الأدب والسياسة
الأهرام – العدد ٣٢٧٣٩
٣٠ يوليو ١٩٧٦
هل يستطيع الأدب أن ينأى عن السياسة … كانت هناك نظرية الفن للفن … ولكن هل الذين كتبوا في ظل هذه النظرية نفسها استطاعوا أن يبتعدوا عن السياسة …؟ كيف …؟
إن الأديب نتاج عصره … وفنُّه هو روح جيله، ونبض شعبه في الفترة التي يعايش فيها هذا الشعب، والسياسة هي التي تشكِّل حياة الشعوب، وتشكِّل مصالح هذه الشعوب، فهي مؤثرة ومتأثرة بالشعب في وقت واحد معًا …
والأديب في كل عصر وفي كل زمان، هو كلمة هذا الشعب، ولذلك فأنا أرفض الرأي القائل بأن الأديب هو الرفض، وإن الفنان هو الثورة، وأن الكاتب هو المعارضة.
إنما الأديب والفنان والكاتب جميعًا هم الشعب.
يعبرون عنه رفضًا أو تأييدًا، ثورة أو تدعيمًا، معارضة أو مساندة … الشرط الوحيد الذي يجب أن يتوفر في الأدب أن يرفض لأنه يرى الرفض في مصلحة الشعب، ويؤيد حين يرى التأييد خيرًا لقومه.
أما اصطناع الرفض ليمثل الأديب دور البطل الدرامي الأسطوري؟ أو اصطناع التأييد لينافق أهل السلطة ورجالها، فأمران كلاهما شر من أخيه، وموقفان كلاهما فيه خيانة لأمانة القلم وأمانة الإنسان جميعًا.
إن الأديب ينال من قومه الاحترام والتوقير والإجلال، وذلك حقه … وكلُّ حق يقابله واجب، وواجبه الأوحد أن يكون أمينًا في كلمته التي يوجهها لهؤلاء الذين يقدمون له الاحترام والتوقير والإجلال.
فإذا خان أمانته، خان قومه وخان نفسه، وأصبح أمره شرًّا من العدو وأكثر قبحًا من الجاسوس.
وهكذا، فمن المُحتَّم أن يرتبط الأدب بالسياسة … وقد ارتبط بها على مرِّ العصور … والأدباء الذين لم يكن لهم رأي في الحياة السياسية التي عاشوها أدباء مروا بالحياة دون أن يؤثروا فيها، ومرَّتْ بهم الحياة دون أن تحس بهم.
فإذا نظر الأديب إلى الإنسان، وجعل عمله كله المجتمع، واضطرب الناس فيه يكون بذلك مرتبطًا بالسياسة أشد الارتباط … فإن السياسة نفسها موضوعها هو هذا الإنسان وهذا المجتمع … ونظرة الأديب هنا تكون أكثر شمولًا واتساعًا من مجرد النقد التفصيلي للأعمال السياسية المفردة.
ولكن هناك نوعًا من الأدب بعيد كلَّ البعد عن حياة الناس ومضطربهم، لا يهدف إلى غير الجمال الفني … هذا الأدب قد يعيش، ولكن قليلًا ما يعيش … فالجمال الفني يختلف من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل، ويبقى الإنسان بعواطفه وآلامه وآماله … ويبقى المجتمع وسعيه نحو الأعلى والأمثل … والأدب هو مرقاه وهو نظريته وهو كلمته … وهو هو دائمًا الإنسان والمجتمع.