(الأدب الحديث والتراث)
الأهرام – العدد ٣٢٧٣٢
٢٣ يوليو ١٩٧٦
الرواية والقصة والمسرحية ألوان وافدة إلى الأدب العربي، واعتقادي أن واجب الأدباء المحدثين أن يثبتوا هذه الألوان الوافدة في الأدب العربي.
وقد قال الدكتور زكي نجيب محمود في حديث رائع له: إنه لا يكفي أن تنادي بتثبيت الألوان الوافدة، وإنما لا بد أن تعمل على ذلك بأدبك أنت الذي تُنشِئه.
فحين نظم شوقي مسرحياته الشعرية ضرب المثل لمَن يشاء أن يتبعه في الوسيلة التي يمكن بها تثبيت المسرحية على أصول من تراث الشعر العربي.
وتطورت الفكرة عند عزيز أباظة، فبعد أن كان الشعر هو أهم ما يُعنى شوقي به في المسرحية، وجدنا عزيز أباظة يمنح البناء المسرحي اهتمامًا يكاد يتساوى مع اهتمامه بالشعر، ثم جاء عبد الرحمن الشرقاوي فاعتمد على اللفظ العربي وعلى التفعيلة الواحدة فأصبح الشعر أكثر طواعية له، وتبعه في ذلك صلاح عبد الصبور، فأصبحت المسرحية الشعرية مطمئنة الأصول في الأدب العربي … أو هي على الأقل أكثر اطمئنانًا من المسرحية النثرية التي وضع أسسها أستاذنا توفيق الحكيم، ولم تجد مَن يسير في الطريق الذي أنشأه إلا علي أحمد باكثير في بعض مسرحياته.
ولكن أين هذا مما كان يُؤلِّفه أستاذنا الرائد توفيق الحكيم؟
لقد وجد مَن يُقلِّده في التمثيلية العامية، ولكنه لم يجد مَن يسير على نهجه وخطاه في التمثيلية العربية التي تجعلها تثبت في اللغة العربية وتُعمِّق رواسيها وتشتد سواعدها.
أما في القصة والرواية، فإن الأمر مختلف، فإن أغلب الذين رادوا طريقها اختاروا اللغة العربية في السرد، ولو أن بعضهم آثَر أن يكون الحوار عنده باللغة العامية.
وهم أيضًا حين اختاروا السرد العربي لم يعتنِ كثيرٌ منهم بحلاوة اللغة ونغمتها الموسيقية، ولستُ أعني طبعًا أن يكتبوا رواياتهم بلغة المنفلوطي، ولكن الذي أعنيه أن يكون اهتمامهم بجمال اللغة الجمال الذي يتواءم مع عصرنا وذوقه الأدبي.
وهذا لا يأتي إلا بالمعرفة الكاملة باللغة العربية وبحواسها، وموسيقاها، وأثر كلِّ لفظة من ألفاظها في الأذن والنفس.
ومن عدم الاهتمام باللغة نشأت طائفة من النقاد تنادي بإسقاط اللغة العربية واللفظ العربي والجمال الأسلوبي، مدَّعين أن جمال الأسلوب يقف حائلًا بين القارئ وبين أعماق القصة، واللجوء إلى هذه النظريات الهلامية يجعل مناقشتها مخيفة لمَن لا يعمل في الميدان، ولكن لعل أيسر وسيلة للنقاش هو ضرب الأمثلة، فمثلًا نجد نجيب محفوظ يهتم باللغة ويُبقي على الحوار عربيًّا دائمًا، ومع ذلك فالقارئ يفهم عنه ما يريد، وينفذ في يسر إلى أعماق أعماله الفنية.
فالقضية إذن عند هؤلاء النقاد لا تزيد على رغبة جامحة في تحطيم اللغة العربية لغرض في نفس اليعاقيب، إذا صحَّ هذا الجمع لكلمة يعقوب ذي الغرض.
ومن ذلك، فهم يرهقون أنفسهم ويُحمِّلونها ما لا تطيق، فإن اللغة العربية باقية وإن رغمت منهم الأنوف، والعنصر الجمالي في الفن الأدبي سيظل عنصرًا أساسيًّا مهما يرجف به المرجفون.