… وفي أي شيء صدق؟!
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: ٢١٣٥
١٤ فبراير ١٩٧٥
أيَّةُ غريبة أن يُقال ما يُقال؟ وما المال وقد سرق أمننا، ولصَّ كرامتنا، وامتصَّ دماء أبنائنا، وأهدر على رمال سيناء شرف مصر والعرب وتاريخ أمة ومستقبلها …
وفي أي شيء صدق حتى يصدق في ذمته؟!
قال ارفع رأسك يا أخي، وحطَّم كلَّ رأس فكَّر في الارتفاع، أو فكَّر فقط، وأبى أن يجعل أحدًا من الناس أخًا، بل أرغمَ الجميع أن يكونوا عبيدًا له، أو هم أعداء.
قال ديمقراطية: ثم فشا وحدَهُ مسعورًا، منفردًا بالحكم، مسئولًا وحده عن كل خفقة نفس في البلاد.
وقال قضينا على الإقطاع، فإذا بأصحاب الملايين في عهد الرأسمالية كانوا لا يتجاوزون أصابع اليدَين عددًا، فأصبحوا خمسمائة نتيجةً لعهده، ثروة الواحد منهم مهما تبلغ من الضآلة تلتهم ملايين الإقطاع جميعًا والإقطاعيين.
وقال ثورة بيضاء، ثم أهدر دماء الشباب في حروب اليمن وحربَي سيناء من أجل مجده الشخصي، ومن أجل خراب مصر في دمائها ومالها وكرامتها.
وأسال الدماء — في خسة غادرةٍ مجرمةٍ — وراءَ أسوار السجون والمعتقلات.
قال الشرف وهدَّد الرجال في عفة زوجاتهم وشرف بناتهم وأخواتهم.
قال تكافؤ الفرص وأغدقَ الأموال على أبنائه، حتى لقد كان الواحد منهم يلهو بقيادة طائرة لا يحلم أغلب الشعب أن يركبها مرة في حياته، وتقدَّمَت ابنةٌ له تفكِّر في شراء أرض يتجاوز ثمنها مائة وخمسين ألف جنيه، ولُقِّب ابنه بالمليونير في إذاعة لندن، وسكب أموالَ الدولة على إخوته وعلى كلابه من ماسحي أحذيته، ولاعقي نعاله، فهم ينبحون باسمه حتى اليوم، وقد فجعتهم فيه الفاجعة، وزالت من أفواههم دماء الشعب التي أتاح لهم أن يمتصوها، تؤيدهم في نباحهم فئة أخرى اعتدى عليهم في المعتقلات، وجعل زوجاتهم بلا موئل لطول حبس الأزواج، ولحبس المال عنهم، ومع ذلك ينبحون باسمه مع كلابه النابحة.
لأن الحكم الجديد
قال الله.
وقال الحرية.
وقال القانون.
ونفَّذَ ما قال وانتصر.
في أي شيء صدق؟!
قال الرجل المناسب في المكان المناسب، ثم اختار أهون الناس وجعل منهم رؤساء على العمالقة، ووضع في أغلب المناصب رئيسًا جاهلًا؛ لأن الجهلاء هم علماء النفاق، فانهار العمل في الحكومة وفي القطاع العام، وحين قال محافظ من علمائه: أعطي القانون إجازة، رُقِّيَ إلى وزير؛ لأنه عبَّر عن شعار الدولة.
في أي شيء صدق؟!
دعا إلى الاشتراكية، وعاش، وعاش خدَمُه والمحظوظون من أتباعه عيشة تتضاءل عندها عيشة الفجار من العاهرين في الرأسمالية، فسمعنا عن فواكه تأتي بالطائرات، وعن سياراتِ نقلٍ تَحمل الفراء والسجاجيد، ويعلن هذا علينا حين يغضب على الفاعل، ويستره علينا حين يترضاه ويضع رأسه تحت قدمَيه.
ألا إلى غير رجعة يا زمن الهمس والصراخ، والنوم المفزع، والقلق الشائع، والخوف المبيد، والعِرض المباح، والدم المسفوك، والشرف الجريح، والتاريخ المُمزَّق، والأمل المظلم، واليوم الكالح، والغد العبوس، والحق المضاع.
ويقولون اكتموا على السرقات أن تذيع، فإنها إن شاعت أحجمت أموال العالم عن مصر والانفتاح! جهلوا الحقيقة، لن تأتي الأموال وأصحابها يعرفون أن اللصوص هنا تتخفى وراء الأستار تحمل معها التشكيك في أمانة بلادنا، يوم تتكشَّف الحقائق ويعرف العالم أننا أصبحنا على الطريق القويم، شريفة أيدينا، واثقة نفوسنا، مطمئنًّا اقتصادنا، يأتي إلينا أصحاب الأموال شرفاء واثقين مطمئنين، والحق دائمًا بالدول أجدر.