الفصل الأول
المؤرخ يُقلِّب في الأوراق، يجمع الوثائق ويتحقق من الحقائق التي
اختلطَت بالغرائب والخُرافات والأساطير، وحكايات الخوارق. وعندما
يدلهمُّ الأُفق وتأخذه الحيرة من كل سبيل يرفع صوته: يا أشباح الزمن
الماضي، من عُمق القرن السادس قبل الميلاد. صوت من زمن المِحنة يدعوكم،
فاستمعوا له، شبح يتشبث بالصدق وبالحكمة في عصر الكذب الشائن والغدر
الخائِن، يرجو أن يتحاور معكم، أن يسألكم وتجيبوه. وتتزاحم الأشباح
وترتفع الأصوات. السبعة صاروا سبعةَ عشر وأكثر، والحيرة تزداد عليه
فيهتف:
المؤرخ
:
عِشتم مثلي في زمن المحنة، والمِحنة عاناها الشعر وقاسَتْها
الكلمة. في العقود الأولى من قرنكم السادس، كانت أصوات الشعراء
ما تزال عالية شجية: «سافو» و«ألكايوس» من جزيرة «لسبوس»،
«سيمونيدس» و«ميمنيرموس» من «أيونيا»، «صولون» الشاعر
والمشرِّع الشهير من أثينا. لكن لا بدَّ أنهم قد ماتوا جميعًا
قبل انتصافِ القرن، ولم يخلفهم أحد، ولا بدَّ أن الجيل الذي
تلاهم قد خبَتْ فيه نار الشِّعر، وخرست قيثارُه، حتى حلَّت سنة
٥٣٠، فانطلقت شرارته المقدَّسة من جديد. هذا الجيل المُجدِب هو
الذي ازدهرت فيه حكمتكم، حكمتكم التي لم تكُنْ شعرًا ولا
فلسفة، بل تجسيدًا للفِطنة والخِبرة والتَّجرِبة
العملية.
الحكماء
:
تتسرَّع في توجيه التُّهمة، وتضن علينا بالحكمة، مع أنَّا
منذ القِدَم نُسمَّى الحكماء.
المؤرخ
:
معذرةً، أنا لا أتَّهم ولا أدافِع، بل أتلمَّس آثار الحكمة،
أو أبكي فوق الأطلال. ما ذنبي إذا كان عصري هو عصر سقوط القيم،
وزمَني ضاعت فيه الحكمة والعقل؟ ما ذنبي إن كانت كتب التاريخ
تمجِّدكم أحيانًا، أو تبخل في أحيانٍ أخرى فتسميكم الرجال
الأذكياء؟ هلَّا أجبتم على سؤالي؟
الحكماء
:
لا ندري كيف نردُّ عليك! ربما لأن الواقع العملي في أيامنا
بدأ يفرِض سلطانه فازدرى الشعر، واستصغرَ شأن الكلمة، وأخذ
يولِّي وجهه شطر حقائق الحياة.
المؤرخ
:
ربي! هذا ما نَلْقاه الآن.
الحكماء
:
أتدين زمانك وزماني؟
المؤرخ
:
لا لا، بل أهمس من عَجْز لساني وجناني. أكمِلْ قولك.
الحكماء
:
أو لأن العاطفة الدينية شطَّت في التعليق، حتى تاهت وسقطت في
الهاوية العميقة التي تستَعْصي على العِبارة والخِطاب.
المؤرخ
:
مهما يكن الأمر؛ فقد راجتْ حِكمتكم.
الحكماء
:
حكمتنا؟ ها أنت تعود إلى الحق. لقد تناقلَتْها الأفواه، فلم
تكن بحاجة إلى التدوين، اللهم إلا على أحجار «أوستيا»١ أو على جدران معبد «دلف». ولهذا ليس عجيبًا أن
ينسبها الإغريق إلى الإله أبوللو، أو إلى جِني بحري حكيم كانوا
يدعونه عجوز البحر الإلهي.
المؤرخ
:
معنى هذا أنها وُجدت قبل وجودكم؟ انتظروا … لقد وردتْ في
اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجاميش البابلية سيرة سبعة حكماء
أسَّسوا مدينة أوروك، كما تلقى حكماء الهند السبعة الذين يسمون
«الريشي» الحكمة وفنَّ الغناء من الآلهة، ووضع شاعركم
«هوميروس» مجلس حكماء سبعة تحت تصرف «أجاممنون»
و«برياموس».٢ حكمتكم أقدم مما أتصوَّر أقدم مما كنت
أقدر.
