قطعة الأرض هذه …
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: ٢١١٦
أكتوبر: ١٩٧٥
يقولون إننا بعنا مبادئنا في سبيل قطعة أرض، والبيع في سبيل المبدأ تعارفَ الناس أن يكون عملية يعود نفعها على شخص بذاته، هانت عليه مبادئه فباعها ليكسب كسبًا خاصًّا، فقولهم هذا يثير الإضحاك بقدر ما يثير الإشفاق، فهل أنور السادات اقتنى في عملية فك الاشتباك الثاني بضعة أفدنة يعود ريعها عليه؟
ما هي مبادئنا؟ إنها تحرير الأرض، وما هي مبادئ المقاومة؟ إنها تحرير الأرض، أما مبادئ سوريا فهي الهتاف لحزب البعث، وبقاؤه في الحكم، وليكن بعد ذلك ما يكون.
أما نحن قد قُدِّر لنا أن تكون هذه مبادئنا لعدة فترات من التاريخ، وكان آخرها تحرير أرضنا من الإنجليز، ولم نصل إلى ذلك إلا حين سقطت الإمبراطورية البريطانية جميعًا وسقطت شمسها التي كانت لا تغيب عن أملاكها، وبعد ذلك، وقبل ذلك، كانت مبادئنا تحرير الأرض الفلسطينية من العدوان الصهيوني، وبذلنا في سبيل ذلك دماء شهدائنا في عامَي ٤٨، و٥٦ مجللة بالمال المعتصر من قلوب أبناء مصر، وبذلنا في سبيل ذلك دماء شهدائنا في عام ٦٧، وخُضِّب هذا المال نفسه وقد زاد عليه خزي الهزيمة وانكسار العزة وهوان الكرامة.
ثم انتصرنا واجتحنا برليف وأسطورة إسرائيل التي لا تُهزم، وقدَّمنا الدم الغالي والمال، ولكننا سعدنا بالدم والمال جميعًا أن أعاد للعرب جميعًا عزتهم وكرامتهم، ومنحهم فوق ذلك أموالًا من البترول ما كانوا ليحلموا بها في يوم من الأيام، وآنَ لنا أن نحقِّق شيئًا من مبادئنا فنسترد جزءًا من أرضنا، فاسترداد جزء من أرضنا هو في ذاته تحقيقُ بعضٍ من مبادئنا.
ذلك أننا لم نجعل من مبادئنا تجارة، ولا جعلنا من أنفسنا في عهد السادات قراصنة نهدِّد الدول العربية لننال من أموالها ما لا يطيب لها أن تعطيه.
لقد كنا على بيِّنة دائمًا بالدور الذي قُدِّر لمصر أن تقوم به لتدفع ضريبة مكانتها الضخمة بين الدول العربية.
فأي مبادئ بعنا، وماذا كسبنا في سبيل ما بعنا إلا أن نسترد جزءًا من أراضينا ومواقعنا الحربية وأموالنا التي اغتُصبت في سبيل قضية فلسطين.
وبعدُ فيا تُرى هل أحسنَ الناعقون بالخزي حين كشفت المواد السرية من الاتفاقية، واستبان أمرها عن تعهدات مبذولة جميعها من أمريكا لمصلحة سوريا والفلسطينيين؟
ولكن ما هذا السؤال؟ أمثل هؤلاء يخجلون؟
وهل أدلُّ على ذلك من قول راديو دمشق أننا لا نعتمد على ضمانات أمريكا أو الرئيس فورد لنا والرئيس السادات؛ لأن ضماننا الوحيد هو قوتنا الذاتية.
أهؤلاء يخجلون؟ إذن فلا بد لنا أن نذكِّرهم أننا رأينا قوتهم الذاتية ونعرفها حق المعرفة، فبهذه القوة الذاتية فقدوا الجولان في عام ١٩٦٧.
وفي حرب الانتصار ٧٣ أوشكت قوتهم الذاتية أن تستقبل الجيوش الصهيونية في دمشق.
تُرى ألا يعرف الشعب السوري هذه الحقيقة كما تعرفها جميع الشعوب العربية؟ فأيُّ قوة ذاتية يتحدثون عنها؟ اللهم إلا أن تكون قوة الحناجر المشقوقة والصراخ المجنون والوجه الجامد الذي لا يُدركه الحياء.