مصطفى محمود (بين الدين والعلم)
الأهرام – العدد ٣٢٦٨٣
٤ يونيو ١٩٧٦
يقوم الدكتور مصطفى محمود بدور مهم لأجيالنا من الشباب، فهو يفسِّر لهم دينهم بصور العلم الذي يتعلقون به، ويتوهمون أنه يسيطر على حياتهم، وأن سيطرته هذه تجعل الدين خرافةً، ونوعًا من الغيبية.
الإنسان بطبيعته يحب أن يؤمن؛ لأن الإيمان في ذاته ضرورة الحياة، ولقد رأينا الملحدين، فهم جازعون هالعون إن مسَّتهم مصيبة عادوا إلى إيمان مفزع غير مطمئن.
ولقد وجد الدكتور مصطفى نفسه في النهج الذي انتهجه، ووجد الشباب فيه ضالتهم التي كانوا يتلمسون، فتوافق على يديه العلم الحديث والإيمان العميق، وقد توافرت عند الدكتور مصطفى كل الأدوات التي تُمكِّنه من مخاطبة الشباب.
فهو طبيب في دراسته، فنان في هوايته، وصوفي في عقيدته، وبهذه المقومات جميعًا خاطبَ الشباب فأحبوا ما يكتب وأقبَلُوا عليه، وأصبح الإيمان عندهم متمثِّلًا في صورة واضحة الملامح بيِّنة المعالم.
فلذلك أنا أخالف الأستاذة الدكتور سهير القلماوي فيما ذهبَتْ إليه من أنها كانت تريد الدكتور مصطفى محمود أن يتفرَّغ للقصة العلمية، فإن كُتَّابًا كثيرين يستطيعون أن يكتبوا القصة العلمية، وأنا أخالف أستاذتنا الدكتورة حين قالت: … إن القصَّاص مصطفى محمود تاه منا في خضم عميق الأغوار من العلاقات المتشابكة بين العلم والعقيدة أو الدين.
فإن الدكتور مصطفى لم يَته منا أبدًا، بل إنه اتضح لنا عن كاتب متمكِّن في الطريق الذي أعدَّه له قدَرُه ودراسته وفنُّه وتصوُّفه.
وأخالف أستاذتنا الدكتورة في قولها: إن موضوع الإيمان في مقابل العلم هو الموضوع الذي ضيَّع فيه د. مصطفى محمود نفسه مؤلفًا قصصيًّا، فالذي أعتقده ويعتقده الجمهور الكبير الذي يقرأ له أن د. مصطفى محمود وجد نفسه في هذا الموضوع.
وأحب أن أناقش الدكتورة فيما جاء في مقالها من أن المجموعة كلها عودة إلى الأسلوب القصصي العلمي الذي برع فيه د. مصطفى محمود، والذي تؤهله له ملكاته وثقافته أن يبلغ فيه آفاقًا عظيمة، لولا أنه غرق في بحر الإيمان والتدليل على الدين والإيمان بالعلم … ثم الهجوم على العلم هجومًا لا يتعمَّق المشاكل تعمُّقًا عوَّدنا عليه في قصصه، فأولًا: في بحر الإيمان لا يكون الغرق وإنما النجاة، وثانيًا: إن الدكتور مصطفى لا يهاجم العلم بالإيمان وإنما يوفِّق بين العلم والإيمان، فهو في كل ما يكتب يحاول أن يُظهر قدر الله من خلال العلم، ولا هجوم هنا على العلم.
وأنا يا دكتورة لستُ أدري لماذا يُرمَى بالسطحية كلُّ مَن يتجه إلى الإيمان والدين بعمله الفني، ولستُ أدري لماذا يكون الإيمان سذاجة بينما الأدب الملحد أكثر مباشرة، فهو دائمًا يتقولب المذهب الإلحادي ويصرخ بإلحاده عاليًا ولا يرميه أحد بالسذاجة.
هل إذا انضوينا تحت أعلام ديننا الذي قوَّم الأجيال لفترة قاربَتْ ألفًا وأربعمائة سنة نكون سذجًا؟ وإذا ألحدنا إلى مذهب لم يستطع أن يُطبَّق حتى اليوم، وتداعى عنه أنصاره وأفلسَ في مدى خمسين عامًا نكون تقدُّميين؟ وفي كتابتنا عمق وأبعاد، إلى آخِر هذه الأسماء التي لا مسميات لها عندهم؟ وهذا الحديث لا أسوقه إليكِ يا دكتورة، فلستِ — والحمد لله — منهم، وهذا الحديث لا أسوقه إليهم، ولكنك فيما أخذتِ على الدكتور جعلتِني أذكرهم.
وبعدُ، فإنا مع الدكتورة أن الإسلام لا يشرف بأن حقيقة علمية اكتُشِفَت حديثًا أشارت إليه آياتُه البينات، فالإسلام نفسه والقرآن هما كلُّ الشرف، ولا شرف يمكن أن يُضاف إليهما، ولكن هل هناك ما يمنع من ذكر الحقائق العملية التي أشار إليها الكتاب الكريم؟
وبعدُ، مرةً أخرى يا سيدتي الدكتورة، ما أبعدَ المثَل الذي تفضَّلتِ فسُقتِه عن أديبنا العالم د. مصطفى محمود، فأين القذافي بجهله وسطحيته وسذاجته وحمقه من عالم أديب تعمَّق العلم وتعمَّق دينه وقدَّمه إلينا في علم وأصالة وإيمان وبراعة؟