خطاب إلى وزير التعليم
الأهرام – العدد ٣٢٧٦٧
الجمعة ٢٧ أغسطس ١٩٧٦
كم كنت أشفق عليك وأنت تدير معركة الامتحانات، شاعرًا بما أعرفه فيك من يقظة الضمير أنك تعتبر نفسك مسئولًا عن كل خطأ قد يُرتكَب أثناء حلقات الامتحان جميعًا، بادئة بالأسئلة، وهي سرٌّ لا بد له أن يستخفي حتى تتماثل الفرص منتهية بقبول الناجحين بالجامعات حسب ما حصلوا عليه من مجموع.
واليوم أوشكَتِ المعركة على النهاية، ولا يستطيع مُنصِف لك أو للحق إلا أن يعترف أنك أدَرْتها بما يرضي الله والضمير النزيه!
ولا أحب يا سيدي أن أنغِّص عليك لذة الانتصار، ولكن لا بد أن أناقش معك بعض الأمور.
لقد توفَّرت السرية في أوراق الإجابة، ولكن هل أنت مطمئن يا سيدي الوزير تمامًا أن المدرسين الذين صحَّحوا أوراق اللغة العربية بالذات على علم كامل بالنحو علمًا وذوقًا يتيح لهم أن يحكموا على مَن يجيد الإنشاء مثلًا ومَن لا يجيدها.
أنا أشك في ذلك، ولا علينا الآن من الماضي وإنما أريد أن نلقي نظرة إلى المستقبل.
ألا يمكن يا سيادة الوزير إعداد حلقات دراسية لهؤلاء المدرسين ليتقنوا النحو إتقانًا يتيح لهم أن يدرسوه.
والآن ونحن على أبواب عام جديد، ماذا ستكون سياسة الوزارة في وضع البرامج لتعليم اللغات، فالعلوم حقائق ثابتة لا تحتاج إلى اجتهاد، أما الآداب التي تنتسب اللغات إليها فهي فن وعلم في وقت معًا، مَن الذي سيختار النصوص في اللغة العربية؟ إن الطفل إذا بدأ دراسته في اللغة العربية بقول الشاعر:
سينصرف عن الأدب العربي قديمه وحديثه.
والتلميذ إذا بدأ بدراسة أبيات شوقي بالطريقة التي تُدرَّس له اليوم سيختلط عليه الأمر وتنماع في ذهنه ملامح الذوق الفني، ويصبح وهو لا يدري ما هو الشعر الجيد وما هو الشعر الساقط، ويترك الأدب وينصرف عنه وينصرف عن اللغة العربية كلها.
والتلميذ إذا قُررت عليه رواية لا قيمة لها من الناحية الفنية، وإنما كل ما تمتاز به أنها تدعو إلى مكارم الأخلاق في أسلوب مقالي مباشر، أصبح وهو لا يدري الفارق بين العمل الفني الذي يتمثل في القصة والرواية المسرحية وبين المقالات وخطب الوعظ والحكم وغير ذلك من صنوف الكلام التي لا تتسم بالفن وبذلك ينأى عن القراءة الأدبية جميعًا.
إن مهمة المدرسة ضخمة، فهي لا تقدم المعلومات فحسب وإنما هي تنشئ جيلًا بأكمله تتعلق به آمال بلاده، ولست أغالي إن قلت إن آمال العرب جميعًا تتعلق بهذا الجيل، فإن مصر ستظل زعيمة العالم العربي في الآداب والفنون.
ولهذا أقترح يا سيادة الوزير أن تختار لجنة من كبار الأساتذة في الجامعة وغير الجامعة لتشترك في وضع المقررات والبرامج في اللغة العربية، وإنني لعلى ثقة أنك تدرك خطورة المهمة التي تضطلع بها هذه اللجنة، وما يجب أن يتوفر لها من علم راسخ وذوق رفيع، وفقك الله!