الديمقراطية هي الممارسة
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: ٢١٢٨
٢٧ ديسمبر ١٩٧٥
عاشت مصر ما يقرب من عشرين عامًا وكلمة الحاكم تُثير الرعب والهلع في نفوس أبنائها، وكان المصري يتمنى في خلال هذه السنوات أن يمُرَّ اليومُ وهو بعيد عن سمع الحكام.
ثم أذِنَ الله لمصر أن تتنفس، وأصبحت الصحف تطالعنا كلَّ يوم بشكاوى الجماهير وآلامها وآمالها، وأصبحت الصحف تنشر هذه الآلام والآمال، ولكن هل ينتهي دور الصحف عند هذا النشر.
قد يكون هذا مقبولًا في دولة لم تتعرض لما تعرَّضَت له مصر طوال السنوات الأليمة الماضية، ولكننا اليوم كمريض طال به المرض ثم وافاه الشفاء، فخطواته على الأرض متخلجة مترددة مهتزة.
والديمقراطية ممارسة قبل أن تكون دساتير وقوانين.
فحين نال شعب إنجلترا الديمقراطية في الماجنا كارتا عام ١٢١٥ كان فعلًا يمارس الديمقراطية ويريدها أن توضع في إطارها الشرعي.
والحكم عندنا اليوم يناشدنا أن نمارس الديمقراطية معتمدًا على أن ما بينه — الحاكم — وبين الشعب هو الحب لا الحقد، والرغبة في البلوغ إلى الأحسن للشعب جميعًا لا للحكام، ومن هنا فدور الصحيفة إذن أن تردم هذه الفجوة التي وُجِدت بين الحكام وبين الناس لمدة عشرين عامًا.
لقد زالت الفجوة النفسية التي كانت تفصل بين الحكام وبين الشعب، وبقي أن تزول الفجوة الحقيقية التي تتمثل في مصالح الناس من جانب، وفي عدم معرفة الحكام بهذه المصالح من جانب آخَر، والمفروض أن الحاكم دائمًا يرغب في قضاء هذه المصالح بكل الجهد والقدرات المتاحة له.
ودور الصحافة المصرية وهو دور من نوع خاص تفرضه الظروف التي مرَّت وتمُرُّ بها مصر، هو أن يجمع الحاكم والمحكوم وصاحب السلطان وصاحب المصلحة، وبهذا تصبح الديمقراطية هي الشعار فعلًا حتى إذا صدرت بها التشريعات تكون التشريعات مُجرَّد صياغة قانونية لحالة مستقرة.
يوم يشعر الشعب بذلك لن يُخفي الخمسمائة من أصحاب الملايين ملايينهم، ولن يشعر الفلَّاح في غيطه أنه بعيد عن السلطان، ولن يشعر العامل في مصنعه أنه مُبعَد عن حقوقه.
يومذاك يعرف كل مصري أنه ينال حقه، ولا يعجب أن يقع عليه الجزاءُ إن قصَّرَ، فلا أمل لنا في انتعاش إن لم يصحب الجزاء الثواب والعقاب والمكافأة والحق والواجب، فقديمًا قالوا إن الحق والواجب كوجهَي العملة لا يفترقان، فإذا أُعطيَ كلُّ مصري الحق الذي له صحَّ عنده أن يتحمل الواجب الذي عليه.
صادرين عن هذا الرأي رأت مجلة الإذاعة أن تبدأ بدعوة مواطنين من شعب الدقهلية ليلتقوا بمحافظ إقليمهم يقولون ويسمع.
يطلبون هم، ويعِدُ هو، وسيشهد هذا اللقاءَ مندوبٌ عن المجلة، سيكون عمله بعد ذلك أن يخبر الشعب بما أنجزه المحافظ من وعود، أو بما لم يستطع أن ينجزه، والأسباب التي وقفت به عن هذا الإنجاز، ونحن نبدأ الديمقراطية من هذا اللقاء.
إنه خطوة المريض، عاد إلى الشفاء، فإذا سلمت بنا الخطوات وثبتت منا الأقدام أمكننا أن نسير؛ لأنه لا بد أن نسير، وسنسير بإذن الله.