الحكماء
:
ولكن لم يتأكد صِدقها إلا بنِسبتها إلينا. نحن الذين كافحنا
وأسَّسنا، وتجوَّلْنا فوق الأرض الغانية بدمِنا
ولَحْمنا.
المؤرخ
:
ورُفعتم لمصافِّ الأبطال، ونُسجتْ حولَكم الحكايات
والخُرافات.
الحكماء
:
هل يقع الذنب علينا؟ كنَّا بشرًا مثل البشر، صمدنا لأعاصير
الزمن القلقة، أعلينا بناء حياتنا وحياتنا وحياة شعوبنا؟
أتلُومنا؛ لأن الناس جلَّلت رءُوسنا بغار الحكمة الذي بخلت به
على رءوس الشعراء، أم لأن الأفكار العظيمة لا يصدقها الناس حتى
ينسبوها إلى عظيم حقِّها في الواقع؟ أم لأن الحكايات والخرافات
والأساطير عادةً ما تُغزَل خيوطها بعد موت أبطالها؟٣ أوَلا يكفينا أن حِكمتنا راجت؟!
المؤرخ
:
بل ما زالت رائجة وعلى كل لِسان، انتشرتْ بين الأمم وفي
مختلف الأزمان.
الحكماء
:
حِكْمتنا راجتْ في قرن سكتَتْ فيه أوتار الشِّعر.
المؤرخ
:
وبدأت تزدهر شجَرة الفلسفة.
الحكماء
:
الفلسفة؟
المؤرخ
:
صفة أخرى للحكمة … ولحُب الحكمة … كان من الممكن ألَّا تبدأ
لولاكم. كان من الممكن ألَّا تزدهرَ الشجرة لولا
البذرة.
الحكماء
:
والبذرة ألقيناها في التربة. هل ما زلتَ تضنُّ علينا؟
المؤرخ
:
لست أضنُّ عليكم بالحكمة، لستُ بخيلًا باسم الحكماء. لكنَّ
التاريخ يحيِّرني وتحيرني الأسماء، حتى العدد اختلفت فيه
الآراء.
الحكماء
:
هذا ليس جديدًا. من منتصف القرن السادس قالوا: سبعة. زادوا
العدَد، فقالوا: سبعة عشر حكيمًا … ليس جديدًا ما نسمَعُه
منك.
المؤرخ
:
بل ما تشهد به الوثائق أو تشهد عليه. مع ذلك تتردَّد فيها
أربعة أسماء. صولون المشرِّع.
صولون
:
والشاعر أيضًا، لا تنسَ.
المؤرخ
:
كيف لأحدٍ أن ينساك؟ الشك يحيط بأخبار الحكماء الستَّة. أما
أنت فرأس الجبل يطل على تاريخ اليونان.
صولون
:
رأس الجبل؟ كلامك هذا يُضحكني … مع أن الكاهن العجوز في مصر
قال لي: يا صولون، يا صولون، ستبقون على الدوام أطفالًا أيها
الإغريق؛ إذ لا يوجد شيخ إغريقي.
المؤرخ
:
تلك رواية أفلاطون.٤ لكن حفظ التاريخ لنا أشعارًا منك.
صولون
:
هل تذكرون مرثيتي التي بدَأْتها بهذه السطور:
الآن عرفت الأمر،
والألم عميق في أعماق الصدر،
وأنا أشهد أكبر أبناء أبوَينا ينهار ويُدحر.
