية الصغيرة: مشكلات في ميناء السويس لا بد أن أحلها بنفسي.

ظلت صامتة، وإن لم تفارقها النظرة المتسائلة.

قلت إن عملي يقتضي أن أسافر إلى الإسكندرية مرة كل أسبوع، أتسلم واردات من الدائرة الجمركية.

لم أجد في نظراتها ما يشي بتوجس، أو استرابة، أو ميل للكذب.

•••

لا أدري إن كانت إجلال قد عرَفت بأمر حنان.

قالت وهي تقرأ الجريدة: تقرفني عَلاقة المرأة والرجل التي تقوم على الجنس!

عانيت ارتباكًا، فلم أسأل إن كانت تعلق على خبر في جريدة، أم أنها تلمِّح إلى حكايتي الجديدة؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