ضمير القلم
الأهرام – العدد ٣٢٧٤٦
٦ أغسطس ١٩٧٦
الأدب هو الحرية … ويوم تُقفل على الأديب منافذ الحرية يصبح ما ينتجه منشورات وفرمانات، وليس من عمل الأديب أن يصدر المنشور أو الفرمان.
ويوم تُوضَع القضبان الحديدية حول فكر الأديب وعواطفه ورغباته وآماله يسقط الأدب ولا يبقى منه شيء.
الأديب هو انطلاقة شعبه، وأمله وألمه، وقلمه وحلمه، وابتكاره وتشوُّقه وسخطه وغضبه ورضاه وقلبه، ولسانه وعاطفته، وعقله ويومه، وأمسه وغده … وهيهات أن تستطيع قوة في الأرض أن تجابه هذه الأمواج الضخام من المشاعر والأفكار.
قد يسكت القلم ولكن الأديب يتكلم … وقد حاول الجبابرة عَبْر التاريخ أن يُسكتوا الأديب ولكنه قال:
وعرف الجبابرة آخِر الأمر خطر الأديب، فحاولوا أن يصطنعوه، وسقطت في الشباك نفوس صغيرة من الأدباء، واستعزت بكرامتها نفوس أخرى.
ونالت النفوس الساقطة المال، ونالت النفوس الأبية الإجلال.
وما هي إلا خفقة زمن، حتى ذهب المال وبقي الإجلال، وقد حاولت أقلام صغيرة أن تدَّعي العمق وتُقدِّم عمقها للسلطان يركبه … وما هي إلا خفقة زمن حتى زال السلطان وبقي رأي الناس، وبقيت نظرتهم ترمق صاحب القلم الصغير في احتقار، وراح هو ينظر إليها في تذلُّل.
تُرى ألم يكن يعرف أصحاب الأقلام الصغيرة أنهم محاسبون، وأن مسئوليتهم الحقيقية إنما هي ضمائرهم لا أمام أفراد زائلين؟
فلماذا تسارعوا إلى الزائل وأغفلوا الباقي؟ … ولماذا وتروا بالذل أقواس الظهور ولم يوتروا بالحق أقواس الشرف؟
إن جهلوا هم فمَن يعرف؟ … وإن زلوا فمَن الذي تستقيم على العفة خطاه؟ … وإن ذلوا فمَن الذي يعتز ويمتلئ ثقة بنفسه، ما دام القارئ — وهو الناس — قد أَوْلاهم ثقته …؟
إن جهل الكاتب أفدح من جهل الجاهل، وزلة الأديب أبغض عند الضمير وعند الناس من زلة المتسلِّق من غير الأدباء … وذلُّ الأديب هوان عند الناس لكلِّ مَن أَوْلاه في يومٍ بعض إجلال.
تُرى هل يعي الكاتب هذا، أم يظنون بالناس الغفلة ويهتبلون منهم السذاجة؟ وهموا، فإن للقراء عينًا وفراسة وفهمًا، ولا يفجع القارئ في شيء قَدْر فجيعته في أديب احترمَه يومًا وأجَلَّه ووثق به.
فليتقِ الكاتب قارئه إذا لم يكن يريد أن يتقي ضمير القلم وشرف الكاتب.