المؤرخ
:
هكذا بدأتها بعد أن اشتدَّ النزاع في الدولة، واستَعْبدَت
الأقليةُ أغلبيةَ المواطنين، وثار الشعب على الأغنياء
والأعيان. احتدم الصراع بينهما وطال، وانتخبوك رئيسًا وقاضيًا
يفصِل بينهم، وكلَّفوك بتدبير نظامهم ووضع دستورهم. كنت حكيمًا
ورحيمًا، لم تؤثِر أيَّ الحزبين على الآخر، فوقفت في صفِّهما،
ونصحتهما بالصلح ووقف الصراع. كان الكل يجلُّك ويقدِّر موهبتك،
مع أنك لم تكن أغناهم أو أرفعَهم في المنصِب والجاه. ورحت
تحذِّر الأغنياء من الترَف والتطرُّف، وتنصحهم بالتواضع
والاعتدال، وتُلقي الذنب عليهم وعلى تكبُّرهم وجشعهم إلى المال
فيما حاق بالمدينة من خَراب. اسمع شهادة حكيم آخر بعدك: حرر
صولون الشعب في الحاضر والمستقبل، عندما حرَّم اقتراض المال في
مقابل رهن الجسد، وضع القوانين، وأصدر تشريعًا بالإعفاء من
الديون العامة والخاصة أو بنفض الأعباء.٥
المؤرخ
:
ويذكرنا هذا باسم آخر.
بيتاكوس
:
«بیتاكوس» من ميتيلينه. سموني الطاغية، وكنت رحيمًا
بالأوغاد.
صولون
:
طاغية ورحيم! … حقًّا ما أغرب هذا!
بيتاكوس
:
وما وجه الغرابة يا صولون؟ أنت نفسك سمعتَ عني كما سمعت
كلمتي.
صولون
:
لما بلغني قولك «من الصَّعْب أن يكون المرءُ طيبًا»، أعجبتني
حكمتك، وقلت: «ومن الصعب أن يكون جميلًا.»
بیتاكوس
:
وهل عرفت متى قلتها أو كيف؟ لقد رأيتُ أعدائي يتكاثرون،
ولاحظت الكراهية في عيون الشعب الذي أنصفته وكافأته؛ لكي أرفعه
من وهدة بؤسه، وفي ضمائر الأغنياء والنبلاء الذين قلِّمت
مخالبهم من أجله. ونفَيت بعضهم من المدينة، فأخذوا يهددونني
ويتآمرون على قتلي. واشتدَّ بي اليأس، فذهبت إلى معبد الإله،
وتوسلت أمام المذبح أن يحرِّرني من السلطة.
المؤرخ
:
نعم، نعم. أدركت صعوبة أن يكون الإنسان طيِّبًا في عالم
شریر.
أدركت بأن الحاكم مهما فعَل يظل كريهًا مكروهًا … فالأغنياء،
كرِهُوك؛ لأنك وقفت بجانب الشعب وانحدرت من صلبه. والشعب كرِهك؛ لأنك
كنت فقيرًا مثله، وجلست على كرسي الحكم.
وردَّد الجميع أغنية تسخر منك:
اطْحَني أيَّتُها الطاحونة اطْحني؛
فقد كان «بيتاكوس» نفسه يطحَن،
بیتاكوس الملك في ميتيلينه العظيمة.
طاليس
:
سمعت الأغنية بنفسي، لما زرت جزيرة «لسبوس»، وتوقفت بقرية
«أريسوس».
بيتاكوس
:
هل سمعت كذلك أناشيد الحِقد والهِجاء التي أطلقها الشاعر
«ألكايوس» وعصابته؟ أنا لم أكرهه ولم أكرَهْ شعره. تمنَّيت أن
يضع يده في يدي، ويساعدني مع غيره من النبلاء على النهوض
بالمدينة، لكنهم أنكروا عدلي وشجاعتي التي اعترف بها الإغريق
في كل مكان. لم يغتفروا لي أبدًا أنني تزوَّجت امرأة من
طبقتهم، هي ابنة «دراكون» ومن نسل الأتريديين. وأخذ الشاعر
الحقود يعيِّرني بقدمي المفلطحة التي كنت أجرُّها بصعوبة،
ويصفني بالدعي والمتَّسخ والمبطون، بل أشاع أنني أوفِّر ضوء
المصباح وسماني ملتهم الظلمات.
المؤرخ
:
ولهذا نفيته عن المدينة، ولم ينقطع هجاؤه ولا دعواته للآلهة
الأقوياء بأن يخلِّصوه من محنة المنفى ومرارته، ويُطلقوا
ربَّات القصاص عليك، ويعينوه وعصبته على قتلك بالسيف، وتحرير
الشعب من آلامه ومخاوفه، زاعمين أنك حنَثْت بالقسم الذي
قطَعْته على نفسك، وابتلعتَ المدينة في جَوْفك.
