بورك هذا المِعوَل
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: ٢١١٧
١١ أكتوبر ١٩٧٥
أيدري المِعوَل الذي أهوى على سجن طرة ماذا حطَّم؟ إنه لم يحطِّم جدارًا من الطوب وإنما جدارًا من الخوف، ولم يكن هذا الجدار يحيط بنزلاء السجن وحدهم، وإنما كان في قوة سحرية شرسة عاتية، يحيط بنفوس المصريين جميعًا، فيحيل حياتهم فزعًا ونومهم أرقًا ويومهم بؤسًا وغدهم هلعًا.
وبنفس السحر الأسود كان يحيط بنفوس الأبناء والإخوة وذوي الرحم، فيحيل الصلات بين بعضهم وبعض توجُّسًا وتخوُّفًا، ويحيل الحب المُشرق إلى خيانة، والود الذي تباركه السماء إلى البغض الذي يُدنِّسه المال أو الرعب من السلطان.
هذا المِعوَل الذي سقط على السجن هو نفس المِعوَل الذي حطَّم بارليف؛ لأنه بيد الإيمان بالحق يهوي، وهو نفسه الذي صعقَ أذيال السخيمة السوداء من الحقد في منتصف مايو، وهو الذي محق حكم الهوى ليقيم حكم القانون، ودحض دعوى الباطل ليرفع شعار الإيمان بالله تقدست أسماؤه، والأنبياء صلى الله عليهم أجمعين.
وبهذا المِعوَل منذ أشرقَ شعاعُه في آفاق سمائنا أشرقت منا الروح، وتحرَّرت النفوس من كبول الهلع، وارتفعت «الله أكبر» تملأ حولنا العالمين، وانتمينا إلى أغلى وأسمى ما يمكن أن ننتمي إليه … مصر! عائدين إليها بعد أن غابت عنا وغبنا عهدًا عهيدًا وزمنًا بعيدًا، فكانت من غيرنا حائرة في دنيا الدول، وكنا من غيرها حيارى في دنيا الناس، حتى هدى الله الحيرة وانتمت إلى أبنائها وانتمى إليها أبناؤها، فبوركتَ أيها المِعوَل.