كن مصريًّا واعتنق ما شئت
الأهرام – العدد ٣٢٦٥٦
١١ مايو ١٩٧٦
من مفكرة ثروت أباظة
نشأت فكرة العقد الاجتماعي عند روسو، والفكرة في مجملها تقول إن هناك عقدًا غير مكتوب بين الفرد والدولة، ويتنازل فيه الفرد عن جزء من حقوقه لتضمن له الدولة الحقوق الأخرى، فهو يقدِّم لها ضريبة الدم متمثلة في الخدمة العسكرية الإجبارية لتحفظ عليه دماءه ودماء مَن يعولهم، ويقدِّم ضريبة المال لتحفظ له الدولة بقية ماله، ويقدِّم ضريبة الحرية بإطاعة قوانين الدولة لتحفظ له الدولة حريته، وبناءً عليه يكون الفرد حاملًا عبء المجتمع كله مقابل ما يسبغه عليه المجتمع من أمن وحرية، ويقول رجال القانون إن الحق والواجب كوجهَي العملة، لا يفترقان.
فليست الدولة إذن مكانًا مباحًا يقيم فيه مَن لا يطيع قوانينه ولا يرعى حرماته ولا ينظر إلى صوالحه، إنه مكان تتعلَّق به حياة الإنسان الذي يؤدي له ما عليه من واجبات، فإن خانَ هذه الواجبات سقطت حقوقه، وجاز للدولة أن ترفضه فردًا من أفرادها وجاز لها أيضًا أن تحجب عنه الجنسية، وتتركه هائمًا في العالم بلا وطن، وفي داخل الدولة تختلف الآراء، ويجب أن تختلف، لكل إنسان في الوطن أن يختار المذهب الذي يعتقد أنه يحقِّق أكبر فائدة لبني وطنه، ولكن هذا الاختيار لا بد أن يكون منبعثًا من حبه لوطنه، وهادفًا إلى مصلحة أبناء هذا الوطن.
أما إذا تلقى الفرد مذهبه من دولة أخرى، أيًّا تكون هذه الدولة؟ وإذا اعتنق مذهبه هذا لا لشيء إلا لأن دولةً ما تريد له أن يعتنقه، فحينئذ يصبح هذا الفرد غير مصري، وتسقط حقوقه جميعًا، فنحن حين نؤدي للدولة ضريبة الدم والمال والحرية؟ إنما نعبِّر بذلك عن إخلاصنا للوطن تعبيرًا مُجسَّمًا؛ لأن الإخلاص للوطن مفروض في كل مواطن، لا يَمَّحي عنه إلا حين يبدو من المواطن غير ذلك.
وبعض المواطنين ينتهزون فرصة الحرية ويلقون أسماعهم — وربما أيديهم — إلى بلاد أخرى، هؤلاء ليسوا مصريين، وهم أشد خطرًا على المصريين من الأعداء الصرحاء، فالعدو الصريح تعرفه وتستطيع أن تتقيه وتستطيع أن تهزمه.
أما المصري الذي يعيش في نسيج الشعب المصري وينتمي بمشاعره وولائه إلى غير شعب مصر، فلا سبيل إلى اتقائه؛ فهو عدو يتخفى في دماء المصريين، وحين يُكشف أمره يكون قد خرَّب ما خرَّب ودمَّر ما دمَّر.
كن مصريًّا واعتنق من المبادئ والمذاهب ما شئت، واجهر برأيك، ولكن فقط اجعل رأيك ينبع من أعماق قلبك المصري، ومن إخلاصك لوطنك، لا لشيء آخَر، مذهبًا كان هذا الشيء أو دولة أو فردًا.