بيتاكوس
:
ومع أني عفَوْت عنهم بعد القبض عليهم … فلم يرْحَمني التاريخ
من وَصْمة الطغيان.
المؤرخ
:
ولا رَحِمك المؤرخون … فاللقب ارتبطَ باسمك في كل المأثورات.
أما «بیاس» القاضي من آسيا الصغرى؛ فقد سخا عليه الزمن بلقب
«الحكيم».
بیاس
:
معلم الناس أشرار، هذا ما قلته. لما حاصر «ألياتيس» ملك
الليديين مدينتنا «بريينه»، أصدرت الأمر بأن يُعلف بغلان إلى
حدِّ التخمة، ويُساقا إلى معسكر الأعداء. وفزِع الملك حين
رآهما، وعرَف أن لدينا من مخزون الغلَّة ما يكفي حتى
الحيوانات؛ ولهذا بعث إلينا رسولًا يطلب السِّلم
والسلام.
المؤرخ
:
وكيف لفظت الأنفاس؟
بیاس
:
اسمع يا ولدي. لما شِخت وطَعَنتْ بي السن استُدعيت للشهادة
أمام المحكمة. وتكلمت وأبرَأْت المظلوم من التُّهمة. وانطلق
محامي الخصم، وأخذ يدافع عنه فسئِمت، وأمَلْت الرأس على حِجْر
حفيدي حتى نِمْت … هل بلَغك يا ولدي ما فَعلُوه
بالمظلوم؟
المؤرخ
:
برَّأه القضاة من التهمة، ثم وجدوك ميِّتًا على حِجر
حفيدك.
بياس
:
حمدًا للآلهة؛ فقد صدق كذلك ما قلته: «إن أردت أن تقيم في
مدينة؛ فكن طيبًا مع جميع المواطنين.»٦
المؤرخ
:
كلمة بليغة من رجل خلَّدَته البلاغة … والاسم الرابع هو
«طاليس الملطي».
طاليس
:
أول من نقَّى الحكمة من سُحب الأسطورة وضَباب الغَيْب، أول
من سأل سؤال العقل عن المبدأ والأصل وقال: …
المؤرخ
:
«أصل جميع الأشياء هو الماء، بالآلهة امتلأَتْ كل
الأشياء.»
طالیس
:
وكذلك قلت: «اعرف نفسك.»
المؤرخ
:
أأنت القائل، أم نُقِشت قبلك فوق جدار المعبد في «دلف»؟ ما
أعمقها كلمة! لكن تتنازعها الأسماء.
بیریاندر
:
أي جحود هذا؟ كيف نسيتُم اسمي؟
الحكماء
:
مهلًا يا «برياندر»! هل يُنسى الطاغية القاسي من «كورنثة»؟
مَن بلغ الذروة في القسوة؛ ولهذا احتاج إلى الحرَس
الخاص؟
المؤرخ
:
وكان قوامُه ثلاثمائة من حمَلَة الدروع والحِراب.
بیریاندر
:
أتذكرون صرامتي وتنسَون عَدْلي؟ لقد حرَّمت على المواطنين أن
يكون لهم عبيد. نهَيتُهم عن تبديد الوقت في اللَّهو والفراغ،
وأوجدتُ لكل منهم عملًا. أعلنت الحرب على الترَف وعاقبت
المتسكِّعين في الأسواق. لم أثقِل على الناس بالضرائب،
واكتفيتُ بما نحصله من السوق والميناء. وزَّعت أراضي النُّبلاء
على الفقراء. لم أتخطَّ حدود العدل، ولم أتعدَّ على إنسان،
وكرِهت الشرَّ وألقيت القوادات بِقَاع البحر! أنسيتم كيف
صالحتُ بين أهل «ميتيلينه» (تحت قيادة بيتاكوس)، وأهل «أثينا»
(تحت زعامة فرينون)، عندما تصارَعا على ملكية «سيبايون»، ففصلت
بينهم بالحق، واحتفَظ كلٌّ منهم بما كان يملكه؟ لقد ازدهرت في
عهدي التجارة والحضارة. يكفي أن الشاعر «أريون» كان
صديقي!
