شعر المناسبات
الأهرام – العدد ٣٢٧٥٣
١٣ أغسطس ١٩٧٦
جرى بعض النقاد أن يصدروا أحكامًا جامعة مانعة بالرفض دون أن يضعوا لرفضهم هذا حيثيات تجعله مقبولًا أو سائغًا، ولما كان هواة الأدب ليسوا قضاة، فإنهم في أحيان كثيرة يقبلون هذه الأحكام قضية مُسلَّمة لا يناقشونها بمنطق أو ينُعِمون فيها النظر.
من هذه الأحكام المتعجلة، وجدت صدًى بعيدًا لدى المتأدبين لرفض شعر المناسبات، ومعنى هذا الرفض أن تسقط الغالبية العظمى من شعر العرب.
المتنبي أقام مجده الأدبي جميعًا على شعر المناسبات من مديح وهجاء.
وفي أبيات المديح هذه تجد شعرًا نستطيع أن ننسبه في التحضُّر والذكاء إلى أذكى العصور وأكثرها تحضُّرًا.
كيف استطاعَ أن يقول إن الناس يصبحون هراء، وكيف تأتَّى له أن يُشبِّه الناس بمعنى مجرَّد وفي وقتٍ كان التشبيه فيه بالأسد والرئبال والحيدر إلى آخِر مسميات الأسد.
وحين يمدح شعب بوان ويُجري هذا الحديث الخالد بينه وبين حصانه:
كيف استطاع المتنبي منذ ألف عام ونيف أن يذم الحرب وينسبها إلى المعاصي ومفارقة الجنان، ويصِل بينها وبين الخطأ الأول في البشرية الذي أهداه إلينا جدُّ الإنسانية فيما أهداه إلينا من متاعب وشرور، فمنذ البدء أعطى الله الحرية لآدم، فاختار وباشرَ ما اختار، لقد سنَّ المعاصي وعلَّمنا مفارقة الجنان، وما زلنا على تعاليمه البشعة حتى الآن، وحسبك نظرة إلى لبنان، لقد تطوَّر الأمر فيها، فبعد أن كان مفارقةً للجنة أصبح اليوم تدميرًا للجنة، ورحم الله المتنبي.
وحين يمدح البحتري المتوكل فيهديه فرسًا يموت في اليوم التالي فيكتب إليه:
من أين كنا نستطيع أن نحصل على مثل هذه اللفتة الرائعة دون شعر المناسبات.
هذا نثار من الأبيات مما تَعِيه الذاكرة، أحببتُ به أن أنفي هذه التهمة التي حاولَ النقاد أن يرموا بها شعر المناسبات من أنه شعر تافِه لا يستحق التقدير أو الإجلال، ولو حاولتُ أن أرجع إلى الشعر العربي لنقلتُ منه آلاف الأبيات الرائعة التي قيلت في المناسبات.
ورأيي أن على الناقد أن يطرح عن نفسه الأحكام المسبقة وينظر إلى الشعر في ذاته دون البحث في الأسباب التي دعَتْ إلى قوله، فأول شرط في الناقد أن يتحرَّر من كل الأحكام المسبقة حتى يزن الكلام بموازينه العادلة.