شوقي في ذكراه

مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: ٢١١٩
٢٥ أكتوبر ١٩٧٥

إن ذكرى شوقي هي كل يوم من أيام مصر، ومن أيام العرب جميعًا، فهو أعظم شاعر أنجبته العربية، وقد أحسَّ هو بمكانته قدر ما عرف العرب هذه المكانة.

وحولي فتية غُرٌّ صِباحٌ
لهم في الفضل غايات وسَبْقُ
على لَهَواتهم شعراءُ لُسْنٌ
وفي أعطافهم خطباءُ شُدْقُ
رواة قصائدي فاعجبْ لشعرٍ
بكل محلة يرويه خلقُ

وتجد إحساسه هذا حين يقول في حفل تنصيبه أميرًا للشعراء:

رب جارٍ تلفَّتَت مصر توليه
سؤال الكريم عن جيرانه
بعثتني مُعزيًّا بمآقي
وطني أو مُهنِّئًا بلسانه
كان شعري الغناء في فرح الشر
ق وكان العزاء في أحزانه

وهكذا لم تغب عن شوقي المكانة التي تصدَّرها في العالم العربي، بل هي في الواقع المكانة التي تصدَّرها الأدب المصري عامةً في الأدب العربي، فطه حسين وهيكل والحكيم والعقاد والمازني وتيمور والزيات، وكل هذا الرعيل هو الذي أنشأ الأدب العربي، وعلى مشكاة هؤلاء وجد الأدب العربي طريقه في الحياة.

وقد أنشأ شوقي المسرحية الشعرية، ولم يُطِق أن يسير وراءه فيه إلا شاعر تتلمذ عليه وظل وفيًّا له إلى أن اختاره الله وهو المرحوم عزيز أباظة، ثم وقفت المسرحية الشعرية بالشعر الأصيل عن السير في الطريق، ورادَ الشرقاوي الطريق بعد العملاقَين — شوقي وعزيز — بأعمالٍ كثيرة، وصلاح عبد الصبور بأعمال قليلة، ولكن كليهما صدف عن الشعر الأصيل إلى الشعر الحر، وربما كان مجال المسرحية والملحمة أصلح المجالات للشعر الحر، ولكنه مع ذلك لا يستطيع أن يسبق إلى الشعر الأصيل في قوة جرسه وإحكام قافيته وموسيقية الكلمة فيه.

وعلى أية حال، فإن مصر التي عدت عليها فترات سوداء من الأزمات المالية والاجتماعية والنفسية، ولم تنكص عن مكانتها الثقافية بفضل عماليق الأدب هؤلاء الذين اكتمل إشراقهم بشوقي، معجزة دهره ولغته، وإننا لا نملك إلا أن نرثيه بقوله هو:

وما هوَ مَيْتٌ ولكنَّه
بشاشةُ دهرٍ محاها الزمَنْ
ومعنًى خلا القول من لفظِهِ
وحلمٌ تطايرَ عنه الوسَنْ
ولو أنصفَ الصحبُ يومَ الوداع
دُفنتَ كإسحقَ لمَّا دُفِنْ
فغُيِّبتَ في المسك لا في التراب
وأُدرِجتَ في الورد لا في الكفَنْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