المؤرخ
:
«أريون الميثميني» من أهالي «لسبوس»؟ من تمت في عهدك
معجزتُه؟ أشجى الأصوات غناءً فوق القيثار، وأول من أنشد شعر
«الديثيرامب» وسمَّاه، وقدَّم جوقته فوق المسرح في «كورنثة»؟
لا لن ينساك التاريخ ولن ينساه. لن ينسی معجزته التي رواها
علينا أبو التاريخ إذ استقلَّ مركبًا كان عليها قراصنة ولصوص،
تآمروا عليه عندما ظنُّوه يُخفي الكنوز، مع أنه لم يكن يملك
إلا قیثارَه! وانطلق يغني؛ علَّ غناء الشاعر يسكت فيهم نزَعات
الشر. جاء الدلفین صديق الإنسان على صوت غنائه، وسرعان ما ألقى
الشاعر بنفسه على ظهره، فحمله إلى البر، ورسا به على رأس
تانياروس.
المؤرخ
:
لا لم ينسَ التاريخ … وكذلك يذكر قولك: «كل شيء يرجع إلى
المران.» لكن سؤالًا يحضرني الآن.
خيلون
:
قبل سؤالك، هل يمكن أن تهمل اسمي؟ أم تهمل تحذيري: «إن ضمنت
غيرك حلت بك المصائب»؟ أو لم يَبْنِ أهالي أسبرطة لي المعبدَ
في الطريق من المغزل إلى أبواب المدينة؟
المؤرخ
:
وهناك قدسوك ورفَعوا ذكر البطل الخالد … لكن أرجع لسؤالي: لم
آثرتم هذا الكلم الموجز؟٧
الحكماء
:
من يستصغر شأن الكلمة يَقتصد في استعمالها. كانت أيامنا توجب
العمَل وحسم القرار؛ ولهذا بقِيَت كلماتنا القليلة قواعد
لهداية الحياة، تحذيرات من الوقوع في الأوهام الساذجة، والتسرع
في الثقة بالناس، نصائح باللجوء إلى التحفُّظ والحرص والاعتدال
والتزام الحَدِّ.
المؤرخ
:
لكن بالَغْتم في الإيجاز. يكفي أن يروي الشاعر «ألكايوس» هذه
الكلمة التي يقولها على لسان «أريستوداموس» الذي ضُم إليكم في
العصور المتأخرة: «الرجل – المال»،٨ وأن يضيف الشاعر «يندار» وكأنه يشرحها: قال هذا
عندما اختفى أصدقاؤه مع اختفاء أملاكه … يكفي أيضًا أن تُقرأ
كلمات أخرى توحي بتشكُّكِكُم في الإنسان، ورؤيتكم للوجه الشائه
خلف قناع البُهتان: «لا تتطرف في شيء»، «صعب على المرء أن يكون
طيبًا»، «الحَدُّ هو الأفضل»، «أغلب الناس أشرار».
الحكماء
:
هل آمنت بما قلناه؟ هل صدَّقت الحكماء؟
المؤرخ
:
بل صدقت الأيام الصعبة والأرزاء. مع ذلك، فالحكمة أوسع من
هذا.
الحكماء
:
لم تكن الحكمة في أيام المحنة شيئًا يختص به الشعراء أو
الحكماء. كانت مِلْك الشعب العامل والفقراء. فالنجار البارع
يبني سقفًا يصمُد للعاصفة، فيصبح أحد الحكماء … وكذلك شأن
الحوذي، أو الخباز، أو الملاح، أو الشاعر والفنان … هل ما زلت
تسيء الظن، توازن بين الآراء؟
المؤرخ
:
الحكمة والحيرة صنوان.
الحكماء
:
فانظر في الأوراق وراجع. وابدأ قصَّتنا بالقول المحكم والكلم
الرائع. قد يقطع ذلك شكَّك، ويُزيل الحيرة.
المؤرخ
:
أو ينفع جيلًا قد بِیعت فيه الكلمة بفُتات زائل، والحكمة
صُرعت بسهام الخسَّة والغَدْر القاتل.
الحكماء
:
ولهذا تبقى الحكمة …
المؤرخ
:
في جوف الكتب المنسيَّة.
الحكماء
:
أو أعماق القلب … ابدأ يا ولدي … أسمِع جيلًا يفتقر لحب
الحكمة.
المؤرخ
:
أو يفتقر إلى الحُب.